المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة - النهاية في الفتن والملاحم - جـ ٢

[ابن كثير]

فهرس الكتاب

- ‌المجلد الثاني

- ‌كَلَامِ الرَّبِّ سبحانه وتعالى يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَعَ الأنبياء

- ‌مقدمة

- ‌شهادة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على الأمم يوم القيامة

- ‌كلامه سبحانه وتعالى مع آدم عليه الصلاة والسلام يوم القيامة

- ‌امة محمد علية الصلاة والسلام في الامم كالشفرة البيضاء في الثور الاسود

- ‌أول من يدعى يوم القيامة آدم عليه الصلاة والسلام

- ‌رجاء الرسول صلى الله علية وسلم ان يمون اتباعة نصف اهل الجنة

- ‌كلام الرب سبحانة وتعالى مع نوح علية الصلاة والسلام

- ‌مقدمة

- ‌شهادة أمة محمد عليه الصلاة والسلام على جميع الأمم يوم القيامة دليل عدالة هذه الأمة وشرفها

- ‌تشريف إِبْرَاهيم عليه الصلاة والسلام يَوْم الْقِيَامة عَلَى رؤوس الأَشْهَاد

- ‌ذِكْرُ عِيسَى عليه الصلاة والسلام وَكَلَامِ الرَّبِّ عز وجل معه يوم القيامة

- ‌مدخل

- ‌مَقَامِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَ الله يوم القيامة لا يدانيه مقام

- ‌ذكر في كلام الرب تَعالى مَعَ العُلماء في فصْل القضَاءِ

- ‌إكرام الله عز وجل للعلماء يوم القيامة الْقَضَاءِ

- ‌أَوّلْ كَلامه عز وجل لِلْمُؤْمِنِينَ

- ‌فصل: لا خلاق في الآخرة لمن يخون أَمانة الله وعهده

- ‌فصل: إِبراز النِّيرَانِ وَالْجِنَانِ وَنَصْبِ الْمِيزَانِ وَمُحَاسَبَةِ الدَّيَّانِ

- ‌ذكر إِبداء عين من النار على المحشر فتطلع على الناس

- ‌مدخل

- ‌يخرج عنق من النار يتكلم، يقذف في جهنم الجبارين والمشركين والقائلين بغير حق

- ‌ذكر الميزان

- ‌مدخل

- ‌وزن الأعمال بعد القضاء والحساب

- ‌بَيَان كَون الميزان له كًفّتان حسيتان

- ‌شهادة ألا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ترجح بالذنوب في الميزان يَوْمِ الْقِيَامَةِ

- ‌الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة

- ‌ أقوال العلماء في تفسير الميزان الذي يكون يوم القيامة

- ‌ليس الميزان لكل فرد من أفراد الناس يوم القيامة

- ‌ذكر العرض على الله عز وجل وتطاير الصحف ومحاسبة الرب تعالى عباده

- ‌مدخل

- ‌من نوقش الحساب هلك

- ‌ أول ما يقضي فيه يوم القيامة الدِّمَاءُ

- ‌أمة محمد صلى الله عليه وسلم أول الأمم حساباً يوم القيامة

- ‌ذِكْرُ أَوَّلِ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِيهِ يوم القيامة، ومن يناقش الْحِسَابِ، وَمَنْ يُسَامَحُ فِيهِ

- ‌من ظلم قطعة أرض طوق بها مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌عذاب المصورين المجسمين يَوْمَ الْقِيَامَةِ

- ‌خمس لا تزول قدما العبد عن أرض المحشر يوم القيامة حتى يسأل عنها

- ‌الصلاة أول ما يحاسب عليه المرء يوم القيامة فإِن صلحت صلح عمله كله وإن فسدت فسد سائر عمله

- ‌الاقتصاص من الظالمين يوم القيامة

- ‌الشرك بالله لا يغفر ومظالم العباد يقتص بها حتماً يوم القيامة

- ‌الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُكَفِّرُ كُلَّ شَيْءٍ إلا الأمانة

- ‌يسأل العبد عن النعيم يوم القيامة

- ‌حَدِيثٌ فِيهِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُصَالِحُ عَنْ عبده الذي له عناية ممن ظَلَمَهُ، بِمَا يُرِيهِ مِنْ قُصُورِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا

- ‌الله عز وجل أرحم بعباده من المرضعة بوليدها

- ‌ذِكْرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّة مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ بغَير حِسَاب

- ‌ذِكْرُ كَيْفِيَّةِ تَفَرُّقِ الْعِبَادِ عَنْ موِقف الْحِسَابِ وما إليه أمرهم ففريق من الجنة وفريق من السعير

