الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ
فِي بَيان وُجود الجَنَّة وَالنَّار وأَنَّهُما مخلوقان خِلافاً لِمَنْ زَعَمَ خِلاف ذَلِك مِن أهل البطلان
قال تعالى:
{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ ربِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّموَاتُ وَالأرْضُ أعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} . [3- آل عمران -133] .
وقال تعالى:
وقال تعالى:
{واتَّقُوا النَّار الَّتي أعِدَّتْ لِلْكافِرِين} . [3- آل عمران- 131] .
وقال فِي حَقِّ آلِ فِرْعَوْنَ:
{النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا عدُوّاً وَعَشِيّاً وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابَ} . [40- غافر-46] .
وقال تَعَالَى:
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْس مَا أخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قرَّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلونَ} . [32- السجدة- 17] .
وثبت في الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، أَنَّهُ قَالَ:
"يَقُولُ اللَّهُ تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا خطر على قلب بشر، ذخراً من بله ما أطلعتم عَلَيْهِ" ثُمَّ قَرَأَ: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أعْيُن} . الآية.
وفي الصحيحين: من حديث مَالِكٍ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا مَاتَ، عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ من أهل النار، فمن أهل النار، فقيل: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة".
وفي صحيح مسلم: عن أبي مَسْعُودٍ: "أَرْوَاحُ الشُّهَدَاءِ فِي حَوَاصِلِ طَيْرٍ خُضْرٍ، تَسْرَحُ فِي الْجَنَّةِ حَيْثُ شَاءَتْ، ثُمَّ تَأْوِي إلى قناديل معلقة في العرش".
وروينا من حديث الإِمام أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيِّ، عَنْ مَالِكٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
"إنما نسمة المؤمن في طائر معلق في شجر الجنة حتى يرجعها اللَّهُ إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ". وَتَقَدَّمَ الْحَدِيثُ المتفق عليه: مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ.:"حُفَّتِ الْجَنَّةُ بِالْمَكَارِهِ، وَحُفَّتِ النار بالشهوات".
وذكر الْحَدِيثَ الْمَرْوِيَّ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا:
"لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الجنة قال يا جبريل: اذهب فانظر إليها" الحديث.
وتقدم الْحَدِيثُ الْآخَرُ: "لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ، قَالَ لها: تكلمي، فقالت: قد أفلح المؤمنون".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ" الْحَدِيثَ.
وَفِيهِمَا: عَنِ ابْنِ عُمَرَ، مَرْفُوعًا:"الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
وَفِيهِمَا: عَنْ أَبِي ذَرٍّ، مَرْفُوعًا:"إِذَا اشْتَدَّ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بِالصَّلَاةِ، فَإِنَّ شِدَّةَ الْحَرِّ مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: "إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النار".
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي حَدِيثِ الإِسراء: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَأَى الْجَنَّةَ والنار ليلتئذ.
وقال اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ المُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ المَأْوَى} . [53- النَّجْمِ- 13- 15] .
وَقَالَ فِي صِفَةِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى: "إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَصْلِهَا نَهَرَانِ ظَاهِرَانِ وَنَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وذكر الْبَاطِنَيْنِ فِي الْجَنَّةِ".
وفي الصحيحين: "ثم أدخلت الجنة، فإذا جنادل اللؤلؤ، وإذا ترابها المسك".
وفي صحيح مسلم: من طريق قتادة، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، قال:
"بينا أَنَا أَسِيرُ فِي الْجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ حَافَتَاهُ قِبَابُ اللُّؤْلُؤِ الْمُجَوَّفِ، فَقُلْتُ: مَا هَذَا? قَالَ: هَذَا الْكَوْثَرُ الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ".
وَفِي مناقب عمر: أنه صلى الله عليه وسلم قال:
"أدخلت الجنة فرأيت جارية تتوضأ عند قصر، فقلت: لمن أنت? قالت لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَهُ، فَذَكَرْتُ غيرتك".
فبكى عمر وقال: أو عليك أَغَارُ يَا رَسُولَ اللَّهِ? وَالْحَدِيثُ فِي الصَّحِيحَيْنِ، عن جابر.
وقال لبلال: "دخلت الجنة فسمعت خشف نعليك بين يدي في الجنة، فَأَخْبِرْنِي بِأَرْجَى عَمَلٍ عَمِلْتَهُ فِي الْإِسْلَامِ"، فَقَالَ: ما عملت عملاً في الإِسلام أرجى عندي منفعة من أني لا أتطهر طهوراً تاماً في ساعة من ليل ولا نهار، إلا صليت بذلك الطهور ما كتب الله لي أن أصلي.
وأخبرني عَنْ الرُّمَيْصَاءِ: "أَنَّهُ رَآهَا فِي الْجَنَّةِ".
