الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَا وضوء فِيهِ فَلَا يعيدون وَإِن كَانَ يعلم أَنه لَا يجوز يعيدون كلهم
قَالَ القَاضِي فقد أبطل إِمَامَته مَعَ اعْتِقَاده التَّحْرِيم وَإِبْطَال الْإِمَامَة هَهُنَا كإبطال الشَّهَادَة لِأَن الْعَدَالَة شَرط فِيهَا وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُور لِأَنَّهُ فعل يحرم على فَاعله فَأشبه الْمُتَّفق على تَحْرِيمه
وَاعْتبر فِي المغنى على هَذَا أَن يتَكَرَّر وَلم أَجِدهُ فِي غَيره
وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب فِي الصَّلَاة أَنه يفسق وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَة فسق على الْأَصَح
وَقَوله فِي الْمُحَرر وَقيل لَا ترد أَيْضا
وَهُوَ قَول الشَّافِعِيَّة لِأَن لفعله مساغا فِي الْجُمْلَة فَأشبه الْمُتَّفق على حلّه
وَنقض على الشَّافِعِيَّة بِنَصّ الشَّافِعِيَّة فِي الْمُعْتَاد مَعَ خلاف إِبْرَاهِيم بن سعيد وَعبيد الله بن الْحسن وبمن طلق ثَلَاثًا وَأمْسك امْرَأَته مَعَ خلاف الْحسن
فَأَما اعْتِقَاد اسْتِبَاحَة هَذَا الْمحرم فَلَا يسْقط الشَّهَادَة ذكره القَاضِي وَغَيره من الْأَصْحَاب مَحل وفَاق
وَقد قَالَ عبد الله سُئِلَ أبي عَن عبد الصَّمد بن النُّعْمَان قَالَ نَحن لَا نكتب عَن عبد الصَّمد قيل لعبد الله فَلم كرهه قَالَ كَانَ يرى الْعينَة
فصل
هَل يجوز أَن يشْهد العقد الْفَاسِد الْمُخْتَلف فِيهِ وَيشْهد بِهِ
يَنْبَغِي أَن يُقَال يدْخل فِي كَلَام الْأَصْحَاب فَإِن كَانَ متأولا أَو مُقَلدًا لمتأول جَازَ وَفِي بعض الْمَوَاضِع خلاف سبق وَإِلَّا لم يجز
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَالَ القَاضِي هَل يجوز أَن يشْهد العقد الْفَاسِد
وَيشْهد بِهِ فَإِن كَانَ ذَلِك فِي عقد مُتَّفق على فَسَاده كعقد الرِّبَا وَالْعقد الْمَشْرُوط فِيهِ الْخِيَار الْمَجْهُول أَو شَرط بَاطِل بِإِجْمَاع لم يجز شُهُوده وَلم تجز الشَّهَادَة بِهِ فَأَما إِن كَانَ فَسَاده مِمَّا يسوغ الِاجْتِهَاد فِيهِ فَلَا يمْنَع لِأَنَّهُ لَا يقطع على فَسَاده نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة أَحْمد بن صَدَقَة وَقد سَأَلَهُ فَإِن كَانُوا يشْهدُونَ على رَبًّا قَالَ لَا يشْهدُونَ على رَبًّا إِذا علمُوا
وَقَالَ فِي رِوَايَة حَرْب فِي الرجل يدعى إِلَى الشَّهَادَة ويظن أَنه رَبًّا أَو بيع فَاسد قَالَ إِذا علم ذَلِك فَلَا يشْهد
وَقَالَ فِي رِوَايَة بكر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه فِي الرجل يفضل بعض وَلَده يشْهد قَالَ لَا يشْهد قيل لَهُ فقد شهد فَقَالَ لَا تشهد للَّذي أشهدك وَلَا لوَلَده
وَكَذَلِكَ نقل إِسْمَاعِيل بن سعيد لَا تشهد على عَطِيَّة من لم يعدل فِيهَا وَكَذَلِكَ نقل أَبُو الْحَارِث إِذا علمت أَنه يُرِيد أَن يزوى مِيرَاثه عَن ورثته يصيره لبَعض دون بعض لَا تشهد لَهُ بِشَيْء