- ‌مدخل

- ‌إيراد الأحاديث في ذلك آخر أهل الجنة دخولاً اليها

- ‌ ذِكْرِ الصِّرَاط غَيْر مَا ذُكِرَ آنِفًا مِنَ الأَحَاديث الشَّريفة

- ‌ذكر بعض صفات أهل الجنة وبعض ما أعد من نعيم لهم

- ‌مدخل

- ‌ذكر بعض ما ورد في سن أهل الجنة

- ‌كِتَابُ صِفَةِ النَّارِ وَمَا فِيهَا مِنَ الْعَذَابِ الأليم

- ‌مدخل

- ‌فتى من الأنصار يميته خوف النار

- ‌سلمان الفارسي وخشيته من عذاب النار

- ‌ذكر جهنم وشدة سوادها

- ‌مدخل

- ‌جهنم- والعياذ بالله تعالى- أشد سبعين مرة من نار الدنيا

- ‌أوقد على نار جهنم ثلاثة آلاف عام حتى أصبحت سوداء مظلمة

- ‌نار جهنم لا ينطفىء حرها ولا يصطلى بلهيبها

- ‌أبو طالب أدنى أهل النار عذاباً يوم القيامة

- ‌شكوى النار إلى ربها من كل بعضها بعضا

- ‌أشد ما يكون الحر من قيح جهنم

- ‌أنعم أهل الدنيا من أهل النار إذا غمس فيها نسي ما ذاق من نعيم وأشد أهل الدنيا بؤساً من أهل الجنة إذا دخلها نسي ما ذاق من بؤس

- ‌لو أن للكافر ملء الأرض ذهباً وافتدى به نفسه من العذاب يوم القيامة ما تقبل منه

- ‌تمنى المؤمن يوم القيامة أن يرد إلى الدنيا، ليقاتل في سبيل الله، فيقتل، لما يرى من فضل الشهادة والشهداء

- ‌ذكر وصف جهنم واستاعها وضخامة أَهلها أَجارنا الله تعالى منها

- ‌مدخل

- ‌كلمة السوء تقال بغير رؤية تهوي بصاحبها في نار جهنم أبعد مما بين المشرق والمغرب

- ‌عمق جهنم مسافة هوى حجر مقذوف سبعين سنة

- ‌بشاعة الكافر وضخامة جسمه في نار جهنم يوم القيامة

- ‌ذكر أن البَحر يُسَعر في جَهنم وَيَكُون مِن جمْلة جَهَنم

- ‌ذكر أبواب جهنم وصفة خزنتها وزبانيتها

- ‌مدخل

- ‌ألوان من عذاب أهل النار

- ‌طَعَامِ أَهْلِ النَّارِ وَشَرَابِهِمْ

- ‌ذكر أحاديت وَرَدَتْ بَأسْمائِهَا وبَيَان صحيح ذلِك مِنْ سَقيمه

- ‌الهاوية:

- ‌سجْن في جهنم له بُولس أعاذنا الله عز وجل منه

- ‌جُبُّ الْحَزَنِ

- ‌ذكر نفر فيها هو مِنْهَا بمنزلة الأوْساخ والأقْذار والنَّتن في الدنيا

- ‌ذِكْرُ وَادِي لَمْلَمَ

- ‌ذكر واد وبئر فِيهَا يُقَالُ لَهُ هَبْهَبٌ

- ‌ذكر وَيل وصعُود

- ‌ذكر حياتها وعقاربها

- ‌خطبة واعظة، ترغب وترهب من كان له قلب، أو ألقى السمع وهو شهيد

- ‌رحمة الله قريب ممن يستجير به مخلصاً من حر النار وزمهريرها

- ‌ دركات جهنم

- ‌ذكر بعض أفاعي جهنم والعياذ بالله تعالى

- ‌ذكر بكَاء أهل النار فيها

- ‌أَحَادِيثُ شَتَّى فِي صِفَةِ النَّارِ وَأَهْلِهَا

- ‌ذِكْرُ الأَحاديث الْوَارِدَةِ فِي شَفَاعَةِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَبَيَانُ أنواعها وتعْدَادِها

- ‌الشفاعة العظمى

- ‌ما خُصَّ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دون جميع الأنبياء والمرسلين عليهم صلوات الله أجمعين

- ‌النوع الثاني والثالث: شفاعته صلى الله عليه وسلم في أقوام قد تساوت حسناتهم وسيئاتهم وفي أقوام قد أمر بهم إلى النار

