الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ليس الميزان لكل فرد من أفراد الناس يوم القيامة
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ1: فَالْمِيزَانُ حَقٌّ، وَلَيْسَ هُوَ فِي حَقِّ كُلِّ أَحَدٍ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:{يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي والأقْدَام} . [55- الرحمن- 41] .
وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم: "فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ: أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فيما سواه".
قلت: وقد تواترت الأحاديث فِي السَّبْعِينَ أَلْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، لَكِنْ يَلْزَمُ مِنْ هَذَا أَنْ لَا تُوزَنَ أَعْمَالُهُمْ، وَفِي هَذَا نَظَرٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وقد توزن أعمال السعداء ون كانت راجحة، لإِظهار شرفهم على رؤوس الأشهاد، والتنويه بسعادتهم ونجاتهم، وأما الكفار فتوزن أعمالهم وإن لم تكن لهم حسنات تنفعهم، يقابل بها كفرهم، لإِظهار شقائهم وفضيحتهم على رؤوس الخلائق، وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ:"إِنَّ اللَّهَ لَا يظلم أحداً حسنة" أما
1 رواه القرطبي في التذكرة 2- 375.
الْكَافِرُ فَيُطْعِمُهُ بِحَسَنَاتِهِ فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يُوَافِيَ الله وليس له حسنة يجزى بها، وقد اختار الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ أَنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُوَافِي بصدقة وصلة رحم فيخفف بها عنه من العذاب، واستشهد بقضية أبي طالب حين جعل فِي ضَحْضَاحٍ مِنْ نَارٍ، يَغْلِي مِنْهُ دِمَاغُهُ، وفي هذا نظر، وقد يكون هذا خاصاً به خلصه رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبب نصرته له، وقد استدل القرطبي على ذلك بقوله تَعَالَى:{وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَإِنْ كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} . [21- الْأَنْبِيَاءِ- 47] .
قُلْتُ: وَقُصَارَى هَذِهِ الْآيَةِ الْعُمُومُ فَيُخَصُّ مِنْ ذَلِكَ الْكَافِرُونَ، وَقَدْ سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بن جدعان، وذكر أنه كان يقري الضيف، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيُعْتِقُ، فَهَلْ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ? قَالَ: لَا، إِنَّهُ لَمْ يَقُلْ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ تَعَالَى:{وَقدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَل فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} . [25- الفرقان- 23] .
وقال: {حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيئَاً وَوَجَدَ اللَّهَ عِندَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ وَاللَّه سَرِيعُ الحِسَابِ} . [24-النور- 39] .
وقال: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَزوا بِرَبهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ في يَوْم عَاصِفٍ} . [14- إبراهيم- 18] . الآية.
فصل
قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُ: مَنْ ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سيئاته ولو بزوانة دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَثْقَلَ وَلَوْ بزوانة دخل النار، إلا أن يغفر الله، وَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْأَعْرَافِ.
وَرُوِيَ مِثْلُ هَذَا عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه.
قلت: يشهد لذلك قَوْلُهُ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً} . [4- النساء- 40] .
لكن ما أعلم: من ثَقُلَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ بِحَسَنَةٍ أَوْ بِحَسَنَاتٍ، هل يدخل الجنة ويرتفع في درجاتها بجميع حسناته. ويكون قد أحبطت السيئات التي قابلتها? أو يدخلها مما يبقي لَهُ مِنَ الْحَسَنَاتِ الرَّاجِحَةِ عَلَى السَّيِّئَاتِ وَتَكُونُ الحسنات قد أسقطت ما وراءها من السيئات?