المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

لأَجْنَبِيّ صَحَّ وَإِن كَانَ لوَارث فَوَجْهَانِ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي - النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر - جـ ٢

[شمس الدين ابن مفلح]

الفصل: لأَجْنَبِيّ صَحَّ وَإِن كَانَ لوَارث فَوَجْهَانِ وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي

لأَجْنَبِيّ صَحَّ وَإِن كَانَ لوَارث فَوَجْهَانِ

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي الْإِقْرَار للْوَارِث هُنَا احتمالات أَحدهَا أَن يَجْعَل إِقْرَاره للْوَارِث كَالشَّهَادَةِ فَترد فِي حق من ترد شَهَادَته لَهُ كَالْأَبِ بِخِلَاف من لَا ترد ثمَّ على هَذَا هَل يحلف الْمقر لَهُ مَعَه كالشاهد وَهل تعْتَبر عَدَالَة الْمقر ثَلَاث احتمالات

وَيحْتَمل أَن يفرق مُطلقًا بَين الْعدْل وَغَيره فَإِن الْعدْل مَعَه من الدّين مَا يمنعهُ من الْكَذِب ويخرجه إِلَى بَرَاءَة ذمَّته بِخِلَاف الْفَاجِر وَإِنَّمَا حلف الْمقر لَهُ مَعَ هَذَا للتَّأْكِيد فَإِن فِي قبُول الْإِقْرَار مُطلقًا فَسَادًا عَظِيما وَكَذَا فِي رده مُطلقًا فَسَاد وَإِن كَانَ أقل فَإِن المبطلين فِي هَذَا الْإِقْرَار أَكثر من المحقين وَهَذِه الْحجَّة لمن رده كَالشَّهَادَةِ مَعَ التُّهْمَة وكطلاق الفار انْتهى كَلَامه

‌‌

‌فصل

وَإِن كَانَ على الْمَرِيض دين للْوَارِث فَقَالَ القَاضِي هُوَ مَأْمُور بإيصال الْحق إِلَى وَارثه وَيقدر أَن يَقْضِيه دينه بَاطِنا ويوصله إِلَيْهِ فيتخلص بذلك من ظلمه وَإِن كَانَ لَو أقرّ لم يقبل إِقْرَاره كَمَا أَن الْوَصِيّ إِذا كَانَ شَاهدا على الْمَيِّت بدين وَلَيْسَ مَعَه شَاهد غَيره فَهُوَ مَأْمُور بِقَضَاء الدّين سرا وإيصاله إِلَى مُسْتَحقّه ليخلص الْمَيِّت وَإِن أظهر ذَلِك أَو أقرّ بِهِ لم يقبل قَوْله فِيهِ وَلم يثبت بِهِ الدّين وَإِن كَانَ مَأْمُورا بِالْقضَاءِ

فصل

وَيجوز عندنَا للْمَيت الْإِقْرَار لجَمِيع الْوَرَثَة ويخيرون بَين أَخذ المَال وَالْإِقْرَار بِالْإِرْثِ هَذَا لفظ القَاضِي وَأَظنهُ مُوَافقَة للحنفية قَالَه الشَّيْخ تَقِيّ الدّين

قَوْله وَلَو أقرّ لامْرَأَته بِالصَّدَاقِ فلهَا قدر مهر الْمثل بِالزَّوْجِيَّةِ

لَا بِإِقْرَارِهِ وَالَّذِي قطع بِهِ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره أَنه يَصح الْإِقْرَار لِأَنَّهُ

ص: 372

إِقْرَار بِمَا تحقق سَببه وَلم يعلم الْبَرَاءَة مِنْهُ أشبه مَا لَو اشْترى عبدا من وَارثه فَأقر للْبَائِع بِثمن مثله وَقيل لَا يَصح ذكره فِي الرِّعَايَة

ثمَّ ذكر مَا فِي الْمُحَرر قولا فَيكون وَجه عدم الصِّحَّة أَنه أقرّ لوَارث وَهُوَ قَول الشّعبِيّ وَصَاحب الْمُحَرر تبع القَاضِي وَهُوَ معنى كَلَامه فِي الْمُسْتَوْعب

قَالَ القَاضِي وَأما إِذا أقرّ لزوجته بِالصَّدَاقِ فَنقل أَبُو طَالب عَنهُ إِذا أقرّ عِنْد مَوته أَن لامْرَأَته عَلَيْهِ صدَاق ألف دِرْهَم تقيم الْبَيِّنَة أَن لَهَا صدَاق ألف دِرْهَم لَا يجوز إِقْرَاره لَهَا لَعَلَّ صَدَاقهَا أقل فَإِن لم يكن لَهَا بَيِّنَة فصداق نسائها إِذا كَانَ ذَلِك يعرف فَإِن لم يعرف ذَلِك يكون ذَلِك من ثلثه

