الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَبَيْنَمَا هم كذلك إذا طلع عليهم ربك، فقال: قوموا فادخلوا الجنة، فإني قد غفرت لكم.
ورواه البيهقي: من وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، مَرْفُوعًا وَفِيهِ نَظَرٌ. وَقَالَ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنِ مُجَاهِدٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ:"أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالٌ تَسْتَوِي حَسَنَاتُهُمْ وَسَيِّئَاتُهُمْ، فَيُذْهَبُ بِهِمْ إلى نهر يقال له نهر الْحَيَاةُ- تُرْبَتُهُ وَرْسٌ وَزَعْفَرَانُ، وَحَافَتَاهُ، قَصَبٌ مِنْ ذهب، مكلل باللؤلؤ فيغتسلون منه، فتبدو فِي نُحُورِهِمْ شَامَةٌ بَيْضَاءُ، ثُمَّ يَغْتَسِلُونَ، فَيَزْدَادُونَ بَيَاضًا، ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ: تَمَنَّوْا مَا شِئْتُمْ، فَيَتَمَنَّوْنَ مَا شَاءُوا، فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا تمنيتم وأضعافه سَبْعِينَ مَرَّةً، فَأُولَئِكَ مَسَاكِينُ الْجَنَّةِ".
وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ فِيهَا غَرَابَةٌ، فِي شَأْنِ أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ، وصفاتهم، تركناها لضعفها.
ذكر أول من يخرج من النارِ فيدخل الجنة
…
ذكر آخر مَن يَخْرُجْ مِن النَّارِ فَيَدْخُل الجَنَة
ثبت في صحيح مسلم: من حديث الزهري، عن عطاء بن يزيد الليثي أن أبا هريرة أخبره: أن أناساً قالوا لرسول الله: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلْ نَرَى رَبَّنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ? فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"هل تضارون في الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ?" قَالُوا: لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ:"هَلْ تُضَارُّونَ فِي الشَّمْسِ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ?" قَالُوا: لَا، قَالَ:
"فَإِنَّكُمْ تَرَوْنَهُ كَذَلِكَ، يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ القيامة، فيقول: من كان يعبد شيئاً، فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس، ويتبع من كان يعبد القمر القمر، ويتبع من كَانَ يَعْبُدُ الطَّوَاغِيتَ الطَّوَاغِيتَ، وَتَبْقَى هَذِهِ الْأُمَّةُ، فيها منافقوها، فيأتيهم الله فِي صُورَةٍ غَيْرِ صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ، فَيَقُولُ: أنا ر بكم، فَيَقُولُونَ: نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ، هَذَا مَكَانُنَا، حَتَّى يَأْتِيَنَا رَبُّنَا. فَإِذَا جَاءَ رَبُّنَا عَرَفْنَاهُ، فَيَأْتِيهِمُ اللَّهُ فِي صُورَتِهِ الَّتِي يَعْرِفُونَ فَيَقُولُ: أَنَا ر بكم، فيقولون: أنت ر بنا، فيتبعونه، ويضرب الصراط بين ظهراني جهنم، فأكون أنا وأمتي أول من نجتاز، ولا يتكلم يومئذ إلا الرسل، ودعاء الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كلاليب مثل شوك السعدان، هل رأيتم السَّعْدَانِ? قَالُوا: نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمُ الْمُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمُ الْمُجَازَى، حَتَّى إِذَا فَرَغَ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَأَرَادَ أَنْ يُخْرِجَ بِرَحْمَتِهِ مَنْ أَرَادَ مِنْ أهل النار يأمر الْمَلَائِكَةَ أَنْ يُخْرِجُوا مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، مِمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَرْحَمَهُ، مِمَّنْ يَقُولُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَعْرِفُونَهُمْ فِي النَّارِ، يَعْرِفُونَهُمْ بِأَثَرِ السُّجُودِ، تَأْكُلُ النَّارُ مِنَ ابْنِ آدَمَ إِلَّا أَثَرَ السجود، فيخرجون من