الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَهَكَذَا رَوَاهُ الإِمام أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ وَعَفَّانَ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ بِهِ مِثْلَهُ، وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَلَكِنْ رَوَى مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي بُرْدَةَ، عن أبيه، عن أَبِي موسىٍ الْأَشْعَرِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ:
"لَا يَمُوتُ رَجُلٌ مُسْلِمٌ إِلَّا أَدْخَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ النَّارَ يهودياً أو نصرانياً".
فصل
ذِكْرِ الصِّرَاط غَيْر مَا ذُكِرَ آنِفًا مِنَ الأَحَاديث الشَّريفة
ثُمَّ يَنْتَهِي النَّاسُ بَعْدَ مُفَارَقَتِهِمْ مَكَانَ الْمَوْقِفِ، إلى الظلمة التي دون الصراط وهي على جسر جَهَنَّمَ كَمَا تَقَدَّمَ عَنْ عَائِشَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ أَيْنَ النَّاسُ يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ والسموات? فَقَالَ: "هُمْ فِي الظُّلْمَةِ دُونَ الْجِسْرِ".
وَفِي هذا الموضع يفترق الْمُنَافِقُونَ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ، وَيَتَخَلَّفُونَ عَنْهُمْ، وَيَسْبِقُهُمُ الْمُؤْمِنُونَ، ويحالبينهم وَبَيْنَهُمْ بِسُورٍ يَمْنَعُهُمْ مِنَ الْوُصُولِ إِلَيْهِمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى:
{يَوْمَ تَرَى الْمُؤمِنِينَ وَالمؤْمِنَاتِ يَسْعَى نورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهمْ وَبِأَيْمَانِهمْ بشْرَاكمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذلِكَ هُوَ الْفَوْز الْعَظِيمُ يَوْمُ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ والْمنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمنوا انظرُونَا نَقْتَبِسْ مِن نُّورِكمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءكمْ فَالْتِمسوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسور لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ يُنَادونَهُمْ ألَمْ نَكًن مَّعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكمْ باللَّهِ الْغَزورُ فَالْيَوْمَ لَا يُؤخَذُ
مِنْكُمْ فِدْيَة وَلَا مِنَ الَّذِينَ كَفروا مَأوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَولاكمْ وَبِئْسَ الْمَصِير} . [57- الحديد- 12-15] .
وَقَالَ تعالى:
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ حدثنا محمد بن صالح بن هانىء، وَالْحَسَنُ بْنُ يَعْقُوبَ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عِصْمَةَ. قَالُوا: حدثنا المزي بْنُ خُزَيْمَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ حَرْبٍ، أخبرنا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو خَالِدٍ الدَّالَانِيُّ، حَدَّثَنَا الْمِنْهَالُ بْنُ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عن مسروق، عن عبد الله، قَالَ: يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُنَادِي مناد، يا أيها الناس: ألا ترضون من ربكم الذي خلقكم ورزقكم وصوركم أن يولي كل إنسان منكم إلى من كان يتولى في الدنيا? قال: فيتمثل لِمَنْ كَانَ يَعْبُدُ عُزَيْرًا شَيْطَانُ عُزَيْرٍ، حَتَّى تتمثل لَهُمُ الشَّجَرَةُ، وَالْعُودُ، وَالْحَجَرُ، وَيَبْقَى أَهْلُ الإِسلام جُثُومًا، فَيُقَالُ لَهُمْ: مَا لَكُمْ لَمْ تَنْطَلِقُوا كما ينطلق النَّاسُ. فَيَقُولُونَ: إِنَّ لَنَا رَبًّا مَا رَأَيْنَاهُ بعد. قال: فيقال: أتعرفون ر بكم إن رأيتموه. فيقولون: بيننا وبينه علامة إن رأيناه عرفناه. قالوا: وما هي? قالوا: يكشف عَنْ سَاقٍ. قَالَ: فَيَكْشِفُ عِنْدَ ذَلِكَ عَنْ ساق، قال: فيخر- أظنه قال- مَنْ كَانَ يَعْبُدُهُ سَاجِدًا، وَيَبْقَى قَوْمٌ ظُهُورُهُمْ كصياصي البقر. يريدون السجود، قال: فلا يستطيعون، ثم يؤمرون، فيرفعون رؤوسهم، فَيُعْطَوْنَ نُورَهُمْ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، قَالَ: فَمِنْهُمْ من يعطى نوره مثل النخلة، بيمنيه ومنهم من يعطى دُونَ ذَلِكَ بِيَمِينِهِ، حَتَّى يَكُونَ آخِرُ مَنْ يُعْطَى نُورَهُ عَلَى إِبْهَامِ قَدَمِهِ، يُضِيءُ مَرَّةً، وينطفىء مرة، إذا أضاء قدم قدمه، وإذا
انطفأ قام قال: فيمرون على الصراط، كحد السيف، دحض مزلة، فَيُقَالُ لَهُمْ: امْضُوا عَلَى قَدْرِ نُورِكُمْ، فَمِنْهُمْ من يمر كانقضاض الكواكب، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَالرِّيحِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كالطرف، ومنهم من يمر كشد الرحل ويرمل رَمَلًا، فَيَمُرُّونَ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يَمُرَّ الذي نوره على إبهام قدمه تخرّيد، وتعلو يد، وتخر رجل، وتعلو رجل، وتصيب جوانبه النار، تقال: فَيَخْلُصُونَ، فَإِذَا خَلَصُوا قَالُوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نجانا منك بعد أن رأيناك، لَقَدْ أَعْطَانَا اللَّهُ مَا لَمْ يُعْطِ أَحَدًا، قَالَ مَسْرُوقٌ. فَمَا بَلَغَ عَبْدُ اللَّهِ هَذَا المكان من الحديت إِلَّا ضَحِكَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا أَبَا عبد الرحمن: لقد حدثت هذا الْحَدِيثِ مِرَارًا كُلَّمَا بَلَغْتَ هَذَا الْمَكَانَ مِنْ الْحَدِيثِ ضَحِكْتَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُحَدِّثُهُ مِرَارًا، فَمَا بَلَغَ هَذَا الْمَكَانَ مِنَ الْحَدِيثِ إِلَّا ضحك، حتى تبدو لهاته، ويبدو آخر ضرس من أضراسه، يقول الإِنسان: أَتَهْزَأُ بِي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ? فَيَقُولُ: لا، ولكني على ذلك،
…
فضحك ابن مسعود ثم ذكره.
وَقَدْ أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ بَعْدَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ عَاصِمِ، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ فَذَكَرَهُ مَوْقُوفًا، وَقَالَ البيهقي: أخبرنا أبو عبد الله بن أبي مزاحم، حدثنا أبو سعيد المؤذن، عَنْ زِيَادٍ النُّمَيْرِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
"الصراط كحد الشعرة، وكحد السيف، وإن الملائكة تحجز المؤمنين والمؤمنات، وأن جبريل عليه الصلاة والسلام يحجزني، وَإِنِّي لَأَقُولُ: يَا رَبِّ: سَلِّمْ سَلِّمْ: فَالزَّالُّونَ وَالزَّالَّاتُ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ".
وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ مِنْ حَدِيثِ سعيد بن زيد، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسٍ مَرْفُوعًا نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ بِأَبْسَطَ مِنْهُ، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، وَلَكِنْ يَتَقَوَّى بِمَا قَبْلَهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الثَّوْرِيُّ: عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ جُنَادَةَ بْنِ أَبِي أُمَيَّةَ قَالَ: إِنَّكُمْ مَكْتُوبُونَ عِنْدَ اللَّهِ بِأَسْمَائِكُمْ، وَسِيمَاكُمْ، وَحُلَاكُمْ، وَنَجْوَاكُمْ، وَمَجَالِسِكُمْ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ قِيلَ: يَا فُلَانُ هذ انورك، يَا فُلَانُ لَا نُورَ لَكَ، وَقَرَأَ:{يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أيْدِيهمْ وَبأيْمَانِهمْ} .
وقال الضحاك: ليس أحد إلا يعطي يوم القيامة نوراً، فإذا انتهوا إلى الصراط أطفىء نُورُ الْمُنَافِقِينَ، فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ أَشْفَقُوا أن يطفأ نورهم، كما أطفىء نُورُ الْمُنَافِقِينَ فَقَالُوا:{رَبَّنَا أتْمِمْ لَنَا نُورَنَا} .
وقال إسحاق بن بشير أبو حذيفة، حدثني ابن جريج، عن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إن الله يَدْعُو النَّاسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِهِمْ، سَتْرًا مِنْهُ على عباده، فأما عِنْدَ الصِّرَاطِ فَإِنَّ اللَّهَ يُعْطِي كُلَّ مُؤْمِنٍ نُورًا، وَكُلَّ مُنَافِقٍ نُورًا، فَإِذَا اسْتَوَوْا عَلَى الصِّرَاطِ سَلَبَ اللَّهُ نُورَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ، فَقَالَ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نوركم، وقال المؤمنون: ر بنا أتمم لنا نورنا: ولا يذكر عند ذلك أحد".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدِ الله بن وهب، أخبرنا عمي أبو يزيد بن أبي حبيب، عن سعيد بْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّهُ سَمِعَ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ جُبَيْرٍ يُحَدِّثُ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا الدَّرْدَاءِ وَأَبَا ذَرٍّ يُخْبِرَانِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"أَنَا أَوَّلُ مَنْ يُؤْذَنُ لَهُ يوم القيامة بالسجود، وأول من يؤذن له فيرفع رأسه، فأنظر مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ، وَمِنْ خَلْفِي، وَعَنْ يَمِينِي، وَعَنْ شِمَالِي، فَأَعْرِفُ أُمَّتِي مِنْ بَيْنِ الْأُمَمِ"، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ أُمَّتَكَ مِنْ بَيْنِ
الْأُمَمِ مَا بَيْنَ نُوحٍ إِلَى أُمَّتِكَ. قَالَ: "أعرفهم غراً محجلين مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدٍ مِنَ الأمم غيرهم، يُؤْتَوْنَ كُتُبَهُمْ بِأَيْمَانِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بِسِيمَاهُمْ، وَوُجُوهِهِمْ، وَأَعْرِفُهُمْ بنورهم، يسعى بين أيديهم وأيدي ذريتهم".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَبْدَةُ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ، حَدَّثَنَا صفوان بن عمرو، حدثني سُلَيْمُ بْنُ عَامِرٍ. قَالَ: خَرَجْنَا عَلَى جِنَازَةٍ فِي بَابِ دِمَشْقَ، وَمَعَنَا أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ، فَلَمَّا صُلِّيَ عَلَى الْجِنَازَةِ، وَأَخَذُوا فِي دَفْنِهَا، قَالَ أَبُو أُمَامَةَ: أَيُّهَا النَّاسُ: إِنَّكُمْ قَدْ أَصْبَحْتُمْ، وَأَمْسَيْتُمْ فِي مَنْزِلٍ تَقْتَسِمُونَ فِيهِ الْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ، وَتُوشِكُونَ أَنْ تَظْعَنُوا مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، وَهُوَ هَذَا- يُشِيرُ إِلَى الْقَبْرِ- بَيْتُ الْوَحْدَةِ، وَبَيْتُ الظُّلْمَةِ، وَبَيْتُ الدُّودِ، وَبَيْتُ الضِّيقِ، إلا ما وسع الله، ثم تنقلون منه إلى مواطن يوم القيامة، في بعض تلك المواطن يَغْشَى النَّاسَ أَمْرٌ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ، فَتَبْيَضُّ وُجُوهٌ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، ثُمَّ تَنْتَقِلُونَ مِنْهُ إِلَى مَنْزِلٍ آخَرَ، فَيَغْشَى النَّاسَ ظُلْمَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ يُقْسَمُ النُّورُ، فَيُعْطَى الْمُؤْمِنُ نُورًا، وَيُتْرَكُ الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُ، فَلَا يُعْطَيَانِ شَيْئًا وَهُوَ الْمَثَلُ الَّذِي ضربه الله فِي كِتَابِهِ:
{ومَنْ لَمْ يَجْعَل اللَّهُ لَة نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُورٍ} . [24-النور-40] .
لا يستضيء الكافر والمنافق، كَمَا لَا يستضيءُ الأَعْمى بِبَصَرِ الْبَصِيرِ وَيَقُولُ الْمُنَافِقُونَ لِلَّذِينِ آمَنُوا:{انظرونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكًمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا} . [57-الحديد-13] .
وَهَى خدعة الله التي خدع بها المنافقون حيث قال: {يخادعُون اللَّهَ وَهوَ خَادِعًهمْ} . [4-النساء-142] .
فَيَرْجِعُونَ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي قُسِمَ فِيهِ النُّورُ، فلا يجدون شيئاً، فيصرفون إِليهم وقد:{فَضُربَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَه بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهره مِنْ قِبَلِهِ العَذَابُ} [57- الحديد-13] .
قَالَا: هو حائط بين الجنة والنار، وهو الذي قال الله تعالى فيه:{وَبَيْنَهُمَا حِجَاب} . [7-الأعراف-46] .
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ، وَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو وَكَعْبِ الأحبار عن كتب الإِسرائيليين أنه سور بيت المقدس ضعيف جداً، فإِن كان أراد المتكلم بهذا الكلام ضرب مثال، وتقريباً للمغيب بالشاهد فذاك، ولعله مرادهم وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي الرَّبِيعُ بْنُ ثَعْلَبٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بن عباس، عن المطعم بن المقدام الصنعاني وغيره، عن أحمد قَالَ. كَتَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ إِلَى سَلْمَانَ: يَا أَخِي إِيَّاكَ أَنْ تَجْمَعَ مِنَ الدُّنْيَا مَا لَا تُؤَدِّي شُكْرَهُ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
"يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدنيا الذي أطاع الله فِيهَا وَمَالُهُ بَيْنَ يَدَيْهِ، كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ قَالَ لَهُ مَالُهُ: امْضِ، فَقَدْ أَدَّيْتَ حق الله فِيَّ?، قَالَ: ثُمَّ يُجَاءُ بِصَاحِبِ الدُّنْيَا الَّذِي لم يطع الله فيها، ماله بَيْنَ كَتِفَيْهِ، كُلَّمَا تَكَفَّأَ بِهِ الصِّرَاطُ قَالَ له ماله: ألا أديت حق الله فِيَّ? فَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى يَدْعُوَ بِالْوَيْلِ وَالثُّبُورِ".
وَعَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ، أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: "أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّهُ جِسْرٌ مَجْسُورٌ، أَعْلَاهُ دحض مزلة، وَالْمَلَائِكَةُ عَلَى جَنَبَاتِ الْجِسْرِ يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمَ قال: وإن
الصِّرَاطَ مِثْلُ السَّيْفِ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ، وَإِنَّ عليه كلاليب وحسكاً، والذي نفسي بيده، إنه ليؤخذ بالكلاّب الواحد أكثر من ربيعة ومضر".
وَعَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ قَالَ: "بَلَغَنَا أن الصراط يوم القيامة وهو على الْجِسْرُ يَكون عَلَى بَعْضِ النَّاسِ أَدَقَّ مِنَ الشعر، وعلى بعض الناس مثل الوادي الواسع" ر واه ابن أبي الدنيا.
وقال أيضاً: حدثني الخليل بن عمرو، حدثنا ابن السماك، عن أبي واعظ الزَّاهِدُ قَالَ:"بَلَغَنِي أَنَّ الصِّرَاطَ ثَلَاثَةُ آلَافِ سَنَةٍ. أَلْفُ سَنَةٍ يَصْعَدُ النَّاسُ عَلَيْهِ، وَأَلْفٌ سنة يستوي الناس، وألف سنة يهبط الناس".
وَقَالَ أَيْضًا، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ، عَنْ سَالِمِ بْنِ أبي الجعد قال: إن جهنم ثلاثة قَنَاطِرَ: قَنْطَرَةٌ عَلَيْهَا الْأَمَانَةُ، وَقَنْطَرَةٌ عَلَيْهَا الرَّحِمُ، وقنطرة عليها الله، وَهَى الْمِرْصَادُ فَمَنْ نَجَا مِنْ هَاتَيْنِ لَمْ يَنْجُ مِنْ هَذِهِ ثُمَّ قَرَأَ:{إنَّ رَبَّكَ لَبالمِرْصَادِ} . [89-الفجر-14] .
وقال عبيد الله بن الفراء: "يُمَدُّ الصِّرَاطُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بَيْنَ الْأَمَانَةِ وَالرَّحِمِ، وَيُنَادِي مُنَادٍ: أَلَا مَنْ أَدَّى الْأَمَانَةَ، وَوَصَلَ الرَّحِمَ، فَلْيَمْضِ آمِنًا غَيْرَ خَائِفٍ". رَوَاهُ ابْنُ أبي الدنيا.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إدريس، حدثنا أبو ثوبة الرَّبِيعُ بْنُ نَافِعٍ الْحَلَبِيُّ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ سَلَّامٍ، عَنْ أَخِيهِ زَيْدِ بْنِ سَلَّامٍ، أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَلَّامٍ يقول: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنِي رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى عَائِشَةَ وَبَيْنِي وَبَيْنَهَا حِجَابٌ، فَقُلْتُ: إِنَّ فِي نَفْسِي حَاجَةً لَمْ أَجِدْ أحداً يشفيني منها، قالت لي: مم أَنْتَ? قُلْتُ: مِنْ
كِنْدَةَ، قَالَتْ: مَنْ أَيِّ الْأَجْنَادِ أَنْتَ? قُلْتُ: من أهل حمص، قالت: ما حَاجَتُكَ? قُلْتُ: أَحَدَّثَكِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ يأتي عليه ساعة لا يملك لأحد شَفَاعَةً? قَالَتْ: نَعَمْ، لَقَدْ سَأَلْتُهُ عَنْ هَذَا، وَأَنَا وَهُوَ فِي شِعَارٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ: نَعَمْ حِينَ يُوضَعُ الصِّرَاطُ، لَا أَمْلِكُ لِأَحَدٍ شَيْئًا، حتى أعلم أين يسلك بي، ويوم تَبْيَضُّ وَجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، حَتَّى أَنْظُرَ مَا يفعل بي، وعند الجسر حين يستحد ويستحر قال: وَمَا يَسْتَحِدُّ وَيَسْتَحِرُّ? قَالَ: يَسْتَحِدُّ حَتَّى يَكُونَ مثل شعرة السيف، ويستحر حتى يكون مثل الجمر، فأما المؤمن فيجتازه ولا يضره، وأما المنافق فيتعلق حتى يبلغ أوسطه حر في قدميه، فيهوي بيده إلى قدميه، قالت: هَلْ رَأَيْتِ مَنْ يَسْعَى حَافِيًا فَتَأْخُذُهُ شَوْكَةٌ حتى تكاد تنفذ من قدميه? فإنه كذلك يهوي بيده ورأسه وقدميه، فيضربه الزبانية بخطاف في ناصيته وقدمه، فَيُقْذَفُ بِهِ فِي جَهَنَّمَ، يَهْوِي فِيهَا مِقْدَارَ خمسين عاماً، فقلت: ما مثل الرجل? قالت: مثل عَشْرِ خَلِفَاتٍ سِمَانٍ، فَيَوْمَئِذٍ يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ، فيؤخذ بالنواصي والأقدام.
فصل
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهًنّمَ جِثِيّاً ثُمَّ لَنَنزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمن عِتِيّاً ثُمَّ لَنَحْنُ أَعْلَمُ بالَّذِينَ هُمْ أَوْلَى بهَا صِلِياً وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَا وَاردُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَّقْضِيّاً ثمَّ نُنَجي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جثِيّاً} . [19- مريم-68-27] .
أقسم الله تعالى بِنَفْسِهِ الْكَرِيمَةِ، أَنَّهُ سَيَجْمَعُ بنيٍ آدَمَ، مِمَّنْ كان يطيع الشياطين في جَهَنَّمَ جِثِيًّا، أَيْ جُلُوسًا عَلَى الرُّكَبِ كَمَا قال:{وَتَرَى كُلَّ أمَّةٍ جَاثِيَة كلُّ أمَّةٍ تُدْعَى إِلَى كِتَابِهَا} . [45-الجاثية-28] .
وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: قِيَامًا وَهُمْ يُعَايِنُونَ هولها، ومكاره مَنْظَرِهَا، وَقَدْ جَزَمُوا أَنَّهُمْ دَاخِلُوهَا لَا مَحَالَةَ كما قَالَ تَعَالَى:{إِذَا رَأتْهُمْ مِنْ مَكَان بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفيراً وَإِذَا ألْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُوراً وَاحِداً وَادْعوا ثُبُوراً كَثِيراً قُل أذلِكَ خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاءَ وَمَصِيراً لَّهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ خَالِدِين كَانَ عَلَى رَ بِّكَ وَعْداً مَّسْئُولاً} . [25-الفرقان-12-16] .