قَالَ فقد نَص على أَنه لَا يقبل إِقْرَاره بِالصَّدَاقِ على الْإِطْلَاق وَإِنَّمَا يقبل مَا صَادف مهر الْمثل لِأَن ثُبُوته بِالْعقدِ لَا بِإِقْرَارِهِ فَإِن تعذر مهر الْمثل اعْتبر من ثلثه وَاخْتلفت الرِّوَايَة فِي قدر الصَدَاق فَنقل أَبُو الْحَارِث مهر الْمثل لِأَنَّهَا مُعَاوضَة فِي مرض الْمَوْت أشبه ثمن الْمَبِيع وَلَا يعْتَبر من الثُّلُث لِأَنَّهَا وَصِيَّة لوَارث

وَنقل أَبُو طَالب من الثُّلُث لِأَن الزِّيَادَة على مهر الْمثل مُحَابَاة لَا يقابلها عوض فَهِيَ كالمحاباة والمحاباة هُنَاكَ من الثُّلُث فَكَذَلِك هُنَا هَكَذَا نقل الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام القَاضِي ثمَّ قَالَ من عِنْده كَلَامه فِي رِوَايَة أبي طَالب يَقْتَضِي أَنه اذا لم يعرف مهر الْمثل اعْتبر مَا أقرّ بِهِ من الثُّلُث لأَنا قد تَيَقنا أَن لَهَا صَدَاقا فَلم نبطل الْإِقْرَار وَلم نعلم أَن هَذَا كُله وَاجِب فَكَأَنَّهُ ملك أَن يوصى بِهِ لِأَنَّهُ لَا طَرِيق إِلَى مَعْرفَته من غَيره ووصيته من الثُّلُث لِأَنَّهُ غير مُصدق للْوَارِث انْتهى كَلَامه

قَوْله وَلَو أقرّ أَنه كَانَ أَبَانهَا فِي صِحَّته لم يسْقط إرثها

كَذَا ذكره غَيره وَذكر فِي الْمُغنِي أَنه قَول أبي حنيفَة وَمَالك لِأَنَّهُ غير

ص: 373

أَمِين أقرّ بِمَا يسْقط حق غَيره فَهُوَ كإقراره بِمَال غَيره وَعند الشَّافِعِي يقبل

قَوْله وَلَو أقرّ بهَا بدين ثمَّ أَبَانهَا ثمَّ تزَوجهَا لم يَصح إِقْرَاره

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْفرق بَين هَذِه وَبَين أَن يتَبَرَّع فِي مَرضه ظَاهر بِمَنْزِلَة أَن يقر ثمَّ يَصح ثمَّ يمرض ونظيرها أَن يتَبَرَّع لِأَخِيهِ ثمَّ ينحجب بِولد يُولد لَهُ ثمَّ يَمُوت الْوَلَد انْتهى كَلَامه

وَوجه الْمَسْأَلَة أَنه أقرّ لوَارث فِي مرض الْمَوْت أشبه مالو لم يبنهما قَالَ القَاضِي أَوْمَأ إِلَيْهِ أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِيمَن أقرّ فِي مَرضه لَا مرأة بدين ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ مَاتَ وَهِي وارثة يجوز هَذَا أقرّ لَهَا وَلَيْسَت لَهُ بِامْرَأَة إِلَّا أَن يكون تلجئة فقد أجَاز الْإِقْرَار فَاقْتضى أَنَّهَا لَو كَانَت وارثة لم يَصح وَبِهَذَا قَالَ أَبُو حنيفَة وَقَالَ مُحَمَّد بن الْحسن إِقْرَاره جَائِز فَإِن برأَ من ذَلِك الْمَرَض ثمَّ تزَوجهَا ثمَّ مَاتَ صَحَّ الْإِقْرَار وفَاقا على مَا ذكره القَاضِي

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَخذ مَذْهَب الإِمَام أَحْمد من عكس علته وَقد يكون الحكم ثَابتا فِي هَذِه الصُّورَة لعِلَّة أُخْرَى عِنْده ثمَّ قَوْله أقرّ لَهَا وَلَيْسَت لَهَا بأمرأة