النار، قد امْتَحَشُوا، فَيُصَبُّ عَلَيْهِمْ مِنْ مَاءِ الْحَيَاةِ، فَيَنْبُتُونَ مِنْهُ كَمَا تَنْبُتُ الْحَبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ، وَيَفْرُغُ اللَّهُ مِنَ الْقَضَاءِ بَيْنَ الْعِبَادِ، وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ، وَهُوَ آخِرُ أهل النار دخولاً الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، اصْرِفْ وَجْهِي عَنِ النار، فإنه قد مسني رِيحُهَا، وَأَحْرَقَنِي ذَكَاؤُهَا، فَيَدْعُو اللَّهَ مَا شَاءَ أَنْ يَدْعُوَهُ، ثُمَّ يَقُولُ اللَّهُ: هَلْ عَسَيْتَ إن أعطيت ذَلِكَ، أَنْ تَسْأَلَنِي غَيْرَهُ? فَيَقُولُ: لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهُ، وَيُعْطِي رَبَّهُ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ مَا شَاءَ، فَيَصْرِفُ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ، فَإِذَا أَقْبَلَ عَلَى الْجَنَّةِ، وَرَآهَا، سَكَتَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ: قَدِّمْنِي إلى باب الجنة،
فيقول الله: أليس قد أعطيت عهودك ومواثيقك، لا تسألني شيئاً غير الذي أعطيت? ويلك يا ابن آدَمَ: مَا أَغْدَرَكَ? فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، وَيَدْعُو الله، حتى يقول: فَهَلْ عَسَيْتَ إِنْ أَعْطَيْتُكَ ذَلِكَ أَنْ تَسْأَلَنِي غيره? فيقول: لا وعزتك، ويعطي رَبَّهُ مَا شَاءَ مِنْ عُهُودٍ وَمَوَاثِيقَ، فَيُقَدِّمُهُ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ، فَإِذَا قَامَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ، انْفَهَقَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، فَرَأَى مَا فِيهَا مِنَ الْخَيْرِ وَالسُّرُورِ، فَيَسْكُتُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسْكُتَ، ثُمَّ يَقُولُ: أَيْ رَبِّ: أَدْخِلْنِي الجنة، فيقول الله تعالى: أَلَيْسَ قَدْ أَعْطَيْتَ عُهُودَكَ وَمَوَاثِيقَكَ، أَنْ لَا تسأل غير ما أعطيت? ويحك يا ابن آدَمَ? مَا أَغْدَرَكَ? فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، لَا أَكُونُ أَشْقَى خَلْقِكَ، فَلَا يَزَالُ يَدْعُو اللَّهَ، حتى يضحك الله منه، ثم يقول له: ادخل الجنة، فيدخلها فيقول الله: تَمَنَّهْ، فَيَسْأَلُ اللَّهَ وَيَتَمَنَّى. حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ، مِنْ كَذَا وَكَذَا، حَتَّى إِذَا انْقَطَعَتْ به الأماني، قال الله، لك ذلك وَمِثْلُهُ مَعَهُ".
قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ: وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ مَعَ أَبِي هُرَيْرَةَ، لَا يَرُدُّ عليه شيئاً من حديثه، حتى إذا قال أَبُو هُرَيْرَةَ: أَنَّ اللَّهَ قَالَ لِذَلِكَ الرَّجُلِ: وَمِثْلُهُ مَعَهُ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ معه يا أبا هريرة، فقال أبو هريرة: ما حفظت إلا قوله: لك ذلك مثله مَعَهُ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قول: "لك ذلك وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ"، قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخر أهل الجنة دخولاً.
هذا لفظ مُسْلِمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، ثُمَّ أَوْرَدَ الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ عَطَاءِ بْنَ يَسَارٍ، وَغَيْرِهِ: عَنْ أبي سعيد، فساقه بِطُولِهِ نَحْوَهُ، وَفِيهِ:"أَنَّهُ يُعْطَى ذَلِكَ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ" وَفِي بَعْضِ سِيَاقَاتِهِ: "أَنَّهُ يَنْتَقِلُ مِنَ النَّارِ إِلَى بَابِ الْجَنَّةِ فِي ثَلَاثِ مَرَاحِلَ، كُلُّ مَرْحَلَةٍ يَجْلِسُ تَحْتَ شَجَرَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ هِيَ أَحْسَنُ مِنْ أُخْتِهَا الَّتِي قَبْلَهَا".