- ‌النوع الرابع من الشفاعة: شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات من يدخل الجنة فيها

- ‌من الشفاعة ما يدخل من شفع له الجنة بغير حساب ومنها ما يخفف عن المذنب من العذاب

- ‌النوع السابع: شفاعته صلى الله عليه وسلم لِجَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ قَاطِبَةً فِي أَنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ

- ‌النَّوْعُ الثَّامِنُ: شَفَاعَتُهُ فِي أَهْلِ الْكَبَائِرِ مِنْ أمة محمد ممن دخل النار، فيخرجون منها

- ‌ذكر شفاعة المؤمنين لأهاليهم

- ‌يشفع المؤمنون يوم القيامة، إلا اللعانين، فلا شفاعة لهم

- ‌حديث فيه شفاعة الأعمال لصاحبها

- ‌فصل: أَصْحَابِ الْأَعْرَافِ

- ‌ذكر أول من يخرج من النارِ فيدخل الجنة

- ‌كتاب صفة أَهل الجنة وما فيها من النعيم

- ‌ذكر ما ورد في عدد أبوابها واتساعها وعظمة جناتها

- ‌أسماء أبواب الجنة

- ‌ذِكْرُ تَعْدَادِ مَحَالِّ الْجَنَّةِ وَارْتِفَاعِهَا وَاتِّسَاعِهَا

- ‌قليل العمل في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها وأقل شيء في الجنة خير من الدنيا وما فيها

- ‌الفردوس أعلى درجات الجنة والصلاة والصيام يقتضيان مغفرة الله عز وجل

- ‌من الفردوس تتفجر أنهار الجنة

- ‌درجات الجنة متفاوتة وليس يعلم مقدار تفاوتها إلا الله رب العالمين

- ‌ذِكْرُ مَا يكُون لِأَدْنَى أَهْلِ الجنَّةِ مَنْزِلَةً وأَعْلَاهُم مِن اتساع الملك العظيم

- ‌ذكر غرف الْجنَّة وارتفاعها واتساعِها وَعِظَمها

- ‌ذِكْرُ أَعْلَى مَنْزِلَةٍ فِي الْجَنَّةِ وَهِيَ الْوَسِيلَةُ فيها مَقَامِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌الوسيلة أَعْلَى دَرَجَةٍ فِي الْجَنَّةِ، لَا يَنَالُهَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

- ‌ذكر بُنيان قُصورُ الْجنَّةِ مِمَّ هُوَ

- ‌فضل قيام الليل وإطعام الطعام وكثرة الصيام

- ‌ذكر الخيَام في الْجنَّة

- ‌ذِكْرُ تربَة الجَنَّة

- ‌ذِكْرُ أَنْهَارِ الْجَنَّةِ وَأَشْجَارِهَا وَثِمَارِهَا

- ‌صِفَة الكَوثر

- ‌ذكر نهر البيدخ فِي الْجَنَّةِ

- ‌نَهْرُ بَارق عَلَى بَاب الْجَنَّة

- ‌ أشجار الجنة

- ‌ ثِمَار الْجَنَّة

- ‌ذكر طعَام أَهْل الجَنَّة وأكلهم فيها وَشرابهم وَشربهم فِيها

- ‌ذكر أول طَعام يَأكُله أهل الجنَة

- ‌ذكر لباس أهل الجنة وحليهم وثيابهم وجمالهم

- ‌أسئلة من أم سلمة رضي الله عنها وأجوبة مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حول نساء أهل الجنة

- ‌وهذا مَا وَرَدَ مِنْ غِنَاءِ الْحُورِ الْعِينِ فِي الْجَنَّةِ

- ‌ذكر جماع أهل الجنة نساءهم ولا أولاد إلا أن يشاء أحدهم

- ‌ما قيل من منح الأطفال ولادة لأهل الجنة

- ‌ذِكْرُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ لَا يَمُوتُونَ فِيهَا لكمال حياتهم

- ‌أهل الجنة لا ينامون

- ‌ذكر إحلال الرضوان عليهم وذلك فضل عمَّا لديهم

- ‌ذكر نظر الرب وتقدس إليهِم ونظرهم إليه سُبْحانه

- ‌ذِكْرُ رُؤْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ عز وجل فِي مِثْلِ أَيَّامِ الْجُمَعِ فِي مُجْتَمَعٍ لَهُمْ معه لذلك هُنَالِكَ

