المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وَالشَّهَادَة والامتهان وَرُبمَا منع ذَلِك إِقَامَة الشَّهَادَة وَهَذَا قَول الشَّافِعِي - النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر - جـ ٢

[شمس الدين ابن مفلح]

الفصل: وَالشَّهَادَة والامتهان وَرُبمَا منع ذَلِك إِقَامَة الشَّهَادَة وَهَذَا قَول الشَّافِعِي

وَالشَّهَادَة والامتهان وَرُبمَا منع ذَلِك إِقَامَة الشَّهَادَة وَهَذَا قَول الشَّافِعِي وَلَا أعلم فِيهِ مُخَالفا انْتهى

وَظَاهر كَلَامه فِي الْمُحَرر وَغَيره من الْأَصْحَاب أَنه يسْتَحْلف فِي هَذَا وَيَقْضِي عَلَيْهِ بِالنّكُولِ لظَاهِر الْأَخْبَار وكسائر حُقُوق الْآدَمِيّ وإحلافهما لَيْسَ سَببا لتطرق الدَّعَاوَى عَلَيْهِمَا وَإِن كَانَ فَلَيْسَ هُوَ مَانِعا من الِاسْتِحْلَاف كَمَا أَنه لَيْسَ مَانِعا من إحضارهما مَعَ أَن فِيهِ امتهانا وَنَحْوه وَهُوَ سَبَب فِي تطرق الدَّعَاوَى

وَسَيَأْتِي بعد قَوْله إِنَّه لَا يحل كتمان الشَّهَادَة أَنه هَل تصح الدَّعْوَى بِالشَّهَادَةِ

‌فصل

فَإِن كَانَ الْحق لآدَمِيّ معِين لم تسمع الشَّهَادَة فِيهِ إِلَّا بعد الدَّعْوَى ذكره فِي المغنى وَغَيره لِأَن الشَّهَادَة فِيهِ حق لآدَمِيّ فَلَا تستوفى إِلَّا بمطالبته وإذنه وَلِأَنَّهُ حجَّة على الدَّعْوَى وَدَلِيل لَهَا فَلَا يجوز تَقْدِيمهَا عَلَيْهَا انْتهى كَلَامه

ص: 228

وَقد قَالَ مهنا سَأَلت أَبَا عبد الله عَن رجل ادّعى على رجل ألف دِرْهَم فَأَقَامَ شَاهدا بِأَلف ثمَّ جَاءَ آخر فَشهد لَهُ بِأَلف وَخَمْسمِائة فَقَالَ تجوز شَهَادَتهم على الْألف وَذكره عَن شُرَيْح وَظَاهره أَنه لَا تسمع شَهَادَته فِي الزَّائِد لعدم دَعْوَاهُ

وَقد ذكر الْأَصْحَاب أَن من كَانَت عِنْده شَهَادَة لآدَمِيّ لَا يعلمهَا لَهُ إِقَامَتهَا قبل إِعْلَامه بهَا لقَوْله عليه الصلاة والسلام

أَلا أنبئكم بِخَير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا رَوَاهُ مُسلم وَلَا يسْتَلْزم هَذَا جَوَاز الشَّهَادَة قبل الدَّعْوَى

وَذكر القَاضِي فِي التَّعْلِيق أَن الشُّهُود لَو شهدُوا بِحَق قبل دَعْوَى الْمُدعى قبلت شَهَادَتهم إِن شهدُوا بِمَا لَا يُعلمهُ صَاحب الْحق وَإِن شهدُوا بِمَا يُعلمهُ قبل أَن يَدعِيهِ لم تقبل وَفرق بَينه وَبَين الْيَمين أَنه لَو لم تسمع الشَّهَادَة أدّى إِلَى ضيَاع حَقه لِأَنَّهُ غير عَالم بِهِ فَيُطَالب بِهِ بِخِلَاف الْيَمين فَإِن الِامْتِنَاع من سماعهَا بعد حُضُوره لَا يُؤدى إِلَى إِسْقَاطهَا لِأَنَّهُ حق لَهُ وَهُوَ عَالم بِهِ وَلِأَن الشُّهُود إِذا علمُوا بِالْحَقِّ لَزِمَهُم إِقَامَة الشَّهَادَة لِأَن فِي الِامْتِنَاع كتمانها وَلَا يجوز أَن يلْزمهُم إِقَامَتهَا وَلَا تسميعها للْحَاكِم

