المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قطع بِهِ فِي الْمُحَرر وَصَححهُ أَيْضا فِي الرِّعَايَة وَهُوَ قَول - النكت والفوائد السنية على مشكل المحرر - جـ ٢

[شمس الدين ابن مفلح]

الفصل: قطع بِهِ فِي الْمُحَرر وَصَححهُ أَيْضا فِي الرِّعَايَة وَهُوَ قَول

قطع بِهِ فِي الْمُحَرر وَصَححهُ أَيْضا فِي الرِّعَايَة وَهُوَ قَول أبي يُوسُف لِأَن الْعَادة جَارِيَة بِالْقَبْضِ فبله فَيحْتَمل صِحَة مَا قَالَه فَيحلف لنفي الِاحْتِمَال وَهَذَا خلاف الشَّهَادَة على الْقَبْض قبله لِأَنَّهَا تكون شَهَادَة زور لِأَن إِنْكَاره مَعَ الشَّهَادَة تَكْذِيب لَهَا وَطعن فِيهَا بِخِلَاف الْإِقْرَار وَلِأَنَّهُ يُمكن إِقْرَاره بِنَاء على وَكيله وظنه وَالشَّهَادَة لَا تجوز إِلَّا على يَقِين

قَوْله وَعنهُ لَا يملكهُ

ذكر أَبُو الْخطاب وَجَمَاعَة فِي هَذِه الْمَسْأَلَة رِوَايَتَيْنِ وَذكر غير وَاحِد وَجْهَيْن وَالشَّيْخ موفق الدّين ذكر الطَّرِيقَيْنِ فِي كَلَامه

وَهَذِه الرِّوَايَة نصرها جمَاعَة مِنْهُم أَبُو الْخطاب والشريف فِي رُءُوس الْمسَائِل وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَمُحَمّد والمحكى عَن الشَّافِعِي كالقول الأول فَمن أَصْحَابه من حمله على ظَاهره وَمِنْهُم من تَأَوَّلَه وَلم يُوجب الْيَمين

قَالَ بَعضهم وَهُوَ الْأَشْبَه لِأَن الْإِقْرَار يمْنَع الِاسْتِحْلَاف فِي حق الْمقر لَهُ بِدَلِيل أَنه لَو قَالَ لفُلَان عَليّ ألف دِرْهَم ثمَّ قَالَ استحلفوه لي أَنه لَهُ على هَذِه الْألف لم يكن لَهُ ذَلِك كَذَا هُنَا

قَالَ جمَاعَة وَلَا يشبه هَذَا إِذا أقرّ بِالْبيعِ وَادّعى أَنه تلجئة إِن قُلْنَا إِن ذَلِك يقبل لِأَنَّهُ لم يَنْفَعهُ مَا أقرّ بِهِ وَلِأَن دَعْوَاهُ تَكْذِيب لإِقْرَاره فَلَا تسمع كَمَا لوأقر الْمضَارب أَنه ربح ألفا ثمَّ قَالَ غَلطت وَلِأَنَّهُ لَو قَالَ أحلفوه مَعَ يَمِينه لم يسْتَحْلف لَهُ كَذَا هُنَا

‌فرع

وَكَذَلِكَ الحكم لَو أقرّ أَنه اقْترض مِنْهُ ألفا وَقَبضهَا وَقَالَ لَهُ عَليّ ألف أَو قَالَ لَهُ ألف ثمَّ قَالَ مَا كنت قبضتها وَإِنَّمَا أَقرَرت لأقبضها ذكره فِي المغنى

ص: 451

قَوْله وَإِذا ادّعى اثْنَان دَارا فِي يَد ثَالِث أَنَّهَا شركَة بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ فَأقر لأَحَدهمَا بِنِصْفِهَا فالمقر بِهِ بَينهمَا عِنْد أبي الْخطاب

لم أجد فِي كَلَام الشَّيْخ موفق الدّين خلاف هَذَا وَقطع بِهِ فِي الْمُسْتَوْعب وَغَيره وَذَلِكَ لاعترافهما بإشاعة الدَّار وَالْمقر بِهِ بَينهمَا كالباقي

قَوْله وَقَالَ القَاضِي إِن أضافا الشّركَة إِلَى سَبَب رَجَعَ فِي تَفْسِيره إِلَيْهِ

