الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الطرف نباته، واستواؤه، واستحضاره، فَكَانَ أَمْثَالَ الْجِبَالِ، قَالَ: فَيَقُولُ لَهُ رَبُّهُ عز وجل: دونك يا ابن آدَمَ، فَإِنَّهُ لَا يُشْبِعُكَ شَيْءٌ، قَالَ: فَقَالَ الأعرابي: ما نجده إِلَّا قُرَشِيًّا، أَوْ أَنْصَارِيًّا، فَإِنَّهُمْ أَصْحَابُ زَرْعٍ، وأما نَحْنُ فَلَسْنَا بِأَصْحَابِهِ"، قَالَ: فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ1.
وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ: مِنْ حديث أبي عامر العقدي: عن عبد الملك بن عمرو، به.
1 الحديث رواه احمد في مسنده 2- 511، 512. ورواه البخاري في صحيحه 9-151.
ذكر أول طَعام يَأكُله أهل الجنَة
وروى أحمد: عن إسماعيل بن علقمة، عَنْ حُمَيْدٍ. وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ: مِنْ حَدِيثِهِ، عَنْ أنس بن عبد الله بن سلام، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ، عَنْ أَشْيَاءَ مِنْهَا:
"وما أول شيء يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ? فَقَالَ: زِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ".
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ رِوَايَةِ أَبِي أَسْمَاءَ، عَنْ ثَوْبَانَ، أَنَّ يَهُودِيًّا سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَمَا تُحْفَتُهُمْ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ؟ قَالَ: "زِيَادَةُ كبد حوت".
قال: فما غذاؤهم على أثرها? قال: "يخر لَهُمْ ثَوْرُ الْجَنَّةِ الَّذِي يَأْكُلُ مِنْ أَطْرَافِهَا".
قَالَ فَمَا شَرَابُهُمْ عَلَيْهِ? قَالَ: "مِنْ عَيْنٍ تُسَمَّى سَلْسَبِيلًا"، قَالَ: صَدَقْتَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ حَدِيثِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً، يتكفأها الْجَبَّارُ بِيَدِهِ، كَمَا يَتَكَفَّأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ، نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ"، فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ اليهود، فقال: بارك الله فيك يا أبا القاسم: الأهل الجنة نزلاً يوم القيامة? قال: "بلى"، قال:"أَلَا أُخْبِرُكَ بِنُزُلِ أَهْلِ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ?" قَالَ: بَلَى. قَالَ: "تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً يوم القيامة"، قَالَ:" أَلَا أُخْبِرُكَ بِإِدَامِهِمْ؟ " قَالَ: بَلَى، قَالَ:"إدامهم بالام، ونون"، قالوا: وَمَا هَذَا? قَالَ: "ثَوْرٌ وَنُونٌ يَأْكُلُ مِنْ زيادة كبد أحدهما سَبْعُونَ أَلْفًا".
وَقَالَ الْأَعْمَشُ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُرَّةَ، عَنْ مَسْرُوقٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وفي قَوْلِهِ تَعَالَى:{يسقَوْن َمِنْ رَحِيق مَخْتُوم خِتَامُهُ مِسك} . [83- الْمُطَفِّفِينَ- 25] .
قَالَ: "الرَّحِيقُ: الْخَمْرُ، مَخْتُومٌ: يَجِدُونَ عَاقِبَتَهَا ريح المسك".
وقال سفيان بن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ: عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، في قوله تعالى:{وَمِزَاجُه مِنْ تَسْنِيم} . [83- المكففين- 27] .
قال "هو أَشْرَفُ شَرَابِ أَهْلِ الْجَنَّةِ، يَشْرَبُهُ الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا ويمزج لأهل اليمين".
قلت: وقد وصف الله عز وجل خَمْرَ الْجَنَّةِ بِصِفَاتٍ جَمِيلَةٍ حَسَنَةٍ، لَيْسَتْ فِي خمور الدنيا، فَذَكَرَ أَنَّهَا أَنْهَارٌ جَارِيَةٌ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{فِيهَا عَيْن جَارِيَةٌ} . [88- الغاشية- 12] .
وكما قال الله تعالى:
{فِيهَا أنهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْر آسِن، وَأنْهِاز مِنْ لَبَن لَمْ يَتَغَيّرْ طَعْمُهُ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْر لَذَّة لِلشَّارِبِينَ وَأنْهَارٌ مِنْ عَسَل مُصَفى} . [47- محمد- 15] .
