الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عَنهُ التَّعْزِير وَقد احْتج الْحَنَفِيَّة بِأَنَّهُ ساع فِي الأَرْض بِالْفَسَادِ فَهُوَ كقاطع الطَّرِيق وَذَلِكَ لَو جَاءَنَا تَائِبًا قبل الْقُدْرَة عَلَيْهِ لم نعزره كَذَلِك شَاهد الزُّور إِذا جَاءَ تَائِبًا فَقَالَ القَاضِي وَالْجَوَاب عَنهُ مَا تقدم
فصل
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ هَل يكون بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِيهِ حَدِيث الْأمة السَّوْدَاء فِي الرَّضَاع فَإِن عقبَة بن الْحَارِث أخبر النَّبِي صلى الله عليه وسلم أَن الْمَرْأَة أخْبرته أَنَّهَا أرضعتهما فَنَهَاهُ عَنْهَا من غير سَماع من الْمَرْأَة وَقد احْتج بِهِ الْأَصْحَاب من قبُول شَهَادَة الْمَرْأَة الْوَاحِدَة فِي الرَّضَاع فلولا أَن الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة مَا صحت الْحجَّة وَهُوَ ظَاهر يُؤَيّدهُ أَن الْإِقْرَار كَحكم الْحَاكِم بِالْعقدِ الْفَاسِد مسوغ للْحَاكِم الثَّانِي أَن ينفذهُ مَعَ مُخَالفَته لمذهبه وَالشَّهَادَة على الشَّهَادَة بِمَنْزِلَة كتاب القَاضِي إِلَى القَاضِي فَإِذا كَانَ الْإِقْرَار بالحكم يجوز الْعَمَل بِهِ كَالشَّهَادَةِ فَكَذَلِك الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ إِلَّا أَنه إِنَّمَا لم يجب الْعَمَل بِالْإِقْرَارِ بِالْكتاب إِذا خَالف رَأْي القَاضِي الثَّانِي لِأَن إقرارهم لَا يقبل عَلَيْهِ
فَلَو كَانَ الْإِقْرَار بِكِتَاب لَا يرى مُخَالفَته وَجب عَلَيْهِ الْعَمَل بِهِ وعَلى هَذَا فَمَتَى أقرّ أهل الْوَقْف بِكِتَاب يتَضَمَّن شَرط الْوَاقِف أَو غَيره وَجب الْعَمَل بِهِ فِي حَقهم وضابطه أَن الْإِقْرَار ثَلَاثَة أَنْوَاع إِقْرَار بِنَفس الحكم كإقراره بِأَن لَهُ عَليّ ألفا أَو بِأَن هَذَا الْعين ملكه أَو بِأَنِّي عَبده أَو أَنه أَخُوهُ أَو أَنِّي زوجه وَنَحْو ذَلِك وَإِقْرَار بِسَبَبِهِ كَالْإِقْرَارِ بِالْبيعِ وَالْهِبَة وَالْإِرْث وَنَحْو ذَلِك وَإِقْرَار بِحجَّة الحكم كَالْإِقْرَارِ بِالْإِقْرَارِ وَالْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ وَالْإِقْرَار بالحكم وكل هَذِه شَهَادَات على نَفسه فَأَما الْإِقْرَار بِالسَّبَبِ فمعروف
وَأما الْإِقْرَار بالحكم فمقبول إِلَّا أَن يكون فِيهِ حق لله تَعَالَى وَهُوَ مِمَّا يجهل الْمقر ثُبُوته مثل إِقْرَاره بِأَنَّهُ يجب رجمه أَو يجب قطع يَده أَو يجب حد قذفه
أَو يجب قَتله قودا أَو أَن هَؤُلَاءِ يسْتَحقُّونَ دَمه فالأشبه فِي مثل هَذَا أَن يستفسر عَن صفة الْإِقْرَار كَمَا استفسر النَّبِي صلى الله عليه وسلم ماعزا أَو يفرق بَين الْحق الْمَحْض لله تَعَالَى وَبَين الْقود وحد الْقَذْف