أَخْرَجَاهُ عن جابر بن عبد الله.
وَأَخْبَرَ فِي يَوْمِ صَلَاةِ الْكُسُوفِ: "أَنَّهُ عُرِضَتْ عليه الجنة والنار، وأنه دنت منه الجنة، وأنه همّ أن يأخذ منها قطفاً من عنب. ولو أخذ ثمة لَأَكَلْتُمْ مِنْهُ مَا بَقِيَتِ الدُّنْيَا".
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ طَرِيقِ الْزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عامر بن الخزاعي ابن قمعة بن خندف أخا بني كعب هؤلاء1 يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ".
وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الآخر: "ورأيت فيها صاحب المحجن".
وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ، فِي هِرَّةٍ حَبَسَتْهَا حَتَّى ماتت، فلا هي أطعمتها وسقتها، وَلَا هِيَ تَرَكَتْهَا تَأْكُلُ مِنْ خَشَاشِ الْأَرْضِ".
"ولقد رأيتها تحمشها".
وأخبر عن الرجل الذي ينحي غصن شوك عن طريق المارة. فقال: "فلقد رأيته يستظل به في الجنة".
وفي الحديث: فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ آخَرَ.
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"اطَّلَعْتُ فِي الْجَنَّةِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا الْفُقَرَاءَ، وَاطَّلَعْتُ فِي النَّارِ، فَرَأَيْتُ أَكْثَرَ أَهْلِهَا النِّسَاءَ".
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: مِنْ طَرِيقِ الْمُخْتَارِ بن فلفل المخزومي، عَنْ أَنَسٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لَوْ رَأَيْتُمْ مَا رَأَيْتُ، لَضَحِكْتُمْ قَلِيلًا، وَلَبَكَيْتُمْ كَثِيرًا"، قَالُوا: يَا رسول الله فما رأيت? قال: "رأيت الجنة والنار".
1 ما بين القوسين موجود في مسلم وغير موجود بالأصل.
وأخبر:
"أن المتوضىء إذا تشهد بعد وضوئه فإنه تفتح له أبواب الجنة يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ".
وَفِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ: مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنْ عدي بن حاتم، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ، قَالَ: لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ ابْنُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إن له لمرضعاً في الجنة".
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ، أَخْبَرَنَا الْأَصَمُّ، حَدَّثَنَا ابن عباس الرَّمْلِيُّ، حَدَّثَنَا مُؤَمَّلُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَصْبَهَانِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أَوْلَادُ الْمُؤْمِنِينَ فِي جَبَلٍ فِي الْجَنَّةِ، يَكْفُلُهُمْ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ حَتَّى يَرُدَّهُمْ إِلَى آبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
وَكَذَا رَوَاهُ وَكِيعٌ: عَنْ سُفْيَانَ- وَهُوَ الثَّوْرِيُّ- وَالْأَحَادِيثُ فِي هَذَا كَثِيرَةٌ جِدًّا، وَقَدْ أَوْرَدْنَا كَثِيرًا مِنْهَا بأسانيدها ومتونها فيما تقدم.
وقال الله تَعَالَى:
{وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أنْتَ وَزَوْجُكَ الجَنَّةَ وكُلَا مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئتُمَا وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَة} . [2- البقرة- 35] .
وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْجَنَّةَ جَنَّةُ الْمَأْوَى، وَذَهَبَ طَائِفَةٌ آخَرُونَ إِلَى أَنَّهَا جَنَّةٌ فِي الأرض، خلقها الله تعالى له، ثم أخرجه منها.
وقد ذكرنا ذلك مبسوطاً في قصة آدم، مِنْ كِتَابِنَا هَذَا، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وبالله المستعان.
فَصْلٌ
وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الْأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خريفاً".
كذا روى الترمذي: من حديث جابر، وصححه أنس وَاسْتَغْرَبَهُ.
وَلِلتِّرْمِذِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَصَحَّحَهُ، وأ بي سعيد، وحسنه:"بنصف يوم، خمسمائة عام".
قلت: فإن كان محفوظاً- كما صححه الترمذي- فتحصل أن ذلك باعتبار أول دخول الفقراء، وآخر الأغنياء، ويكون الْأَرْبَعُونَ خَرِيفًا، بِاعْتِبَارِ مَا بَيْنَ دُخُولِ آخِرِ الْفُقَرَاءِ، وَأَوَّلِ الْأَغْنِيَاءِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ حَيْثُ قَالَ: "وَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْفُقَرَاءِ وَالْأَغْنِيَاءِ" يشير الى ما ذكرناه.
قال الزهري: "كلام أهل الجنة عربي، وبلغنا أَنَّ النَّاسَ يَتَكَلَّمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالسُّرْيَانِيَّةِ، فَإِذَا دخلوا الجنة تكلموا بالعربية".