وقال تعالى: {لَتَرَوُن الجَحِيمَ ثَمّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِين ثمَّ لَتُسْألُنَّ يَوْمَئِذٍ عَن النَّعِيم} . [102-التكاثر-6-8] .
ثم أقسم الله تعالى أن الخلائق كلهم سيرون جهنم فقال تَعَالَى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَارَدها كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضيِاً} .
قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: قَسَمًا وَاجِبًا. وَفَى الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلَاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ تَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ"1.
وَرَوَى الإِمام أَحْمَدُ، عَنْ حَسَنٍ، عَنِ ابْنِ لَهِيعَةَ، عَنْ زَبَّانِ بْنِ فَائِدٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ مُعَاذِ، بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"مَنْ حَرَسَ من وراء الملمين مُتَطَوِّعًا، لَا بِأَجْرِ سُلْطَانٍ، لَمْ يَرَ النَّارَ بعينه، إِلا تَحِلَّةَ الْقَسَمِ".
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وإِن مِنكمْ إِلَاّ وَاردُها} 2 وقد ذكر تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الْمُرَادِ بالورود، وما هُوَ، وَالْأَظْهَرُ كَمَا قَرَّرْنَاهُ فِي التَّفْسِيرِ أَنَّهُ المرور على الصراط ".
قال الله تَعَالَى: {ثمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا} . [19- مريم-72] .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْحُمَّى حَظُّ كل مؤمن من النار: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَاردها} . [19-مريم-71] .
1 الحديث رواه البخاري في صحيحه ج 2- 73- الشعب.
2 حديث ضعيف: فيه: زياد بن فائد، بالفاء البصري أبو جوين، بالجيم المصري، مصفرا، الحمراوي بالمهلة، ضعيف الحديث مع صلاحه وعبادته من السادسة، وقال الذهبي عن سهل بن معاذ: ضعيف، مات سنة خمس وخمسين. ع د ع ق. تقريب التهذيب 1- 257-10 المغني في الضعفاء 1- 236-2160.
وقد روى ابن جرير: حدثنا بشبه هَذَا فَقَالَ، حَدَّثَنِي عِمْرَانُ بْنُ بَكَّارٍ الْكَلَاعِيُّ، حدثنا أبو المغيرة، حدثنا عبد الرحمن، عن تَمِيمٍ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُودُ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِهِ وَعِكًا وَأَنَا مَعَهُ ثُمَّ قال: "إن الله تعالى يقول: هي نار أُسَلِّطُهَا عَلَى عَبْدِي الْمُؤْمِنِ، لِتَكُونَ حَظَّهُ مِنَ النَّارِ، فِي الْآخِرَةِ". وَهَذَا إِسْنَادٌ حَسَنٌ.
وَقَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، في تفسير قول الله تعالى:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يرد الناس كُلُّهُمْ ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنْهَا بِأَعْمَالِهِمْ"1.
وَهَكَذَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ إِسْرَائِيلَ، عَنِ السُّدِّيِّ بِهِ مَرْفُوعًا، ثُمَّ رَوَاهُ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ، عَنِ السُّدِّيِّ، بِهِ فَوَقَفَهُ، وَهَكَذَا رَوَاهُ أَسْبَاطٌ عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُرَّةَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ:
"يَرِدُ النَّاسُ جَمِيعًا الصِّرَاطَ، وَوُرُودُهُمْ قِيَامُهُمْ حَوْلَ النَّارِ، ثُمَّ يَصْدُرُونَ عَنِ الصِّرَاطِ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَمَرِّ الْبَرْقِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كأجاويد الخيل، ومنهم من يمر كأجاويد الإِبل، وَمِنْهُمْ مَنْ يَمُرُّ كَعَدْوِ الرَّجُلِ، حَتَّى إن آخرهم مراً رجل نوره على موضع إبهامي قدميه، ثم يتكفأ به الصراط، والصراط دحضاً مزلة، عليه حسك كحسك القتاد، حافتاه عليهما ملائكة، معهم كلاليب من نار، يخطفون بها الناس".
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3141- معارف وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.
وَذَكَرَ تَمَامَ الْحَدِيثِ، وَلَهُ شَوَاهِدُ مِمَّا مَضَى، وَمِمَّا سَيَأْتِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: عَنْ سَلَمَةَ بْنِ كُهَيْلٍ، عَنْ أَبِي الزهراء، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يَأْمُرُ اللَّهُ بِالصِّرَاطِ فَيُضْرَبُ عَلَى جَهَنَّمَ فَيَمُرُّ النَّاسُ عَلَيْهِ عَلَى قَدْرِ أَعْمَالِهِمْ، أولهمِ كَلَمْحِ الْبَرْقِ، ثُمَّ كَمَرِّ الريح، ثم كأسرع البهائم كَذَلِكَ، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ سَعْيًا، حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ مَاشِيًا، ثُمَّ يَكُونُ آخِرُهُمْ يَتَلَبَّطُ عَلَى بطنه، ثم يقول: يارب: لم أبطأت بي? فيقول: لم أبطىء بِكَ، إِنَّمَا أَبْطَأَ بِكَ عَمَلُكَ.
وَرُوِيَ نَحْوُهُ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا، والوقوف أَصَحُّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو نَصْرٍ الوائلي في كتاب الإِنانة: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَجَّاجِ، أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمِنِ الرَّبَعِيُّ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الحسين أبو عبيد الله، حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا بْنُ يَحْيَى أَبُو السُّكَيْنِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا أَبُو هَمَّامٍ الفرسي، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ قَيْسِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ طَاوُسٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "عَلِّمِ النَّاسَ سُنَّتِي وَإِنْ كَرِهُوا ذَلِكَ، وَإِنْ أَحْبَبْتَ أَنْ لَا تُوقَفَ عَلَى الصِّرَاطِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى تَدْخُلَ الْجَنَّةَ، فَلَا تُحْدِثَنَّ فِي دِينِ اللَّهِ حَدَثًا بِرَأْيِكَ". ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا غَرِيبُ الإِسناد، وَالْمَتْنُ حَسَنٌ أَوْرَدَهُ الْقُرْطُبِيُّ.
وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ عَرَفَةَ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، عَنْ بَكَّارِ بْنِ أَبِي مَرْوَانَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: قَالَ أَهْلُ الجنة بعد ما دَخَلُوا الْجَنَّةَ: أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا الْوُرُودَ عَلَى النَّارِ? فَيُقَالُ: قَدْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهَى خَامِدَةٌ.