من إِرْث أَو غنيمَة أَو شِرَاء وَنَحْوه وَلم يَكُونَا قبضاها بعد الْملك لَهَا فَكَذَلِك وَإِلَّا اخْتصَّ الْمقر لَهُ بالمقر بِهِ

لِأَنَّهُمَا إِذا لم يضيفا الشّركَة إِلَى سَبَب وَاحِد يحْتَمل أَن كل جُزْء من الدَّار مُشْتَرك بَينهمَا وَيحْتَمل أَن تكون لَهما نِصْفَيْنِ وَهِي شركَة بَينهمَا بِالسَّوِيَّةِ وَمَعَ الِاحْتِمَال لم يحصل اعترافهما بالاشتراك فِي كل جُزْء فَيخْتَص الْمقر لَهُ بالمقر بِهِ كَمَا لَو ادّعى كل وَاحِد مِنْهُمَا نصفهَا وَلَا يحْتَاج أَن يَقُول معينا كَمَا زَاده بَعضهم وَإِن أضَاف الشّركَة إِلَى سَبَب وَاحِد وقبضاها بعد الْملك لَهَا فقد حصلت يَد كل وَاحِد مِنْهُمَا على نصفهَا فَيخْتَص بِهِ وَحكى فِي الرِّعَايَة قولا كَقَوْل القَاضِي وَلم يذكر كقبضهما بعد الْملك بِالشِّرَاءِ فيترتب عَلَيْهِ حكم ولبعضهم فِي هَذِه الْمَسْأَلَة كَلَام عَجِيب

قَوْله وَمن أقرّ لرجل بِأَلف فِي وَقْتَيْنِ لزمَه ألف وَاحِد

وَبِه قَالَ مَالك وَالشَّافِعِيّ لِأَنَّهُ يحْتَمل التَّأْكِيد وَغَيره وَالْأَصْل بَرَاءَة الذِّمَّة اقْتصر كثير من الْأَصْحَاب على هَذَا الدَّلِيل وَفِيه نظر لِأَن الْكَلَام يحمل على حقيقتة واصله وَمَا تشتغل بِهِ الذِّمَّة وَحَقِيقَته وَأَصله التأسيس فيتعدد

ص: 452

كَمَا لَو قَالَ ألف وَألف عملا بِأَصْلِهِ وَهُوَ التغاير مَعَ احْتِمَاله التَّأْكِيد وَاسْتدلَّ بَعضهم بِأَن الْعرف يشْهد بذلك وَلذَلِك لَو قَالَ شخص رَأَيْت زيدا ثمَّ قَالَ رَأَيْت زيدا كَانَ زيد الثَّانِي زيدا الأول والرؤية الثَّانِيَة هِيَ الأولة وَهَذِه دَعْوَى حَقِيقَة عرفية تفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عدمهَا وَبَقَاء الْحَقِيقَة اللُّغَوِيَّة وَاسْتدلَّ بَعضهم بِأَن الله تَعَالَى كرر الْخَبَر عَن جمَاعَة من الرُّسُل عَلَيْهِم الصَّلَاة وَالسَّلَام وَلم يكن الْمَذْكُور فِي قصَّة غير الْمَذْكُور فِي أُخْرَى كَذَا هَهُنَا وَفِيه نظر لأَنا لَا نمْنَع من اسْتِعْمَال الْمجَاز وَالظَّاهِر يَزُول بالقاطع

وَعَن أبي حنيفَة رِوَايَة كَهَذا القَوْل مَعَ اتِّحَاد الْمجْلس فَقَط وَالْمَشْهُور عَنهُ أَنه يلْزمه أَلفَانِ وَهُوَ الْأَصَح عِنْد أَصْحَابه وَسَوَاء كَانَ الْإِقْرَار بِمَا فِي الذِّمَّة أَو بِمَا فِي الْيَد وَإِن عرفه فقد وَافق أَبُو حنيفَة أَنه الأول وَهُوَ وَاضح لِأَن اللَّام للْعهد كَقَوْلِه تَعَالَى 73 16 {فعصى فِرْعَوْن الرَّسُول}