قَالَ وَظَاهر هَذَا يَقْتَضِي أَنه لَا يشْهد وَإِن كَانَ مُخْتَلفا فِيهِ لِأَن تَفْضِيل بَعضهم على بعض مُخْتَلف فِيهِ وَاحْتج بقوله لَا ينْكح الْمحرم وَلَا ينْكح وَلَا يشْهد
وَلِحَدِيث النُّعْمَان بن بشير وَلِحَدِيث
لعن شَاهدا الرِّبَا قَالَ وَلِأَن فعل الْفَاسِد مُنكر وَحُضُور الْمُنكر مُنكر
فَإِن قيل مَا رويتموه من الْأَخْبَار فِي أَحْكَام يسوغ فِيهَا الِاجْتِهَاد وَهُوَ الشَّهَادَة فِي نِكَاح الْمحرم وَإِذا خص بعض أَوْلَاده قيل فِي هَذَا تَنْبِيه على تَحْرِيم ذَلِك فِيمَا اتّفق على فَسَاده وَإِذا قَامَ الدَّلِيل على الْمُخْتَلف فِيهِ خصصناه وَبَقِي تنبيهه على ظَاهره
فان قيل فالشاهد لَا يلْزم بِشَهَادَتِهِ وَإِنَّمَا ذَلِك إِلَى اجْتِهَاد الْحَاكِم
قيل وَإِن لم يلْزم فَلَا يجوز لَهُ أَن يحضر الْمُنكر لِأَن حُضُوره مُنكر
فَإِن قيل فَللَّه حكم فِي الْفَاسِد كَمَا لَهُ حكم فِي الصَّحِيح فَهُوَ ينْقل الْفساد فينفذه الْحَاكِم
قيل فَيجب أَن يحضر المؤاجر الْمشَاهد بيع الْخمر فَيشْهد بذلك وَكَذَلِكَ دور الْفسق لشاهد الزِّنَا فَيشْهد بذلك لِأَن لله فِيهِ حكما وَهُوَ سُقُوط ثمن الْخمر وَمهر الزَّانِيَة
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الشَّهَادَة عَلَيْهِ إِعَانَة على حُصُوله والإعانة على الْمحرم مُحرمَة فَأَما إذاغلب على ظَنّه أَنه يشْهد عَلَيْهِ ليبطله فَذَلِك شَيْء آخر انْتهى كَلَامه
وَظَاهر قَول الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَمَا تقدم فِي أول الْفَصْل وَعَلِيهِ مَا ذكره القَاضِي فِي نَص الإِمَام أَحْمد
وَكَذَا مَا رَوَاهُ أَبُو النَّصْر الْعجلِيّ أَنه سمع أَبَا عبد الله يكره الْعينَة وَيكرهُ أَن يشْهد الرجل على شَيْء مِنْهَا هَذَا إِن حملت الْكَرَاهَة على التَّحْرِيم وَإِطْلَاق القَاضِي عدم الْمَنْع يقتضى جَوَاز الشَّهَادَة مُطلقًا وَهُوَ خلاف كَلَام الإِمَام أَحْمد
وَقد يُقَال مَا ضعف دَلِيله وَكَانَ خلاف خبر وَاحِد لم يشْهد فِيهِ وَإِلَّا شهد كعطية الْأَوْلَاد وَمَا فِي مَعْنَاهَا
وَقَالَ القَاضِي سعد الدّين الْحَارِثِيّ فِي شَرحه الْعلم بالتفضيل أَو التَّخْصِيص يمْنَع تحمل الشَّهَادَة بِهِ وأداؤها مُطلقًا حَكَاهُ الْأَصْحَاب وَنَصّ عَلَيْهِ ثمَّ ذكر النُّصُوص السَّابِقَة وَأَن الإِمَام أَحْمد قَالَ فِي رِوَايَة أَحْمد بن سعيد وَإِن سَأَلَهُ بِمَا اسْتمع عِنْد قَاض يرى ذَلِك جَائِزا لم يشْهد لَهُ بِهِ وَعلله الْحَارِثِيّ بِأَنَّهُ جور فامتنعت الْإِعَانَة عَلَيْهِ وَذكر أَنه قَول إِسْحَاق
وَنقل أَبُو طَالب عَن الإِمَام أَحْمد أَنه سُئِلَ عَن رجل نحل نحلة لِابْنِهِ وَلم يعلم الشُّهُود أَن لَهُ ابْنا غَيره ثمَّ علمُوا بعد أَن لَهُ غَيره فَدَعَاهُمْ إِلَى الشَّهَادَة قَالَ إِن لم يشْهدُوا لَهُ أَرْجُو لَيْسَ عَلَيْهِم شَيْء انْتهى كَلَامه