وَقَدْ ذَهَبَ آخَرُونَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْوُرُودِ الدُّخُولُ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ، وَأَبُو مَيْسَرَةَ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا غَالِبُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ كَثِيرِ بْنِ زِيَادٍ الْبُرْسَانِيِّ، عَنْ أَبِي سُمَيَّةَ قَالَ: اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ بَعْضُنَا: لَا يَدْخُلُهَا مُؤْمِنٌ، وقال بعضهم: يدخلونها جميعاً ثم ينجي الله الذين آمنوا، فَلَقِيتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّا اخْتَلَفْنَا فِي الْوُرُودِ، فَقَالَ: يَرِدُونَهَا جَمِيعًا. وقال سلمان: يدخلونها جميعاً، وأهوى بإِصبعه إِلَى أُذُنَيْهِ وَقَالَ: صَمَّتَا إِنْ لمِ أَكُنْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:
"لَا يَبْقَى بَرٌّ وَلَا فَاجِرٌ إِلَّا دَخَلَهَا، فَتَكُونُ عَلَى الْمُؤْمِنِ بَرْدًا وَسَلَامًا، كَمَا كانت على إبراهيم، حتى إن للناس ضجيجاً من ورودهم"، ثم تلا قول الله تَعَالَى:{ثُمَّ نُنَجِّي الذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثياً} 1.
لَمْ يُخْرِجُوهُ فِي كُتُبِهِمْ، وَهُوَ حَسَنٌ. وَقَالَ أبو بكر أحمد بن سليمان النجار: حدثنا أبو الحسن محمد ابن عبيد اللَّهِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدَةَ السَّلِيطِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سعيد البوشتجي، حَدَّثَنَا سُلَيْمُ بْنُ مَنْصُورِ بْنِ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي مَنْصُورُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنِي بَشِيرُ بْنُ طَلْحَةَ الخزامي، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ يَعْلَى بْنِ منبه، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
"تقول النار للمؤمن يوم القيامة: جزيا مُؤْمِنُ، فَقَدْ أَطْفَأَ نُورُكَ لَهَبِي". وَهَذَا حَدِيثٌ غريب جداً..
1 رواه أحمد في مسنده 3- 328، 329.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ رَجُلٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ مَعْدَانَ قَالَ: قَالُوا أَلَمْ يَعِدْنَا رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ النَّارَ? فَيُقَالُ: إِنَّكُمْ مَرَرْتُمْ عَلَيْهَا وَهِيَ خَامِدَةٌ1.
وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ خالد بن معدان: إِذا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالُوا: أَلَمْ يَقُلْ رَبُّنَا أَنَّا نَرِدُ النَّارَ? فَيُقَالُ: إِنَّكُمْ وَرَدْتُمُوهَا فَأَلْفَيْتُمُوهَا رَمَادًا.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنِي يَعْقُوبُ، حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنِ الْجُرَيْرِيِّ، عَنْ أَبِي السَّلِيلِ، عَنْ غُنَيْمِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ: ذكروا ورود النار، فقال: تمسك النار بالناس بأنها تحتف إهالة، حتى تشوى عَلَيْهَا أَقْدَامُ الْخَلَائِقِ، بَرِّهِمْ وَفَاجِرِهِمْ، ثُمَّ يُنَادِيهَا مناد: أمسكي أصحابك ودعي أصحابي، قال: فيخسف بكل ولي لها والله أعلم بهم من الرجل بولده- ويخرج المؤمنين بيديه، وروى مثله عن كعب الأحبار.
وَقَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا ابْنُ إِدْرِيسَ حَدَّثَنَا الأعمش، عن أبي سفيان، عن جابر، عن أم ميسرة امْرَأَةِ زَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيْتِ حَفْصَةَ، فَقَالَ:"لَا يَدْخُلُ النَّارَ أَحَدٌ شَهِدَ بدراً، والحديبية"، فقالت حفصة: أليس الله يقول:
{وإِنْ مِنْكُمْ إِلَاّ وَاردها} .
فَتَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قول الله تَعَالَى:
{ثمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِياً} 2.
1 رواه ابن الميارك في الزهد في الزيادات رقم 407 صفحة 122 – حبيب الرحمن الأعظمي. والزوائد للهيثمي 10 -365.
2 الحديث رواه أحمد في مسنده 6-362.
ورواه أحمد1 أيضاً، عن مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ، عَنْ جَابِرِ عن أم ميسرة، عَنْ حَفْصَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ مِثْلَهُ، وَرَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزبير سمع عن جابر، عن أم ميسرة، فذكر نحوه وقد تقدم، وستأتي فِي أَحَادِيثِ الشَّفَاعَةِ كَيْفِيَّةُ جَوَازِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الصِّرَاطِ وَتَفَاوُتُ سَيْرِهِمْ عَلَيْهِ، بِحَسَبِ أَعْمَالِهِمْ، وَقَدْ تقدم أنه صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ الْأَنْبِيَاءِ إِجَازَةً بِأُمَّتِهِ عَلَى الصِّرَاطِ.
وَعَنْ عبد الله بن سلام: مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم أَوَّلُ الرُّسُلِ إجازة، ثُمَّ عِيسَى، ثُمَّ مُوسَى، ثُمَّ إِبْرَاهِيمُ، حَتَّى يكون آخرهم إجازة نوح عليه السلام، فإِذا خَلَصَ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الصِّرَاطِ تَلَقَّتْهُمُ الْخَزَنَةُ، يهدونهم إلى الجنة. وثبت في الصَّحِيحِ:
"مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سبيل الله دعي من أبواب الجنة كلها- وَلِلْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ-: فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلَاةِ، وَمَنْ كَانَ مَنْ أَهْلِ الزَّكَاةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الزَّكَاةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ الله: ما على امرء يُدْعَى مِنْ أَيِّهَا شَاءَ مِنْ ضَرُورَةٍ، فَهَلْ يُدْعَى أَحَدٌ مِنْهَا كُلِّهَا? قَالَ: "نَعَمْ، وَأَرْجُو أن تكون منهم يا أبا بكر
…
".
وإِذا دخلوا إلى الجنة هدوا إلى منازلهم، فهم أَعْرَفُ بِهَا مِنْ مَنَازِلِهِمُ الَّتِي كَانَتْ فِي الدُّنْيَا2، كَمَا سَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الصَّحِيحِ عِنْدَ البخاري رحمه الله.
1 الحديث رواه أحمد في مسنده 2- 285.
2 الحديث رواه البخاري ج 4- 26- الشعب، ج 5- 6- الشعب. ج 3- 25- شعب.
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الديري، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، عَنْ عبد الرحمن بن زياد، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"لا يدخل الجنة إِلَّا بِجَوَازٍ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ الله، لفلان أَدْخِلُوهُ جَنَّةً عَالِيَةً قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ".
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَافِظُ الضِّيَاءُ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
"يُعْطَى الْمُؤْمِنُ جَوَازًا عَلَى الصِّرَاطِ: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ: هَذَا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ الْعَزِيزِ الحكيم، لفلان، أدخلوه جنة عالية، قطوفها دانية".
