الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فقد سووا بَين شَهَادَة الْأَعْمَى وَبَين شَهَادَة الْبَصِير على الْغَائِب وَالْمَيِّت وَفِي شَهَادَة الْأَعْمَى بِالصّفةِ دون الِاسْم وَالنّسب وَجْهَان فَكَذَلِك الشَّهَادَة على الْغَائِب وَالْمَيِّت وَالضَّابِط أَن كل شَهَادَة على غير معاين فَإِنَّهُ يشْهد فِيهِ بِالِاسْمِ وَالنّسب إِن عرفه وَإِن لم يعرفهُ فَفِي الشَّهَادَة بالجلية وَجْهَان
فصل
وَقد تقدم بعض ذَلِك عِنْد قَوْله فِي الْمُحَرر وَالسَّمَاع على ضَرْبَيْنِ
فصل
وَلَا يمْتَنع أَن تقبل شَهَادَة الْأَعْمَى قِيَاسا على شَهَادَة غَيره على ظَاهر كَلَامه وإطلاقه
قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة من يجر إِلَى نَفسه بهَا نفعا
للتُّهمَةِ وَقد تقدم الحَدِيث فِي ذَلِك قَالَ صَالح قَالَ أبي كل من شهد بِشَهَادَة يجر بهَا إِلَى نَفسه شَيْئا شَهَادَته وَكَذَا نقل عَنهُ أَبُو الْحَارِث وَنَصّ أَحْمد فِي رِوَايَة أبي الصَّقْر أَن كل من جر إِلَى نَفسه مَنْفَعَة لَا تجوز شَهَادَته وَيدخل فِي كَلَامه وَكَلَام غَيره مَا صرح بِهِ ابْن عقيل وَغَيره من أَنه لَو لم يحكم بِشَهَادَتِهِمَا حَتَّى مَاتَ الْمَشْهُود لَهُ فورثاه لم يحكم بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّهُ لَو حكم حكم بِشَهَادَة الشَّاهِدين لأنفسهما
وَمرَاده فِي الْمُحَرر من يجر إِلَى نَفسه بهَا نفعا حَال الشَّهَادَة بِدَلِيل مَا يَأْتِي وَهُوَ معنى كَلَام الْأَصْحَاب رَحِمهم الله تَعَالَى فَلَو شهد غير وَارِث فَصَارَ عِنْد الْمَوْت وَارِثا سَمِعت دون الْعَكْس كَذَا ذكر بَعضهم هَذِه الْمَسْأَلَة
وتحريرها على مَا ذكره بَعضهم أَن طرآن الْإِرْث بعد الحكم بِالشَّهَادَةِ لَا يضر كطرآن الْفسق وَإِن كَانَ طَرَأَ قبل الحكم بِالشَّهَادَةِ لم يحكم بهَا لِأَنَّهُمَا صَارا مستحقين كَمَا لَو طَرَأَ الْفسق قبل الحكم
قَوْله كَشَهَادَة السَّيِّد لمكاتبه وَالْمكَاتب لسَيِّده
وَذكر القَاضِي شَهَادَة الْمَرْء لنَفسِهِ أَو لعَبْدِهِ لَا تجوز جعله مَحل وفَاق فِي مَسْأَلَة مَجْهُول النّسَب
قَوْله وَالْوَصِيّ للْمَيت
لِأَنَّهُ يَأْكُل مِنْهُ عِنْد الْحَاجة وَلِأَنَّهُ يثبت لَهُ فِيهِ حق التَّصَرُّف قَالَ ابْن مَنْصُور قلت للْإِمَام أَحْمد سُئِلَ سُفْيَان عَن شَهَادَة الْوَصِيّ قَالَ إِذا شهد على الْوَرَثَة جَازَ وَإِذا شهد لَهُم لم يجز وَقَالَ حَرْب سَمِعت الإِمَام أَحْمد يَقُول شَهَادَة الْوَصِيّ إِذا كَانَ لَا يجر إِلَى نَفسه شَيْئا جَائِزَة وَهَذَا مَذْهَب الْأَئِمَّة الثَّلَاثَة
قَالَ فِي المغنى وَالْحكم فِي أَمِين الْحَاكِم يشْهد للأيتام الَّذين هم تَحت ولَايَته كَالْحكمِ فِي الْوَصِيّ قِيَاسا عَلَيْهِ فَأَما شَهَادَته عَلَيْهِ فمقبولة كَمَا نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْأَصْحَاب قَالَ فِي الْمُغنِي لَا نعلم فِيهِ خلافًا
