الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر زيارة أهل الجنة بعضهم بعضاً واجتماعهم وتذاكرهم أموراً كانت منهم في الدنيا من طاعات وزلات
قال الله تَعَالَى: {وَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أهْلِنَا مُشْفِقِينَ فمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُوم إنَّا كُنا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبر الرَّحِيمُ} . [52- الطور- 25- 28] .
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا عبد الله، حدثنا سلمة بن شبيب، حدثنا سعد بن دينار، عن الربيع، عن صبيح، عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ، واشتاق الإِخوان بعضهم إلى بعض، يسير سَرِيرُ هَذَا إِلَى سَرِيرِ هَذَا، حَتَّى يَجْتَمِعَا جميعاً، فيقول أحدهما لصاحبه: أتعلم مَتَى غَفَرَ اللَّهُ لَنَا? فَيَقُولُ صَاحِبُهُ: كُنَّا في موضع كذا وكذا، فدعونا الله فَغَفَرَ لَنَا".
وَقَالَ تَعَالَى:
{فَأقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْض يَتَسَاءَلُونَ قَالَ قَائِل مِنْهُمْ إِنِّي كَانَ لي قَرِينٌ "يَقُولُ أئِنك لَمِنَ الْمُصَدقِينَ أئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَاباً وَعِظَاماً أئِنَّا لَمَدِينُونَ، قَالَ هَلْ أنْتُمْ مُطّلِعُونَ فَاطلَعَ فَرَآهُ فِي سَواء الجَحِيم قَالَ تَاللَّهِ إنْ كِدْتَّ لَتُرْدين وَلَوْلَا نِعْمَةُ رَبي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ أفَمَا نَحْنُ بِمَيتينَ إلَاّ مَوْتَتَنَا الأولَى وَمَا نَحْنُ بِمُعَذبِينَ إنَّ هَذَا لَهُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ لِمِثْل هَذَا فَلْيَعْمَل الْعامِلُونَ} . [37- الصافات- 50-61] . وهذا الفوز، يشمل الجني، والإنسي.
يقول: كان يوسوس إلي بالكفر واستبعاد أمر المعاد، فبرحمة الله نجوت منه، ثم أمر أصحابه ليطلعوا على النار، فرآه في غمراتها يعذب، فحمد الله على ما نجاه منه.
قال الله تعالى:
{قَالَ تَاللَّهِ إِن كِدْتَ لَتُرْدِين، وَلَوْلَا نِعْمَةُ ربي، لَكُنْتُ مِنَ المحْضَرِينَ} .
ثُمَّ ذَكَرَ الْغِبْطَةَ الَّتِي هُوَ فِيهَا، وَشَكَرَ الله عليها وقال:
{أفَمَا نَحْنُ بِميتينَ إِلاّ مَوْتَتَنَا الأولَى، وَمَا نَحْنُ بِمُعَذِّبِينَ} ? أي إنا قَدْ نَجَوْنَا مِنَ الْمَوْتِ وَالْعَذَابِ، بِدُخُولِنَا الْجَنَّةَ، إن هذا لهو الفوز العظيم وقوله:
{لِمِثْل هذا، فَلْيَعْمَل الْعَامِلُونَ} .
يحتمل أن يكون من تمام مقالته، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ عز وجل، لقوله:
{وفي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَس الْمُتَنَافِسُونَ} . [83- المطففين- 26] .
ولهذا نظائر كثيرة، قد ذكرنا بعضها في التفسير.
وذكر في أول البخاري: في كتاب الإِيمان، في حديث حارثة بن سراقة، حين قال له رسولالله صلى الله عليه وسلم:"كيف أصبحت?" فقال: أصبحت مؤمناً بالله حقاً، قال:"فما حقيقة إيمانك?" قال: صرفت نَفْسِي عَنِ الدُّنْيَا، فَأَسْهَرْتُ لَيْلِي، وَأَظْمَأْتُ نَهَارِي،
وَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى عَرْشِ رَبِّي بَارِزًا، وَإِلَى أَهْلِ الْجَنَّةِ يَتَزَاوَرُونَ فِيهَا، وَإِلَى أَهْلِ النَّارِ يعذبون فيها، فقال:
"عَبْدٌ نَوَّرَ اللَّهُ قَلْبَهُ".