فَأَما إِن احْتمل عِنْد الشَّاهِد أَن العقد فَاسد فَإِنَّهُ يشْهد وَكَذَلِكَ يَنْبَغِي إِن ظن فَسَاده على مُقْتَضى كَلَام الإِمَام أَحْمد السَّابِق لَكِن هُنَا يَنْبَغِي أَن يُقَال يكره وَقد يُقَال بِتَحْرِيمِهِ كَمَا فِي ظن جعل الْعصير خمرًا وَظن جعل الدَّار الْمُسْتَأْجرَة مَكَانا يُبَاع فِيهِ الْخمر
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي مَوضِع آخر فصل الشَّهَادَة على الْإِقْرَار الَّذِي يعلم أَنه تلجئه أَو كَاذِب أَو فِيهِ تَأْوِيل وَقد أبطل الإِمَام أَحْمد إِقْرَار التلجئة وَنَصه مَكْتُوب عِنْد مَسْأَلَة الْإِقْرَار للزَّوْجَة إِذا أَبَانهَا ثمَّ تزَوجهَا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر إِن الْأَمر بِإِقْرَار بَاطِل مثل أَمر الْمَرِيض أَن يقر لوَارث بِمَا لَيْسَ بِحَق ليبطل بِهِ حق بَقِيَّة الْوَرَثَة فَإِن الْأَمر بذلك وَالشَّهَادَة عَلَيْهِ بَاطِل
قَوْله وَأما الْمُرُوءَة فاستعمال مَا يجمله ويزينه وتجنب فِي يدنسه ويشينه إِلَى آخِره
الْمُرُوءَة الإنسانية وَقَالَ ابْن فَارس الرجولية وَقيل صَاحب الْمُرُوءَة من يصون نَفسه عَن الأدناس وَلَا يشينها عِنْد النَّاس وَقيل هُوَ الَّذِي يسير بسيرة أَمْثَاله فِي زَمَانه ومكانه قَالَ أَبُو زيد يُقَال مرؤ الرجل أَي صَار ذَا مُرُوءَة فَهُوَ مرى على وزن فعل وتمرأ إِذا تكلّف الْمُرُوءَة
والرقاص الَّذِي يعْتَاد الرقص وَيُقَال رقص يرقص
وَالشطْرَنْج قَالَ الجواليقي فَارسي مُعرب وَهُوَ بالشين الْمُعْجَمَة الْمَفْتُوحَة ومكسورة وَحكى فِيهِ بَعضهم بِالسِّين الْمُهْملَة وَالْمَعْرُوف فِي الْمَذْهَب تَحْرِيم اللّعب بالشطرنج
قَالَ حَرْب قيل للامام أَحْمد أَتَرَى بلعب الشطرنج بَأْسا قَالَ الْبَأْس
كُله قيل فَإِن أهل الثغر يَلْعَبُونَ بهَا للحرب قَالَ لَا يجوز هَكَذَا وجدت هَذَا النَّص
وَنقل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين من زَاد الْمُسَافِر لأبي بكر عَن حَرْب قَالَ قلت لأبي إِسْحَاق أَتَرَى بلعب الشطرنج بَأْسا قَالَ الْبَأْس كُله قلت فَإِن أهل الثغر يَلْعَبُونَ بهَا للحرب قَالَ هُوَ فجور
وَذكرهَا أَبُو حَفْص عَن الإِمَام أَحْمد انْتهى كَلَامه
وَقَالَ ابْن عقيل وَقد قَالَ أَبُو بكر قِيَاس قَول الإِمَام أَحْمد وَمَعْنَاهُ قَول الشَّافِعِي بالشطرنج وَأَنه إِذا لم يَأْخُذ الْعِوَض لم ترد شَهَادَته انْتهى كَلَامه
وَظَاهره أَنه لَا ترد شَهَادَة لاعب الشطرنج بهَا إِذا لم يَأْخُذ الْعِوَض
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَقيل يكره فَتقبل شَهَادَة من لم يكثر
فَظهر من ذَلِك أَنه لَا يحرم فِي وَجه وَأَن عَلَيْهِ هَل تقبل شَهَادَة من أَكثر مِنْهُ فِيهِ وَجْهَان
وعَلى التَّحْرِيم قَالَ القَاضِي فِي مَوضِع هُوَ كالنرد فِي رد الشَّهَادَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمَالك
وَقَالَ أَيْضا فِي مَوضِع اللّعب بالشطرنج وَسَمَاع الْغناء بِغَيْر آلَة نقُول فِيهِ مَا نقُول فِي شرب النَّبِيذ وَأَنه إِذا فعل ذَلِك متأولا لم ترد شَهَادَته وَقد أَوْمَأ إِلَيْهِ أَبُو بكر فِي كتاب الْخلاف من الشَّهَادَات لِأَنَّهُ حكى قَول الشَّافِعِي فِي سَماع المغنى واللعب بالشطرنج وَقَالَ قِيَاس قَول أبي عبد الله على مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَن التَّأْوِيل يحتملها وَكَذَا حكى فِي المغنى قَول أبي بكر إِن فعله من يعْتَقد تَحْرِيمه فَهُوَ كالنرد وَإِن فعله من يعْتَقد إِبَاحَته لم ترد شَهَادَته إِلَّا أَن يشْغلهُ عَن الصَّلَاة عِنْد أَوْقَاتهَا أَو يُخرجهُ إِلَى الْحلف الْكَاذِب أَو نَحوه من الْمُحرمَات أَو
يعلب بهَا على الطَّرِيق أَو يفعل فِي لعبة مَا يستخف بِهِ من أَجله وَنَحْو هَذَا مِمَّا يُخرجهُ عَن الْمُرُوءَة وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِي كَسَائِر الْمُخْتَلف فِيهِ انْتهى كَلَامه
وَكَذَا مثل غير وَاحِد من الْأَصْحَاب بحكاية مَا يضْحك مِنْهُ النَّاس ونارنجيات وتعزيم وَأكله فِي طَرِيق النَّاس يرونه وبوله فِي شَارِع ومشرعة وكشف رَأسه أَو بَطْنه أَو صَدره أَو ظَهره فِي مَوضِع لم تجر عَادَته بكشفه فِيهِ وخطاب زَوجته أَو أمته حَيْثُ يسمع النَّاس بِلَا عذر واستماع الْغناء وكشف عَوْرَته فِي حمام أَو غَيره وتحريش الْبَهَائِم والجوارح للصَّيْد ودوام اللّعب والمعالجة بشيل الْأَحْجَار الثقال والمقيرات والأخشاب وَمَا عده النَّاس سفها وَإِسْقَاط مُرُوءَة وَمَا فِيهِ المخاطرة بالنفوس والثقاف
وَقَالَ فِي الرِّعَايَة وَيسْتَحب تَأْدِيب الْخَيل والثقاف واللعب بالحراب وَسَائِر اللّعب إِذا لم يتَضَمَّن ضَرَرا وَلَا شغلا عَن فرض إِذا لم يكن فِيهِ دناءة وَلَا ترد بِهِ الشَّهَادَة
وَقَالَ ابْن عقيل فِي الْفُنُون مثل الْأكل على الطَّرِيق وَمد الرجلَيْن بَين الجلساء وكشف الرَّأْس بَين الْمَلأ والقهقهة وَقَالَ فِي مَوضِع آخر الأرجوحة والتعلق عَلَيْهَا وَالتَّرْجِيح فِيهَا مَكْرُوه نهى عَنهُ السّلف وَقيل إِنَّهَا لعبة الشَّيْطَان فَلَا تقبل شَهَادَة المدمن لَهَا وَقَالَ فِي مَوضِع آخر وَتكره الأراجيح وكل مَا يُسمى لعبا إِلَّا مَا كَانَ إِعَانَة على الْحَرْب كاللعب بالحراب والأسلحة والرماية وَقَالَ فِي مَوضِع آخر فَأَما حبس المطربات من الأطيار كالقمارى والبلابل لترنهما فِي الأقفاص فقد كرهه أَصْحَابنَا لِأَنَّهُ لَيْسَ من الْحَاجَات لكنه من البطر والأشر ورقيق الْعَيْش وحبسها تَعْذِيب فَيحْتَمل أَن ترد باستدامته الشَّهَادَة وَيحْتَمل أَن لَا ترد لِأَن ذَلِك لَيْسَ من الْأُمُور الْبَعِيدَة عَن الْمُبَاح وَقَالَ أَيْضا فِي مَوضِع آخر فِي هَذِه الْمَسْأَلَة أفيحسن بعاقل أَن يعذب حَيا
لينوح فيستلذ بنياحته وَقد منع من هَذَا أَصْحَابنَا وسموه سفها