وَقَالَ القَاضِي وَيخرج على ذَلِك مَا قَالَه فِي الْأَب من الرِّوَايَتَيْنِ يَعْنِي فِي شَهَادَته على وَلَده
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَنَّهَا تجوز قَالَ إِلَّا أَن يُقَال قد يَسْتَفِيد بِهَذِهِ الشَّهَادَة نوع ولَايَة فِي تَسْلِيم وَمثله شَهَادَة الْمُودع وَفِي مثله أودعنيها فلَان وملكها فلَان
قَوْله والغرماء للْمُفلس بِالْمَالِ بِشَرْط الْحجر لتَعلق حُقُوقهم بِهِ
وَقيل الْحجر إِنَّمَا يتَعَلَّق حُقُوقهم بِذِمَّتِهِ وَثُبُوت الْمُطَالبَة لَهُم لم تثبت بِشَهَادَتِهِم بل بيساره وَإِقْرَاره لدعواه الْحق الَّذِي شهدُوا بِهِ وَذكر القَاضِي أَنه إِذا شهد لغريمه الْمُعسر بِمَال قبلت شَهَادَته وَإِن كَانَ يَسْتَفِيد الْقَضَاء جعله مَحل وفَاق لِأَن دينه ثَابت فِي ذمَّة غَرِيمه سَوَاء كَانَ غَنِيا أَو فَقِيرا وَحقّ الْمُطَالبَة ثَابت أَيْضا وَلَيْسَ يثبت بِشَهَادَتِهِ لَهُ حَقًا لنَفسِهِ لم يكن ثَابتا قبل ذَلِك وإختار ابْن حمدَان أَنه لَا تقبل شَهَادَته قبل الْحجر مَعَ إِعْسَاره وَذكر القَاضِي أَيْضا وَغَيره أَنه إِذا شهد الْأَخ الْمُعسر لِأَخِيهِ الْمُعسر بِمَال قبلت شَهَادَته وَله النَّفَقَة جعله مَحل وفَاق كَمَا تقبل الشَّهَادَة على رجل أَنه أَخذ من بَيت المَال وَإِن جَازَ أَن يثبت لَهُ حق فِي بَيت المَال
قَوْله وَأحد الشفيعين بِعَفْو الآخر عَن شفعته
لِأَنَّهُ مُتَّهم لتوفرها عَلَيْهِ وَتقبل بعد إِسْقَاطه شعفته لعدم التُّهْمَة
قَوْله وَالْوَكِيل لمُوكلِه وَالشَّرِيك لشَرِيكه بِمَا هُوَ وَكيل أَو شريك فِيهِ
نَص عَلَيْهِ الإِمَام أَحْمد فِي الشَّرِيك لشَرِيكه فِي رِوَايَة ابنيه وَغَيرهمَا وَعلل بجر الْمَنْفَعَة وَقَالَ فِي المغنى بعد أَن ذكر أَنه قَول جمَاعَة مِنْهُم الشَّافِعِي وَأَصْحَاب الرَّأْي وَلَا نعلم فِيهِ مُخَالفا فَإِن شهد الْوَكِيل لمُوكلِه بعد الْعَزْل فَوَجْهَانِ وَإِن كَانَ
قد خَاصم فِيهِ ردَّتْ وَكَذَلِكَ شَهَادَة الْوَصِيّ ليتيم فِي حجره فَإِن شهد على مُوكله قبلت وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين فِيهِ كَلَامه الْمَكْتُوب فِي شَهَادَة الْوَصِيّ على الْمَيِّت
قَوْله وَالْوَارِث يجرح موروثه قبل اندماله وَنَحْوهم لِأَنَّهُ قد يسرى إِلَى النَّفس فَتجب الدِّيَة للشَّاهِد ابْتِدَاء
قَوْله وَفِي شَهَادَة الْوَارِث لموروثه فِي مَرضه بدين وَجْهَان