قد يُرَاد بِهِ لَيست امْرَأَة فِي بعض زمَان الْإِقْرَار ثمَّ الْأَخْذ بتعليله يَقْتَضِي أَنه إِذا صَحَّ ثمَّ تزَوجهَا يكون الْإِقْرَار أَيْضا بَاطِلا وَإِن كَانَ الْبُرْء لَيْسَ من فعله وَقد فرق القَاضِي بالتهمة فِي الطَّلَاق بِأَن يَكُونَا قد تواطآ على ذَلِك وَهَذِه الْعلَّة منتفية فِيمَا إِذا انْفَسَخ النِّكَاح بِغَيْر فعله وَفِيمَا إِذا طَلقهَا ثَلَاثًا وَفِيمَا إِذا كَانَ الزَّوْج الْمُطلق سَفِيها فَيخرج فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ ثَلَاثَة أوجه انْتهى كَلَامه

ص: 374

وَالْقَاضِي وَالْأَصْحَاب اعتبروا المظنة وعللوا بِجَوَاز أَن يكون على وَجه الْحِيلَة فقد اكْتسب تُهْمَة فَيخرج وَجه فِي مَسْأَلَة الْمُحَرر فِيهِ بعد والتخريج فِيمَا إِذا برىء من ذَلِك الْمَرَض فِيهِ بعد أَيْضا لِأَن كل مرض مُعْتَبر بِنَفسِهِ بِدَلِيل مَا لَو تبرع فِي الْمَرَض الأول أَو طلق فَارًّا أَو غير ذَلِك

قَوْله وَلَو أقرّ لوَارث ثمَّ صَار عِنْد الْمَوْت أَجْنَبِيّا أَو بِالْعَكْسِ فَهَل يعْتَبر بِحَالَة الْإِقْرَار أَو الْمَوْت على رِوَايَتَيْنِ

إِحْدَاهمَا يعْتَبر بِحَالَة الْإِقْرَار قطع بِهِ القَاضِي وَغَيره وَهُوَ الْمَشْهُور وَنَصره فِي الْمُغنِي لوُجُود التُّهْمَة فِي هَذِه الْحَال بِخِلَاف الْعَكْس كَالشَّهَادَةِ

وَالثَّانيَِة بِحَالَة الْمَوْت وَهِي مَذْهَب الشَّافِعِي لِأَنَّهُ معنى يعْتَبر فِيهِ عدم الْمِيرَاث فَأشبه الْوَصِيَّة وَالْفرق أَن الْوَصِيَّة عَطِيَّة بعد الْمَوْت فَاعْتبر فِيهَا حَالَة الْمَوْت بِخِلَاف مَسْأَلَتنَا

قَوْله وَإِذا أقرّ بدين لوَارث وأجنبي لزمَه فِي حِصَّة الْأَجْنَبِيّ

هَذَا هُوَ الْمَنْصُور فِي الْمَذْهَب كَمَا لَو كَانَ الْإِقْرَار بلفظين

قَالَ القَاضِي وَهَذَا بِنَاء على أصلنَا فِي تَفْرِيق الصَّفْقَة فِي البيع مَعَ انْتِفَاء الْجَهَالَة فِيهِ فَأولى أَن يفرق فِي الْإِقْرَار مَعَ دُخُول الْجَهَالَة فِيهِ

وَذكر أَبُو الْخطاب وَالْأَصْحَاب قولا بِعَدَمِ اللُّزُوم وَالصِّحَّة أخذا من تَفْرِيق الصَّفْقَة وقاس القَاضِي الصِّحَّة على الْوَصِيَّة

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فَكَانَ التَّفْرِيق بَينهمَا مَحل وفَاق وَلَو أقرّ لأَجْنَبِيّ ولعبده بدين فَإِنَّهُ يَصح فِي حِصَّة الْأَجْنَبِيّ ذكره مَحل وفَاق وَلَو أقرّ برق خمر