ص: 229

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بعد ذكر كَلَام القَاضِي هَذَا وَهَذَا الَّذِي قَالَه القَاضِي من صِحَة الشَّهَادَة قبل الدَّعْوَى غَرِيب انْتهى كَلَامه

وَذكر القَاضِي فِي مَسْأَلَة شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة أَن الشَّهَادَة يعْتَبر فِيهَا لفظ الشَّهَادَة وَتقدم الدَّعْوَى بِخِلَاف الرِّوَايَة مِمَّا يدل على أَنه مَحل وفَاق

وَذكر أَيْضا فِي مَسْأَلَة الشَّاهِد وَالْيَمِين إِذا رَجَعَ الشَّاهِد أَن الْيَمين لَا تصح حَتَّى يطْلب الْمُدعى إحلافه وَتَصِح الشَّهَادَة من غير سُؤال جعله مَحل وفَاق مَعَ الشَّافِعِيَّة قَالَ وَإِنَّمَا افْتَرقَا من هَذَا الْوَجْه لِأَن الْيَمين حق للْمُدَّعى فَلَا تستوفى من غير مُطَالبَة وَالشَّهَادَة وَإِن كَانَت حَقًا لَهُ فقد لَا يعلم بهَا الْمُدعى فَيلْزم الشَّاهِد إِقَامَتهَا

وعَلى هَذَا الْمَعْنى حَدِيث زيد بن ثَابت أَلا أخْبركُم بِخَير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ أَو يخبر بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا وروى يخبر بِشَهَادَتِهِ وَلَا يعلم

ص: 230

بهَا الَّتِي هِيَ لَهُ وَذكر أَن الْيَمين لَا تصح حَتَّى يعرضهَا الْحَاكِم وَيَأْذَن فِيهَا وَتَصِح الشَّهَادَة من غير عرض الْحَاكِم وإذنه ذكره مَحل وفَاق قَالَ وَإِنَّمَا افْتَرقَا من هَذَا الْوَجْه لِأَن الْحَاكِم يستحلفه على نِيَّته ليمنعه من التَّأْوِيل فَإِذا حلف قبل أَن يستحلفه عدم هَذَا الْمَعْنى وَهَذَا مَعْدُوم فِي الشُّهُود فَلهَذَا لم يعْتَبر عرض الْحَاكِم عَلَيْهِم وَلِأَن فِي ترك الِاعْتِدَاد بِيَمِينِهِ قبل عرض الْحَاكِم ضربا من التَّغْلِيظ انْتهى كَلَامه

وَقَالَ فِي المغنى فِي الشَّهَادَات فِي فصل إِذا شهد رجلَانِ على رجلَيْنِ أَنَّهُمَا قتلا رجلا ثمَّ شهد الْمَشْهُود عَلَيْهِمَا على الْأَوَّلين أَنَّهُمَا اللَّذَان قتلا قَالَ فَإِن قيل فَكيف يتَصَوَّر فرض تصديقهم وتكذيبهم قُلْنَا يتَصَوَّر أَن يشهدَا قبل الدَّعْوَى إِذا لم يعلم الْوَلِيّ من قَتله وَلِهَذَا روى عَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَنه

قَالَ خير الشُّهَدَاء الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قبل أَن يسْأَلهَا وَهَذَا معنى ذَلِك انْتهى كَلَامه

ص: 231

وَذكر أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار مثل هَذ فِي قبُول شَهَادَة امْرَأَة وَاحِدَة فِيمَا لَا يطلع عَلَيْهِ الرِّجَال