أَحدهمَا لَا تقبل لِأَنَّهُ قد انْعَقَد سَبَب اسْتِحْقَاقه بِدَلِيل أَن عطيته للْوَارِث وَفِي الزَّائِد على الثُّلُث يقف على الْإِجَازَة وكالمسألة قبلهَا وَالثَّانِي تقبل ذكر فِي الْمُغنِي أَنه الْأَظْهر كَمَا لَو شَهدا لَهُ وَهُوَ صَحِيح وَالْحق الْمَشْهُود بِهِ فِي هَذِه الْمَسْأَلَة إِنَّمَا يحب للْمَشْهُود لَهُ ثمَّ احْتِمَال انْتِقَاله إِلَى الشَّاهِد لَا يمْنَع الشَّهَادَة لَهُ كَالشَّهَادَةِ لغريمه
قَوْله فَإِن قُلْنَا تقبل فَحكم بهَا لم يتَغَيَّر الحكم بِالْمَوْتِ بعده
وَكَذَا ذكر الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره لما تقدم من أَن طرآن الْمَانِع بعد الحكم بِالشَّهَادَةِ لَا يُؤثر فِيهَا كالفسق
قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة من يدْفع بهَا عَن نَفسه ضَرَرا كَشَهَادَة من لَا تقبل شَهَادَته لإِنْسَان يجرح الشَّاهِد عَلَيْهِ
قَالَ حَرْب سَمِعت الإِمَام أَحْمد يَقُول لَا تجوز شَهَادَة دَافع الْغرم لِأَنَّهُ يدْفع عَن نَفسه وَقد تقدم الحَدِيث فِي ذَلِك وَقد قَالَ الزُّهْرِيّ مَضَت السّنة فِي الْإِسْلَام أَن لَا تجوز شَهَادَة خصم وَلَا ظنين والظنين الْمُتَّهم وروى سعيد
حَدثنَا عبد العزيز بن مُحَمَّد أَخْبرنِي مُحَمَّد بن زيد بن المُهَاجر عَن طَلْحَة بن عبد الله ابْن عَوْف قَالَ قضى رَسُول الله صلى الله عليه وسلم أَن الْيَمين على الْمُدعى عَلَيْهِ وَلَا شَهَادَة لخصم وَلَا ظنين مُرْسل جيد
قَوْله كَشَهَادَة من لَا تقبل شَهَادَته
لَيْسَ مِثَالا وَمرَاده وَالله أعلم شَهَادَة من يدْفع عَن نَفسه بهَا ضَرَرا لَا تقبل وَلَو كَانَ قَالَ وَلَا شَهَادَة من لَا تقبل شَهَادَته كَانَ حسنا
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن كَلَامه فِي الْمُحَرر هَذَا مَا دفع الضَّرَر عَن نَفسه وَإِنَّمَا دَفعه عَمَّن لَا يشْهد لَهُ فَهُوَ بِمَنْزِلَة من جر بِشَهَادَتِهِ إِلَى من لَا يشْهد لَا يشْهد لَهُ فَلَو قيل لَا تقبل شَهَادَة من يجر إِلَى نَفسه أَو إِلَى من يتهم لَهُ أَو يدْفع عَن نَفسه أَو من يتهم لَهُ لعم نعم لَو جرح الشَّاهِد على نَفسه انْتهى كَلَامه
وَقد ذكر فِي الرِّعَايَة الْكُبْرَى فِي شَهَادَة الْوَالِد لوَلَده وَالْعَكْس أَن مكَاتب وَالِديهِ وَولده كهما فِي ذَلِك وَذكر ابْن عقيل أَنه لَا تقبل شَهَادَة العَبْد لمكاتب سَيّده
قَالَ وَيحْتَمل على قِيَاس مَا ذَكرْنَاهُ أَن لَا تصح شَهَادَته لزوج مولاته بالحقوق لِأَن فِي ذَلِك جر نفع لسيدته وَبَعضهَا يعود بنفعه انْتهى كَلَامه
وَكَلَام أَكْثَرهم يدل على الْقبُول وَيدخل فِي كَلَامه فِي الْمُحَرر شَهَادَة الْعَاقِلَة بِجرح شُهُود قتل الْخَطَأ لدفعهم الدِّيَة عَنْهُم وَظَاهره قبُول شَهَادَته إِذا كَانَ لَا يحمل من الدِّيَة شَيْئا لفقره أَو لبعده وَهُوَ ظَاهر كَلَام غَيره
وَذكر غير وَاحِد احْتِمَالَيْنِ أَحدهمَا هَذَا وَالثَّانِي لَا تقبل لجَوَاز أَن يؤسر أَو يَمُوت قبل الْحُلُول فَيحمل