- ‌ذِكْرُ سُوق الجَنَّة

- ‌ما ورد في وصف أرض الجنة وطيب عرفها وانتشاره

- ‌ذِكْرُ رِيحِ الْجَنَّةِ وَطِيبِهِ وَانْتِشَارِهِ حَتَّى إِنَّهُ يشم من مسيرة سِنِينَ عَدِيدَةٍ وَمَسَافَةٍ بَعِيدَةٍ

- ‌ذِكْرِ نُور الْجَنَة وبَهائِهَا وَطيب فِنَائِها وحسْن مَنْظَرها في صَباحِها ومَسائِها

- ‌ذكر الأَمر بطلب الجَنَّة وترغيب الله تَعالى عِبَادَهُ فيهَا وأَمرهم بِالْمُبَادَرَةِ إِليها

- ‌من استجار بالله من النار أجاره ومن طلب الجنة من الله أدخله الجنة إذا صدقت النية وصح العمل

- ‌الجنة والنار شافعتان مشفعتان

- ‌ذكر أن الجنة حفت بالمكاره وأن النار حفت بالشهوات

- ‌غناء الحور في جنة الله

- ‌ذِكْرُ خيْل الجَنَّة

- ‌ذكر زيارة أهل الجنة بعضهم بعضاً واجتماعهم وتذاكرهم أموراً كانت منهم في الدنيا من طاعات وزلات

- ‌فضل الله عز وجل على الآباء ببركة عمل الأبناء

- ‌فصل الجنة والنار موجودتان

- ‌فصل في بعض صفات أهل الجنة وبعض صفات أهل النار

- ‌يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل أغنيائهم بخمسمائة سنة

- ‌أول ثلاثة يدخلون الجنة وأول ثلاثة يدخلون النار

- ‌الحمادون لله عز وجل في السراء والضراء هم أول من يدعى يوم القيامة لدخول الجنة

- ‌ أمة محمد عليه السلام أكثر أهل الجنة عدداً، وأعلاهم مكاناً ومكانة

- ‌بعض الآثار الواردة في دخول أعداد كبيرة من هذه الأمة إلى الجنة بغير حساب

- ‌ فِي بَيان وُجود الجَنَّة وَالنَّار وأَنَّهُما مخلوقان خِلافاً لِمَنْ زَعَمَ خِلاف ذَلِك مِن أهل البطلان

- ‌ فِي الْمَرأَة تَتزوج فِي الدُّنْيَا بَأزواج وتَكون في الجنَّة لِمَنْ كان في الدُّنْيَا أَحْسَنَهُمْ خُلُقاً

الفصل: ‌الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة

لَهُ قِرْطَاسٌ مِثْلُ الْأُنْمُلَةِ فِيهِ شَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورسوله، فتوضع في كفة أخرى، فترجح بخطاياه" 1.

وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ، حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ، عَنْ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَابِطٍ، قَالَ: لَمَّا حَضَرَ أَبَا بَكْرٍ الْمَوْتُ أَرْسَلَ إِلَى عُمَرَ فَقَالَ: إِنَّمَا ثَقُلَتْ مَوَازِينُ مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِاتِّبَاعِهِمُ الْحَقَّ فِي الدُّنْيَا، وَثِقَلِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ إِذَا وُضِعَ فِيهِ الْحَقُّ أَنْ يَكُونَ ثَقِيلًا، وَإِنَّمَا خَفَّتْ مَوَازِينُ مَنْ خفت موازينه بِاتِّبَاعِهِمُ الْبَاطِلَ فِي الدُّنْيَا، وَخِفَّتِهِ عَلَيْهِمْ، وَحُقَّ لِمِيزَانٍ إِذَا وُضِعَ فِيهِ الْبَاطِلُ غَدًا أَنْ يكون خفيفاً.

1 رواه اليقرطبي في التذكرة 2- 375.

ص: 25

‌الخلق الحسن أثقل ما يوضع في ميزان العبد يوم القيامة

وقال أَحْمَدُ: عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دنيا، عن أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَثْقَلُ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ خُلُقٌ حَسَنٌ"1.

وَقَدْ وَرَدَتِ الْأَحَادِيثُ بِوَزْنِ الْأَعْمَالِ أَنْفُسِهَا كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ أَبِي مَالِكٍ الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

"الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمان، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تملأ ما بين السموات والأرض، والصلاة نور، والصدقة برهان والصبر

1 الحديث رواه القرطبي في التذكرة 2- 382. ورواه الترمذي 280 62-2002 وقال: وفي الباب عن عائشة وأبي هريرة وأنس وأسامة وابن شريك وهذا حديث حسن صحيح. ورواه أحمد في مسنده 6-442، 446، 448، 451، 452. ورواه أبو داود 40-8. ورواه السيوطي في الفتح الكبير 1- 41، ورواه أيضا بزيادة: أن الله يبغض الفاحش التفحش البذيء وقال البيهقي في شعب الإيمان عن أبي الدرداء.