وَقَالَ فِي الْكَافِي فِي أول بَاب اخْتِلَاف الشُّهُود إِذا ادّعى أَلفَيْنِ على رجل فَشهد شَاهد بهَا وَشهد لَهُ آخر بِأَلف ثَبت الْألف بِشَهَادَتِهِمَا لاتِّفَاقهمَا وَيحلف مَعَ شَاهده على الْألف الْأُخْرَى لِأَن لَهُ بِهِ شَاهدا وَسَوَاء شهِدت الْبَيِّنَة بِإِقْرَار الْخصم أَو بِثُبُوت الْحق عَلَيْهِ وَسَوَاء ادّعى ألفا أَو أقل مِنْهُ لِأَنَّهُ يجوز أَن يكون لَهُ الْحق فيدعى بعضه وَيجوز أَن لَا يعلم أَن لَهُ من يشْهد بِجَمِيعِهِ انْتهى كَلَامه

ص: 232

فَهَذِهِ ثَلَاثَة أَقْوَال أَحدهَا الْمَنْع إِلَّا بعد الدَّعْوَى وَالثَّانِي الْجَوَاز إِذا لم يعلم صَاحبه وَيَنْبَغِي على هَذَا أَن يصدق صَاحبه فِي عدم الْعلم إِذا لم تخَالفه قرينَة وَالثَّالِث يجوز ضمنا وتبعا لَا اسْتِقْلَالا كَمَا فِي الدَّعْوَى للْغَيْر وَعَلِيهِ تبعا وَسَتَأْتِي هَذِه الْمَسْأَلَة بعد مَسْأَلَة

وَإِذا قَالَ من لَهُ بَيِّنَة بِأَلف أُرِيد أَن تشهد لي بِخَمْسِمِائَة ثمَّ هَل يعْتَبر أَن يكون ثمَّ عَلَيْهِ وَقد ذكر الْأَصْحَاب أَن الْحَاكِم يسمع الْبَيِّنَة على الْوكَالَة من غير حُضُور خصم وَكَذَا عِنْد مَالك وَالشَّافِعِيّ وَظَاهره أَنه لَو ادّعى على شخص أَنه وَكله سمع الْحَاكِم دَعْوَاهُ وبينته وَأثبت ذَلِك من غير نصب خصم لِأَن الْمَقْصُود هُنَا الْفَصْل

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَإِذا كَانَ الْحق مُؤَبَّدًا كالوقف وَغَيره وَيخَاف إِن لم يحفظ بِالْبَيِّنَاتِ أَن ينسى شَرطه أَو يجْحَد وَلَا بَيِّنَة وَنَحْو ذَلِك فَهُنَا فِي سَماع الدَّعْوَى وَالشَّهَادَة من غير خصم حفظ الْحق الْمَوْجُود عَن خصم مُقَدّر وَهَذَا أحد مقصودي الْقَضَاء فَلذَلِك يسمع طوائف من الْحَنَفِيَّة وَالشَّافِعِيَّة والحنابلة

ص: 233

فَعنده لَيْسَ للْقَضَاء فَائِدَة إِلَّا فصل الْخُصُومَة وَلَا خُصُومَة فَلَا قَضَاء فَلذَلِك لَا تسمع الْبَيِّنَة إِلَّا فِي وَجه مدعى عَلَيْهِ لتظهر الْخُصُومَة وَمن قَالَ بالخصم المسخر فَإِنَّهُ ينصب الشَّرّ ثمَّ يقطعهُ وَمن قَالَ يسمع فَإِنَّهُ يحفظ الْحق الْمَوْجُود ويذر الشَّرّ الْمَفْقُود

وَقَالَ أَيْضا وَتارَة تكون الدَّعْوَى خَبرا لَيْسَ مَعهَا طلب أجل كالادعاء بدين مُؤَجل انْتهى كَلَامه