وروى التِّرْمِذِيُّ فِي جَامِعِهِ: عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"شِعَارُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصِّرَاطِ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ 1" ثُمَّ قَالَ: غَرِيبٌ.
وَفَى صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "نبيكم يقول: رب سلم سلم". وجاء: أن الأنبياء تقول ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ يَقُولُونَ ذَلِكَ وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ مِنْ حَدِيثِ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْمُتَوَكِّلِ النَّاجِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
1 الحديث رواه الترمذي 38- 9- 2432 وقال: هذا حديث غريب من حديث المغيرة بن شعبة لا نعرفه إلا من حديث عبد الرحمن ابن إسحاق وفي الباب عن أبي هريرة. رواه القرطبي في تذكرته 2- 405.
"إِذا خلص المؤمنون من الصراط، حبسوا على قنطرة بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، فَاقْتُصَّ لَهُمْ مَظَالِمُ كَانَتْ بينهم في الدنيا، حتى إِذا هذبوا ونقوا، أذن بدخول الجنة، فلأحدهم أهدى إلى منزله في الجنة من منزله الذي كان في الدنيا".
وقد تكلم القرطبي في التذكرة على الحديث، وَجَعَلَ هَذِهِ الْقَنْطَرَةَ صِرَاطًا ثَانِيًا لِلْمُؤْمِنِينَ خَاصَّةً، وَلَيْسَ يَسْقُطُ مِنْهُ أَحَدٌ فِي النَّارِ.
قُلْتُ. هذه بَعْدَ مُجَاوَزَةِ النَّارِ، فَقَدْ تَكُونُ هَذِهِ الْقَنْطَرَةُ مَنْصُوبَةً عَلَى هَوْلٍ آخَرَ، مِمَّا يَعْلَمُهُ اللَّهُ، ولا نعلمه، وهو أعلم.
وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا مؤيد بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مُوسَى، عَنْ ليث، عن عثمان، عن محمد بن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يوم القيامة: جوزوا النار بعفوي، وادخلوا الجنة برحمتي، واقتسموها بِفَضَائِلِ أَعْمَالِكُمْ".
وَهَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ، وَقَدْ رَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ قَتَادَةَ. عَنْ عَبْدِ اللَّهِ مِنْ قَوْلِهِ مِثْلَهُ، وَهُوَ مُنْقَطِعٌ، بَلْ مُعْضَلٌ، وَقَدْ قَالَ بَعْضُ الوعاظ فيما حكاه القرطبي في التذكرة: "توهم نفسك يا أخي إذا سرت عَلَى الصِّرَاطِ، وَنَظَرْتَ إِلَى جَهَنَّمَ تَحْتَكَ سَوْدَاءَ مُدْلَهِمَّةً، وَقَدْ تَلَظَّى سَعِيرُهَا، وَعَلَا لَهِيبُهَا وَأَنْتَ تمشي أحياناً، وتزحف أحياناً أخرى، ثم أنشد:
أبت نفسي تثوب فَمَا احْتِيَالِي
…
إِذا بَرَزَ الْعِبَادُ لِذِي الجلالِ?
وَقَامُوا مِنْ قُبُورِهِمُ حَيَارَى
…
بِأَوْزَارٍ كَأَمْثَالِ الجبالِ
وَقَدْ نُصِبَ الصِّرَاطُ لِكَيْ يَجُوزُوا
…
فَمِنْهُمْ مَنْ يُكَبُّ عَلَى الشمالِ
وَمِنْهُمْ مَنْ يَسِيرُ لِدَارِ عَدْنَ
…
تَلَقَّاهُ العرائِس بالغزالي
يقول له المهيمن: ياولي
…
غفرت لك الذنوب فلا تبالي1
فصل
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {يَوْمَ نَحشرُ الْمُتّقِينَ إِلَى الرَّحْمن وَفْداً وَنَسوقُ الْمُجِرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَاّ مَن اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَن عَهْداً} . [19-مريم -85-87] .
ورد في الحديث: كما سَيَأْتِي: "أَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ بِنَجَائِبَ مِنَ الْجَنَّةِ يَرْكَبُونَهَا". وفي الحديث: "أنهم يُؤْتَوْنَ بِهَا عِنْدَ قِيَامِهِمْ مِنْ قُبُورِهِمْ".
وَفِي صحة ذلك نظر، إذ قد تقدم في حديث:"إن الناس كلهم يحشرون مشاة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم راكب ناقة، وَبِلَالٌ يُنَادِي بِالْأَذَانِ بَيْنَ يَدَيْهِ، فإِذا قَالَ: أشهد ألا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ: صَدَّقَهُ الْأَوَّلُونَ وَالْآخِرُونَ".
فإِذا كَانَ هَذَا مِنْ خَصَائِصِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فإِنما يَكُونُ إِتْيَانُهُمْ بالنجائب بعد الجواز على الصراط، وهو الأشبه والله أعلم.
1 القرطبي في تذكرته 2- 397.
وقد ورد في حديث الصور:
"أنه يضرب لهم حياض، بَعْدَ مُجَاوَزَةِ الصِّرَاطِ، وَأَنَّهُمْ إِذا وَصَلُوا إِلَى باب الجنة يستشفعون إلى آدم، ثم نوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى ثم محمد، صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، فَيَكُونُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ الشفيع لهم في ذلك".
كما ثبت في الصحيح عند مُسْلِمٌ، مِنْ حَدِيثِ أَبِي النَّضْرِ هَاشِمِ بْنِ الْقَاسِمِ، ورواه ابن الإِمام أَحْمَدُ عَنْهُ، عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ.
"آتي باب الجنة، فأستفتح، فيقول خازنها: مَنْ أَنْتَ? فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ، فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ ألا أَفْتَحَ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ".
وَقَالَ مُسْلِمٌ: حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ مُحَمَّدُ بْنُ الْعَلَاءِ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هشام، عن سفيان، عن المختار ابن فليفل، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أَنَا أَكْثَرُ الأنبياء تبعاً ليوم القيامة، وأول مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ".
وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "يجمع الله الناس يوم القيامة، فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حِينَ تَزْلُفُ لَهُمُ الْجَنَّةُ، فَيَأْتُونَ آدم فيقولون: يا أبانا اشفع لنا، فيقول لهم: أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ آدَمَ? لست بصاحب ذلك".
وذكر تمام الحديث، وَهُوَ شَاهِدٌ قَوِيٌّ لِمَا ذُكِرَ فِي حَدِيثِ الصور، من ذهابهم إلى الأنبياء مرة ثانية، يستشفعون بهم إلى الله، ليستأذنوه لهم في دخولهم الجنة، وَيَتَعَيَّنُ لَهَا رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، كَمَا تعين للشفاعة الأولى العظمى، كما تقدم. والله أعلم.
وقد قال عبد الله ابن الإِمام أحمد: حدثنا سويد بن سعيد قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ عَلِيٍّ فَقَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَوْمَ نحشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمن وَفْداً وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْداً} .