ص: 375

وبزق خل وبملكه وبملك غَيره ذكره مَحل وفَاق وقاس فِي المغنى عدم الصِّحَّة على شَهَادَته لِابْنِهِ وأجنبي وَفرق بِأَن الْإِقْرَار أقوى وَلذَلِك لَا تعْتَبر فِيهِ الْعَدَالَة وَلَو أقرّ بِشَيْء لَهُ فِيهِ نفع كَالْإِقْرَارِ بِنسَب مُوسر قبل وَهَذَا الْفرق على مَنْصُوص الإِمَام أَحْمد وَهُوَ عدم صِحَة الشَّهَادَة لَهما وَلنَا قَول تصح شَهَادَته للْأَجْنَبِيّ وَكَأن صَاحب الْمُحَرر رأى أَن الْإِقْرَار لقُوته ودخوله الْجَهَالَة فِيهِ لَا يتَخَرَّج فِيهِ عدم الصِّحَّة مُطلقًا قَالَ وَيتَخَرَّج أَن لَا يلْزم إِذا عزاهُ إِلَى سَبَب وَاحِد أَو أقرّ لأَجْنَبِيّ بذلك وَلم أجد هَذَا التَّخْرِيج لغيره وَهَذَا قَول أبي حنيفَة

قَوْله الثَّانِي إِقْرَاره بِالْمَالِ لغير وَارِث فَفِيهِ رِوَايَتَانِ أصَحهمَا قبُوله

هَذَا هُوَ الْمَنْصُوص وَذكر فِي الْكَافِي أَنه ظَاهر الْمَذْهَب لعدم التُّهْمَة فِي حَقه بِخِلَاف الْوَارِث وَذكر فِي الْمُغنِي أَن الْأَصْحَاب حكوا رِوَايَة لَا يقبل مُطلقًا تَسْوِيَة بَين الْوَارِث وَغَيره لِأَن حق الْوَرَثَة تعلق بِمَالِه أشبه الْمُفلس وَالْفرق ظَاهر

قَوْله لَكِن هَل يحاص بِهِ دين الصِّحَّة على وَجْهَيْن

وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب رِوَايَتَيْنِ وَأَن أصَحهمَا عدم المحاصة

وَذكر القَاضِي فِي مَوضِع أَنه قِيَاس الْمَذْهَب أخذا من مَسْأَلَة الْمُفلس لِأَنَّهُ فِي الْمَوْضِعَيْنِ أقرّ بعد تعلق الْحق بِمَا لَهُ وَصَححهُ فِي الْخُلَاصَة وَقدمه غير وَاحِد وَبِه قَالَ أَبُو حنيفَة

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَنَصه أَن إِقْرَار لَا يبطل التَّبَرُّعَات السَّابِقَة على الْإِقْرَار يُقَوي أَنهم لَا يزاحمون وَالْقَوْل بالمحاصة ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَاخْتَارَهُ ابْن أبي مُوسَى وَأَبُو الْحسن التَّمِيمِي وَقَالَ القَاضِي فِي مَوضِع وَقطع بِهِ أَبُو الْخطاب

ص: 376

والشريف فِي رُءُوس الْمسَائِل وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُمَا حقان يجب قضاؤهما من رَأس المَال فتساويا كديني الصِّحَّة وكما لَو ثبتا بِبَيِّنَة وكالمهر وكما لَو أقرّ لَهما جَمِيعًا فِي الْمَرَض ذكره القَاضِي وَغَيره مَحل وفَاق وَاعْترض الْمُخَالف بِأَن مهر الْمثل ثَبت بِالْعقدِ لَا بِالْإِقْرَارِ

فَقَالَ القَاضِي النِّكَاح ثَبت بِإِقْرَارِهِ لَا بِالْبَيِّنَةِ وَلِأَنَّهَا قد تكون مُطلقَة مِنْهُ فتستحق نصف الْمهْر فَإِذا أقرّ بِالدُّخُولِ اسْتحقَّت كَمَال الصَدَاق بِإِقْرَارِهِ فَيكون نصف الصَدَاق مُسْتَحقّا بِإِقْرَارِهِ

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِذا أقرّ فِي مَرضه بدين ثمَّ أقرّ لآخر أَو أقرّ فِي صِحَّته بدين ثمَّ أقرّ فِي مَرضه بوديعة أَو غصب أَو عَارِية فَتخرج على الْوَجْهَيْنِ وعَلى هَذَا لَو أقرّ بدين ثمَّ بوديعة لم يبعدالخلاف انْتهى كَلَامه

وَيَنْبَغِي أَن يكون إِن أقرّ لَهُ بِعَين أَن يكون الْمقر لَهُ أولى بهَا على الثَّانِي دون الأول وَلِهَذَا قَالَ فِي الرِّعَايَة وَلَو أقرّ بِعَين لزمَه فِي حَقه وَلم ينْفَرد بهَا الْمقر لَهُ حَتَّى يسْتَوْفى الْغُرَمَاء وَقيل بلَى