وَقَالَ أَيْضا وَمن الدَّعَاوَى مَا يكون على غير مدعى عَلَيْهِ مَوْجُود مثل رجل ابْتَاعَ شَيْئا وتسلمه فيدعى أَنه ابْتَاعَ وتسلم أَو يَدعِي أَن الْمَكَان الَّذِي بِيَدِهِ وقف على كَذَا وَنَحْو ذَلِك فَهَذَا ضمونه دَعْوَى تثبت لَا دَعْوَى حكم فَإِن الطَّالِب إِمَّا أَن يطْلب إِقْرَارا أَو إِعْطَاء وَطلب الْإِقْرَار مَقْصُوده هُوَ الإعطا فَإِذا طلب إِقْرَارا من معِين لأ طلب مَعَه فَطلب من الْحَاكِم تثبتا بِأَن يسمع الشَّهَادَة

ص: 234

أَو الْإِقْرَار فَهَذَا نوع وَاسع لما احْتَاجَ إِلَيْهِ النَّاس أَحْدَثُوا الْخصم المسخر وَالدَّعْوَى المسخرة وَهُوَ بَاطِل وتلاعب بالشريعة وَهُوَ مَوْقُوف على سَماع الدَّعْوَى الْمُقْتَضِيَة للثبوت فَقَط لَا الحكم فَائِدَته بَقَاء الْحجَّة إِن حدث مُنَازع وَكَأَنَّهُ دَعْوَى على خصم مظنون الْوُجُود أَو خصم مُقَدّر وَهَذَا قد يدْخل فِي كتاب القَاضِي وَفَائِدَته كفائدة الشَّهَادَة على الشَّهَادَة وَهُوَ مثل كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي إِذا كَانَ فِيهِ ثُبُوت مَحْض فَإِنَّهُ هُنَاكَ يكون مُدع فَقَط من غير مدعى عَلَيْهِ حَاضر لَكِن هُنَا لَا مدعي عَلَيْهِ حَاضر وَلَا غَائِب لَكِن الْمُدَّعِي عَلَيْهِ مخوف فَإِنَّمَا الْمُدعى يطْلب من القَاضِي سَماع الْبَيِّنَة أَو الْإِقْرَار كَمَا يسمع ذَلِك شُهُود الْفَرْع فَيَقُول القَاضِي ثَبت ذَلِك عِنْدِي بِلَا مدعى عَلَيْهِ وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيد وَقد ذكره قوم من الْفُقَهَاء وَفعله طَائِفَة من الْقُضَاة انْتهى كَلَامه

وَبنى القَاضِي وَالْأَصْحَاب سَماع الْبَيِّنَة بِالْوكَالَةِ على الْقَضَاء على الْغَائِب وَهُوَ جَائِز عِنْد أبي حنيفَة وَرِوَايَة لنا

ص: 235

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين بِنَاء هَذِه الْمَسْأَلَة على الْقَضَاء على الْغَائِب فِيهِ نظر من وَجْهَيْن

أَحدهمَا أَنه يخرج فِيهَا رِوَايَتَانِ

الثَّانِي أَن الْخصم الْحَاضِر فِي الْبَلَد لَا يجوز الْقَضَاء عَلَيْهِ إِذا لم يمْتَنع وَهنا يثبتون الْوكَالَة وَإِن كَانَ الْخصم حَاضرا فِي الْبَلَد فَلَيْسَ هَذَا من هَذَا بل الأجود أَن يُقَال الْوكَالَة لَا تثبت حَقًا وَإِنَّمَا تثبت اسْتِيفَاء حق وإبقاءه وَذَلِكَ مِمَّا لَا حق للْمُدَّعى عَلَيْهِ فِيهِ فَإِنَّهُ سيان عَلَيْهِ دفع الْحق إِلَى هَذَا الْوَكِيل أَو إِلَى غَيره وَلِهَذَا لم يشْتَرط فِيهَا رِضَاهُ وَأَبُو حنيفَة يَجْعَل للْمُوكل عَلَيْهِ فِيهَا حَقًا وَلِهَذَا لَا يجوز الْوكَالَة بِالْخُصُومَةِ إِلَّا برضى الْخصم لَكِن طرد هَذِه الْعلَّة أَن الْحِوَالَة بِالْحَقِّ أَيْضا تثبت من غير حُضُور الْمحَال عَلَيْهِ لِأَنَّهُ لَا يعْتَبر رِضَاهُ وَكَذَلِكَ الْوَفَاة وَعدد الْوَرَثَة يثبت من غير حُضُور الْمَدِين وَالْمُودع وَكَذَلِكَ لَو ادّعى أَنه ابْتَاعَ دَار