وَقَالَ سُلَيْمَانُ بْنُ الْمُغِيرَةِ: عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ: بَلَغَنَا أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَزُورُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ منهم وَلَا يَزُورُ الْأَسْفَلُ الْأَعْلَى"، قُلْتُ: وَهَذَا يَحْتَمِلُ معنيين: أحدهما: أن صاحب الرتبة السافلة، لا يصلح له أن يتعداها، وليس فيه أهلية لذلك.
الثاني: لئلا يرى فوق ما هو فيه من النعيم فيحزن لذلك، وليس في الجنة حزن، وَقَدْ وَرَدَ مَا قَالَهُ حُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ فِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ، وَفِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى مَا قال، فقال الطبراني: حدثنا الحسن بن إسحاق، حدثنا شريك بْنُ عُثْمَانَ. حَدَّثَنَا الْمُسَيَّبُ بْنُ شَرِيكٍ، عَنْ بِشْرِ بْنِ نُمَيْرٍ، عَنِ الْقَاسِمِ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ، قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَلْ يتزاور أهل الجنة? فقال:
"يَزُورُ الْأَعْلَى الْأَسْفَلَ وَلَا يَزُورُ الْأَسْفَلُ، الْأَعْلَى، إلا الذين يتحابون في الله يَأْتُونَ مِنْهَا حَيْثُ شَاءُوا عَلَى النُّوقِ، مُحْتَقِبِينَ الحشايا".
وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا حَمْزَةُ بْنُ العباس، حدثنا عبد الله بن عثمان، عن عبد الله بن المبارك، أن إسماعيل بن عياش قال: حَدَّثَنِي ثَعْلَبَةُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنْ أَيُّوبَ بْنِ بَشِيرٍ الْعِجْلِيِّ، عَنْ شُفَيِّ بْنِ مَاتِعٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:
"إن من نعيم الجنة أنهم يتزاورون على المطايا والبخت، وَأَنَّهُمْ يُؤْتَوْنَ فِي الْجَنَّةِ بِخَيْلٍ مُسْرَجَةٍ مُلْجَمَةٍ، لَا تَرُوثُ وَلَا تَبُولُ فَيَرْكَبُونَهَا حَتَّى يَنْتَهُوا إلى
حيث شاء الله عز وجل، فيأتيهم مِثْلَ السَّحَابَةِ، فِيهَا مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، ولا أذن سمعت، فيقولون: أمطري علينا، فلا تزال تمطر عليهم حتى ينتهي ذلك، ثم يبعث الله ريحاً غير مؤذية، فتتسف كُثْبَانًا مِنْ مِسْكٍ، عَنْ أَيْمَانِهِمْ، وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ، فيوجد ذلك المسك في نواصي خيلهم، وفي مفارقها، وفي رؤوسها، ولكل رجل منهم جهة على ما اشتهت نفسه، فيعلق المسك بهم، ويعلق بالخيل، ويعلق بما سِوَى ذَلِكَ مِنَ الثِّيَابِ، ثُمَّ يَنْقَلِبُونَ حَتَّى يَنْتَهُوا إِلَى مَا شَاءَ اللَّهُ عز وجل، فإن الْمَرْأَةُ تُنَادِي بَعْضَ أُولَئِكَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ? أما لك فينا حاجة? فيقول: من أَنْتِ? فَتَقُولُ: أَنَا زَوْجَتُكَ، وَحِبُّكَ، فَيَقُولُ: مَا علمت بمكانك، فتقول أو ما علمت أن الله قَالَ:
{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أخْفِي لَهُمْ مِنْ قرَّةِ أعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْملون} . [32- السجدة- 17] .
فيقول: بلى وربي، فلعله يشغل بعد ذلك الوقت، لَا يَلْتَفِتُ، وَلَا يَعُودُ، مَا يَشْغَلُهُ عَنْهَا إلى ما هو فيه من النعمة والكرامة".1 وهذا حديث مرسل غريب جداً.