وَقَالَ فِي الْمُسْتَوْعب بعد حِكَايَة الرِّوَايَتَيْنِ فِي المحاصة قَالَ أَبُو الْحسن التَّمِيمِي وَكَذَلِكَ إِذا أقرّ بِعَين مَاله لزمَه الْإِقْرَار فِي حَقه وَلم ينْفَرد بِهِ الْمقر لَهُ حَتَّى يسْتَوْفى الْغُرَمَاء قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَهَذَا على الرِّوَايَة الأولة يَعْنِي عدم المحاصة

قَوْله وَالْأُخْرَى لَا يقبل فِيمَا زَاد على الثُّلُث فَلَا يحاص دين الصِّحَّة لِأَنَّهُ مَمْنُوع من عَطِيَّة الزَّائِد على الثُّلُث لأَجْنَبِيّ كالوارث فِيمَا دونه وَعدم

ص: 377

المحاصة عَليّ هَذِه الرِّوَايَة وَاضح ذكره غير وَاحِد

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَيُؤْخَذ من معنى كَلَام غَيره فعلى هَذِه الرِّوَايَة يكون الْإِقْرَار بِمَا زَاد على الثُّلُث وَصِيَّة قَالَ وَكَذَلِكَ الْإِقْرَار بِالثُّلثِ كَذَا قَالَ فَلَو وصّى لآخر بِالثُّلثِ فعلى هَذِه الرِّوَايَة يَنْبَغِي أَن يتزاحما فِي الثُّلُث لِأَن رده فِيمَا زَاد على الثُّلُث إِجْرَاء لَهُ مجْرى الْوَصِيَّة وَلَو جَعَلْنَاهُ خَبرا مَحْضا لقبلناه وَلَا فرق اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُقَال للْمقر أَن يبطل حق الْمُوصى لَهُ بِالْإِقْرَارِ وَلَا يملك ذَلِك فِي حق الْوَرَثَة فاذا أقرّ كَانَ كَأَنَّهُ أبطل كل وَصِيَّة زاحمت هَذَا الْإِقْرَار لَكِن على هَذَا تبطل الْوَصَايَا الْمُزَاحمَة لَهُ وَكِلَاهُمَا مُحْتَمل انْتهى كَلَامه

قَالَ فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَالْأُخْرَى لَا يَصح إِلَّا فِي مِقْدَار الثُّلُث إِلَّا أَن يُجِيز الْوَرَثَة بعد وَفَاة الْمقر كَمَا لَو كَانَ الْإِقْرَار لوَارث

قَوْله وَإِذا قَالَ هَذِه الْألف لقطَة فتصدقوا بِهِ وَلَا مَال لَهُ غَيره فَهَل يلْزمهُم التَّصَدُّق بِالْكُلِّ أَو بِالثُّلثِ على رِوَايَتَيْنِ سَوَاء صدقوه أَو كذبوه

ظَاهره أَن على إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ يلْزمهُم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ مُطلقًا وَالْأُخْرَى بِالْجَمِيعِ مُطلقًا وَهُوَ ظَاهر كَلَام أبي الْخطاب فِي الْهِدَايَة فَإِنَّهُ قَالَ لزم الْوَرَثَة أَن يتصدقوا بثلثها سَوَاء صدقوه أَو كذبوه

وَقَالَ شَيخنَا يلْزمهُم أَن يتصدقوا بجميعها وَهُوَ أَيْضا ظَاهر كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره

وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب مَا قدمه أَبُو الْخطاب ثمَّ قَالَ هَذَا على رِوَايَة الْجَمَاعَة أَن اللّقطَة تملك بعد الْحول وَعلي رِوَايَة حَنْبَل وَالْبَغوِيّ أَنَّهَا لَا تملك بعد الْحول دَرَاهِم كَانَت أَو غَيرهَا يلْزمهُم أَن يتصدقوا بجميعها انْتهى كَلَامه

ص: 378

وَفِيه نظر فَإِن الْكَلَام إِنَّمَا هُوَ على الْمَذْهَب وَلم يذكر أَبُو الْخطاب وَجَمَاعَة هَذِه الرِّوَايَة الغريبة فِي عدم ملك اللّقطَة وحكوا الْخلاف هُنَا وَلِهَذَا قطع أَبُو الْخطاب والشريف فِي رُءُوس الْمسَائِل بِوُجُوب التَّصَدُّق بِالْجَمِيعِ ونصبا الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة فِي الِاكْتِفَاء بِهِ بِالثُّلثِ وَعلل بِأَنَّهُ إِقْرَار لغير وَارِث فمعلوم أَنَّهُمَا لم يريدا بِهَذَا التَّفْرِيع على الرِّوَايَة الغريبة