ص: 236

زيد الْغَائِب فَلهُ أَن يثبت ذَلِك من غير حُضُور من الدَّار فِي يَده

وَحَاصِله أَن كل من عَلَيْهِ دين لَو عِنْده عين إِذا لم نعتبر رِضَاهُ فِي إقباضها أَو إخْرَاجهَا عَن ملكه لَا يعْتَبر حُضُوره فِي ثُبُوتهَا وعَلى هَذَا فَيجوز أَن تثبت الْوكَالَة بِعلم القَاضِي كَمَا تثبت الشَّهَادَة وتوكيل عَليّ بن أبي طَالب لعبد الله بن جَعْفَر كالدليل على ذَلِك فَإِنَّهُ أعلم الْخُلَفَاء أَنه وَكله وَلم يشْهد على ذَلِك وَلَا أثبتها فِي وَجه خصم وَهَذَا كُله فِي غيبَة الْمُوكل عَلَيْهِ فَأَما الْمُوكل إِذا كَانَ حَاضرا فِي الْبَلَد فَلَا ريب أَن رِضَاهُ مُعْتَبر فِي الْوكَالَة وَقد يكون عَلَيْهِ ضَرَر فِي ثُبُوتهَا فَإِن اشْترط حُضُوره تعذر إِثْبَاتهَا بِالْبَيِّنَةِ لِأَن جحوده عزل فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَهُنَا قد يُقَال لَيْسَ فِي هَذَا قَضَاء عَلَيْهِ بل هُوَ لَهُ من وَجه آخر فَإِن التَّوْكِيل مثل الْولَايَة بِالشَّهَادَةِ على الْمولى مَعَ حُضُوره فِي الْبَلَد وَمن هَذَا كتاب الْحَاكِم إِلَى الْحَاكِم فِيمَا حكم بِهِ انْتهى كَلَامه

ص: 237

وَقَالَ ابْن حمدَان تسمع الدَّعْوَى بدين مُؤَجل لإثباته إِذا خَافَ سفر الشُّهُود أَو الْمَدْيُون مُدَّة تغير أَجله وَقيل لَا تسمع حَتَّى يبين بَاقِيهَا وَذكر أَيْضا أَنه تسمع دَعْوَى التَّدْبِير ثمَّ قَالَ من عِنْده إِن قُلْنَا إِنَّه عتق بِصفة قَالَ غَيره تسمع الدَّعْوَى لِأَنَّهُ يَدعِي اسْتِحْقَاق الْعتْق وَيحْتَمل أَن تصح الدَّعْوَى لِأَن السَّيِّد إِذا أنكر كَانَ بِمَنْزِلَة إِنْكَار الْوَصِيَّة وإنكار الْوَصِيَّة رُجُوع عَنْهَا فِي أحد الْوَجْهَيْنِ فَيكون إِنْكَار التَّدْبِير رُجُوعا عَنهُ وَالرُّجُوع عَنهُ يُبطلهُ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ وَالصَّحِيح أَن الدَّعْوَى صَحِيحَة لِأَن الرُّجُوع عَن التَّدْبِير لَا يُبطلهُ فِي الصَّحِيح من الْمَذْهَب وَلَو أبْطلهُ فَمَا ثَبت كَون الْإِنْكَار رُجُوعا وَلَو ثَبت ذَلِك فَلَا يتَعَيَّن الْإِنْكَار جَوَابا للدعوى فَإِنَّهُ يجوز أَن يقر

وَقد عرف من هَذِه الْمَسْأَلَة إِثْبَات الْوكَالَة فِي وَجه الْمُوكل وَيُشبه هَذَا إِثْبَات الْوَصِيَّة