1 الحديث رواه ابن المبارك في الزهد في زيادة نعيم له صفحة 69رقم 239. ورواه الطبراني من حديث أبي أيوب أيضا في الزوائد 10- 413. وقد قمت بحذف كلمة: من النعيم في الآصل لأن هذا خطأ وصوابها ما وضعته في أصل هذه الطبعة وهو من النعمة كما ورد في الحديث في كتاب الزهد لابن المبارك صفحة 69 رقم 239. ورواه الطبراني من حديث أبي أيوب أيضا مرفوعا كما في الزوائد 10-413. والحديث فيه: إسماعيل بن عياش بن سليم العنسي، بالنون، أبو عتبة الحمصي صدوق في روايته عن أهل بلده، مخلط في غيرهم، من الثامنة، مات سنة إحدى أو اثنتين وثمانين، وله بضع وتسعون سنة. ي ع. تقريب التهذيب 1- 73 رقم 541.
شفى: بالفاء، مصغرا، ابن ماتع: بمثناة، الأصبحي، ثقة، من الثالثة، أرسل حديثا، فذكره بعضهم في الصحابة خطأ، مات في خلافة هشام قاله خليفة: -عخ د ت س فق. تقريب التهذيب 1- 353رقم 93.
أيوب بن بشير العجلي شامي عن التابعي مجهول الذهبي في المغني في الضعفاء 1- 95 رقم 802.
وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي ابْنُ أَنْعُمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
"إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَيَتَزَاوَرُونَ عَلَى الْعِيسِ الْخُورِ، عليها رحال المسك، على خياشمها غُبَارَ الْمِسْكِ، خِطَامُ- أَوْ زِمَامُ- أَحَدِهَا خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا".
وَرَوَى ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: مِنْ طَرِيقِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ عُمَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ سَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ:
{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّموَاتِ وَمَنْ فِي الأرْض إِلَاّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ} . [39- الزمر- 68] .
فقال: "هُمُ الشُّهَدَاءُ، يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ مُتَقَلِّدِينَ أَسْيَافَهُمْ حَوْلَ عرشه، فتأتيهم ملائكة من المحشر بنجائب من الياقوت الأبيض، برجال الذهب، أعنتها السندس، والإِستبرق، ونمارق من الحرير، تمد أبصارها مَدَّ أَبْصَارِ الرِّجَالِ، يَسِيرُونَ فِي الْجَنَّةِ عَلَى خيولهم يقولون عند طول النزهة: انطلقي بِنَا نَنْظُرْ كَيْفَ يَقْضِي اللَّهُ بَيْنَ خَلْقِهِ? فيضحك إليهم الله عز وجل، وإذا ضحك الله إلى عبد فلا حساب عليه".
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْهَرَوِيُّ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زيد الموصلي، حدثني أبو إياس، حدثني محمد بن علي بن الحسين.
وروى أبو نعيم: في حديث المعافى. بن عمران، حدثني: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
"إِنَّ فِي الْجَنَّةِ شَجَرَةً يُقَالُ لَهَا طُوبَى، لَوْ سَخَّرَ الْجَوَادَ الرَّاكِبُ أَنْ يَسِيرَ فِي ظلها لسار مائة عام، ورقها زمرد أخضر، وزهرها رياط صفر، وأفناؤها
سُنْدُسٌ، وَإِسْتَبْرَقٌ، وَثَمَرُهَا حُلَلٌ، وَصَمْغُهَا زَنْجَبِيلٌ، وَعَسَلٌ، وَبَطْحَاؤُهَا يَاقُوتٌ أَحْمَرُ، وَزُمُرُّدٌ أَخْضَرُ، وَتُرَابُهَا مِسْكٌ، وخشيشها زعفران، يَفُوحُ مِنْ غَيْرِ وَقُودٍ، وَيَتَفَجَّرُ مِنْ أَصْلِهَا أنهار السَّلْسَبِيلُ، وَالرَّحِيقُ، وَظِلُّهَا مَجْلِسٌ مِنْ مَجَالِسِ أَهْلِ الجنة، يألفونه، ويتحدث فيه جميعهم.
فبينما هم يوماً يتحدثون في ظلها، إذا جَاءَتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَقُودُونَ نَجَائِبَ مِنَ الْيَاقُوتِ، قَدْ نُفِخَ فِيهَا الرُّوحُ، مَزْمُومَةً بِسَلَاسِلَ مِنْ ذَهَبٍ، وجوهها المصابيح، عليها رحائل ألواحها من الدر والياقوت، مفصصة باللؤلؤ والمرجان صفاقها من الذهب الأحمر، الملبس بالعبقري والأرجوان، فأناخوا إليهم بتلك النجائب، وقالوا لهم: إن ربكم يُقْرِئُكُمُ السَّلَامَ، وَيَسْتَزِيرُكُمْ، لِيَنْظُرَ إِلَيْكُمْ، وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ، وتحيوه، ويحييكم، وتكلموه، ويزيدكم من سعة فَضْلِهِ، إِنَّهُ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ، وَفَضْلٍ عَظِيمٍ.