وَكَذَلِكَ رَوَاهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا: مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مسعود وفيه: "وعشرة أَمْثَالِهِ" كَمَا حَفِظَهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أعظم وأكرم.
وكذا رواه البخاري: عن ابن مسعود، وفيه:"وعشرة أمثاله" فَقَالَ: حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم:
"إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، وآخر أهل الجنة دخولاً الجنة، رَجُلٌ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ حَبْوًا، فَيَقُولُ اللَّهُ له: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَيَأْتِيهَا، فَيُخَيَّلُ إِلَيْهِ أَنَّهَا مَلْأَى، فَيَرْجِعُ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ وَجَدْتُهَا مَلْأَى، فَيَقُولُ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ، فَإِنَّ لَكَ مِثْلَ الدُّنْيَا، وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهَا، أَوْ إِنَّ لَكَ مِثْلَ عشرة أمثال الدنيا- فيقول: تسخربي- أَوْ تَضْحَكُ مِنِّي- وَأَنْتَ الْمَلِكُ? فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يضحك حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ وَكَانَ يُقَالُ: ذَلِكَ أَدْنَى أهل الجنة منزلة".
فصل
رَوَى الدَارَقُطْنِيُّ فِي كِتَابِهِ: الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ، وَالْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ، مِنْ طَرِيقٍ غَرِيبَةٍ، عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ الْحَكَمِ، حَدَّثَنَا مَالِكٌ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
" إِنَّ آخِرَ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، يُقَالُ لَهُ جُهَيْنَةُ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ. عِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ اليقين، سلوه: هل بقي من الخلائق أحد"? وَهَذَا الْحَدِيثُ لَا تَصِحُّ نِسْبَتُهُ إِلَى الإِمام مَالِكٍ، لِجَهَالَةِ رُوَاتِهِ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ مَحْفُوظًا عنه مِنْ حَدِيثِهِ لَكَانَ فِي كُتُبِهِ الْمَشْهُورَةِ عَنْهُ، كالموطإِ وَغَيْرِهِ مِمَّا رَوَاهُ عَنْهُ الثِّقَاتُ. وَالْعَجِيبُ أَنَّ أبا عبد الله الْقُرْطُبِيَّ ذَكَرَهُ فِي التَّذْكِرَةِ، وَجَزَمَ بِهِ، فَقَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ مِنْ جُهَيْنَةَ، يُقَالُ لَهُ جُهَيْنَةُ، فَيَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ: وَعِنْدَ جُهَيْنَةَ الْخَبَرُ الْيَقِينُ".
وكذلك ذكره السهيلي، ولم يضعفه، وحكى عن السهيل قول آخر: أن اسمه هناد فالله أعلم إلى هنا.
وقال مسلم: حدثنا محمد بن مسعود بن نمير، حَدَّثَنَا الْأَعْمَشُ، عَنِ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنِّي لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ له: عملت يوم كذا، كذا وكذا. وعملت يوم كذا، كَذَا وَكَذَا. فَيَقُولُ: نَعَمْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ ينكر، وهومشفق مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ عَلَيْهِ، فَيُقَالُ له: إن لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً. فَيَقُولُ: رَبِّ: عملت أشياء لا أرها هاهنا، فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَحِكَ، حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ ".
