الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
31 - بَابُ: حُسْنُ إِسْلَامِ الْمَرْءِ
41 -
قَالَ مَالِكٌ: أَخْبَرَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، أَنَّ عَطَاءَ بْنَ يَسَارٍ، أَخْبَرَهُ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ يُكَفِّرُ اللَّهُ عَنْهُ كُلَّ سَيِّئَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا، وَكَانَ بَعْدَ ذَلِكَ الْقِصَاصُ، الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَالسَّيِّئَةُ بِمِثْلِهَا إِلَّا أَنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا".
قوله: (قَالَ مالك) هكذا ذكره معلقًا ولَم يوصله في موضع آخر من هذا الكتاب، وقد وصله أبو ذر الهروي في روايته للصحيح فقال عقبه: أناه النضروي هو العباس بن الفضل، قَالَ: حَدَّثَنا الحسين بن إدريس، قَالَ: حَدَّثَنا هشام بن خالد، حَدَّثنَا الوليد بن مُسْلِم، عن مالك به.
وكذا وصله النّسَائي من رواية الوليد بن مُسْلِم: حَدَّثَنا مالك (1)، فذكره أتم مِما هُنَا كما سيأتي، وكذا وصله الحسن بن سُفْيَان من طريق عبد الله بن نافع، والبزار من طريق إسحاق الفَروي، والإسماعيلي من طريق عبد الله بن وهب، والبيهقي في "الشُعَب" من طريق إسماعيل بن أبي أويس (2): كلهم عن مالك.
وأخرجه الدَّارقطني [82 / ب] من طريق أخرى عن مالك، وذكر أن مَعْن بن عيسى رَوَاهُ عن مالك فقال: عن أبي هريرة بدل أبي سعيد، وروايته شاذة.
وَرَوَاهُ سُفْيَان بن عُيَيْنة، عن زيد بن أَسْلَم، عن عطاء مرسلًا، رُوِّينَاه في "الخُلعيات"، وقد حفظ مالك الوصل فيه، وهو أتقنُ لِحديث أهل المدينة من غيره، وَقَالَ الخطيب: هو حديثٌ ثابت، وذكر البزار أن مالكًا تفرد بوصله.
(1) أخرجه النّسَائي في "السنن الكبرى"(كتاب الإيمان وشرائعه، باب: حسن إسلام المرء)(6/ 530)، وفي "المجتبى" في نفس الكتاب والباب (8/ 105).
(2)
"شعب الإيمان"(باب الدليل عَلى أن الإيمان والإسلام عَلى الإطلاق عبارتان عن دين واحد)(1/ 58).
قوله: (إذا أسلم العبدُ) هذا الحكم يشترك فِيه الرجال والنساء، وذكره بلفظ المذكر تغليبًا.
قوله: (فحسن إسلامه) أي: صار إسلامه حسنًا باعتقاده وإخلاصه، ودخوله فيه بالباطن والظاهر.
قوله: (يكفر الله) هو بضم الراء؛ لأن (إذا) وإن كانت [من](1) أدوات الشرط لكنها لا تَجزم، واستعمل الجواب مضارعًا وإن كَانَ الشرط بلفظ الماضي لكنه بمعنى المستقبل، وفِي رواية البزار:"كَفَّر الله" فواخى بينهما.
قوله: (كَانَ أزلفها) كذا لأبي ذر، ولغيره:"زلفها"، وهي بتخفيف اللام كما ضبطه صاحب المشارق، وَقَالَ النووي بالتشديد، وَرَوَاهُ الدارقطني من طريق طلحة بن يحيى، عن مالك بلفظ:"ما من عبد يُسْلِم فيحسن إسلامه إلا كتَبَ اللهُ لَهُ كل حسنة زلفها ومَحَا عنه كل خطيئة زلفها" بالتخفيف فيهما، وللنسائي نَحوه لكن قَالَ:"أزلفها"(2).