ص: 238

قَالَ الْخلال بَاب الرجل يزْعم أَنه وكل وَالْمُوكل غَائِب قَالَ مهنا سَأَلت الإِمَام أَحْمد عَن رجل أَقَامَ بَيِّنَة أَنه وَكيل لرجل وَالَّذِي يدعى وكَالَته فِي بَلْدَة أُخْرَى قَالَ تثبت عِنْد الْحَاكِم فَقلت لَهُ لَا بُد أَن يثبت وكَالَته عِنْد الْحَاكِم قَالَ نعم حَتَّى يسْأَل الْحَاكِم عَن بَينته إِن كَانُوا عُدُولًا

وَقَالَ الْجوزجَاني سُئِلَ الإِمَام أَحْمد عَن رجل ادّعى وكَالَة رجل غَائِب قَالَ إِذا ثَبت ذَلِك عِنْد الْحَاكِم فَهُوَ جَائِز

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِي هَذِه الْمَسْأَلَة ثُبُوت الْوكَالَة وَسَمَاع الْبَيِّنَة بِمُجَرَّد دَعْوَى الْمُدعى للوكالة من غير حُضُور مدعى عَلَيْهِ فَكَذَلِك الْوَصِيَّة لِأَن الْحَاضِرين الَّذِي تقبض الْأَمْوَال مِنْهُم وتخاصمهم لَيْسُوا خصوما لذَلِك فِي وَصيته وَإِنَّمَا هم خصوم فِي الْمُوكل بِهِ وَالْمُوكل الَّذِي يَسْتَوْفِي هَذَا على مَاله غَائِب وَالْوكَالَة لَيست قَضَاء عَلَيْهِ بل قَضَاء لَهُ وَعَلِيهِ فَهَذِهِ الْمَسْأَلَة لَيست قَضَاء على الْغَائِب بل قَضَاء عَلَيْهِ وَله انْتهى كَلَامه

وَقَالَ ابْن عقيل فِي الشَّهَادَات وَإِن كَانَت الدَّعْوَى على الْمَيِّت لَيست مَالا

ص: 239

لَكِن أسبابا تؤول إِلَى إِيجَاب المَال مثل أَن ادّعى مُدع أَن أَبَاكُم ضرب عَبدِي هَذَا بِغَيْر حق وَهُوَ على ضَرُورَة من ضربه أَخَاف مَوته أَو أجج نَارا فِي ملكه مَعَ هَذِه الرّيح وَفِي زرع بِقرب ضيعته وأخاف تعدى النَّار إِلَى ضيعتي احْتمل أَن لَا يلْزمهُم الْجَواب لِأَنَّهُ لم يتَحَقَّق دَعوَاهُم حَتَّى يُوجب غَرَامَة مَال وَلَهَب فِي خَاص الْملك لَا يُوجب غَرَامَة فَإِن مَاتَ العَبْد وَاحْتَرَقَ الزَّرْع سَمِعت الدَّعْوَى وَوَجَب الْجَواب لتحَقّق دَعْوَى مَا يُوجب الضَّمَان

وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَيْضا فِي تَعْلِيق آخر الدَّعَاوَى قَالَ لما امْتنع أَصْحَاب أبي حنيفَة من سَماع الْبَيِّنَة من غير الْمُدعى عَلَيْهِ رتبوا نصب خصم لَا يسْتَغْنى بِهِ عَن حُضُور الْمُدعى عَلَيْهِ من تَوْكِيل الْمَدِين وَالْوَصِيَّة إِلَيْهِ وَمَا يصنعه الْوَكِيل وَالْحَاكِم لاشتراطهم مجْلِس الحكم مَعَ الْحَاكِم إِيَّاه فَأَما وصف مَا رتبوه فَإِنَّهُم كتبُوا تَوْكِيل الْمقر للْمَدِين وَرُبمَا جعلُوا التَّوْكِيل لَهُ ولابنه أَو لَهُ وَلآخر

ص: 240