الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
2 - باب: دُعَاؤُكُمْ إِيمَانُكُمْ
8 -
حَدَّثنَا عُبَيْدُ الله بْنُ مُوسَى، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ عِكْرِمَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم: "بُنيَ الإِسْلام عَلَى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلا الله وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ، وَإيِتَاءِ الزَّكَاةِ، وَالْحَجِّ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ".
قوله: (دعاؤكم إيمانكم).
قَالَ النووي: يقع في كثير من النسخ هنا باب، وهو غلط فاحش، وصوابه حذفه، ولا يصح إدخال باب هنا؛ إذ لا تعلق له هنا.
قُلْتُ: ثبت باب في كثير من الروايات المتصلة، منها رواية أبي ذر، ويُمكن توجيهه، لكن قَالَ الكرماني إنه وقف عَلى نسخة مسموعة عَلى الفَربري بحذفه، وَعَلى هذا فقوله:"دعاؤكم إيمانكم" من قول ابن عباس، وعطفه عَلى ما قبله كعادته في حذف أداة العطف حيث ينقل التفسير، وقد وصله ابن جرير من قول ابن عباس، قَالَ في قوله:{مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77]، قَالَ: يقول: لولا إيمانكم.
أخبر الله الكفار أنه لا يعبأ بهم، ولولا إيمان المؤمنيِن لم يعبأ بهم أيضًا، ووجه الدلالة للمصنف: أن الدعاء عمل، وقد أطلقه عَلى الإيمان، فيصبح إطلاق أن الإيمان عمل، وهذا تفسير ابن عباس.
وَقَالَ غيره: الدعاء هنا مصدر مضاف إلَى المفعول، والمراد: دعاء الرسول الخلق إلَى الإيمان، فالمعنى: ليس لكم عند الله إلا أن يدعوكم الرسول فيؤمن من آمن ويكفر من كفر، فقد كذبتم أنتم فسوف يكون العذاب لازمًا لكم.
قوله: (حنظلة بن أبي سفيان).
هو قرشي مكي، من ذرية صفوان بن أمية الجُمَحي.
و (عكرمة بن خالد) هو ابن سعيد بن العاصي بن هشام بن المغيرة المخزومي، [وهو ثقة متفق عليه، وفِي طبقته عكرمة بن خالد بن سلمة بن هشام بن المغيرة المخزومي](1)، وهو ضعيف ولم يُخرج له البخاري، نبهت عليه لشدة التباسه، ويفترقان بشيوخهما، ولم يرو الضعيف عن ابن عمر.
زاد مُسْلِم في روايته عن حنظلة قَالَ: سمعتُ عكرمة بن خالد يحدث طاووسًا أن رجلا قالَ لعبد الله بن عمر: ألا تغزو؟ ! فقال: إني سمعتُ. . . فذكره الحديث (2).
* فائدة:
اسم الرجل السائل حكيم، ذكره البيهقي.
قوله: (عَلى خَمس) أي: دعائم، صَرَّحَ به عبد الرزاق في روايته (3)، وفي رواية لمسلم:"عَلى خَمسة"(4)؛ أي: أركان.
فإن قيل: الأربعة المذكورة مبنية عَلى الشهادة؛ إذ لا يصح شيء منها إلا بعد وجودها، فكيف يضم مبني إلَى مبني عليه في مسمى واحد؟
أجيب: بأن المجموع غير من حيث الانفراد، عين من حيث الجمع، ومثاله البيت من الشّعْر [48/ ب] يجعل عَلى خَمسة أعمدة: أحدها أوسط والبقية أركان، فمادام الأوسط قائمًا فمسمى البيت موجودًا، ولو سقط مهما سقط من الأركان، فإذا سقط الأوسط سقط مسمى البيت، فالبيت بالنظر إلَى مجموعه شيء واحد، وبالنظر إلَى أفراده أشياء، وأيضًا فبالنظر إلَى أُسِّه وأركانه، الأُسُّ أصل، والأركان تبع وتكملة.
* تنبيهات:
أحدها: لم يذكر الجهاد لأنه فرض كفاية، ولا يتعين إلا في بعض الأحوال، ولهذا جعله ابن عمر جواب السائل، وزاد في رواية عند عبد الرزاق في آخره: "وإن
(1) سقط من الأصل، واستدركناه من "الفتح".
(2)
"صحيح مُسْلِم"(كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام) برقم (16).
(3)
"مصنف عبد الرزاق"(3/ 125)، (5/ 173).