فيتحول كل رجل منهم إلى راحلته، ثم ينطلقون صفاً واحداً معتدلاً، لا يفوت منه أحد أحداً، ولا تفوت أذن الناقة أذن صاحبتها، ولا ركبة الناقة ركبة صَاحِبَتِهَا وَلَا يَمُرُّونَ بِشَجَرَةٍ مِنْ أَشْجَارِ الْجَنَّةِ إلا أتحفتهم بثمرتها، ورحلت لهم عن طريقهم، كراهة أن ينثلم صفهم، أو يفرق بين الرجل ورفيقه. فإذا رفعوا إلى الجبار أَسْفَرَ لَهُمْ عَنْ وَجْهِهِ الْكَرِيمُ وَتَجَلَّى لَهُمْ في عظمة العظيم وقالوا: رَبَّنَا أَنْتَ السَّلَامُ، وَمِنْكَ السَّلَامُ، وَلَكَ حَقُّ الجلال والإِكرام فيقول لهم ربهم عز وجل: إني السَّلَامُ وَمِنِّي السَّلَامُ، وَلِي حَقُّ الْجَلَالِ والإِكرام، مَرْحَبًا بِعِبَادِي الَّذِينَ حَفِظُوا وَصِيَّتِي، وَرَعَوْا حَقِّي، وخافوني بالغيب فكانوا مِنِّي عَلَى كُلِّ حَالٍ مُشْفِقِينَ.
قالوا: وعزتك، وعلو مكانك، ما قدرناك حق قدرك، وما أدينا إليك كل حقك، فأذن لنا بالسجود لك،
فيقول لَهُمْ رَبُّهُمْ: إِنِّي قَدْ وَضَعْتُ عَنْكُمْ مُؤْنَةَ الْعِبَادَةِ، وَأَرَحْتُ لَكُمْ أَبْدَانَكُمْ، فَطَالَمَا أَنْصَبْتُمْ لِيَ الْأَبْدَانَ، وَأَعْنَيْتُمْ لِيَ الْوُجُوهَ، فَالْآنَ أَفْضَيْتُمْ إِلَيَّ رَوْحِي، وَرَحْمَتِي، وَكَرَامَتِي، فَسَلُونِي مَا شِئْتُمْ، وَتَمَنَّوْا عَلَيَّ أُعْطِكُمْ أَمَانِيَّكُمْ، فَإِنِّي لَنْ أَجْزِيَكُمُ الْيَوْمَ بقدر أعمالكم، ولكن بقدر رحمتي، وكرامتي، وطولي، وجلالي، وَعُلُوِّ مَكَانِي، وَعَظَمَةِ شَأْنِي.
فَمَا يَزَالُونَ فِي الأماني والعطايا، والمواهب، حتى إن المقتصر فِي أُمْنِيَّتِهِ لَيَتَمَنَّى مِثْلَ جَمِيعِ الدُّنْيَا مُنْذُ خلقها الله إلى يوم إفنائها.
فيقول لهم الله عز وجل: قد قَصَّرْتُمْ فِي أَمَانِيِّكُمْ، وَرَضِيتُمْ بِدُونِ مَا يَحِقُّ لكم، لقد أَوْجَبْتُ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَتَمَنَّيْتُمْ، وَأَلْحَقْتُ بِكُمْ ذريتكم، ودونكم مَا قَصَّرَتْ عَنْهُ أَمَانِيُّكُمْ".
وَهَذَا مُرْسَلٌ ضَعِيفٌ، غريب، وأحسن أحواله أن يكون من كلام بعض السلف، فوهم بعض رواته فجعله مرفوعاً، وليس كذلك، والله أعلم.
باب جَامع لأحكام تتعَلق بالجَنَّة ولأَحاديث شَتَّى
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَالَّذينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُريَّتُهُمْ بإِيمَان ألحَقْنَا بِهِمْ ذريَّتَهُمْ وَمَا ألَتْنَاهُمْ منْ عَمَلهِمْ مِنْ شَيْءٍ} . [52-الطور-21] .