فَظهر أَن احْتِمَال تجدّد الْحق لَهُ لَا يمْنَع قبُول الشَّهَادَة إِلَّا أَن يجب لَهُ ابْتِدَاء
كَشَهَادَة الْوَارِث لموروثه بِالْجرْحِ قبل الِانْدِمَال وَإِلَّا لمن يعْتَقد سَبَب اسْتِحْقَاقه كَشَهَادَة الْوَارِث لمورثه فِي الْمَرَض فَإِن فِي هَذِه الْمَسْأَلَة وَجْهَيْن كَمَا تقدم وَاحْتِمَال تجدّد الْحق عَلَيْهِ لَا يمْنَع إِلَّا بعد وجود السَّبَب كَمَسْأَلَة الْعَاقِلَة
قَوْله وَلَا تقبل شَهَادَة الْعَدو على عدوه كمن شهد على من قذفه أَو قطع الطَّرِيق عَلَيْهِ
أطلق الْعَدَاوَة وَلَيْسَ كَذَلِك وَلَعَلَّ الْمِثَال يُؤْخَذ مِنْهُ تَقْيِيد الْمُطلق وَهُوَ مُرَاده قَالَ القَاضِي شَهَادَة الْعَدو على عدوه غير مقبوله ذكره الْخرقِيّ فَقَالَ لَا تقبل شَهَادَة خصم وَإِنَّمَا يكون هَذَا فِي عَدَاوَة لَا تخرجه عَن الْعَدَالَة مثل الزَّوْج يقذف زَوجته وَلَا تقبل شَهَادَته عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ من قطع عَلَيْهِ الطَّرِيق لَا تقبل شَهَادَته على الْقَاطِع وَقد أَوْمَأ إِلَيْهِ أَحْمد فِي رِوَايَة ابْن مَنْصُور فِي رجل خَاصم مرّة ثمَّ ترك ثمَّ شهد لم تقبل وَهُوَ قَول مَالك وَالشَّافِعِيّ وَقَالَ أَبُو حنيفَة تقبل وَهَذَا فِي عَدَاوَة لَا تخرج إِلَى الْفسق فَإِذا أخرجت فَلَا خلاف فِيهَا وَاحْتج القَاضِي وَغَيره بالأحاديث السَّابِقَة قَالَ القَاضِي وَلِأَنَّهُ مُتَّهم فِي شَهَادَته بِسَبَب منهى عَنهُ فَوَجَبَ أَن لَا تقبل شَهَادَته كالفاسق
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا جيد والمقطوع والمقذوف لَيْسَ فِي حَقه سَبَب منهى عَنهُ فَهَذَا يُخَالف مَا ذكره أَولا اللَّهُمَّ إِلَّا أَن يُرَاد بِهِ عادي قَاذفه وقاطعه فَإِن هجره الْمنْهِي عَنْهَا فَهَذَا أقرب لَكِن يُخَالف مَا ذكر أَولا فِي الظَّاهِر
وَكَذَلِكَ قَالَ القَاضِي فِي الْفرق بَين عَدَاوَة الْمُسلم للذِّمِّيّ وعداوته للْمُسلمِ مَعَ أَن عَدَاوَة الْمُسلم للذِّمِّيّ مَأْمُور بهَا وعداوة الْمُسلم للْمُسلمِ مَنْهِيّ عَنْهَا لِأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ
لَا تباعضوا وَلَا تدابروا وَكُونُوا عبادا لله إخْوَانًا
فَلم يكن اعْتِبَار إِحْدَاهمَا بِالْأُخْرَى لِأَن الْمُسلم يعادي الذِّمِّيّ من طَرِيق الدّين وَهُوَ لَا يَدعُوهُ إِلَى مَا يخَاف من ذَنبه وَمن الْكَذِب عَلَيْهِ وعداوة الْمُسلم للْمُسلمِ عدواة تحاسد وتنافس وتباغض وَهَذَا يحمل من طَرِيق الْعَادة والجبلة على مُخَالفَة الدّين والإضرار بِهِ بِالْكَذِبِ والمين
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَهَذَا يَقْتَضِي أَن عدواة المتدين بذلك متأولا لَا تمنع قبُول الشَّهَادَة فَصَارَ على الظَّاهِر فِيهَا ثَلَاثَة أوجه انْتهى كَلَامه