وَكَذَلِكَ لَو شهد لَهُ بِأَلف ثمَّ ادّعى عَلَيْهِ بِأَلف عِنْد القَاضِي فَأقر بِأَلف فَقَالَ الطَّالِب لي عَلَيْهِ ألف أُخْرَى وَأَنا أقيم الْبَيِّنَة فَالْقَوْل قَول الْمَطْلُوب فِي أَن الْمَشْهُود بِهِ هُوَ الْمقر بِهِ بِخِلَاف الإقرارين وَكَذَلِكَ لَو سلم أَنه لَو قَالَ لَهُ عَليّ دِرْهَم دِرْهَم أَنه لَا يلْزمه إِلَّا دِرْهَم وَاحِد بِخِلَاف الاقرارين فِي دفعتين وَلَو قَالَ لَهُ على ألف من ثمن هَذَا الْمَتَاع بِعَيْنِه ثمَّ أقرّ بِهِ فِي مجْلِس آخر فَهُوَ إِقْرَار بِشَيْء وَاحِد وفَاقا كَمَا أَنه لَو عزا الأولى إِلَى بيع وَالثَّانِي إِلَى آخر لزم الألفان وفَاقا

قَوْله إِلَّا أَن يذكر مَا يَقْتَضِي التَّعَدُّد كأجلين أَو شَيْئَيْنِ أَو سكتين وَنَحْوه فَيلْزمهُ أَلفَانِ وَقد تقدم

لِأَن تغاير الصِّفَات دَلِيل على تغاير الموصوفات كمن قَالَ قبضت ألفا يَوْم السبت وألفا يَوْم الْأَحَد بِخِلَاف تعدد الْإِشْهَاد وَإِن قيد أحد الإقرارين بِسَبَب وَأطلق الآخر حمل الْمُطلق على الْمُقَيد فَيكون ألفا وَاحِدًا مَعَ الْيَمين

ص: 453

وَلَو شهد بِكُل إِقْرَار شَاهد جمع قَوْلهمَا لِاتِّحَاد الْمخبر عَنهُ وَلَا جمع فِي الْأَفْعَال

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين كَلَام أَصْحَابنَا فِي الْمَسْأَلَة يَقْتَضِي أَن يكون الْإِخْبَار كُله من الشَّهَادَة وَنَحْوهَا كَالْإِقْرَارِ بِخِلَاف الإنشاءات كتقرير الطَّلَاق وَكَذَلِكَ صرح القَاضِي بِالْفرقِ بَين الْإِخْبَار والإيقاع فان مَا وَقع مرّة لَا يَقع ثَانِيَة بِخِلَاف مَا أخبر بِهِ مرّة فَإِنَّهُ يخبر بِهِ ثَانِيَة

قَوْله قد ذكرنَا صِحَة اسْتثِْنَاء الْأَقَل دون الْأَكْثَر

نَص أَحْمد على ذَلِك وَذكر الشَّيْخ موفق الدّين أَنه لَا يعلم فِي ذَلِك خلافًا وَحكى غَيره الْإِجْمَاع وَحَكَاهُ أَيْضا هُوَ فِي اسْتثِْنَاء الْكل لِأَن اسْتثِْنَاء الْأَقَل لُغَة الْعَرَب وَهُوَ فِي الْكتاب وَالسّنة كثير وَعَكسه اسْتثِْنَاء الْكل

وَقد قَالَ ابْن طَلْحَة الْمَالِكِي فِي كتاب الْمدْخل فِيمَا إِذا قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا ثَلَاثًا فِي لُزُوم الطَّلَاق لَهُ قَولَانِ بِنَاء على أَنه اسْتثِْنَاء أَو أَنه نَدم

قَالَ الْقَرَافِيّ فَعدم اللُّزُوم يَقْتَضِي جَوَاز اسْتثِْنَاء الْكل من الْكل

قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين لَيْسَ كَذَلِك وَإِنَّمَا على قَول مَالك يمشي هَذَا

وَقد تقدم أَصله قَالَ وَذَهَبت طَائِفَة من أهل الْعَرَبيَّة إِلَى أَنه يجوز أَن يسْتَثْنى عقد صَحِيح مثل الْعشْرَة وَالْعِشْرين من الْمِائَة الْوَاحِدَة والاثنين من الْعشْرَة بل بعض عقد كالخمسة من الْمِائَة وَالنّصف من الْعشْرَة انْتهى كَلَامه

