الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
6 - باب: إِطْعَامُ الطَّعَامِ مِنَ الإِسْلَامِ
12 -
حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا اللَّيْثُ، عَنْ يَزِيدَ، عَنْ أَبِي الْخَيْرِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمرو رضي الله عنهما، أَنّ رَجُلًا سَأَل النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم: أَيُّ الإِسْلَامِ خَيْرٌ؟ قَالَ: "تُطْعِمُ الطَّعَامَ، وَتَقْرَأُ السَّلَامَ عَلَى مَنْ عَرَفْتَ وَمَنْ لَمْ تَعْرِفْ".
قوله: (باب) هو منون، وفيه ما في الذي قبله.
قوله: (من الإسلام) للأصيلي: "من الإيمان"؛ أي: من خصال الإيمان، ولما استدل المصنف عَلى زيادة الإيمان ونقصانه بحديث الشُّعَب؛ تتبع ما ورد في القرآن والسنن الصحيحة من بيانها فأورده في هذه الأبواب تصريحًا وتلويحًا، وترجم هنا بقوله:"إطعام الطعام"، ولم يقل:"أَيُّ الإسلام خير؟ " كما في الَّذِي قبله؛ إشعارًا باختلاف المقامين وتعدد السؤالين كما سنقرره.
قوله: (ثَنَا عَمرو بن خالد) هوَ الحراني وهو بفتح العين، وصَحَّف من ضمها.
قوله: (الليث) هو ابن سعد، فقيه أهل مصر.
(عن يزيد) هو ابن حبيب الفقيه أيضًا.
قوله: (أن رجلًا) لم أعرف اسمه، وقد قيل: إنه أبو ذر.
قوله: (أيّ الإسلام خير؟ ) فيه ما في الَّذِي قبله من السؤال، والتقدير: أي خصال الإسلام؟ وإنما لم أختر تقدير خصال في الأول فرارًا من كثرة الحذف، وأيضًا فتنويع التقدير يتضمن جواب مَنْ سأل.
فقال: السؤالان بمعنى واحد والجواب مختلف.
فيقال له: إذا لاحظت هذين التقديرين بان الفرق، ويمكن التوفيق بأنهما متلازمان؛ إذ الإطعام مستلزم لسلامة اليد، والسلام لسلامة اللسان، قاله الكرماني. وكأنه أراد في الغالب. ويحتمل أن يكون الجواب اختلف لاختلاف السؤال عن الأفضلية، إن لوحظ بين لفظ:"أفضل" ولفظ: "خير" فرق.
وَقَالَ الكرماني: الفضل: بمعنى كثرة الثواب في مقابلة القلة. والخير: بمعنى النفع في مقابلة الشر، فالأول من الكمية، والثاني من الكيفية فافترقا.
واعترض بأن الفرق لا يتم إلا إذا اختص كل منهما بتلك المقولة، أما إذا كَانَ كل منهما يُعقل تَأَتَّيه في الأخرى فلا، وكأنه بنى عَلى أن لفظ "خير" اسم، لا أفعل تفضيل.
وعَلى تقدير اتحاد السؤالين جوابٌ مشهورٌ، وهو الحمل عَلى اختلاف حال السائلين أو السامعين، فيمكن أن يراد في الجواب الأول: تحذير من خُشِي منه الإيذاء بيد أو لسان فأرشد إلَى [35/ أ] الكف. وفِي الثاني: ترغيب من رُجِي فيه النفع العام بالفعل والقول فأرشد إلَى ذَلِكَ.
وخَصَّ هاتين الخصلتين بالذكر لمسيس الحاجة إليهما في ذلِكَ الوقت؛ لما كانوا فيه من الجهد، ولمصلحة التأليف، ويدل عَلى ذَلِكَ أنه عليه الصلاة والسلام حث عليهما أول ما دخل المدينة، كما رواه الترمِذيّ وغيره مصححًا من حديث عبد الله ابن سلام (1).
قوله: (تطعم) هو في تقدير المصدر، أي:"أن تطعم"، ومثله:"تسمع بالمُعَيْدِيِّ"(2)، وذكر الطعام ليدخل فيه الضيافة وغيرها.
قوله: (وتقرأ) بلفظ مضارع القراءة، بمعنى: يقول، قَالَ أبو حاتم السَّجِسْتَاني: تقول: اقرأ عليه السلام، ولا تقول: أقرئه السلام، فإذا كَانَ مكتوبًا، قُلْتَ: أقرئه السلام؛ أي: اجعله يقرؤه.
قوله: (ومن لَمْ تَعرف) أي: لا تَخُص به أحدًا تَكبرًا أو تصنعًا، بل تعظيمًا لشعار الإسلام ومراعاة لأخوة المسلم.
فإن قيل: اللفظ عام فيدخل الكافر والمنافق والفاسق؟
(1)"صحيح التّرمِذيّ"(كتاب: صفة القيامة) برقم (2485).
(2)
وتمام المثل: (تسمع بالمعيدي خير من أن تراه"، والمعيدي: تصغير (مَعَدِّيِّ) منسوب إلَى مَعَدّ، يضرب للرجل الَّذِي له صيت وذكر في الناس فإذا رأيته ازدريت مرآته.
أجيب: بأنه خُص بأدلة أخرى، أو أن النهي متأخر، وكان هذا عامَّا لمصلحة التأليف، وأما من شُكَّ فيه فالأصل البقاء عَلى العموم حَتَّى يثبت الخصوص.
* تنبيهان:
الأول: أخرج مُسْلِم من طريق عمرو بن الحارث، عن يزيد بن أبي حبيب بهذا الإسناد نظير هذا السؤال (1)، لكن جعَل الجواب كالذي في حديث أبي موسى، فادعى ابن منده فيه الاضطراب (2).
وأجيب: بأنهما حديثان اتحد إسنادهما، وافق أحدهما حديث أبي موسى، ولثانيهما شاهد من حديث عبد الله بن سلام كما تقدم.
الثاني: هذا الإسناد كله مصريون، والَّذِي قبله -كما ذكرنا- كوفيون، والَّذِي بعده من طريقيه بصريون، فوقع له التسلسل في الأبواب الثلاثة عَلى الولاء، وهو من اللطائف.
(1)"صحيح مُسْلِم"(كتاب الإيمان، باب: بيان تفاضل الإسلام) برقم (40).
(2)
"الإيمان" لابن منده (1/ 453).