وَأما الأقرار بِالْحجَّةِ فمقبول أَيْضا لَكِن لَو قَالَ أَقرَرت بِهَذَا المَال وَكنت غالطا فَهُنَا يتَوَجَّه أَن لَا يحكم بِهَذَا الْإِقْرَار كَمَا لَو قَالَ كَانَ لَهُ عَليّ وَقَضيته لِأَن الْإِقْرَار الأول لم يثبت وَالثَّانِي إِنَّمَا أثْبته على صفة لَا يحكم بهَا فَهُوَ كَمَا لَو قَالَ شهد على شَاهد وَهُوَ كَاذِب وَالشَّاهِد لم تعلم عَدَالَته وَفِيه نظر
يُوضح هَذَا أَن أَصْحَابنَا شبهوا الشَّهَادَة على الشَّهَادَة بِالشَّهَادَةِ على الْإِقْرَار وقبلوا على كل شَاهد شَاهدا وَالرجل هُنَا أَعنِي عقبَة بن الْحَارِث مقرّ شَاهد على الشَّهَادَة والاحتجاج بِحَدِيث الْأمة السَّوْدَاء على أَن الْإِقْرَار بِالشَّهَادَةِ بِمَنْزِلَة الشَّهَادَة على الشَّهَادَة فِيهِ نظر لِأَنَّهُ فتيا من النَّبِي صلى الله عليه وسلم لعدم شُرُوط الحكم من الدَّعْوَى وَغَيرهَا واقتصار الْأَصْحَاب فِي الشَّهَادَة على الشَّهَادَة على مُجَرّد الْمَعْنى يدل على أَنه لَا أثر فِي الْمَسْأَلَة عِنْدهم = كتاب الْإِقْرَار
قَالَ بعض الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى الْإِقْرَار الِاعْتِرَاف وَهُوَ إِظْهَار الْحق لفظا وَقيل تَصْدِيق الْمُدعى حقيقه أَو تَقْديرا وَقيل هُوَ صِيغَة صادرة من مُكَلّف مُخْتَار رشيد لمن هُوَ أهل لاسْتِحْقَاق مَا أقرّ بِهِ مكذب للْمقر وَمَا أقرّ بِهِ تَحت حكمه غير مَمْلُوك لَهُ وَقت الْإِقْرَار بِهِ
وَقَالَ ابْن حمدَان هُوَ إِظْهَار الْمُكَلف الرشيد الْمُخْتَار مَا عَلَيْهِ لفظا أَو كِتَابَة فِي الأقيس أَو إِشَارَة أَو على مُوكله أَو موروثه أَو موليه بِمَا يُمكن صدقه فِيهِ
قَوْله أَو كِتَابه فِي الأقيس
وَذكر فِي كِنَايَة الطَّلَاق أَن الْكِتَابَة للحق لَيست إِقْرَارا شَرْعِيًّا فِي الْأَصَح وَقَوله أَو إِشَارَة
بعد مُرَاده من الْأَخْرَس وَنَحْوه أما من غَيره فَلَا أجد فِيهِ خلافًا
وَالْأَصْل فِيهِ الْكتاب وَالسّنة وَأَجْمعُوا على صِحَة الْإِقْرَار قَالَ فِي المغنى لِأَنَّهُ إِخْبَار على وَجه يَنْفِي عَنهُ التُّهْمَة والريبة وَلِهَذَا كَانَ آكِد من الشَّهَادَة فَإِن الْمُدعى عَلَيْهِ إِذا اعْترف لَا تسمع عَلَيْهِ الشَّهَادَة وَإِن أكذب الْمُدعى بِبَيِّنَتِهِ ثمَّ أكذب الْمقر ثمَّ صدقه سمع
وَيجب الْإِقْرَار بِحَق الْآدَمِيّ وَحقّ الله تَعَالَى الَّذِي لَا يسْقط بِالشُّبْهَةِ كَزَكَاة وَكَفَّارَة وَلَا يَصح إِقْرَار وَاحِد بِمَا لَيْسَ بِيَدِهِ وتصرفه شرعا واختصاصه قَالَ فِي الرِّعَايَة وَلَا بِمَا هُوَ ملكه حِين الْإِقْرَار على الْأَشْهر فِيهِ واطلق غَيره الرِّوَايَتَيْنِ وَنَصّ القَاضِي فِي الْخلاف على صِحَة الإقرارمع أَنه إِضَافَة الْملك إِلَيْهِ قَالَ فِي الرِّعَايَة وَلَا بِمَا يَسْتَحِيل مِنْهُ وَلَا لمن لَا يَصح أَن يثبت ذَلِك لَهُ بِحَال وَإِقْرَاره بِمَا فِي يَد غَيره وتصرفه شرعا وحسا دَعْوَى أَو شَهَادَة فَإِذا صَار بِيَدِهِ وتصرفه شرعا لزمَه حكم إِقْرَاره