فَإِنَّمَا جَازَت شَهَادَته لِأَن الإِمَام أَحْمد قد نَص على أَن القَاضِي إِذا شهد بعد عَزله على قَضِيَّة أَن شَهَادَته تقبل فَأولى أَن تقبل شَهَادَة الْقَاسِم وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَأَبُو يُوسُف والاصطخري
قَالَ القَاضِي دليلنا أَن الْقَاسِم بِغَيْر أجر يتَصَرَّف من جِهَة الحكم فَوَجَبَ أَن يقبل قَوْله فِيهِ دَلِيله الْحَاكِم يقبل قَوْله فِيمَا يحكم بِهِ بِهِ فِي حَال ولَايَته عِنْدهم وَعِنْدنَا يقبل فِي حَالَة الْولَايَة وَبعد الْولَايَة وَلَا يلْزم عَلَيْهِ إِذا قسم بِأُجْرَة لِأَن تصرفه لَا يكون من جِهَة الحكم لِأَنَّهُ أجِير وَشَهَادَة الْأَجِير لَا تجوز فِيمَا يسْتَحق عَلَيْهِ الْأُجْرَة لِأَن لَهما فِيهِ مَنْفَعَة وَهُوَ اسْتِحْقَاق الْأُجْرَة مَتى صحت الْقِسْمَة وَهَذَا معنى كَلَام أَصْحَاب القَاضِي كَأبي الْخطاب والشريف
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَالتَّعْلِيل الأول يَقْتَضِي أَن قَول الْقَاسِم خبر لَا شَهَادَة كالحاكم وَالتَّعْلِيل الثَّانِي ضَعِيف لِأَنَّهُ يُوجب أَن لَا تقبل شَهَادَتهمَا بِالْقيمَةِ وَالْقدر لِأَنَّهُمَا يستحقان عَلَيْهِ الْأُجْرَة وَلِأَن الْأُمَنَاء تقبل أَقْوَالهم فِيمَا يسْتَحقُّونَ عَلَيْهِ أُجْرَة كالوصي فِي الْعَمَل والإنفاق وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا تَرَاضيا بِأَن يكون حكما بَينهمَا يَجْعَل كالحاكم لَو أعطيناه جعلا على مَا ذكره بعض أَصْحَابنَا وشبيه بِهَذَا مَا لَو رَضِي الْخصم بِشَهَادَة عدوه أَو أَبى خَصمه وَمن يتهم عَلَيْهِ أَو رَضِي بِقَضَائِهِ وَكَذَلِكَ شَهَادَة الظِّئْر الْمُسْتَأْجرَة بِالرّضَاعِ وَشَهَادَة الْقَابِلَة بِالْولادَةِ انْتهى كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين
وَقَالَ أَيْضا بناها القَاضِي على أَن شَهَادَة الْإِنْسَان على فعل نَفسه تقبل
كالمرضعة ضعف مأخذهما من وَافقه أَنَّهُمَا ليسَا شَهَادَة على فعل نَفسه انْتهى كَلَامه
وَقَالَ القَاضِي قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لَا تجوز شَهَادَتهمَا
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَكَذَلِكَ قَالَ القَاضِي فِي مَسْأَلَة الحكم بِالْعلمِ فِي حكمه بِعِلْمِهِ سَبَب يُوجب التُّهْمَة وَهُوَ أَنه يثبت حكمه بقوله فَهُوَ كقاسمي الْحَاكِم إِذا شَهدا بِالْقِسْمَةِ لم يحكم بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُمَا أثبتا فعلهمَا بِشَهَادَتِهِمَا
وَقَوله وَأما أَصْحَاب الصِّنَاعَة الدنيئة عرفا إِلَى آخِره
فالنخال الَّذِي يغربل فِي الطَّرِيق على فلوس وَغَيرهَا والقمام الَّذِي يجمع القمامة وَهِي الكناسة ويحملها وَالْفِعْل مِنْهُ قُم يقم وَالْجمع قمام والمقمة المكنسة وقممت الْبَيْت كنسته
قَوْله فَتقبل شَهَادَتهم إِذا عرف حسن طريقتهم فِي دينهم
لِأَن للنَّاس حَاجَة إِلَى ذَلِك فَرد شَهَادَة فَاعله تمنع من تعاطيه وَمن الْأَصْحَاب من ذكر الْمَسْأَلَة على الْوَجْهَيْنِ وَمِنْهُم من ذكر فِيهَا رِوَايَتَيْنِ
