الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الباب عن أبي هريرة، وَقَدْ رَوَى ابْنُ مَاجَهْ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَرَّ عَلَيْهِ وَهُوَ يَغْرِسُ غَرْسًا، فَقَالَ:
"أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى غِرَاسٍ خَيْرٍ مِنْ هَذَا? سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يُغْرَسُ لَكَ بِكُلِّ وَاحِدَةٍ شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ".
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"مَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ، غُرِسَتْ له شجرة فِي الْجَنَّةِ" ثُمَّ قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيح غريب.
فَصل
ثِمَار الْجَنَّة
نَسأل الله تَعالى أن يُطْعِمَنا مِنْها بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ آمِين
قال الله تعالى:
{فِيهِمَا فاكِهَة وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ} . [55- الرحمن- 68] .
وَقَالَ: {فِيهِمَا مِنْ كل فاكِهَةٍ زَوْجَانِ} . [55- الرحمن- 52] .
وقال: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُثس بَطَائِنُها مِنْ إسْتَبْرَق وَجَنى الجنَّتَيْن دَانٍ} . [55- الرحمن- 54] .
أَيْ قَرِيبٌ مِنَ المتناول كما قال تعالى: {وَذُلِّلَتْ قطوفهَا تَذْلِيلاً} . [76- الإنسان- 14] .
وقال تعالى:
{وأَصحَابُ الْيَمِين مَا أَصْحَابُ الْيَمِين فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَطَلْح مَنْضُودٍ وَظِلٍّ مَمدُودٍ وَمَاءٍ مَسْكوبٍ وَفاكَهَةٍ كَثِيرَةٍ لَا مَقْطُوعَةٍ وَلَا ممْنُوعَةٍ} . [56- الواقعة- 27- 33] .
أي لا تنقطع في بعض الْأَزْمَانِ، بَلْ هِيَ مَوْجُودَةٌ فِي كُلِّ أَوَانٍ، كما قال تعالى:
{أكُلًهَا دَائِمٌ وَظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا} . [13- الرعد- 35] .
أي ليس كالدنيا، التي تأتي ثمارها في بعض الفصول، وتفقد فِي وَقْتٍ آخَرَ، وَتَكْتَسِي أَشْجَارُهَا الْأَوْرَاقَ فِي وقت، وتخلعها في وقت آخر، ولا ممنوعة: أي من أرادها فإنها ليس دونها حجاب، ولا مانع، بل من أرادها فهي موجودة، سهلة، منالها قريب، حَتَّى وَلَوْ كَانَتِ الثَّمَرَةُ فِي أَعْلَى الشَّجَرَةِ، فأراد أخذها، اقتربت منه وتدلت إليه.
قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: عَنِ الْبَرَاءِ، {وَذُلِّلَتْ قُطُوفهَا تَذْلِيلاً} أدنيت حتى يتناولوها وهم نيام.
وَقَالَ تَعَالَى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ كُلّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قَالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأتُوا بِهِ مُتَشَابِهاً وَلَهُمْ فِيهَا أزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهمْ فِيهَا خَالِدُونَ} . [2- البقرة- 25]
وقال تعالى:
{إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلَال وَعُيُونٍ وَفَوَاكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا كُنْتمْ تَعْمَلُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ} . [77- المرسلات- 41- 44] .
وقال تَعَالَى:
{وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْم طَيْر مِمَّا يَشْتَهُونَ وَحُورٌ عِينٌ كأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} . [56- الواقعة- 20-24] .
وَقَدْ سَبَقَ فِيمَا أَوْرَدْنَاهُ مِنَ الْأَحَادِيثِ: أَنَّ تربة الجنة من مسك وزعفران، وأنه ما في الجنة شجرة إلا ولها ساق من ذهب فإذا كانت تربة الجنة هذه، والأصول كما ذكرنا، فما ظنك بما يتولد منها، من الثمرة الرائقة، الناضجة، الأنيقة، التي ليس في الدنيا منها إلا الأسماء? قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنه:"لَيْسَ في الجنة من الدنيا إِلَّا الْأَسْمَاءُ".
وَإِذَا كَانَ السِّدْرُ الَّذِي فِي الدُّنْيَا وَهُوَ لَا يُثْمِرُ إِلَّا ثَمَرَةً ضَعِيفَةً وهو النبق، وشوكه كثير، والطلح الذي لا يراد منه في الدنيا إلا الظل، يكونان في الجنة في غابة من كَثْرَةِ الثِّمَارِ وَحُسْنِهَا، حَتَّى إِنَّ الثَّمَرَةَ الْوَاحِدَةَ منها تنفتق عَنْ سَبْعِينَ نَوْعًا مِنَ الطُّعُومِ، وَالْأَلْوَانِ، الَّتِي يشبه بعضها بعضاً، فما ظنك بِثِمَارِ الْأَشْجَارِ، الَّتِي تَكُونُ فِي الدُّنْيَا حَسَنَةَ الثمار، كالتفاح، والنخل، والعنب، وغير ذلك? وما ظنك بأنواع الرياحين، والأزاهير? وبالجملة، فإن فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، نَسْأَلُ الله منها فَضْلِهِ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي حَدِيثِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ.
