الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الإِمَام أَحْمد من لعب بالحمام الطيارة يراهن عَلَيْهَا أَو يسرحها من الْمَوَاضِع لعبا وَفِي لفظ أَو يسيرها فِي الْمزَارِع فَلَا يكون هَذَا عدلا لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم رأى رجلا يسرح حَماما ثمَّ أتبعه بَصَره فَقَالَ
شَيْطَان يتبع شَيْطَانَة وَهَذَا الحَدِيث فِي السّنَن
فصل
قد تقدم أَن اللّعب إِذا لم يتَضَمَّن ضَرَرا وَلَا شغلا عَن فرض وَلَيْسَ فِيهِ دناءة لَا ترد بِهِ الشَّهَادَة
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين قَول النَّبِي صلى الله عليه وسلم
كل لَهو يلهو بِهِ فَهُوَ بَاطِل إِلَّا رمية بقوس وتأديب فرسه وملاعبته امْرَأَته فَإِنَّهُنَّ من الْحق يدل فِي معني الثَّلَاثَة مَا كَانَ من جنسهن فَإِن ملاعبة السّريَّة كملاعبة الْمَرْأَة سَوَاء
وَأما تَأْدِيب الْفرس فقريب مِنْهُ تَأْدِيب الْبَعِير لِأَن كِلَاهُمَا يَشْتَرِكَانِ فِي الإيجاف والسباق وَلِهَذَا أسْهم للبعير فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ إِذا كَانَ لِلْقِتَالِ لَا للحمولة فَقَط كَمَا كَانَت زمن بدر
فَأَما تَأْدِيب الحمولة من البغال وَالْحمير وَالْإِبِل فَهَل لَهَا نصيب من تَأْدِيب الموجفة فِي الْقِتَال
وَكَذَلِكَ رميه بقوسه فِي مَعْنَاهُ عمله برمحه وسيفه فَإِنَّهُ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
أقرّ الْحَبَشَة فِي الْمَسْجِد يَوْم الْعِيد على اللّعب بالحراب وَقد قَالَ الإِمَام أَحْمد فِي الْعَمَل بِالرُّمْحِ والقوس إِنَّه أفضل من الصَّلَاة فِي الثغر وَأما فِي غير الثغر فسوى بَينهمَا وَلِأَنَّهُ سبحانه وتعالى قَالَ 8 60 {وَأَعدُّوا لَهُم مَا اسْتَطَعْتُم من قُوَّة} يتَنَاوَل كلما يُسْتَطَاع من الْقُوَّة فَيدْخل فِيهِ مَا يرْمى بِهِ وَمَا يضْرب بِهِ وَمَا يطعن بِهِ سَوَاء كَانَ المرمى بِهِ سَهْما أَو حَرْبَة وَسَوَاء كَانَ السهْم مُنْفَردا أَو جَارِيا فِي مجري وَسَوَاء كَانَ يُؤثر بِالْيَدِ أَو بِالرجلِ الَّذِي يُسمى الجرخ
وَكَذَلِكَ الْمَضْرُوب بِهِ يدْخل فِيهِ مَا يقتل بحده كالسيف والخنجر والسكين وَمَا يقتل بثقله كاللت وَمَا يقتل بهما كالدبوس فَأَما قَوْله صلى الله عليه وسلم
أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي أَلا إِن الْقُوَّة الرَّمْي فقد أَرَادَ بِهِ الْقُوَّة الْكَامِلَة وَهَذَا كثيرا مَا يكون لحصر الْكَمَال لَا لحصر أصل الأسم كَقَوْلِه تَعَالَى 30 15 {قل إِن الخاسرين الَّذين خسروا أنفسهم وأهليهم يَوْم الْقِيَامَة أَلا ذَلِك هُوَ الخسران الْمُبين} وَقَوله صلى الله عليه وسلم
وَلَكِن الْمِسْكِين الَّذِي لَا يجد غناء يُغْنِيه وَنَحْو ذَلِك وَذَلِكَ لِأَن الرمى يُصِيب الْعَدو الْبعيد مَعَ الْحَائِل من نهر وَنَحْوه وَيدْفَع الْعَدو عَن الْإِقْدَام فَفِيهِ ثَلَاثَة فَوَائِد لَا تُوجد فِي غَيره من السِّلَاح انْتهى كَلَامه
قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة الْقَاذِف حَتَّى يَتُوب سَوَاء حد أَو لم يحد
أطلق جمَاعَة من الْأَصْحَاب أَن شَهَادَة الْقَاذِف لَا تقبل مِنْهُم الشَّيْخ فِي الْكَافِي وقاسه على الزِّنَا
وَقَالَ فِي المغنى وَعِنْدنَا تسْقط شَهَادَته بِالْقَذْفِ إِذا لم يحققه وَعند أبي حنيفَة وَمَالك لَا تسْقط إِلَّا بِالْجلدِ ثمَّ احْتج بِالْآيَةِ وَقَالَ رتب على رمي الْمُحْصنَات ثَلَاثَة أَشْيَاء إِيجَاب الْجلد ورد الشَّهَادَة وَالْفِسْق فَيجب أَن يثبت رد الشَّهَادَة بِوُجُود الرَّمْي الَّذِي لَا يُمكنهُ تَحْقِيقه بِالْجلدِ وَلِأَن الرَّمْي هُوَ الْمعْصِيَة والذنب الَّذِي يسْتَحق بِهِ الْعقُوبَة وَتثبت بِهِ الْمعْصِيَة الْمُوجبَة لرد شَهَادَته وَالْحَد كَفَّارَة وتطهير فَلَا يجوز تَعْلِيق رد الشَّهَادَة بِهِ وَإِنَّمَا الْجلد ورد الشَّهَادَة حكمان للقذف فيثبتان جَمِيعًا بِهِ وتخلف اسْتِيفَاء أَحدهمَا لَا يمْنَع ثُبُوت الآخر
وَقَوْلهمْ إِنَّمَا يتَحَقَّق بِالْجلدِ لَا يَصح لِأَن الْجلد حكم الْقَذْف الَّذِي تعذر تَحْقِيقه فَلَا يسْتَوْفى قبل تحقق الْقَذْف وَكَيف يجوز أَن يسْتَوْفى قبل تحقق الْقَذْف وَكَيف يجوز أَن يسْتَوْفى حَتَّى قبل تحقق سَببه وَيصير مُسْتَحقّا بعده هَذَا بَاطِل انْتهى كَلَامه
وَقَالَت الْحَنَفِيَّة الزَّانِي وَنَحْوه يفسق بِنَفس الْفِعْل الْمُوجب للحد والقاذف لَا يفسق بِنَفس الْقَذْف لجَوَاز أَن يكون صَادِقا
وَقَالَ القَاضِي إِذا عجز عَن تَصْدِيق نَفسه بِإِقَامَة الْبَيِّنَة صَار فَاسِقًا وَسَقَطت شَهَادَته
وَقَوْلهمْ يجوز أَن يكون صَادِقا فِي قذفه غير صَحِيح لِأَنَّهُ إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة حكمنَا بكذبه أَلا ترى أَنه يُوجب الْحَد عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن نوجب الْحَد عَلَيْهِ وَلم نحكم بكذبه
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن كَلَام القَاضِي هَذَا وَهَذَا الْكَلَام يَقْتَضِي أَنه يفسق حِين يجب عَلَيْهِ الْحَد وَذَلِكَ يَسْتَدْعِي مُطَالبَة الْمَقْذُوف وَقَالَت الْحَنَفِيَّة الْحَاكِم لَو شَاهد رجلا يَزْنِي أَو يسرق يحكم بِفِسْقِهِ وَلم يقبل شَهَادَته وَلَو رَآهُ يقذف لم يحكم بِفِسْقِهِ لجَوَاز كَونه صَادِقا قَالَ القَاضِي إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة حكم بِفِسْقِهِ
وَقَالَ أَبُو الْخطاب فِي الِانْتِصَار وَلَا فرق بَينهمَا وَلِأَنَّهُ لم يذكر شَهَادَته بِصُورَة الزِّنَا وَالسَّرِقَة لجَوَاز الشُّبْهَة فَإِن انْكَشَفَ لَهُ الْحَال بِأَنَّهُ زنى بِانْتِفَاء الشُّبْهَة رد حِينَئِذٍ كالقذف سَوَاء إِذا عجز عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة على صدقه وشهادته وَحكم بِفِسْقِهِ وَحده وَلَا فرق بَينهمَا