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ يَحْيَى المزكي، حَدَّثَنَا أَبُو فَرْوَةَ يَزِيدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ الرَّهَاوِيُّ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ، حَدَّثَنِي أَبُو يَحْيَى الْكَلَاعِيُّ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ آخِرَ رَجُلٍ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، رَجُلٌ يَتَقَلَّبُ على ظهر الصِّرَاطِ ظَهْرًا لِبَطْنٍ، كَالْغُلَامِ يَضْرِبُهُ أَبُوهُ، وَهُوَ يَفِرُّ مِنْهُ، يَعْجِزُ عَنْهُ عَمَلُهُ أَنْ يَسْعَى، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ: بَلِّغْ بِيَ الْجَنَّةَ، وَنَجِّنِي مِنَ النَّارِ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي إِنْ أَنَا نَجَّيْتُكَ مِنَ النَّارِ، وَأَدْخَلْتُكَ الْجَنَّةَ، أَتَعْتَرِفُ لِي بِذُنُوبِكَ، وِخَطَايَاكَ? فَيَقُولُ الْعَبْدُ: نَعَمْ يَا رب: وعزتك إن نجيتني من النار لأعترف لَكَ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ، فَيَجُوزَ الْجِسْرَ، وَيَقُولُ الْعَبْدُ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نَفْسِهِ: لَئِنِ اعْتَرَفْتُ لَهُ بِذُنُوبِي وَخَطَايَايَ، لَيَرُدُّنِي إِلَى النَّارِ، فَيُوحِي اللَّهُ إليه: عبدي: اعترف بِذُنُوبِكَ، وَخَطَايَاكَ، أَغْفِرْهَا لَكَ، وَأُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ الْعَبْدُ: لَا وَعِزَّتِكَ وَجَلَالِكَ مَا أَذْنَبْتُ ذَنْبًا قَطُّ، وَلَا أَخْطَأْتُ خَطِيئَةً قَطُّ، فَيُوحِي اللَّهُ إليه، عبدي: إن لي عليك بينة، فيلتفت العبد يميناً وشمالاً
فَلَا يَرَى أَحَدًا: فَيَقُولُ: يَا رَبِّ: أَرِنِي بَيِّنَتَكَ، فَيَسْتَنْطِقُ اللَّهُ جِلْدَهُ بِالْمُحَقَّرَاتِ، فَإِذَا رَأَى ذلك العبد، يَقُولُ: يَا رَبِّ: عِنْدِي وَعِزَّتِكَ الْعَظَائِمُ، فَيُوحِي اللَّهُ إِلَيْهِ: عَبْدِي: أَنَا أَعْرَفُ بِهَا مِنْكَ، اعْتَرِفْ لِي بِهَا أَغْفِرْهَا لَكَ، وَأُدْخِلْكَ الْجَنَّةَ، فَيَعْتَرِفُ الْعَبْدُ بِذُنُوبِهِ، فَيُدْخِلُهُ الْجَنَّةَ"، ثُمَّ ضَحِكُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى بدت نواجذه، فقال: "هَذَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، فَكَيْفَ بِالَّذِي فَوْقَهُ?".
وَقَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا سَلَّامٌ: - يَعْنِي ابْنَ مِسْكِينٍ- عَنْ طلال، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِنَّ عَبْدًا فِي جَهَنَّمَ لَيُنَادِي أَلْفَ سَنَةٍ: يَا حَنَّانُ، يَا مَنَّانُ. قَالَ: فَيَقُولُ اللَّهُ لِجِبْرِيلَ: اذْهَبْ فَائْتِنِي بِعَبْدِي هَذَا، فَيَنْطَلِقُ جِبْرِيلُ، فَيَجِدُ أَهْلَ النَّارِ مكبين يبكون فيرجع إلى ربه فيخبره، فيقول: ائتني بِهِ، فَإِنَّهُ فِي مَكَانِ كَذَا وَكَذَا، فَيَجِيءُ بِهِ، فَيُوقِفُهُ عَلَى رَبِّهِ، فَيَقُولُ لَهُ: يَا عَبْدِي، كَيْفَ وَجَدْتَ مَكَانَكَ وَمَقِيلَكَ? فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، شَرَّ مَكَانٍ، وَشَرَّ مَقِيلٍ، فَيَقُولُ: رُدُّوا عبدي، فيقول: ما كنت أرجو إذا أخرجتني منها، أن تردني فيها، فيقول الله تعالى: دعوا عبدي". تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ.
وَقَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عفان بْنُ سَلَمَةَ، أَخْبَرَنَا ثَابِتٌ، وَأَبُو عِمْرَانَ الْجَوْنِيُّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"يَخْرُجُ أَرْبَعَةٌ مِنَ النَّارِ - قَالَ أَبُو عِمْرَانَ: أَرْبَعَةٌ، وَقَالَ ثابت: رجلان- فيعرضون على الله، ثم يؤمر بهم- أو بهما- إِلَى النَّارِ، فَيَلْتَفِتُ أَحَدُهُمْ،
فيقول: أي رب قد كنت أرجو إذا أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أَنْ لَا تُعِيدَنِي فِيهَا، فَيُنَجِّيهِ الله منها" 1. هكذا رَوَاهُ مُسْلِمٌ: مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ: بِهِ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنِي رشيد بن سعيد، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمٍ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، أَنَّهُ حَدَّثَهُ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِنَّ رَجُلَيْنِ ممن دخل النار، يشتد صياحهم، فيقول الرب جل جلاله: أخرجوهما، فيخرجان، فيقول الله لهما: لأي شيء اشتد صياحكما? فيقولان: فعلنا ذلك لترحمنا، فيقول عز وجل: رحمتي لكما بأن تنطلقا إليها، فيلقي أحدهما نفسه فيها، فيجعلها عليه الله برداً وسلاماً، أما الْآخَرُ، فَلَا يُلْقِي نَفْسَهُ، فَيَقُولُ لَهُ الرَّبُّ: ما منعك أن تلقي نفسك كما فعل صاحبك? فيقول: رب: إني أرجو أن لا تعيدني فيها بعدما أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا: فَيَقُولُ الرَّبُّ: لَكَ رَجَاؤُكَ، فَيَدْخُلَانِ جَمِيعًا الْجَنَّةَ، بِرَحْمَةِ اللَّهِ عز وجل".
وَذَكَرَ بِلَالُ بْنُ سَعْدٍ فِي خُطْبَتِهِ: "أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا أَمَرَهُمَا بِالرُّجُوعِ إِلَى النَّارِ، يَنْطَلِقُ أَحَدُهُمَا فِي أَغْلَالِهِ، وَسَلَاسِلِهِ، حَتَّى يَقْتَحِمَهَا، وَيَتَلَكَّأُ الآخر، فيقول الله لِلْأَوَّلِ: مَا حَمَلَكَ عَلَى مَا صَنَعْتَ? فَيَقُولُ: إني خررت من وبال معصيتك في العذاب الأليم، فلم أكن أتعرض لسخطك ثانياً، وأما الآخر، فَيَقُولُ: حُسْنُ ظَنِّي بِكَ، إِذْ أَخْرَجْتَنِي مِنْهَا أن لا تعيدني إليها، فيرحمهما الله، ويدخلهما الجنة".
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 284. رواه مسلم – كتاب الإيمان –باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين.
فصل
إذا خرج أهل المعاصي منها، فَلَمْ يَبْقَ فِيهَا غَيْرُ الْكَافِرِينَ، فَإِنَّهُمْ لَا يموتون فيها ولا يحيون، كما قال تعالى:{فَالْيَوْمَ لَا يُخْرجُونَ مِنْهَا} . [45-الجاثية- 35] .
وَلَا مَحِيدَ لَهُمْ عَنْهَا، بَلْ هُمْ خَالِدُونَ فِيهَا أَبَدًا، وَهُمُ الَّذِينَ حَبَسَهُمُ الْقُرْآنُ، وَحُكِمَ عَلَيْهِمْ بِالْخُلُودِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:{وَمِنْ يَعْص اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهًنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً "حَتَّى إِذَا رَأوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلمُونَ مَنْ أضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلًّ عَدَداً} . [72-الجن-23-24] .
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعًدّ لَهُمْ سَعِيراً خَالِدِينَ فِيهَا أبَداً لَا يَجِدُونَ وَليّاً وَلَا نَصِيراً} . [33-الأحزاب-64-65] .
وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُن اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً إِلَاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً} . [4-النِّسَاءِ-68] .
فَهَذِهِ ثَلَاثُ آيَاتٍ، فِيهِنَّ الْحُكْمُ عَلَيْهِمْ بالخلود أَبَدًا، لَيْسَ لَهُنَّ رَابِعَةٌ مِثْلُهُنَّ فِي ذَلِكَ، فأما قوله تعالى:{قَالَ النَّار مَثْوَاكمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَاّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيم} . [6-الأنعام-128] .