وَقَالَ فِي الْخُلَاصَة مَا قدمه أَبُو الْخطاب ثمَّ قَالَ وَقيل تكون الْألف صدقه إِذا صدقوه انْتهى كَلَامه

وَكَلَام أبي الْخطاب وَغَيره يُخَالِفهُ وَذكر ابْن عبد القوى لُزُوم الصَّدَقَة بِالْجَمِيعِ أشهر الرِّوَايَتَيْنِ وَعلل بِأَنَّهُ إِقْرَار لأَجْنَبِيّ قَالَ وَسَوَاء صدقوه أَو كذبوه وَعنهُ يلْزمهُم الثُّلُث إِن كذبوه بِنَاء على الرِّوَايَة الْأُخْرَى فِي الْإِقْرَار للْأَجْنَبِيّ انْتهى كَلَامه

وَفِيه نظر وَهُوَ خلاف كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين وَالشَّيْخ مجد الدّين وَغَيرهمَا لِأَن بَعضهم هُنَا أطلق الْخلاف وَبَعْضهمْ قدم لُزُوم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ مَعَ اتِّفَاقهم على أَن الصَّحِيح صِحَة الْإِقْرَار لأَجْنَبِيّ وَعلل الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لُزُوم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ بِأَن الْأَمر بِالصَّدَقَةِ بِهِ وَصِيغَة بِجَمِيعِ المَال فَيلْزمهُ الثُّلُث وَعلل القَوْل الآخر بِأَن أمره بِالصَّدَقَةِ بِهِ يدل على تعديه فِيهِ على وَجه يلْزمه الصَّدَقَة بِجَمِيعِهِ فَيكون ذَلِك إِقْرَارا مِنْهُ لغير وَارِث فَيجب امتثاله

فقد ظهر من ذَلِك أَن الأولى أَن يُقَال نقلا ودليلا أَن على الْمَذْهَب وَهُوَ ملك اللّقطَة وَصِحَّة الْوَصِيَّة هَل يلْزمهُم التَّصَدُّق بِالثُّلثِ أَو بِالْجَمِيعِ على قَوْلَيْنِ

قَوْله وَإِذا أعتق عبدا أَو وهبه وَلَا يملك غَيره ثمَّ أقرّ بدين نفذ الْعتْق وَالْهِبَة وَلم يقبل الْإِقْرَار فِي نقضهَا نَص عَلَيْهِ

ص: 379

وَكَذَا حَكَاهُ الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره عَن نَص الإِمَام أَحْمد قاطعين بِهِ لِأَن الْحق ثَبت فِي التَّبَرُّع فِي الظَّاهِر فَلم يقبل إِقْرَاره فِيمَا يبطل بِهِ حق غَيره

قَوْله وَقيل يقبل

لثُبُوته عَلَيْهِ باعترافه كَمَا لَو ثَبت بِبَيِّنَة كَمَا سَاوَى دين الْمَرِيض الثَّابِت باعترافه دين الصِّحَّة وَتكلم بَعضهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة بِكَلَام عَجِيب

قَوْله وَإِذا أقرّ الْمَرِيض بدين ثمَّ بوديعة بِعَينهَا أَو بِالْعَكْسِ فَرب الْوَدِيعَة أَحَق بهَا

لِأَن صَاحب الدّين لَا يفوت حَقه بِفَوَات الْعين غَالِبا لثُبُوت حَقه فِي الذِّمَّة

قَوْله الثَّالِث إِقْرَاره بوارث فَعَنْهُ لَا يقبل وَعنهُ يقبل وَهُوَ الْأَصَح وَصَححهُ أَيْضا القَاضِي وَالشَّيْخ موفق الدّين وَغَيرهمَا وَقدمه جمَاعَة لِأَنَّهُ عِنْد الْإِقْرَار غير وَارِث وَوجه الآخر أَنه عِنْد الْمَوْت وَارِث وَلِأَنَّهُ إِقْرَار لوَارث أشبه مَا لَو أقرّ لَهُ بِمَال