وَوجه عدم الْقبُول أَن تعَاطِي ذَلِك يتجنبه أهل المروءات وَقطع فِي الْكَافِي أَن الحائك والدباغ والْحَارث تقبل شَهَادَتهم لغَيرهم
وَقطع فِي المغنى بِأَن الكساح والكناس لَا تقبل شَهَادَتهم لغَيرهم وَهُوَ معنى مَا روى عَن ابْن عمر وَابْن عَبَّاس رضي الله عنهما
قَالَ فِي الرِّعَايَة بعد حِكَايَة الْخلاف وَكَذَا الْخلاف فِي النخاس والدباب والوقاد والصائغ
قَالَ ابْن حمدَان وَكَذَا الْجَصَّاص والطفيلي والقيم والمصارع والمصور والمكاري والحمال والجزار وَمن لبس من الرِّجَال زِيّ النِّسَاء أَو زِيّ أهل الذِّمَّة أَو غير زِيّ بَلَده الَّذِي يسكنهُ أَو غير الزي الْمُعْتَاد بِلَا عذر أَو أَكثر الضحك والاستهزاء بِالنَّاسِ وَكَلَامهم وإطراحهم ومناكدتهم
وَقَالَ فِي الْمُغنِي فَأَما سَائِر الصناعات الَّتِي لَا دناءة فِيهَا فَلَا لَا ترد الشَّهَادَة إِلَّا من كَانَ مِنْهُم يحلف كَاذِبًا أَو يعد ويخلف وَغلب هَذَا عَلَيْهِ فَلَا شكّ أَن شَهَادَته ترد وَكَذَلِكَ من كَانَ يُؤَخر الصَّلَاة عَن أَوْقَاتهَا أَولا يتنزه عَن النَّجَاسَات فَلَا شَهَادَة لَهُ وَمن كَانَت صناعته مُحرمَة كصانع الزمامير والطنابير فَلَا شَهَادَة لَهُ وَمن كَانَت صناعته يكثر فِيهَا الرِّبَا كالصائغ والصيرفي وَلم يتق ذَلِك ردَّتْ شَهَادَته
قَالَ وَلَا تقبل شَهَادَة الطفيلي وَهُوَ الَّذِي يَأْتِي طَعَام النَّاس من غير دَعْوَى وَبِه قَالَ الشَّافِعِي وَلَا نعلم فِيهِ خلافًا قَالَ لِأَنَّهُ يَأْكُل محرما وَيفْعل مَا فِيهِ سفه ودناءة وَذَهَاب مُرُوءَة فَإِن لم يتَكَرَّر هَذَا مِنْهُ لم ترد شَهَادَته فَإِنَّهُ من الصَّغَائِر
وَقَالَ الْأَزجيّ الْحَنْبَلِيّ فِي نِهَايَة الْمطلب لَهُ والصناعات تَنْقَسِم إِلَى مُبَاح وَهِي مَالا دين فِيهِ ككتابة وَبِنَاء وخياطة وَإِلَى حرَام كتصوير وَنَحْوه وَإِلَى مَكْرُوه وَهُوَ مَا يُبَاشر فِيهِ النَّجَاسَة كحجام وجزار
قَالَ وَهل يدْخل الفاصد فِي هَذِه الْكَرَاهَة الظَّاهِر أَنه يلْتَحق بذلك وَكَذَلِكَ الْخِتَان بل أولى لكَونه يُبَاشر العورات وعَلى هَذَا يكره كل كسب
دنىء كدباغ وَسماك وقيم وحلاق وَقد قيل إِن الحمامي يلْتَحق بهؤلاء وَالصَّحِيح أَنه لَا يلْتَحق بهم انْتهى كَلَامه
وَذكره السماك فِي هَؤُلَاءِ فِيهِ نظر وَصرح ابْن عقيل فِي الْفُنُون أَنه لَا تقبل شَهَادَة الْخياط وَفِي ذكره الْخياط نظر
قَوْله إِلَّا بِالْوَصِيَّةِ فِي السّفر مِمَّن حَضَره الْمَوْت من مُسلم أَو كَافِر إِذا لم يُوجد غَيرهم
كَذَا ذكره الْأَصْحَاب تَصْرِيحًا وظاهرا قَالَ القَاضِي نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة عبد الله فَقَالَ قَالَ الله تَعَالَى 2 282 {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَلَيْسَ مِمَّن يرضى وَقَالَ تَعَالَى 5 95 ذَوا عدل وَلَيْسوا بعدول