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: رَأَيْنَاكَ تَنَاوَلْتَ شَيْئًا من مكانك هذا ثم رأيناك تكفكفت، فَقَالَ:"إِنِّي رَأَيْتُ- أَوْ أُرِيتُ- الْجَنَّةَ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا عُنْقُودًا، وَلَوْ أَخَذْتُهُ لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ، مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا".
وَفِي الْمُسْنَدِ: مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَقِيلٍ، عَنْ جابر، فقال:"إني عُرِضَتْ عَلَيَّ الْجَنَّةُ وَمَا فِيهَا مِنَ الزَّهْرَةِ، وَالنُّضْرَةِ، فَتَنَاوَلْتُ مِنْهَا قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ، لِآتِيَكُمْ بِهِ، فَحِيلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ، وَلَوْ أَتَيْتُكُمْ بِهِ، لأكل منه من بين السماء والأرض يَنْقُصُونَهُ". وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الزبير، عن جابر، شاهد ذلك.
وَتَقَدَّمَ فِي الْمُسْنَدِ: عَنْ عُتْبَةَ بْنِ عَبْدٍ الله السُّلَمِيِّ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْجَنَّةِ: فِيهَا عِنَبٌ? فقال: "نعم". فقال: فَمَا عِظَمُ الْعُنْقُودِ? قَالَ: "مَسِيرَةُ شَهْرٍ لِلْغُرَابِ الأبفقع لا يفتر" وقال القاسم الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ، حَدَّثَنَا رَيْحَانُ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ عَبَّادِ بْنِ مَنْصُورٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا نَزَعَ ثَمَرَةً مِنَ الْجَنَّةِ عادت مكانها أخرى"1.
قال الحافظ أيضاً: عبادتكم فِيهِ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ.
وَقَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا عُقْبَةُ بْنُ مُكْرَمٍ الْعَمِّيُّ، حَدَّثَنَا رِبْعِيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بن علية، حدثنا عون: عَنْ قَسَامَةَ بْنِ زُهَيْرٍ، عَنْ أَبِي مُوسَى، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
1 الحديث رواه الهيثمي في مجمع الزوائد 10- 414. وقال: رواه الطبراني والبزار.
"لما أهبط آدم من الجنة، علمه الله صَنْعَةَ كُلِّ شَيْءٍ، وَزَوَّدَهُ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، فَثِمَارُكُمْ هَذِهِ مِنْ ثِمَارِ الْجَنَّةِ، غَيْرَ أَنَّهَا تتغير، وتلك لا تغير".
فصل
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَفاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ وَلَحْم طَيْر مِمَّا يَشْتَهُونَ} . [56- الْوَاقِعَةِ- 20- 21] .
قَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا خَلَفُ بْنُ خَلِيفَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ، عَنْ عَبْدِ الله بن الحارث، عن مَسْعُودٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكَ لَتَنْظُرُ إِلَى الطَّيْرِ فَتَشْتَهِيهِ، فَيَخِرُّ بَيْنَ يَدَيْكَ مَشْوِيًّا"..
وَفِي التِّرْمِذِيِّ: - وَحَسَّنَهُ- عن أنس، سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الكوثر فقال:
"نهر أعطانية الله عز وجل، مَاؤُهُ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنَ اللَّبَنِ، وَأَحْلَى مِنَ العسل، فيه طير أعناقه كأعناق الجزور".
فقال عمر: إنها لناعمة: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أكلها أنعم منها" وَفِي تَفْسِيرِ الثَّعْلَبِيِّ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، مَرْفُوعًا:
"إن في الجنة طيراً أعناقه كأعناق البخت، يصطف على يد وَلِيِّ اللَّهِ، فَيَقُولُ أَحَدُهَا: يَا وَلِيَّ اللَّهِ رَعَيْتُ فِي مُرُوجٍ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَشَرِبْتُ مِنْ عيون النسيم، فَكُلْ مِنِّي: فَلَا يَزَالُ يَفْتَخِرُ بَيْنَ يَدَيْهِ حتى يخطر على قلبه أكل أحدها، فيخر بين يديه على ألوان مختلفة، فيأكل منه ما أراد، حتى إِذا شبع، تجمعت عظام الطائر، فصار يَرْعَى فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَ"، فَقَالَ عُمَرُ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ: إِنَّهَا لَنَاعِمَةٌ? فَقَالَ: "آكِلُهَا أَنْعَمُ مِنْهَا". غَرِيبٌ: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي الدَّرْدَاءِ.