فقال: "وَاللَّهِ مَا عَلَى أَرْجُلِهِمْ يُحْشَرُونَ، وَلَا يُحْشَرُ الوفد على أرجلهم ولكن بنوق لم تر الخلائق مثلها، عليها رحائل من ذهب، ليركبوا عَلَيْهَا حَتَّى يَضْرِبُوا أَبْوَابَ الْجَنَّةِ".
وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، وَابْنِ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ إسحاق وزاد بعدها:"رحائل من ذهب أين منها الزبرجد" والباقي مثله.
وقال ابن حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو غسان، حدثنا مالك إِسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ: حَدَّثَنَا مَسْلَمَةُ بْنُ جَعْفَرٍ الْبَجَلِيُّ: سمعت أبا معاذ البصري قال: إن علياً كان يَوْمًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ عَلَيَّ هَذِهِ الْآيَةَ:
{يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمن وَفْداً} . [19-مريم-85] .
فَقَالَ: مَا أَظُنُّ الْوَفْدَ إِلَّا الرَّكْبَ يَا رَسُولُ اللَّهُ? فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنهم إذ يخرجون من قبورهم يستقبلوق، أَوْ يُؤْتَوْنَ بِنُوقٍ بِيضٍ، لَهَا أَجْنِحَةٌ، وَعَلَيْهَا رحال الذهب، شراك نعالهم نور يتلألأ، كما خُطْوَةٍ مِنْهَا مَدُّ الْبَصَرِ، فَيَنْتَهُونَ إِلَى شَجَرَةٍ يَنْبُعُ مَنْ أَصْلِهَا عَيْنَانِ، فَيَشْرَبُونَ مِنْ إِحْدَاهُمَا، فيغسل مَا فِي بُطُونِهِمْ مَنْ دَنَسٍ، وَيَغْتَسِلُونَ مِنَ الأخرى، فلا تشعث أبشارهم بَعْدَهَا أَبَدًا، وَتَجْرِي عَلَيْهِمْ نَضْرَةُ النَّعِيمِ، فَيَنْتَهُونَ، أو فيأتون بَابَ الْجَنَّةِ، فإِذا حَلْقَةٌ مِنْ يَاقُوتَةٍ حَمْرَاءَ على صفائح الذهب، فيضربون باب الحلقة على الصفائح، فسمع لها طنين، بأعلى، فَيَبْلُغُ كُلَّ حَوْرَاءَ أَنَّ زَوْجَهَا قَدْ أَقْبَلَ، فَتَبْعَثُ قَيِّمَهَا فَيَفْتَحُ لَهُ، فإِذا رَآهُ خَرَّ لَهُ. قَالَ مَسْلَمَةُ: أُرَاهُ قَالَ: سَاجِدًا
فَيَقُولُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ? إِنَّمَا أَنَا قَيِّمُكَ، وُكِّلْتُ بأمرك، فيتبعه ويقفو أثره، فيستخف الحوراء بالعجلة، فَتَخْرُجُ مِنْ خِيَامِ الدُّرِّ وَالْيَاقُوتِ، حَتَّى تَعْتَنِقَهُ، ثُمَّ تَقُولُ: أَنْتَ حِبِّي. وَأَنَا حِبُّكَ، وَأَنَا الْخَالِدَةُ الَّتِي لَا أَمُوتُ، وَأَنَا النَّاعِمَةُ الَّتِي لَا أَبْأَسُ، وَأَنَا الرَّاضِيَةُ الَّتِي لَا أَسْخَطُ، وأنا المقيمة التي لا أظن، فَيَدْخُلُ بَيْتًا مِنْ أُسِّهِ إِلَى سَقْفِهِ مِائَةُ ذراع، بناؤه على جندل اللؤلؤ، طرائقه أحمر وأخضر وأصفر، لَيْسَ مِنْهَا طَرِيقَةٌ تُشَاكِلُ صَاحِبَتَهَا، وَفِي الْبَيْتِ سَبْعُونَ سَرِيرًا، عَلَى كُلِّ سَرِيرٍ سَبْعُونَ حَشِيَّةٍ عَلَى كُلِّ حَشِيَّةٍ سَبْعُونَ زَوْجَةً عَلَى كُلِّ زَوْجَةٍ سَبْعُونَ حُلَّةً، يُرَى مُخُّ سَاقِهَا مِنْ وراء الحلل، يقضي جماعها فِي مِقْدَارِ لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِيكُمْ هَذِهِ، الْأَنْهَارُ مِنْ تَحْتِهِمْ تَطَّرِدُ، أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ قَالَ: صَافٍ لَا كَدَرَ فِيهِ، وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ ضُرُوعِ الْمَاشِيَةِ، وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ للشاربين، لم يعصرها الرجال بأقدامهم، وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى، لَمْ يَخْرُجْ مِنْ بُطُونِ النَّحْلِ، فَيَسْتَحْلِي الثِّمَارَ، فإِن شَاءَ أَكَلَ قائماً، وَإِنْ شَاءَ مُتَّكِئًا" ثُمَّ تَلَا:
{وَدَانِيَةً عَلَيْهِمْ ظِلَالُهَا وَذُلِّلَتْ قطوفُهَا تَذْلِيلا} . [76-الإنسان-14] .
"فَيَشْتَهِي الطَّعَامَ، فَيَأْتِيهِ طَيْرٌ أَبْيَضُ قَالَ: وَرُبَّمَا قَالَ: أَخْضَرُ، فيرفع أَجْنِحَتَهَا فَيَأْكُلُ مِنْ جُنُوبِهَا أَيَّ الْأَلْوَانِ شَاءَ، ثم تطير، فيذهب، فيدخل الملك، فيقول سلام عليكم:
{وَتلْكَ الْجَنّةُ الَّتِي أورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعملون} . [43- الزخرف-72] .
وَلَوْ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ شَعَرِ الْحَوْرَاءِ وَقَعَتْ لأهل الأرض، لصارت الشَّمْسُ مَعَهَا سَوَادًا فِي نُورٍ"، وَقَدْ رُوِّينَاهُ في الجعديات من كلام علي موقوفاً عليه، وهو أشبه بالصحة والله أعلم.
وقال أَبُو الْقَاسِمِ الْبَغَوِيُّ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ، أَخْبَرَنَا زُهَيْرٌ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ عَلِيٍّ قَالَ: ذَكَرَ النَّارَ فَعَظَّمَ أَمْرَهَا ذكراً لا أحفظه ثم تلا قول اللهّ تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً} . [39- الزمر-73] .
ثم قال: حَتَّى إِذا انْتَهَوْا إِلَى بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهَا، وَجَدُوا عِنْدَهُ شَجَرَةً يَخْرُجُ مِنْ تَحْتِ سَاقِهَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ، فَعَمَدُوا إِلَى إِحْدَاهُمَا، كَأَنَّمَا أُمِرُوا بِهَا، فَشَرِبُوا مِنْهَا، فَأَذْهَبَتْ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنْ قَذًى، أَوْ أَذًى، أَوْ بَأْسٍ، ثُمَّ عَمَدُوا إِلَى الْأُخْرَى، فَتَطَهَّرُوا مِنْهَا، فَجَرَتْ عَلَيْهِمْ نضرة النعيم، ولم تتغير أشعارهم بعدها أبداً، ولا تشعث رؤوسهم، كأنما دهنوا بالدهان، ثم إِذا انتهوا إلى الجنة، فقال لَهُمْ خَزَنَتُهَا:{سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} .