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين إِن الْإِقْرَار يَنْقَسِم إِلَى مَا يعلم كذبه كإقراره لمن هُوَ أكبر مِنْهُ أَنه ابْنه وَمن هَذَا الْجِنْس كل إِقْرَار بِحَق أسْندهُ إِلَى سَبَب وَذَلِكَ السَّبَب بَاطِل مثل أَن يقر أَن لَهُ فِي تَرِكَة أَبِيه ثلثهَا بِجِهَة الْإِرْث وَلَيْسَ بوارث أَو أَن لفُلَان عَليّ كَذَا من ثمن كَذَا أقْرض كَذَا أَو نِكَاح كَذَا إِذا كَانَ السَّبَب لَا يثبت بِهِ ذَلِك الْحق فَحَيْثُمَا أضَاف الْحق إِلَى سَبَب بَاطِل فَهُوَ بَاطِل وَإِن أَضَافَهُ إِلَى سَبَب يصلح أَن يكون حَقًا لَكِن قد علم ارتفاعه مثل أَن يَقُول لَهُ عَليّ ألف من ثمن هَذِه الدَّار وَيكون المُشْتَرِي قد أَبرَأَهُ قبل ذَلِك أَولهَا عَليّ
صَدَاقهَا وَتَكون قد أَبرَأته مِنْهُ قبل ذَلِك أَوله عَليّ حَقه من إِرْث أبي ويكونان قد اصطلحا قبل ذَلِك وتبارآ فَهَذَا أَيْضا كَذَلِك لِأَن الْإِقْرَار إِخْبَار فَإِذا كَانَ الْخَبَر قد علم كذبه وبطلانه كَانَ بَاطِلا
قَالَ وَإِلَى مَا يعلم صدقه كإقراره بِأَن هَذَا المَال الَّذِي خَلفه أَبوهُ هُوَ بَينه وَبَين أَخِيه ابْن الْمَيِّت نِصْفَيْنِ وَإِلَى مَا يحْتَمل الْأَمريْنِ فَالْأَصْل فِيهِ التَّصْدِيق إِلَّا أَن يثبت مَا يُعَارضهُ مِمَّا يقفه أَو يرفعهُ
فَالْأول مثل تَكْذِيب الْمقر لَهُ فَإِنَّهُ أَيْضا خبر فَلَيْسَ تَصْدِيق أَحدهمَا أولى من الآخر فَيَعُود الْأَمر كَمَا كَانَ
وَأما الثَّانِي فالبينات فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِأَنَّهُ كَانَ مكْرها على إِقْرَاره فإقرار الْمُكْره لَا يَصح أَيْضا وَإِن أمكن أَن يكون مطابقا كَانَ إِقْرَار تلجئة وَهُوَ أَن يتَّفق الْمقر وَالْمقر لَهُ على الْإِقْرَار ظَاهرا مثل بَقَاء الْمقر بِهِ للْمقر فَهُوَ بَاطِل فَإِذا شهِدت بَيِّنَة بِأَنَّهُمَا اتفقَا قبل الْإِقْرَار كَانَ ذَلِك مُبْطلًا لهَذَا الْإِقْرَار وَإِذا كَانَ الْإِقْرَار إنْشَاء فِي الْبَاطِن مثل إِقْرَار الْمَرِيض لمن يقْصد التَّبَرُّع لَهُ إِمَّا بعطية وَإِمَّا بإبراء فَيجْعَل الْإِنْشَاء إِقْرَارا لينفذ
قَالَ فَإِذا قَامَت الْبَيِّنَة بِأَنَّهُمَا اتفقَا على الْإِقْرَار على ذَلِك مثل أَن يشْهد الشَّاهِد أَنه قيل للْمَرِيض أعْط فلَانا ألف دِرْهَم أَو أوص لَهُ بهَا فَقيل لَهُ بل أجعَل ذَلِك إِقْرَارا أَو أَنه قَالَ الْمَرِيض كَيفَ أصنع حَتَّى أعطي فلَانا ألفا من أصل المَال فَقيل لَهُ أقرّ لَهُ بهَا أَو أَن اثْنَيْنِ تَرَاضيا على ذَلِك ثمَّ أمرا بِهِ