قُلْنَا هَذَا إِقْرَار بِمَال من طَرِيق الحكم وَهُنَاكَ من طَرِيق الصَّرِيح وَالْأُصُول تفرق بَين الإقرارين أَلا ترى أَنه لَو اشْترى دَارا من زيد فاستحقت وَعَاد على زيد بِالثّمن ثمَّ ملكهَا الْمُشْتَرى لم يلْزمه تَسْلِيمهَا إِلَى زيد وَإِن كَانَ دُخُوله مَعَه فِي عقد الشِّرَاء إِقْرَارا مِنْهُ بِأَن الدَّار ملك لزيد وَلَو أقرّ صَرِيحًا بِأَن الدَّار ملك لزيد ثمَّ ملكهَا بِوَجْه من الْوُجُوه لزمَه تَسْلِيمهَا إِلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَو اشْترى إِنْسَان دَارا فاستحقت كَانَ لَهُ الرُّجُوع على البَائِع بالدرك وَلَو أقرّ بِأَن الدَّار للْبَائِع

ص: 380

ثمَّ اشْتَرَاهَا وَقَبضهَا مِنْهُ ثمَّ اسْتحقَّت لم يرجع عَلَيْهِ بِشَيْء ذكر هَذَا الْكَلَام القَاضِي فِي التَّعْلِيق وَذكره أَيْضا فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره

قَالَ الشَّيْخ موفق الدّين وَيُمكن بِنَاء هَذِه الْمَسْأَلَة على مَا إِذا أقرّ لغير وَارِث ثمَّ صَار وَارِثا فَمن صحّح الْإِقْرَار ثمَّ صَححهُ هَهُنَا وَمن أبْطلهُ أبْطلهُ وَمَا قَالَه صَحِيح

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام القَاضِي الَّذِي أَخذه من كَلَام الإِمَام أَحْمد إِنَّمَا يَقْتَضِي الْمَنْع إِذا كَانَ لَهُ وَارِث فَأَما من لَا وَارِث لَهُ إِذا أقرّ بوارث فقد نَص الإِمَام أَحْمد فِي الرِّوَايَتَيْنِ على قبُول قَوْله وَمن قَالَ بِأَنَّهُ كَالْوَصِيَّةِ فقد يخرج هَذَا على رِوَايَتَيْنِ انْتهى كَلَامه

قَوْله وَإِذا أقرّ العَبْد بِحَدّ أَو قَود أَو طَلَاق وَنَحْوه صَحَّ وَأخذ بِهِ فِي الْحَال إِلَّا قَود النَّفس فَإِنَّهُ يتبع بِهِ بعد الْعتْق نَص عَلَيْهِ

فِي رِوَايَة مهنا فَقَالَ إِذا أقرّ أَنه قتل عمدا وَأنكر مَوْلَاهُ فَلم يقم بَيِّنَة لم يجز إِقْرَاره قيل لَهُ يذهب دم هَذَا قَالَ يكون عَلَيْهِ إِذا عتق

وَكَذَلِكَ نقل ابْن مَنْصُور عَنهُ إِذا اعْترف بِالسَّرقَةِ أَو بِجرح فَهُوَ جَائِز وَلَا يجوز فِي الْقَتْل وَهَذَا هُوَ الْمَذْهَب والمنصور فِي كتب الْخلاف وَبِه قَالَ زفر والمزنى وَدَاوُد لِأَنَّهُ يسْقط حق السَّيِّد بِهِ أشبه الْإِقْرَار بقتل الْخَطَأ فَإِنَّهُ لَا يلْزمه فِي حَال رقّه ذكره القَاضِي وَغَيره مَحل وفَاق وَلِأَن من لَا يَصح

ص: 381

إِقْرَاره بقتل الْخَطَأ لَا يَصح إِقْرَاره بقتل الْعمد كَالصَّبِيِّ وَالْمَجْنُون وَقيل لَا يَصح إِقْرَاره بقود فِي النَّفس فَمَا دونهَا فَلَا يَصح إِقْرَاره بِمَال وَقيل فِي إِقْرَار العَبْد رِوَايَتَانِ بِالْقَتْلِ وَالتَّجْرِيح

قَوْله وَقَالَ ابْن عقيل وَأَبُو الْخطاب يُؤْخَذ بِهِ فِي الْحَال أَيْضا وَلَيْسَ للْمقر لَهُ الْعَفو على رَقَبَة العَبْد

لِئَلَّا يُفْضِي إِلَى إِيجَاب مَال فِي حق غَيره وَظَاهر كَلَام الْخرقِيّ أَنه يُؤْخَذ بِهِ فِي الْحَال أَيْضا

وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد حِكَايَة قَول ابْن عقيل وَأبي الْخطاب أَن القَاضِي قَالَه فِي ضمن مَسْأَلَة إِقْرَار الْمَرْأَة بِالنِّكَاحِ واحتجا بِهِ وَهُوَ مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة وَلِأَنَّهُ مَال فِي الْمَعْنى لِأَنَّهُ مَال لأحد نَوْعي الْقصاص فصح إِقْرَاره بِهِ كَمَا دون النَّفس