وزلَّف بالتشديد وأَزْلَفَ بِمعنى واحد، أي: أسلف وقدم، قاله الخطابي، وَقَالَ في "المحكم": أَزْلَف الشيء: قربه، وَزَلْف مُخففًا ومثقلًا: قدمه، وفي "الجامع": الزلفة يكون في الخير والشر، وَقَالَ في "المشارق": زلف بالتخفيف أي: جَمع وكسب، وهذا يشمل الأمرين، وأما القربة فلا تكون إلا في الخير. فعلى هذا يترجح رواية غير أبي ذر، لكن منقول الخطابي يساعدها، وقد ثبت في جَميع الروايات ما سقط من رواية البُخَاريّ وهو: كتابة الحسنات المتقدمة قبل الإسلام.
وقوله: (كتب الله) أي: أمر أن يُكتب، وللدارقطني من طريق زيد بن شعيب، عن مالك بلفظ:"يقول الله لِملائكته: اكتبوا"، فقيل: إن المصنف أسقطَ ما زاد غيره عمدًا؛ ولأنه مشكل عَلى القواعد.
(1) سقطت من الأصل، وزدناها من "الفتح".
(2)
"السنن الكبرى"(كتاب الإيمان وشرائعه، باب: حسن إسلام المرء)(6/ 530)، وفي "المجتبى" في نفس الكتاب والباب (8/ 105).
قَالَ المازري: الكافر لا يصح منه التقرب؛ فلا يثاب عَلى العمل الصالِح الصادر منه [83 / أ] في شركه؛ لأنه من شرط المتقرب أن يكون عارفًا بمن يتقرب إليه، والكافر ليس كذلك، وتابعه القاضي عِيَاض عَلى تقرير هذا الإشكال، واستضعف ذَلِكَ النووي فقال: الصواب الذِي عليه المحققون -بل نقل بعضهم فيه الإجْمَاع- أن الكافر إذا فعل أفعالًا جَميلة كالصدقة وصلة الرحم ثم أسلم ومات عَلى الإسلام أن ثواب ذَلِكَ يُكتب له، وأما دعوى أنه مُخالف للقواعد فغير مُسَلَّم؛ لأنه قد يُعْتَدُّ ببعض أفعال الكافر في الدُّنْيَا ككفارة الظهار، فإنه لا يلزمه إعادتها إذا أسلم وتجزئه. انتهى
والْحَق: أنه لا يلزمه من كتابة الثواب للمسلم في حال إسلامه تفضلًا من الله وإحسانًا أن يكون ذلكَ لكون عمله الصادر منه في الكفر مقبولًا، والحديث إنّما يتضمن كتابة الثواب، ولم يتعرض للقبول، ويحتمل أن يكون القبول مُعلقًا عَلى إسلامه فيقبل ويثاب إن أسلم وإلا فلا.
وقد جزم بِما جزم به النووي: إبراهيم الحربي، وابن بَطَّال وغيرهما من القدماء، والقرطبي وابن المنير من المتأخرين.
قَالَ ابن المنير: المخالف للقواعد دعوى أنه يكتب له ذَلِكَ في حال كفره، وأما أن الله يضيف إلَى حسناته في الإسلام ثواب ما كَانَ صدر منه مِما كَانَ يظنه خيرًا فلا مانع منه، كما لو تفضل عليه ابتداءً من غير عمل، وكما يتفضل عَلى العاجز بثواب ما كَانَ يعمل وهو قادر، فإذا جاز أن يكتب له ثواب ما لَم يعمل ألبتة جاز أن يكتب له ثواب ما عمله غير موفى الشرط، وَقَالَ ابن بَطَّال: لله أن يتفضل عَلى عباده بِما شاء ولا اعتراض عليه.
قوله: (وكان بعد ذَلِكَ القصاص) أي: كتابة المجازاة في الدُّنْيَا، وهو مرفوع بأنه اسم كَانَ، ويَجوز أن تكون "كَانَ" تامة، وعَبَّر بالماضي لتحقق الوقوع فكأنه وقع، كقوله تعالَى:{وَنَادَى أَصْحَابُ الْجَنَّةِ} [الأعراف: 44].
