الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فضل الله عز وجل على الآباء ببركة عمل الأبناء
فَأَمَّا فَضْلُهُ عَلَى الْآبَاءِ بِبَرَكَةِ دُعَاءِ الْأَبْنَاءِ، فقد قال أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عن أبي عاصم بن النَّجُودِ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إن الله لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ: أنَّى لِي هَذِهِ? فَيَقُولُ: بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ".
وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ: وَلَمْ يُخْرِجْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ، وَلَكِنْ لَهُ شَاهِدٌ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ: صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يدعو له".
فصل الجنة والنار موجودتان
والجنة والنار موجودتان الآن، معدتان لأصحابهما، كما نطق بذلك القرآن? وتواترت بذلك الأخبار عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وهذا اعتقاد أهل السنة والجماعة، المستمسكين بالعروة الوثقى، وهي السنة المثلى إلى قيام الساعة، خلافاً لمن زعم أن الجنة والنار لَمْ يُخْلَقَا بَعْدُ، وَإِنَّمَا يُخْلَقَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وهذا القول صدر ممن لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى الْأَحَادِيثِ الْمُتَّفَقِ عَلَى صِحَّتِهَا في الصحيحين
وغيرهما من كتب الإِسلام المعتددة الْمَشْهُورَةِ بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ وَالْحَسَنَةِ، مِمَّا لَا يُمْكِنُ دفعه، ولا رده، لتواتره، واشتهاره.
وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"أَنَّهُ رَأَى الْجَنَّةَ والنار ليلة الإسراء".
وقال صلى الله عليه وسلم:
"اشْتَكَتِ النَّارُ إِلَى رَبِّهَا فَقَالَتْ: يَا رَبِّ: أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا، فأذن لها في نفسين، نَفَسٍ فِي الشِّتَاءِ، وَنَفَسٍ فِي الصَّيْفِ، فَأَشَدُّ ما تجدون من الزمهرير، من بردها، وأشد ما تجدون في الْحَرِّ، مِنْ فَيْحِهَا، فَإِذَا كَانَ الْحَرُّ فَأَبْرِدُوا بالصلاة".
وثبت في الصَّحِيحَيْنِ: مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"تَحَاجَّتِ الجنة والنار، فقالت النار: أؤثرت بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ: مَا لِي لَا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم دون غيرهم? فقال الله لِلْجَنَّةِ: أَنْتِ رَحْمَتِي أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَقَالَ لِلنَّارِ: أَنْتِ عَذَابِي، أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِي، وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ منكما ملؤها، فأما النار فلا تمتلىء حَتَّى يَضَعَ قَدَمَهُ عَلَيْهَا، فَتَقُولُ: قَطْ قَطْ، فهنالك تمتلىء، وينزوي بعضها إلى بعض، ولا يظلم من خلقه أحداً، وأما الجنة فينشىء الله لها خلقاً"1.
1 الحديث رواه مسلم في صحيحه. 51- كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها. 13- باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء حديث رقم 2846. ورواه البخاري. 65- كتاب التفسير. 50- سورة ق. 1- باب قوله: {وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} . غريب اللغة: سقطهم: أي ضعفاؤهم والمتحقرون منهم.
لفظ مسلم.
وثبت في الصحيحين: من طريق سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"لَا تَزَالُ جَهَنَّمُ يُلْقَى فِيهَا، وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، حتى يضع الجبار فِيهَا قَدَمَهُ، فَيَنْزَوِي بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ، وَتَقُولُ: قَطْ قَطْ. بِعِزَّتِكَ وَكَرَمِكَ، وَلَا يَزَالُ فِي الجنة فضل، حتى ينشىء الله لها خلقاً، فيسكنهم فضل الجنة"1.
فَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم من أنه سبحانه وتعالى ينشىء لِلنَّارِ مَنْ يَشَاءُ، فَيُلْقَى فِيهَا، فَتَقُولُ: هَلْ من مزيد? وإشكال هذه الرواية، فَقَدْ قَالَ بَعْضُ الْحُفَّاظِ: هَذَا غَلَطٌ مِنْ بعض الرواة، وكأنه اشتبه عليه، فدخل عَلَيْهِ لَفْظٌ فِي لَفْظٍ فَنَقَلَ هَذَا الْحُكْمَ من الجنة إلى النار: والله أعلم.
قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ تَعَالَى امتحنهم فِي الْعَرَصَاتِ كَمَا يَمْتَحِنُ غَيْرَهُمْ مِمَّنْ لَمْ تَقُمْ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ فِي الدُّنْيَا، فَمَنْ عَصَى مِنْهُمْ أَدْخَلَهُ النَّارَ، وَمَنِ اسْتَجَابَ أَدْخَلَهُ الْجَنَّةَ، لقوله تعالى:
{وَمَاكُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} . [17-الإسراء- 15] .
ولقوله تَعَالَى:
{رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاِّ يَكُونَ لِلنَّاس عَلَى اللَّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرًّسُل وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً} . [4- النساء-165] .
1 الحديث رواه مسلم. 51- كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها. 13- باب النار يدخلها الجباون رقم 2848- ورواه البخاري 83- كتاب الإيمان والنذور. 12- باب الحلف بغير الله.