فَظَاهر الْآيَة يدل على أَن لَا شَهَادَة لَهُم فِي الْمَوَاضِع الَّتِي أجازها أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فِي السّفر فِي الْوَصِيَّة
وَكَذَلِكَ نقل الْمروزِي فَقَالَ الْآيَة تدل على ذَلِك فيقسمان بِاللَّه ثمَّ أقبل شَهَادَتهم إِذا كَانُوا فِي سفر لَيْسَ فِيهِ غَيرهم وَهَذِه ضَرُورَة
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهل تعْتَبر عَدَالَة الْكَافرين فِي الْوَصِيَّة فِي دينهما عُمُوم كَلَام الْأَصْحَاب يَقْتَضِي أَنه لَا يعْتَبر وَإِن كُنَّا إِذا قبلنَا شَهَادَة بَعضهم على بعض اعْتبرنَا عدالتهم فِي دينهم
وَصرح القَاضِي بِأَن الْعَدَالَة غير مُعْتَبرَة فِي هَذِه الْحَال والقرائن تدل عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ الْآثَار المرفوعة والموقوفة
وَأما الْمُسلمُونَ فَصرحَ القَاضِي أَنه لَا تقبل شَهَادَة فساق الْمُسلمين فِي هَذِه الْحَال جعله مَحل وفَاق وَاعْتذر عَنهُ انْتهى كَلَامه
وَسَيَأْتِي فِي ذكر مَسْأَلَة ومالا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال كعيوب النِّسَاء من كَلَامه مَا يُخَالِفهُ وَقَالَ أَكثر الْعلمَاء مِنْهُم الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة لَا تقبل شَهَادَتهم على الْمُسلمين بِحَال وَلم أجد بِهَذَا قولا فِي مَذْهَبنَا
وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي رِوَايَة حَرْب وَغَيره لَا تجوز شَهَادَة أهل الْكتاب بَعضهم على بعض وَلَا على غَيرهم لِأَن الله تَعَالَى يَقُول 3 282 {مِمَّن ترْضونَ من الشُّهَدَاء} وَلَيْسوا مِمَّن نرضى وَظَاهره كَقَوْل الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة إِلَّا أَنه صرح بِخِلَافِهِ فِي غير مَوضِع
قَوْله وَفِي اعْتِبَار كَونهم من أهل الْكتاب رِوَايَتَانِ
إِحْدَاهمَا يعْتَبر قطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَالْكَافِي وَغَيرهمَا لِأَن الأَصْل عدم قبُول خُولِفَ فِي أهل الْكتاب لِأَن الْأَخْبَار المروية فِي ذَلِك إِنَّمَا هِيَ فِي أهل الْكتاب فَيقْتَصر عَلَيْهَا
وَالثَّانيَِة لَا يعْتَبر قدمه فِي الرِّعَايَة وَهُوَ ظَاهر كَلَام جمَاعَة فِي ظَاهر قَوْله تَعَالَى 5 106 {أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ}
فعلى الأولى هَل يعتبركونهم من أهل الذِّمَّة ظَاهر كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب وَالْمُغني وَابْن هييرة وَغَيرهم كَلَام أَنه يعْتَبر وَظَاهر كَلَامه فِي الْكَافِي وَغَيره أَنه لَا يعْتَبر وَقدمه فِي الرِّعَايَة فَهَذَا وَجْهَان على هَذِه الرِّوَايَة وَقطع بَعضهم بِأَنَّهُ يعْتَبر أَن يَكُونُوا رجَالًا وَلم أجد مَا يُخَالِفهُ صَرِيحًا
قَوْله ويحلفهم الْحَاكِم بعدالعصر مَا خانوا وَلَا حرفوا وَإِنَّهَا لوَصِيَّة الرجل لِلْآيَةِ وتصريح خبر أبي مُوسَى
قَالَ ابْن قُتَيْبَة لِأَنَّهُ وَقت يعظمه أهل الْأَدْيَان