وقوله: (الحسنة) مبتدأ.
و(بعشر) الخبر، والجملة استئنافية.
وقوله: (إلَى سبعمائة) متعلق بتقدير أي: منتهية.
وحكى الماوردي أن بعض العلماء أخذ بظاهر هذه الغاية؛ فزعم أن التضعيف لا يتجاوز سبعمائة، ورد عليه بقوله تعالَى:{وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 261]. والآية محتملة [83 / ب] الأمرين، فيحتمل أن يكون المراد أنه يُضاعف تلك المضاعفة بأن يَجعلها سبعمائة، ويحتمل أن يضاعف السبعمائة بأن يزيد عليها، والمُصَرَّح بالرد عليه حديث ابن عباس المُخَرَّج عند المصنف في الرقاق ولفظه:"كتب الله له عشر حسنات إلَى سبعمائة ضعف إلَى أضعاف كثيرة"(1).
قوله: (إلا أن يتجاوز الله عنها) زاد سمويه في "فوائده": "إلا أن يعفو الله وهو الغفور".
وفيه دليل عَلى الخوارج وغيرهم من المكفرين بالذنوب والموجبين بخلود المذنبين في النار، فأول الحديث يرد عَلى من أنكرَ الزيادة والنقص في الإيمان؛ لأن الحُسْن تتفاوت درجاته، وآخره يرد عَلى الخوارج والمعتزلة.
(1)"صحيح البخاري"(كتاب الرقاق، باب: من هَمَّ بِحسنة أو بسيئة) برقم (6491).
42 -
حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِذَا أَحْسَنَ أَحَدُكُمْ إِسْلَامَهُ، فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ، وَكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ لَهُ بِمِثْلِهَا".
قوله: (عن هَمَّام) هو: ابن منبه، وهذا الحديث من نسخته المشهورة المروية بإسناد واحد عن عبد الرزاق، عن مَعْمَر عنه.
وقد اختلف العلماء في إفراد حديث من نسخة هل يساق بإسنادها ولو لَم يكن مبتدأ به أو لا؟ فالجمهور عَلى الجواز ومنهم البُخَاريّ، وقد يمتنع، وقيل: يبدأ أبدًا بأول حديث ويذكر معه ما أراد، وتوسط مُسْلِم فأتى بلفظ يشعر بأن المفرد من جملة النسخة فيقول في مثل هذا إذا انتهى الإسناد: فذكر أحاديث منها كذا، ثم يذكر أي حديث أراد منها.
قوله: (إذا أحسن أحدكم إسلامه) كذا له ولمسلم وغيرهما (1)، ولإسحاق بن راهويه في "مسنده"، عن عبد الرزاق:"إذا حَسُنَ إسلام أحدكم"، وكأنه رَوَاهُ بالمعنى؛ لأنه من لازمه، رَوَاهُ الإسماعيلي من طريق ابن المبارك، عن معمر كالأول، والخطاب "بأحدكم" بِحسب اللفظ للحاضرين، لكن الحكم عام لَهم ولغيرهم باتفاق وإن حصل التنازع في كيفية التناول: أهي بالحقيقة اللغوية أو الشرعية أو بالمجاز؟
قوله: (فكل حسنة) ينبئ أن اللام في قوله في الحديث الذِي قبله: "الحسنة بعشر أمثالها" للاستغراق.
قوله: (بمثلها) زاد مُسْلِم، وإسحاق، وإسماعيل في روايتهم:"حَتَّى يلقى الله عز وجل"(2).
(1) أخرجه مُسْلِم في "صحيحه"(كتاب الإيمان، باب: إذا هَمَّ العبد بِحسنة كتبت وإذا هَمَّ بسيئة لَم تُكتب) برقم (129)، وَأحْمَد في "المسند"(2/ 317).
(2)
أخرجه مُسْلِم في "صحيحه"(كتاب الإيمان، باب: إذا هَمَّ العبد بِحسنة كتبت وإذا هَمَّ بسيئة لَم تُكتب) برقم (129).