الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعبادي الموحدون ومتبع الشَّيْطَان غير موحد وَفِي هَذَا نظر وَإِمَّا لِأَن الْعباد لَيْسَ للشَّيْطَان عَلَيْهِم سُلْطَان أَي حجَّة فَهُوَ على عُمُومه وَمن اتبعهُ لَا يضله بِالْحجَّةِ بل بتزينه يدل على هَذَا قَوْله تَعَالَى {وَمَا كَانَ لي عَلَيْكُم من سُلْطَان إِلَّا أَن دعوتكم فاستجبتم لي}
فاستدل ابْن عبد الْقوي على أَنه من غير الْجِنْس بِأَن من وصلتها فِي مَوضِع نصب فِي اخْتِيَار الْمُحَقِّقين من النُّحَاة وَلَو كَانَ مُتَّصِلا لَكَانَ فِي مَوضِع رفع فِي اختيارهم لِأَنَّهُ من منفى بعد تَمام الْكَلَام
قَوْله وَإِن فِي النصفين وَجْهَيْن
أَحدهمَا يَصح وَهُوَ ظَاهر كَلَام الْخرقِيّ وَذكر ابْن هُبَيْرَة أَنه ظَاهر مَذْهَب أَحْمد لِأَن ابْن مَنْصُور روى عَن الإِمَام أَحْمد إِذا قَالَ لَك عِنْدِي مائَة دِينَار قضيتك مِنْهَا خمسين وَلَيْسَ بَينهمَا بَيِّنَة فَالْقَوْل قَوْله
قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين هَذَا لَيْسَ من الِاسْتِثْنَاء الْمُخْتَلف فِيهِ فَإِن قَوْله قضيتك سِتِّينَ مثل خمسين وَمَا قَالَه صَحِيح وَهُوَ الَّذِي ذكره ابْن عُصْفُور لِأَن الْمَمْنُوع مِنْهُ اسْتثِْنَاء الْأَكْثَر وَهَذَا لَيْسَ بِأَكْثَرَ
وَالثَّانِي لَا يَصح وَاخْتَارَهُ أَبُو بكر وَذكر الشَّيْخ شمس الدّين وَالشَّيْخ زين الدّين أَنه أولى بِنَاء على أَنه لم يَأْتِ فِي لسانهم قَالَ الزّجاج فِي الْمعَانِي فِي العنكبوت فِي قصَّة لوط لم يَأْتِ الِاسْتِثْنَاء فِي كَلَام الْعَرَب إِلَّا الْقَلِيل من الْكثير
وَقَالَ أَيْضا فَأَما اسْتثِْنَاء نصف الشَّيْء فقبيح جدا لم تَتَكَلَّم بِهِ الْعَرَب
وَقَالَ أَبُو بكر بن الْأَنْبَارِي فِي الْكَافِي وَأعلم أَنه لَيْسَ من كَلَام الْعَرَب أَن يسْتَثْنى من الشَّيْء نصفه فقبيح أَن يَقُول لزيد عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة
فصل
قَالَ النُّحَاة وَمِنْهُم ابْن السراج فِي الأول إِذا قَالَ لَهُ عِنْدِي مائَة دِرْهَم
إِلَّا دِرْهَمَيْنِ فَهُوَ اسْتثِْنَاء فَيكون مقرا بِثمَانِيَة وَتِسْعين وَإِذا قَالَ مائَة إِلَّا دِرْهَمَانِ فَهُوَ صفة وَيكون مقرا بِمِائَة لِأَن التَّقْدِير مائَة مُغَايرَة لدرهمين وَكَذَلِكَ لَو قَالَ مائَة غير الْألف لِأَن الصّفة تقضي على الْمَوْصُوف وَلَو قَالَ ألف مثل مائَة أَو ألف مثل دِرْهَمَيْنِ كَانَ مقرا بِمِائَة ودرهمين لِأَن أَجزَاء الْمِائَة قد تماثل دِرْهَمَيْنِ
وَكَذَلِكَ قَالَه غير وَاحِد من النُّحَاة إِذا قَالَ دِرْهَم إِلَّا دانقا فَهُوَ مقرّ بدرهم إِلَّا دانق وَإِذا قَالَ دِرْهَم إِلَّا دانق بِالرَّفْع فَهُوَ مقرّ بدرهم كَامِل