وَقَالَ أَيْضا لَيْسَ فِي كَلَام أَحْمد وَلَا الْخرقِيّ تعرض لِلْعَدو وَإِنَّمَا هُوَ الْخصم والتفريق بَين الْخصم فِي الحَدِيث مُوَافق لما قلت وَقد يُخَاصم من لَيْسَ بعدو وَقد يعادي من لَيْسَ بخصم وَإِنَّمَا الْخصم هُوَ الْمُدَّعِي أَو الْمُدعى عَلَيْهِ فشهادته شَهَادَة مُدع أَو مدعى عَلَيْهِ وَلَا يجوز أَن يُرَاد بِهِ أَن كل من خَاصم شخصا فِي شئ مرّة لم تقبل شَهَادَته عَلَيْهِ فِي غير ذَلِك إِذا لم يكن بَينهمَا إِلَّا مُجَرّد المحاكمة فَإِن محاكمته فِي ذَلِك الشئ بِمَنْزِلَة مناظرته فِي علم وَقد يكون المتاحكمان عارفين للحق لَا يَدعِي أَحدهمَا ظلم الآخر بِمَنْزِلَة المحاكمة فِي الْمَوَارِيث وموجبات الْعُقُود وَهُوَ أحد نَوْعي الْقَضَاء الَّذِي هُوَ إنْشَاء من غير إِنْكَار وَلَا بَيِّنَة وَلَا يَمِين وَلَا يحمل كَلَام أَحْمد على هَذَا وَإِنَّمَا أَرَادَ وَالله أعلم أَن من خَاصم فِي شئ مرّة ثمَّ شهد بِهِ لم تقبل شَهَادَته لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَة من ردَّتْ شَهَادَته لتهمة ثمَّ أَعَادَهَا بعد زَوَال التُّهْمَة وَهنا المخاصم طَالب فَإِذا شهد بعد ذَلِك فَهُوَ مُتَضَمّن تَصْدِيق نَفسه فِيمَا خَاصم فِيهِ أَولا وَهَذَا يدحخل فِيهِ صور
مِنْهَا أَن يُخَاصم فِي حُقُوق عين هِيَ ملكه ثمَّ تنْتَقل الْعين إِلَى غَيره فَيشْهد وَمِنْهَا أَن يكون وليا ليتيم أَو وقف وَنَحْوهمَا ويخاصم فِي شئ من أُمُوره ثمَّ يخرج عَن الْولَايَة وَيشْهد بِهِ
وَمِنْهَا أَن يكون وَكيلا فيخاصم ثمَّ تَزُول وكَالَته فَيشْهد فِيمَا خَاصم فِيهِ
فَإِذا قيل شَهَادَة الْعَدو غير مَقْبُولَة فَإِنَّمَا هُوَ من عادى أما الْمَقْطُوع عَلَيْهِ الطَّرِيق إِذا شهد على قاطعه فَهَذَا لَا معنى لَهُ إِذْ يُوجب أَن لَا يشْهد مظلوم على ظالمه مَعَ أَنه لم يصدر مِنْهُ مَا يُوجب التُّهْمَة فِي حَقه
وَالتَّحْقِيق أَن الْعَدَاوَة الْمُحرمَة تمنع قبُول الشَّهَادَة وَإِن لم تكن فسقا لكَونهَا صَغِيرَة أَو صَاحبهَا متأولا مخطئا وَفِيه نظر كعداوة الْبَاغِي للعادل وكما كَانَ بَين بعض السّلف وَكَذَلِكَ مداعاة القَاضِي كَذَلِك وَقد كتبته قبل فَأَما الْمُبَاحَة فَفِيهِ نظر انْتهى كَلَامه
وَقَالَ أَيْضا الْوَاجِب فِي الْعَدو وَالصديق وَنَحْوهمَا أَنه إِن علم مِنْهُمَا الْعَدَالَة الْحَقِيقِيَّة قبلت شَهَادَتهمَا وَأما إِن كَانَت عدالتهما ظَاهِرَة مَعَ إِمْكَان أَن يكون الْبَاطِن بِخِلَافِهَا لم تقبل وَيتَوَجَّهُ مثل هَذَا فِي الْأَب وَسَائِر هَؤُلَاءِ انْتهى كَلَامه
وَذكر فِي الْمُسْتَوْعب وَالرِّعَايَة وَغَيرهمَا أَن شَهَادَة الْعَدو لَا تقبل على عدوه وَجعلُوا من ذَلِك الْخصم على خَصمه وَقيد جمَاعَة الْعَدَاوَة بِكَوْنِهَا لغير الله