وَقَالَ القَاضِي بعد ذَلِك لَا يحكم بكذبه بِنَفس الْقَذْف وَإِنَّمَا يحكم بِالْقَذْفِ وَالْعجز عَن تَصْدِيقه بِالْبَيِّنَةِ وَذَلِكَ مُتَأَخّر عَن حَال الْقَذْف بِدَلِيل قَوْله تَعَالَى 24 13 {فَإذْ لم يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُولَئِك عِنْد الله هم الْكَاذِبُونَ} فَحكم بكذبهم بِالْعَجزِ عَن الإيتاء بِالشَّهَادَةِ
ثمَّ قَالَ فَإِن قيل فَيجب أَن تقبل شَهَادَته قبل عَجزه عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة لِأَنَّهُ لم يحكم بكذبه قيل إِنَّمَا لم تقبل شَهَادَته قبل ذَلِك لِأَن الْقَذْف سَبَب فِي الْقدح فِي الْعَدَالَة فأكسب ذَلِك شُبْهَة فِي قبُولهَا كطعن الْخصم فِي الشُّهُود
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا يدل على أَنه يتَوَقَّف عَن الْقبُول بعد الْقَذْف وَقبل الْعَجز ثمَّ قَالَ وَاحْتج بِأَنَّهُ يجوز أَن يأتى بِالْبَيِّنَةِ قبل وُقُوع الْحَد عَلَيْهِ فَلَا يتَبَيَّن عَجزه عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة قبل وُقُوع الْحَد عَلَيْهِ فَيجب أَن تقبل شَهَادَته
وَالْجَوَاب أَن هَذَا التجويز لم يمْنَع من إِقَامَة الْحَد عَلَيْهِ كَذَلِك لَا يمْنَع من رد الشَّهَادَة لِأَن الْحَد لَا يجوز اسْتِيفَاؤهُ إِلَّا بعد ثُبُوت سَببه كَسَائِر الْحُدُود فَلَمَّا جَازَ اسْتِيفَاؤهُ فِي هَذَا الْحَال وَجب الحكم بِفِسْقِهِ ورد شَهَادَته
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد تحرر أَن الْقَاذِف لَهُ ثَلَاثَة أَحْوَال أَحدهَا أَن لَا تطلب مِنْهُ الْبَيِّنَة الثَّانِي أَن تطلب مِنْهُ فيعجز الثَّالِث أَن تطلب مِنْهُ فَيذْهب ليَأْتِي بهَا وَهنا يتَوَجَّه أَن ينظر ثَلَاثَة أَيَّام فَمن عجز فَهُوَ فَاسق وَمَتى ذهب ليَأْتِي بهَا فَهُوَ بِمَنْزِلَة المطعون فِيهِ وَإِن لم يُطَالب بِالْحَدِّ وَلَا بِالْبَيِّنَةِ فَهُنَا على مُقْتَضى كَلَام القَاضِي لم تزل عَدَالَته وَهُوَ ظَاهر الْقُرْآن وَيحْتَمل كَلَامه الثَّانِي أَن يكون مطعونا فِيهِ وعَلى عُمُوم كَلَامهم فِي أَن الْقَذْف يُوجب الْفسق لَا تقبل شَهَادَته انْتهى كَلَامه
وَكَلَام أبي الْخطاب الْمَذْكُور يقتضى أَن الحكم بِالْفِسْقِ ورد الشَّهَادَة وَالْحَد يتَعَلَّق بِالْعَجزِ عَن إِقَامَة الْبَيِّنَة وَأَن مَا كَانَ ثَابتا من قبُول الشَّهَادَة وَغَيره يستصحب إِلَى حِين الْعَجز وَلم أَجِدهُ ذكر فِي بحث الْمَسْأَلَة مَا يُنَافِيهِ بِخِلَاف القَاضِي فَصَارَ فِيمَا إِذا طلبت مِنْهُ الْبَيِّنَة فَذهب ليَأْتِي بهَا أَو لم تطلب مِنْهُ ثَلَاثَة أَقْوَال الثَّالِث تقبل إِذا لم يُطَالب بهَا وَفِي الْمَسْأَلَة أَيْضا قَول غَرِيب
قَالَ القَاضِي فِي الْعدة فَأَما أَبُو بكرَة وَمن جلد مَعَه فَلَا يرد خبرهم لأَنهم جَاءُوا مَجِيء الشَّهَادَة وَلَيْسَ بِصَرِيح فِي الْقَذْف وَقد اخْتلفُوا فِي وجوب الْحَد فِيمَا