وَكَذَلِكَ ذكر القَاضِي أَبُو يعلى فِي مَسْأَلَة تَوْبَة الْقَاذِف مستشهدا بِهِ قَالَ وعَلى أَن النُّحَاة قَالُوا إِذا قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة دَرَاهِم إِلَّا خَمْسَة دَرَاهِم إِلَّا ثَلَاثَة دَرَاهِم أَنه يلْزمه سَبْعَة وَيرجع الْأَخير إِلَى الْعشْرَة وَالِاسْتِثْنَاء الأول لَيْسَ فِي الْحَقِيقَة باستثناء وَإِنَّمَا هُوَ وصف للعشرة لِأَن الِاسْتِثْنَاء مِنْهَا يجب أَن يكون مَنْصُوبًا فَإِذا كَانَ مَرْفُوعا كَانَ وَصفا فَكَأَنَّهُ قَالَ عَليّ عشرَة غير خَمْسَة لَا أذكرها فالخمسة مُبْهمَة غير مفسرة فَلَا تلْزمهُ وَقَوله إِلَّا ثَلَاثَة فَإِنَّهَا اسْتثِْنَاء صَحِيح فَيرجع إِلَى عشرَة
قَالَ وَهَذَا يدل على بطلَان السُّؤَال الَّذِي ذَكرُوهُ يَعْنِي الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء وَهَذَا الِاعْتِرَاض عَلَيْهِم لَيْسَ بِصَحِيح
هَذَا كَلَام من كَلَام الشَّيْخ تَقِيّ الدّين وَلم يفرقُوا بَين النَّحْوِيّ وَغَيره
وَيتَوَجَّهُ أَن يُقَال فِي غير النَّحْوِيّ إِذا قَالَ إِلَّا دِرْهَمَانِ أَنه يكون اسْتثِْنَاء لِأَن الظَّاهِر إِرَادَته وَإِنَّمَا رفع جهلا كَمَا قَالَه الشَّيْخ موفق الدّين وَغَيره فِي عشرَة غير دِرْهَم بِرَفْع الرَّاء إِنَّه يلْزمه تِسْعَة كَذَلِك
قَوْله وَيصِح الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء كَقَوْلِه عَليّ سَبْعَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا درهما فَيلْزمهُ خَمْسَة
لِأَنَّهُ أخرج مِنْهَا بِالِاسْتِثْنَاءِ ثَلَاثَة وَعَاد بِالِاسْتِثْنَاءِ من الِاسْتِثْنَاء دِرْهَم فَإِذا ضممته إِلَى الْأَرْبَعَة صَار خَمْسَة وَإِذا صَحَّ الِاسْتِثْنَاء فصحة الِاسْتِثْنَاء من الِاسْتِثْنَاء أولى لِأَن الِاسْتِثْنَاء إبِْطَال وَالِاسْتِثْنَاء مِنْهُ رُجُوع إِلَى مُوجب الْإِقْرَار وَيكون اسْتِثْنَاؤُهُ من الْإِثْبَات نفيا وَمن النَّفْي إِثْبَات وَقد قَالَ تَعَالَى 15 58 60 {قَالُوا إِنَّا أرسلنَا إِلَى قوم مجرمين إِلَّا آل لوط إِنَّا لمنجوهم أَجْمَعِينَ إِلَّا امْرَأَته قَدرنَا إِنَّهَا لمن الغابرين}
قَوْله وَإِذا كَانَ الْكل أَو الْأَكْثَر الْمُسْتَثْنى مُسْتَثْنى مِنْهُ فَهَل يبطل وَمَا بعده أَو يرجع مَا بعده إِلَى مَا قبله أَو ينظر إِلَى مَا يؤول إِلَيْهِ جملَة الاستثناءات فِيهِ ثَلَاثَة أوجه كَذَلِك
وَجه الأول أَن الِاسْتِثْنَاء أصل وَالثَّانِي فَرعه وَالْفرع يبطل بِبُطْلَان أَصله
وَوجه الثَّانِي أَنه يحافظ على تَصْحِيح كَلَام الْمُكَلف حسب الْإِمْكَان وَهُوَ مُمكن بِأَن يَجْعَل الِاسْتِثْنَاء الأول كَالْعدمِ لبطلانه فَيكون الِاسْتِثْنَاء الثَّانِي من الَّذِي قبله لبُطْلَان مَا بَينهمَا
وَوجه الثَّالِث أَن الْكَلَام بِآخِرهِ والمستثنى والمستثنى مِنْهُ كجملة وَاحِدَة وَهَذَا القَوْل هُوَ الَّذِي وجدته فِي كَلَام النُّحَاة
وَقَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدّين عَن الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين مأخذهما هَل الِاسْتِثْنَاء يمْنَع دُخُول الْمُسْتَثْنى فِي اللَّفْظ أَو يُخرجهُ بعد مَا دخل الأول أصح انْتهى كَلَامه
وَالْخلاف فِي الأَصْل الْمَذْكُور فِي كَلَام أبي الْخطاب وَالشَّيْخ موفق الدّين وَغَيرهمَا وَلم أجد أحدا ذكره أصلا لهَذِهِ الْمَسْأَلَة بل مَا ذكر من التَّعْلِيل يُخَالِفهُ وَفِي مَذْهَب الشَّافِعِي ثَلَاثَة أوجه كهذه الْوُجُوه
قَوْله فَإِذا قَالَ لَهُ عَليّ عشرَة إِلَّا خَمْسَة إِلَّا ثَلَاثَة إِلَّا دِرْهَمَيْنِ إِلَّا درهما فَهَل يلْزمه إِذا صححنا اسْتثِْنَاء النّصْف خَمْسَة أَو سِتَّة على وَجْهَيْن
أَحدهمَا يلْزمه خَمْسَة لِأَن التَّقْدِير أَن اسْتثِْنَاء النّصْف صَحِيح وَثَلَاثَة من خَمْسَة بَاطِل فَيبْطل مَا بعده
وَالثَّانِي يلْزمه سِتَّة لِأَن اسْتثِْنَاء النّصْف صَحِيح واستثناء ثَلَاثَة من خَمْسَة بَاطِل ووجوده كَعَدَمِهِ واستثناء اثْنَيْنِ من خَمْسَة صَحِيح فَصَارَ الْمقر بِهِ سَبْعَة ثمَّ اسْتثْنى من الِاثْنَيْنِ وَاحِد يبقي سِتَّة وعَلى الْوَجْه الثَّالِث أَن الْكَلَام بِآخِرهِ وَتَصِح الاستثناءات كلهَا وَيلْزمهُ سَبْعَة وَهُوَ وَاضح وألزمه بَعضهم على هَذَا الْوَجْه سِتَّة بِنَاء على أَن الدِّرْهَم مسكوت عَلَيْهِ فَلَا يَصح اسْتِثْنَاؤُهُ وَفِيه نظر
قَوْله وَإِذا لم نصححه فَهَل يلْزمه ثَمَانِيَة أَو عشرَة على وَجْهَيْن
أَحدهمَا يلْزمه ثَمَانِيَة لِأَن اسْتثِْنَاء الْخَمْسَة بَاطِل واستثناء ثَلَاثَة من عشرَة صَحِيح يبْقى سَبْعَة واستثناء الْإِثْنَيْنِ بَاطِل واستثناء وَاحِد من ثَلَاثَة صَحِيح تزيده على سَبْعَة
وَقَالَ بَعضهم على هَذَا الْوَجْه أَن اسْتثِْنَاء خَمْسَة وَثَلَاثَة بَاطِل واستثناء اثْنَيْنِ من ثَمَانِيَة صَحِيح واستثناء وَاحِد من اثْنَيْنِ بَاطِل وَفِيه نظر وَالثَّانِي يلْزمه عشرَة لإبطال الأول وَمَا بعده
قَوْله وَقيل يلْزمه سَبْعَة عَلَيْهِمَا جَمِيعًا
أَي سَوَاء قُلْنَا يَصح اسْتثِْنَاء النّصْف أَولا وَهَذَا بِنَاء على الْوَجْه الثَّالِث وَهُوَ تَصْحِيح الاستثناءات كلهَا كَمَا تقدم وحكاية المُصَنّف هَذَا الْوَجْه بِهَذِهِ الْعبارَة فِيهَا شَيْء وَأَحْسبهُ لَو قَالَ وعَلى الْوَجْه الثَّالِث يلْزمه سَبْعَة كَانَ أولى
وَذكر الشَّيْخ تَقِيّ الدّين أَن هَذَا قَول الْمَالِكِيَّة قَالَ وَلَك طَرِيقَانِ إِن شِئْت أَن تنقص الآخر مِمَّا قبله ثمَّ تنقص الثَّانِي مِمَّا قبله إِلَى الآخر وَإِن شِئْت أَن تنقص الآخر مِمَّا قبله ثمَّ تنقص الثَّانِي ثمَّ تنقص الثَّالِث ثمَّ أَن تنقص الأول من الْمُسْتَثْنى مِنْهُ ثمَّ تزيد عَلَيْهِ الثَّانِي ثمَّ تنقص الثَّالِث ثمَّ تزيد عَلَيْهِ الرّبع إِلَى آخِره وَهَذَا الثَّانِي فِي الْكَافِي انْتهى كَلَامه