قَالَ فِي المغنى المُرَاد بالعداوة هُنَا الْعَدَاوَة الدُّنْيَوِيَّة وَمثل كَمَا فِي الْمُحَرر وَغَيره أما الْعَدَاوَة فِي الدّين كَالْمُسلمِ يشْهد على الْكَافِر أَو المحق من أهل السّنة يشْهد على المبتدع فَلَا ترد شَهَادَته لِأَن الْعَدَاوَة فِي الدّين وَالدّين يمنعهُ من ارْتِكَاب مَحْظُور فِي دينه وَزَاد فِي الرِّعَايَة على قيد كَونهَا لغير الله ظَاهِرَة
وَقد قَالَ الْقُرْطُبِيّ وَغَيره فِي قَوْله تَعَالَى 4 135 {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا كونُوا قوامين بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لله وَلَو على أَنفسكُم} الْآيَة فِي هَذَا دَلِيل على نُفُوذ حكم الْعَدو على عدوه فِي الله ونفوذ شَهَادَته عَلَيْهِ لِأَنَّهُ أمره بِالْعَدْلِ
وَإِن أبغضه وَلَو كَانَ حكمه عَلَيْهِ وشهادته لَا تجوز مَعَ البغض لَهُ لما كَانَ لأَمره بِالْعَدْلِ فِيهِ وَجه
وَقَالَ ابْن عقيل التهم إِنَّمَا تقدح إِذا كَانَت تُهْمَة قادحة لفرط الإشفاق فِي الْأُبُوَّة والعداوة بَين المتعادين وَالْفِسْق الَّذِي يزِيل الْعَدَالَة وتزول مَعَه الثِّقَة فَأَما مَا بعد التُّهْمَة الَّتِي إِذا علق الرَّد عَلَيْهَا انسد بَاب الشَّهَادَة فَلَا بِدَلِيل أَن الْأخْتَان والأصهار يتضاغنون وَأهل الصِّنَاعَة الْوَاحِدَة يتحاسدون والمختلفون فِي الْمذَاهب يتخارصون وَلَكِن لما بعد ذَلِك وَلم يخل مِنْهُ أحد سقط اعْتِبَاره وَلم يمْنَع قبُولهَا لِئَلَّا ينسد بَاب الشَّهَادَة وَكَذَلِكَ الْقَرَابَة كلهَا تُعْطى إشفاقا وعصبية حَتَّى الْقَبِيلَة انْتهى كَلَامه
وَاحْتج الْخصم أَن هَذِه الْعَدَاوَة فَلَا تمنع قبُول الشَّهَادَة كالصداقة كشهادته لَهُ
وَأجَاب القَاضِي وَغَيره بِأَن الشَّرْع ورد بالتفرقة بَين الْعَدَاوَة والصداقة فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قبل شَهَادَته خُزَيْمَة بن ثَابت لنَفسِهِ وَنحن نعلم أَن صداقة الصَّحَابِيّ للنَّبِي صلى الله عليه وسلم تزيد على كل صداقه ورد شَهَادَة الْعَدو بقوله لَا تقبل شَهَادَة خصم وَلَا ظنين وَلَا تقبل شَهَادَة ذِي طعن وَلِأَن الصداقة لَا تحمل على الْكَذِب للصديق والعداوة تحمل على الْكَذِب وَلَا تمنع الْعَدَالَة مِنْهُ وَهَذَا مَعْلُوم بِالْعَادَةِ من طباع النَّاس وخلقهم وجبلتهم
وَأما شَهَادَة الْعَدو لعَدوه فَتقبل ذكره القَاضِي مَحل وفَاق غير مرّة لِأَنَّهُ مُتَّهم عَلَيْهِ غير مُتَّهم لَهُ فَهُوَ على مَا قُلْنَا فِي شَهَادَة الْأَب تقبل على وَلَده وَلَا تقبل لَهُ
وَقَالَ أَيْضا وَقَالَ شَيخنَا أَبُو عبد الله فِيهِ وَجه آخر لَا تقبل شَهَادَته لَهُ لِأَنَّهُ مُتَّهم أَيْضا فِي ذَلِك بِأَن يقْصد الصُّلْح والصداقة فَيشْهد لَهُ بذلك