(4)
"صحيح مُسْلِم"(كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام ودعائمه العظام) برقم (16).
الجهاد من العمل الحسن" (1).
وأغرب ابن بطال فزعم أن هذا الحديث كَانَ أول الإسلام قبل فرض الجهاد، وفيه نظر، بل هو خطأ؛ لأن فرض الجهاد كَانَ قبل وقعة بدر، وبدر كانت في رمضان في السنة الثانية، وفيها فرض الصيام والزكاة بعد ذلكَ، والحج بعد ذَلِكَ عَلى الصحيح.
ثانيها: قوله: "شهادة أن لا إله إلا الله" وما بعدها مخفوض عَلى البدل من "خمس"، ويجوز الرفع عَلى حذف الخبر، والتقدير: منها شهادة أن لا إله إلا الله، أو عَلى حذف المبتدأ والتقدير: أحدها شهادة أن لا إله إلا الله.
فإن قيل: لم يذكر الإيمان بالأنبياء والملائكة [و](2) غير ذَلِكَ مما تضمنه سؤال جبريل.
أجيب: بأن المراد بالشهادة تصديق الرسول فيما جاء به، فيستلزم جَميع ما ذكر من المعتقدات. وَقَالَ الإسماعيلي ما مُحصله: هو من باب تسمية الشيء ببعضه، كما تقول: قرأتُ الحمد، وتريد جميع الفاتحة، وكذا تقول مثلًا: شهدت برسالة مُحَمَّد، وتريد جَميع ما ذكر، والله أعلم.
ثالثها: المراد بـ"إقام الصلاة": المداومة عليها، أو مُطلق الإتيان بها، والمراد بـ"إيتاء الزكاة": إخراج جزء من المال عَلى وجهٍ مَخصوص.
رابعها: اشترط ابن البَاقِلاني في صحة الإسلام تقدم الإقرار بالتوحيد عَلى الرسالة، ولم يُتَابع، مع أنه إذا دقق فيه بَانَ وجهه، ويزداد اتجاهًا إذا فرقها، فليُتَأمل.
خامسها: يُستفاد منه تخصيص عموم مفهوم السنة بخصوص منطوق القرآن؛ لأن عموم الحديث يقتضي صحة إسلام من باشر ما ذكر، ومفهومه أن من لم يباشره لا يصح [49/ أ] منه، وهذا العموم مَخصوص بقوله تعالَى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ} [الطور: 21] عَلى ما تقرر في موضعه.
(1)"مصنف عبد الرزاق"(3/ 125)، (5/ 173).
(2)
سقطت من الأصل، وأثبتناها من "الفتح".
سادسها: وقع هنا تقديم الحج عَلى الصوم، وعليه بنى البُخَاريّ ترتيبه، لكن وقع في مُسْلِم من رواية سعد بن عُبَيدة، عن ابن عمر بتقديم الصوم عَلى الحج، قَالَ:"فقال رجل: والحج وصيام رمضان، فقال ابن عمر: لا، صيام رمضان والحج، هكذا سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم"(1). انتهى
ففي هذا إشعار بأن رواية حنظلة الَّتِي في البُخَاريّ مروية بالمعنى إما لأنه لم يسمع رد ابن عمر عَلى الرجل لتعدد المجلس، أو حضر ذَلِكَ ثم نسيه.
ويبعد ما جوَّزه بعضهم أن يكون ابن عمر سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم عَلى الوجهين ونسي أحدهما عند رده عَلى الرجل، ووجه بُعْده: أن تطرق النسيان إلَى الراوي عن الصحابي أولى من تطرقه إلَى الصحابي، كيف وفِي رواية مُسْلِم (2) من طريق حنظلة بتقديم الصوم عَلى الحج، فتنويعه دال عَلى أنه روي بالمعنى، ويؤيده ما وقع عند البُخَاريّ في التفسير (3) بتقديم الصيام على الزكاة، أفيقال: إن الصحابي سمعه عَلى ثلاثة أوجه، هذا مستبعد، والله أعلم.
* فائدة:
اسم الرجل المذكور: يزيد بن بشر السَّكْسَكِي، ذكره الخطيب البغدادي رَحِمَهُ الله تَعَالَى.
(1)"صحيح مُسْلم"(كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام) برقم (16).
(2)
"صحيح مُسْلِم"(كتاب الإيمان، باب: بيان أركان الإسلام) برقم (16).
(3)
"صحيح البخاري"(كتاب التفسير، سورة البقرة، باب: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا}) برقم (4514).