فهذه الخمرة أنهار جارية، مستمدة من بحار كبار هناك، ومن عيون تنبع من تحت كثبان المسك، ومما يشاء الله عز وجل، وليست بأرجل الرجال فِي أَسْوَأِ الْأَحْوَالِ، وَذَكَرَ أَنَّهَا لَذَّةٌ لِلشَّارِبِينَ، لا كما توصف به خمرة الدنيا من كراهة المطعم، وَسُوءِ الْفِعْلِ فِي الْعَقْلِ، وَمَغْصِ الْبَطْنِ، وَصُدَاعِ الرأس وقد نزهها تعالى عن ذلك في الجنة فقال تَعَالَى:
{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأس مِن مَّعِين بَيْضَاء} . [37- الصافات- 45] .
أي حسنة المنظر. {لذّةٍ لِلشَّارِبِينَ طَيبة الطعم لَا فِيهَا غَول} وَهُوَ وجع البطن: {وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفونَ} أَيْ لَا تُذْهِبُ عُقُولَهُمْ.
وَذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ من الخمر: إنما هو الشدة المطربة، وهي الحالة البهجة التي يحصل بها السرور للنفس، وهذا حاصل في خمر الجنة، فأما إذهاب العقل، بحيث يبقى شاربها كالحيوان أو الجماد، فهذا نقص، إنما ينشأ من خَمْرِ الدُّنْيَا، فَأَمَّا خَمْرُ الْجَنَّةِ فَلَا تُحْدِثُ هذا، إنما يحصل عنها السرور والابتهاج ولهذا قال:
{لَا فِيَها غَوْلٌ وَلَا همْ عَنْهَا يَنْزِفُونَ} .
أي ولا هم عنها أي بسببها تنزف عقولهم، فتذهب بالكلية.
وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى:
{يَطُوف عَليْهِمْ وِلدَانٌ مُخَلدونَ بأكْوابٍ وَأبَارِيق وَكَأس مِنْ مَعِينٍ لَا يُصَدّعُونَ عَنْهَا وَلَا يُنْزِفُونَ} . [56- الواقعة- 17- 19] . أي لا يورث لهم صداعاً في رؤوسهم، وَلَا تُنْزِفُ عُقُولَهُمْ.
وَقَالَ فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى: {وَمِزاجُهُ مِنْ تسْنِيم عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرّبون} . [83- المطففين- 27-28] .
وقد ذكرنا التفسير: عن عبد الله بن عباسٌ:
"أن الجماعة من أصحاب الجنة، يجتمعون عَلَى شَرَابِهِمْ، كَمَا يَجْتَمِعُ أَهْلُ الدُّنْيَا، فَتَمُرُّ بهم السحابة، فلا يسألون شَيْئًا إِلَّا أَمْطَرَتْ عَلَيْهِمْ، حَتَّى إِنَّ مِنْهُمْ من يقول: أمطرينا كواعب أتراب، فتمطرهم كواهب أتراباً".
وتقدم أنهم يجتمعون عن شَجَرَةِ طُوبَى، فَيَذْكُرُونَ لَهْوَ الدُّنْيَا- وَهُوَ الطَّرَبُ- فَيَبْعَثُ اللَّهُ رِيحًا مِنَ الْجَنَّةِ، فَتُحَرِّكُ تِلْكَ الشَّجَرَةَ بِكُلِّ لَهْوٍ كَانَ فِي الدُّنْيَا.
وَفِي بَعْضِ الْآثَارِ:
إِنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ يجتازون وهم ركبان على نجائب الجنة وهم صف بالأشجار، فتتفرق الأشجار عن طريقهم ذات اليمين، وذات الشمال، لئلا يفرق بينهم.
هذا كُلُّهُ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ وَرَحْمَتِهِ بِهِمْ، فعله الحمد والمنة.
وَالْأَكْوَابُ: هِيَ الْكِيزَانُ الَّتِي لَا عُرَى لَهَا ولا خراطيم، والأباريق بخلافها من الوجهين، وَالْكَأْسُ هُوَ الْقَدَحُ فِيهِ الشَّرَابُ وَقَالَ تَعَالَى:{وَكأساً دهَاقاً} . [87- النبأ- 34] .
أَيْ مَلْأَى مُتْرَعَةً لَيْسَ فيها نقص.
وقال تعالى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا كذَّابا} . [78- النبأ-35] . أي لا يصدر عنهم على شرابهم لشيء مِنَ اللَّغْوِ، وَهُوَ الْكَلَامُ السَّاقِطُ، التَّافِهُ وَلَا تكذيب.
كَمَا قَالَ تَعَالَى: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً إِلَاّ سَلَاماً} . [19- مريم- 62] .
وقال تعالى: {لَا لَغوؤ فِيهَا وَلَا تَأثِيمٌ} . [52- الطور- 23] .
وقال تعالى: {لَا تَسْمَعُ فِيهَا لاغِيَة} . [88- الغاشية- 11] .
وَقَالَ: {لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلَا تأثِيماً إلَاّ قِيلاً سَلَاماً سَلاماً} . [56- الواقعة- 25- 26] .
وَثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"لا تشربوا في آنية الذهب والفضة، ولا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ في الآخرة".