ومعنى هذا:
أَنَّ اللَّهَ تَعَالِي يَرْفَعُ دَرَجَةَ الْأَوْلَادِ فِي الْجَنَّةِ، إِلَى دَرَجَةِ الْآبَاءِ، وَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا بِعَمَلِهِمْ، وَلَا يَنْقُصُ الْآبَاءُ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، حَتَّى يجمع بينهم وبين بنيهم، في الجنة التي يستحقها الآباء، فيرفع الناقص حتى يساويه مع العالي، ليجمع بينهم في الدرجة العالية: لتقر أعينهم لاجتماعهم وارتفاعهم".
قال الثوري عن عمر بْنِ مُرَّةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
"إِنَّ اللَّهَ لَيَرْفَعُ ذُرِّيَّةَ المؤمن إلى درجته، وإن كانوا دونه في العمل، ليقربهم عَيْنَهُ ثُمَّ قَرَأَ:
{وَالذينَ آمَنُوا وَاتبعَتْهُمْ ذرِّيَّتُهُمْ بإيمَان ألْحَقْنَا بهمْ ذرِّيَّتَهُمْ وَمَا ألتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهمْ مِنْ شَيْءٍ} . [52- الطور-21] .
كذا رواه ابن جبير، وابن أبي حاتم في تفسيرهما عَنِ الثَّوْرِيِّ مَوْقُوفًا، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عن شعبة، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ موقوفاً، وروراه الْبَزَّارُ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ مَرْدُوَيْهِ فِي تَفْسِيرِهِ، مِنْ حَدِيثِ قَيْسِ بْنِ الرَّبِيعِ، عَنْ عَمْرٍو عَنْ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.
وروى الثَّوْرِيِّ: وَشُعْبَةَ أَثْبَتُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَرَوَى ابْنُ أبي الدنيا، من طريق اللَّيْثِ، عَنْ حَبِيبِ بْنِ أَبِي ثَابِتٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ:
"هُمْ ذُرِّيَّةُ الْمُؤْمِنِ، يَمُوتُونَ عَلَى الْإِيمَانِ، فَإِنْ كَانَتْ مَنَازِلُ آبَائِهِمْ أَرْفَعَ من منازلهم، ألحقوا بآبائهم، ولم ينقص الأباء مِنْ أَعْمَالِهِمُ الَّتِي عَمِلُوا شَيْئًا".
وقال الطبراني: حدثنا حسين بن إسحاق التستري، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ غَزْوَانَ، حدثنا: شريك، عن سالم الأقطش، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:
"إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ الْجَنَّةَ، سَأَلَ عَنْ أَبَوَيْهِ، وزوحته، وَوَلَدِهِ، فَيُقَالُ: إِنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا دَرَجَتَكَ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ قَدْ عَمِلْتُ لِي وَلَهُمْ، فَيُؤْمَرُ بِإِلْحَاقِهِمْ بِهِ".
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {وَالَّذينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذريَّتُهُمْ بإيمَان} . [52- الطور- 21] .
وَقَالَ الْعَوْفِيُّ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فِي هَذِهِ الآية: يقول الله تعالى: وَالَّذِينَ أَدْرَكَ ذُرِّيَّتُهُمُ الْإِيمَانَ، فَعَمِلُوا بِطَاعَتِي، أَلْحَقْتُهُمْ بآبائهم في الجنة، وأولادهم الصغار تلحق بهم.
هذا التَّفْسِيرُ هُوَ أَحَدُ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي مَعْنَى الذرية، أَهُمُ الصِّغَارُ فَقَطْ? أَمْ يَشْمَلُ الصِّغَارَ وَالْكِبَارَ? كقوله:{وَمِنْ ذريَّتهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} . [6- الأنعام- 84] .
وَقَالَ: {ذرِّيَّة مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوح إنَّهُ كَانَ عَبْداً شَكُوراً} . [17-الإسراء-3] .
فأطلق الذرية على الصغار، كما أطلقها على الكبار.
وَتَفْسِيرُ الْعَوْفِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، يَشْمَلُهُمَا، وَهُوَ اختيار الواحدي وغيره، والله أعلم.
وهو محكي عن الشعبي، وأبي مخلد، وسعيد بن جبير، وإ براهيم النخعي وأبي صالح، وقتادة، والربيع بن أنس. هذا فضله ورحمته على الأبناء ببركة عمل الآباء.