وَحكى بَعضهم هَذَا عَن ابْن عُصْفُور وَلم أَجِدهُ فِي كَلَامه وَكَلَام الْأَئِمَّة ولغة الْعَرَب يَقْتَضِي عدم الْفرق وَهُوَ أولى

وَقَوله وَدون الْأَكْثَر على الْأَصَح

نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِي الطَّلَاق فِي رِوَايَة إِسْحَاق فِيمَن قَالَ أَنْت طَالِق ثَلَاثًا إِلَّا اثْنَتَيْنِ هِيَ ثَلَاث وَقطع بِهِ أَكثر الْأَصْحَاب حَتَّى قَالَ فِي المغنى لَا يخْتَلف الْمَذْهَب فِيهِ وَبِه قَالَ أَبُو يُوسُف وَمُحَمّد بن الْملك بن الْمَاجشون

ص: 454

وَذكر القَاضِي بن معتب فِي وثائقه أَنه مَذْهَب مَالك وَأَصْحَابه وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنه قَول نحاة الْبَصْرَة وَذكر ابْن هُبَيْرَة أَن قَول أهل اللُّغَة يُوَافق هَذَا القَوْل وَحَكَاهُ ابْن عقيل عَن القَاضِي أبي بكر بن الباقلاني وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْن درسْتوَيْه والزجاج وَأَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي وَابْن قُتَيْبَة وَابْن جنى وَابْن عُصْفُور وَغَيرهم

وَقَالَ ابْن عبد الْقوي وَكَذَا أَكثر أهل اللُّغَة من الْأَئِمَّة الْمُتَقَدِّمين وَإِذا مَنعه أهل اللُّغَة لم يكن صَحِيحا وَلِأَن الِاسْتِثْنَاء وضع لِمَعْنى وَهُوَ الِاسْتِدْرَاك أَو الِاخْتِصَار وَلَيْسَ فِي الْحِكْمَة وجود ذَلِك فِي الْأَكْثَر ولأنا نمْنَع وجود ذَلِك فِي شرع أَو لُغَة أَو عَادَة فثبوته يفْتَقر إِلَى دَلِيل وَالْأَصْل عَدمه فعلى هَذَا لَا فرق عِنْد الْأَصْحَاب بَين اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر من عدد مُصَرح بِهِ إِلَّا تسعين وَنَحْوه أَولا

وَفِي كَلَام بَعضهم الْجَوَاز إِذا لم يكن كَذَلِك نَحْو قَوْلك خُذ مَا فِي الْكيس من الدَّرَاهِم إِلَّا السُّلْطَانِيَّة أَو قدم بَنو فلَان أَو الْحَاج إِلَّا المشاة وَإِن كَانَ الْمُسْتَثْنى أَكثر من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ وَالْقَوْل الآخر عندنَا يَصح اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَقد ذكر القَاضِي وَجها وَاخْتَارَهُ فِيمَا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ ثَلَاثَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ أَنه يلْزمه دِرْهَمَانِ وَهَذَا إِنَّمَا يَجِيء على القَوْل بِصِحَّة اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَهُوَ قَول أبي حنيفَة وَالشَّافِعِيّ وأصحابهما وَهُوَ الْمَشْهُور من مَذْهَب مَالك نَقله صَاحب الْجَوَاهِر وَغَيره كَقَوْلِه تَعَالَى {إِن عبَادي لَيْسَ لَك عَلَيْهِم سُلْطَان إِلَّا من اتبعك من الغاوين} والغاوون أَكثر بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى 12 103 {وَمَا أَكثر النَّاس وَلَو حرصت بمؤمنين} وَأجِيب بِأَن الغاوين أقل لِأَن الْمَلَائِكَة من الْعِبَادَة قَالَ الله تَعَالَى 21 26 {بل عباد مكرمون} وَكَون السِّيَاق فِي بني آدم لَا يمْنَع الْعُمُوم وَبِأَن الْمُسْتَثْنى مِنْهُ غير عدد صَرِيح أجَاب بِهِ القَاضِي وَأَصْحَابه وَبِأَن الِاسْتِثْنَاء فِي الْآيَة من غير الْجِنْس إِمَّا المُرَاد

ص: 455