ثم يلقاهم الْوِلْدَانُ: فَيُطِيفُونَ بِهِمْ كَمَا يُطِيفُ وِلْدَانُ أَهْلِ الدنيا بالحميم، يقدمون عليهم فيقولون: أبشر بِمَا أَعَدَّ اللَّهُ لَكُمْ مِنَ الْكَرَامَةِ، ثُمَّ ينطلق غلام من تلك الْوِلْدَانِ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ مِنَ الْحُورِ الْعِينِ، فَيَقُولُ: جَاءَ فُلَانٌ بِاسْمِهِ الَّذِي كَانَ يُدْعَى به في الدنيا، قالت: أنت رأيته? قال: أنا رأيته، وهو ما رآني، فيستخف إحداهن الفرح، حتى يكون، على أسكفة الباب، فإِذا انْتَهَى إِلَى مَنْزِلِهِ نَظَرَ إِلَى أَسَاسِ بُنْيَانِهِ، فإِذا جَنْدَلُ اللُّؤْلُؤِ، فَوْقَهُ صَرْحٌ أَحْمَرُ، وَأَخْضَرُ، وَأَصْفَرُ، مِنْ كُلِّ لَوْنٍ، ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَى سَقْفِهِ، فإِذا مِثْلُ الْبَرْقِ، ولولا أن الله قدره لذهب بصره، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فإِذا أَزْوَاجُهُ، وَأَكْوَابٌ مَوْضُوعَةٌ، ونمارق مصفوفة، وزرابي مبثوثة، ثم اتكأ فقال:
{الْحَمْدُ اللَّهِ الذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّه} .
لقد جاءت رسل ربنا بالحق، وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تعملون
…
ثُمَّ يُنَادِي مُنَادٍ: تَحْيَوْنَ فَلَا تَمُوتُونَ أَبَدًا، وَتُقِيمُونَ فَلَا تَظْعَنُونَ أَبَدًا، وَتَصِحُّونَ فَلَا تَمْرَضُونَ أبداً.
وهذا لا يقتضي تغير الشكل من الحال التي كان الناس عليهم فِي الدُّنْيَا، إِلَى طُولِ سِتِّينَ ذِرَاعًا، وَعَرْضِ ستة أَذْرُعٍ، كَمَا هِيَ صِفَةُ كُلِّ مَنْ دَخَلَ الجنة، كما ورد به الحديث، يكون عند العينين اللتين يغتسلون من إحداهما، فيغسل ما في بطونهم من الأذى، ومن الأخرى، فتجري عليهم نضرة النعيم، وكلهم أَنْسَبُ وَأَقْرَبُ مِمَّا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الْمُتَقَدِّمِ:"أن ذلك يكون في العرصات " لضعف إسناده.
وقد أبعد من زعم أن ذلك يكون عند المقام من القبور، لما يعارضه من الأدلة القائمة على خلاف ذلك، والله تعالى أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ، عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، قَالَ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا دَخَلَ الجنة، وصور صورة أهل الجنة، وألبس لباسهم، وحلى حليهم، وأري أزواجه وخدمه، يأخذه سوار فرح. ولو كان ينبغي أن يموت لمات من سوار فرحه، فيقال له: أرأيت سوار فرحتك هذه? فإنها قائمة لك أَبَدًا1"..
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: أَخْبَرَنَا رِشْدِينُ بْنُ سعد، عن زهرة، عن معد القرشي، عن أبي عبد الرحمن الجيلي قال: إن العبد أول من يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَتَلَقَّاهُ سَبْعُونَ أَلْفَ خَادِمٍ كَأَنَّهُمُ اللؤلؤ2.
1 رواه ابن المبارك في الزهد في الزيادات رقم 429 صفحة 129 وكذلك رواه أبو نعيم في ترجمة بن هلال من الحلية.
2 رواه بان المبارك في الزهد في الزيادات 427- 128.
قال ابن المبارك: وأنبأنا يحيى بن أيوب، حدثني عبد اللَّهِ بْنُ زَحْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرَّحْمِنِ الْمَعَافِرِيِّ، قَالَ:"إِنَّهُ ليصنف لِلرَّجُلِ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ سِمَاطَانِ، لَا يُرَى طَرَفَاهُمَا مِنْ غِلْمَانِهِ، حَتَّى إِذَا مَرَّ َمشوا وراءه"1.
وروى أبو نعيم عن مسلمة، عَنِ الضَّحَّاكِ بْنِ مُزَاحِمٍ، قَالَ:"إِذَا دَخَلَ الْمُؤْمِنُ الْجَنَّةَ، دَخَلَ أَمَامَهُ مَلَكٌ، فَيَأْخُذُ بِهِ في سككها، فيقول له: انظر، ماذا ترى? فيقول: أرى أكثر القصور التي رأيتها من ذهب وفضة، فيقول الملك: إن هذا لك، حتى إذا ظهر لمن فيها، اسْتَقْبَلُوهُ مَنْ كُلِّ بَابٍ، وَمِنْ كُلِّ مَكَانٍ، قائلين: نَحْنُ لَكَ، ثُمَّ يَقُولُ: امْشِ. فَيَقُولُ: مَاذَا ترى? فيقول: خيام هي أكثر خيام رأيتها عساكر، وأكثرها أنيساً، فيقول: "إن هذا أجمع لك، فإذا ظهر لمن فيها استقبلوه قائلين: نَحْنُ لَكَ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي الْحَوَارِيِّ: عن أبي سليمان الدارني فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
{وَإِذَا رَأيْتَ ثَمَّ رَأيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً} . [76- الإنسان- 20] .
إن الملك ليأتي بالتحفة إلى ولي الله عز وجل، فما يصل إليه إِلا بإذن، فيقول لِحَاجِبِهِ: اسْتَأْذِنْ لِي عَلَى وَلِيِّ اللَّهِ، فَيُعْلِمُ ذَلِكَ الْحَاجِبُ حَاجِبًا آخَرَ، وَحَاجِبًا بَعْدَ حَاجِبٍ، وَمِنْ دَارِهِ إِلَى دَارِ السَّلَامِ، بَابٌ يَدْخُلُ منه على ربه إِذا شَاءَ بِلَا إِذْنٍ، وَرَسُولُ رَبِّ الْعِزَّةِ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ إِلا بِإِذْنٍ".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا خَالِدُ بْنُ خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا مَهْدِيُّ بن ميمون، عن محمد بن عبد الملك بن أبي يعقوب، عن بشر بن سعاف، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سلام فقال:
1 رواه ابن المبارك في الزهد في الزيادات 415-126.