وقوله تَعَالَى: {فَأمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفيرٌ وَشَهِيقٌ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّموَاتُ وَالأَرْضُ إِلَاّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فعَّال لِمَا يُرِيدُ} . [11-هود-106-107] .
فلقد تَكَلَّمَ ابْنُ جَرِيرٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى هذه الآية بكلام طويل، بَسْطُهُ، وَجَاءَتْ آثَارٌ عَنِ الصَّحَابَةِ غَرِيبَةٌ، وَوَرَدَتْ أَخْبَارٌ عَجِيبَةٌ، وَلِلْكَلَامِ عَلَى ذَلِكَ مَوْضِعٌ آخَرُ، ليس هذا موطنه، والله أعلم وأحكم.
وَقَدْ قَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ إسحاق، حدثنا ابن المبارك عمرو بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِذَا صَارَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ، وَأَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ، جِيءَ بِالْمَوْتِ حَتَّى يُوقَفَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، ثُمَّ يذبح، ثم ينادي منادي: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النَّارِ خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ فَازْدَادَ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَرَحًا إِلَى فَرَحِهِمْ، وَازْدَادَ أَهْلُ النَّارِ حزناً على حُزْنِهِمْ"1.
وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: عَنْ مُعَاذِ بْنِ أسد بن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، بِهِ، مِثْلَهُ، وَقَالَ أحمد، حدثنا حسان بن الربيع الموصلي، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ بَهْدَلَةَ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
"يؤتى بالموت كبشاً أملح فيوقف بين الجنة والنار، فيقول: يا أهل
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 5993- معارف. وقال أحمد شاكر في تعليقه على هذا الحديث: إسناده صحيح ورواه البخاري في صحيحه 11-361-362-فيح. عن معاذ بن أسد عن ابن المبارك بهذا الإسناد نحوه ورواه مسلم 2- 354 من طريق ابن وهب عن عمر بن محمد بن زيد نحوه. اهـ.
الجنة: فيشرئبون وينظرون، ويقول: يَا أَهْلَ النَّارِ، فَيَشْرَئِبُّونَ، وَيَنْظُرُونَ، وَيُرَوْنَ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ، فَيُذْبَحُ وَيُقَالُ: خُلُودٌ لَا مَوْتَ" 1. وَهَذَا إِسْنَادٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ أَحْمَدُ2: حَدَّثَنَا يَزِيدُ وَابْنُ نُمَيْرٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ عَلَى الصِّرَاطِ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ: فيطلعون خائفون، وجلين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه، فيقال: هل تعرفون هذا. فيقولون: نَعَمْ رَبَّنَا، هَذَا الْمَوْتُ، ثُمَّ يُقَالُ: يَا أَهْلَ النَّارِ: فَيَطَّلِعُونَ فَرِحِينَ، مُسْتَبْشِرِينَ أَنْ يُخْرَجُوا مِنْ مَكَانِهِمُ الَّذِي هُمْ فِيهِ، فَيُقَالُ: هَلْ تعرفون هذا? فيقولون: نَعَمْ، هَذَا الْمَوْتُ، فَيُؤْمَرُ بِهِ فَيُذْبَحُ عَلَى الصِّرَاطِ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْفَرِيقَيْنِ كِلَيْهِمَا: خُلُودٌ فِيمَا تجدون، لا موت أَبَدًا".
إِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ، عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا نَافِعُ بْنُ خَالِدٍ الطَّاحِيُّ، حَدَّثَنَا نُوحُ بْنُ قَيْسٍ الطَّاحِيُّ، عَنْ أَخِيهِ خَالِدِ بْنِ قَيْسٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"يُؤْتَى بِالْمَوْتِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَيُذْبَحُ، فَيُقَالُ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ: خُلُودٌ وَلَا مَوْتَ، وَيَا أَهْلَ النار: خلود ولا مَوْتَ". ثُمَّ قَالَ الْبَزَّارُ: لَا نَعْلَمُهُ يُرْوَى عَنِ أنس، إلا من هذا الوجه.
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 2- 423.
2 الحديث رواه أحمد في مسنده 7537- معارف.