قَالَ وَبِهَذَا ينْتَقض الدَّلِيل الأول وَلِأَن إِقْرَار مَوْلَاهُ عَلَيْهِ بِهِ لَا يَصح فَلَو لم يقبل إِقْرَاره لتعطل وعفو الْمقر لَهُ بالقود على رَقَبَة العَبْد أَو على مَال لَيْسَ لَهُ من الْأَصْحَاب من ذكره وَمِنْهُم من لم يذكرهُ وَالشَّيْخ موفق الدّين تفقه فِيهِ فَقَالَ وَيَنْبَغِي وَقد عللوا القَوْل الأول بِأَنَّهُ مُتَّهم فِي أَن يقر لمن يعْفُو على مَال فَيسْتَحق رقبته ليخلص من سَيّده

قَوْله وَإِذا أقرّ لعبد بِجِنَايَة خطأ أَو غصب أَو سَرقَة أَو للْعَبد غير الْمَأْذُون لَهُ بِمَال عَن مُعَامَلَته أَو مُطلقًا لم يقبل على السَّيِّد

لِأَنَّهُ إِيجَاب حق فِي رَقَبَة مَمْلُوكه لمَوْلَاهُ فَلم يقبل إِقْرَاره على أحد سواهُ

ص: 382

وَقَوله غير الْمَأْذُون لَهُ يَعْنِي يقبل إِقْرَار الْمَأْذُون لَهُ فِي قدر مَا أذن لَهُ فِيهِ كَالصَّبِيِّ الْمَأْذُون لَهُ ذكره القَاضِي مَحل وفَاق فِي مَسْأَلَة الصَّبِي الْمَأْذُون لَهُ أَن إِقْرَار العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ لَا يلْزمه فِي الْحَال وَلَو كَانَ مَأْذُونا لَهُ لزمَه

قَوْله بل يتبع بِهِ بعد الْعتْق

عملا بِإِقْرَارِهِ على نَفسه وَهَذَا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ذكرهمَا الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره وَالْأُخْرَى يتَعَلَّق بِرَقَبَتِهِ كجنايته

قَوْله وَيقطع للسرقة فِي الْحَال

نَص عَلَيْهِ فِي رِوَايَة مهنا لما تقدم قَالَ فِي المغنى وَيحْتَمل أَن لَا يجب الْقطع لِأَن ذَلِك شُبْهَة وَهُوَ قَول أبي حنيفَة لِأَن هَذِه الْعين لم يثبت حكم السّرقَة فِيهَا فَلم يثبت الْقطع

وَقَالَ القَاضِي إِذا أقرّ العَبْد الْمَأْذُون لَهُ بِحَق لزمَه مِمَّا لَا يتَعَلَّق بِأَمْر التِّجَارَة كالقرض وَأرش الْجِنَايَة وَقتل الْخَطَأ وَالْغَصْب فَحكمه حكم العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ

وَقَالَ أَبُو الْخطاب وَغَيره لم يَصح قبل الْإِذْن قَالَ وَلَا يلْزم إِذا أقرّ بدين من جِهَة التِّجَارَة لِأَنَّهُ مَأْذُون فِيهِ ونصبوا الْخلاف مَعَ أبي حنيفَة فِي قَوْله مُعَلّق بِرَقَبَتِهِ وَقَالَ القَاضِي فَحكمه حكم العَبْد الْمَحْجُور عَلَيْهِ وَفِي رِوَايَتَانِ إِحْدَاهمَا يتَعَلَّق بِذِمَّتِهِ وَيتبع بِهِ بعد الْعتْق وَالثَّانيَِة بِرَقَبَتِهِ وَلَا يتَعَلَّق ذَلِك بِذِمَّة السَّيِّد رِوَايَة وَاحِدَة وَاسْتدلَّ القَاضِي بِأَنَّهُ أقرّ بِحَق يتَعَلَّق بِإِتْلَاف يثبت فِي ذمَّته كَمَا لَو أقرّ أَنه أفْضى امْرَأَة بكرا بإصبعه

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا الَّذِي قَالَه فِيهِ نظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا جعله الْقَرْض من دُيُون غير التِّجَارَة وَهُوَ خلاف مَا فِي هَذَا الْكتاب وَغَيره الثَّانِي

ص: 383