ص: 25

ضِيَاءٌ وَالْقُرْآنُ حُجَّةٌ لَكَ أَوْ عَلَيْكَ، كُلُّ النَّاسِ يَغْدُو، فَبَائِعٌ نَفْسَهُ فَمُعْتِقُهَا أَوْ مُوبِقُهَا" 1.

فَقَوْلُهُ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ، فِيهِ دَلَالَةٌ على أَنَّ الْعَمَلَ نَفْسَهُ وَإِنْ كَانَ عَرَضًا قَدْ قام بالفاعل، يحيله الله يوم القيامة فيجعله ذاتاً يوضع فِي الْمِيزَانِ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ أبي الدنيا. حدثنا أبوخيثمة وَمُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ وَغَيْرُهُمَا قَالُوا: حَدَّثَنَا سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ، عن ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ، عَنْ يَعْلَى بْنِ مَمْلَكٍ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"أَثْقَلُ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ خُلُقٌ حَسَنٌ".

وَكَذَا رواه أَحْمَدُ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَمْرِو بِهِ وَرَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ غُنْدَرٍ وَيَحْيَى بْنِ سعيد، عن شعبة عن القاسم، عن أبي مرة، عَنْ عَطَاءٍ الْكَيْخَارَانِيِّ، عَنْ أُمِّ الدَّرْدَاءِ، عَنْ أبي الدرداء، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"مَا مِنْ شَيْءٍ أَثْقَلَ فِي الْمِيزَانِ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ".

وَقَدْ رَوَاهُ أَحْمَدُ أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ عَطَاءٍ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ شُعْبَةَ بِهِ، وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ مُطَرِّفٍ، عَنْ عطاء بن نافع الكيخاراني به، وقال أَحْمَدُ2. حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا أَبَانٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ زَيْدٍ، عَنْ أَبِي سَلَّامٍ، عَنْ مَوْلًى لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

1 الحديث رواه مسلم في صحيحه 2-1. ورواه الترمذي 45- 85 والنسائي 23-1. وابن ماجه 2-5. والدارمي 1-2. وأحمد في مسنده 4- 260، 5- 342، 343، 370.

2 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 237، 5- 366، غريب الحديث. بخ. بخ: كلمة تقال عند الإعجاب بالشيء، أو الفخرية ومدحه.

ص: 26

"بَخٍ بَخٍ لِخَمْسٍ مَا أَثْقَلَهُنَّ فِي الْمِيزَانِ? لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ، يُتَوَفَّى فَيَحْتَسِبُهُ وَالِدُهُ".

وَقَالَ: "بَخٍ بَخٍ لِخَمْسٍ: مَنْ لَقِيَ اللَّهَ مُسْتَيْقِنًا بِهِنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ، يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وباليوم الآخر، وبالجنة، وبالنار، وبالبعث بعد الموت، وبالحساب". انْفَرَدَ بِهِ أَحْمَدُ.

وَكَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "تَأْتِي الْبَقَرَةُ وَآلُ عِمْرَانَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كأنهما غمامتان، أو غيابتان، من طير يحاجان عن صاحبهما"1.

والمراد من ذلك أن ثواب تلاوتهما يصير يوم القيامة كذلك.

الأمر الثاني يوضع الصحيفة التي كتب فيها كما تقدم فِي حَدِيثِ الْبِطَاقَةِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ، وَقَدْ جَاءَ أن العامل يُوزَنُ كَمَا قَالَ الْبُخَارِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، أخبرني الْمُغِيرَةُ، حَدَّثَنِي أَبُو الزِّنَادِ عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

"إِنَّهُ لَيَأْتِي الرَّجُلُ الْعَظِيمُ السَّمِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَا يَزِنُ عِنْدَ اللَّهِ جناح بعوضة"2.

1 الحديث رواه مسلم في صحيحه 6- 252، 253. والدارمي 23-15. ورواه أحمد في مسنده 4-183، 5-249، 251، 255، 257، 348، 352، 361.

2 الحديث رواه البخاري في صحيحه 15- 18، 6- 4729- فتح ورواه مسلم في صحيحه 50-18.

ص: 27

وقال: "اقرأوا إِنْ شِئْتُمْ: {فَلَا نقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزناً} . [18- الْكَهْفِ- 105] .

قَالَ الْبُخَارِيُّ: وَعَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، عَنِ الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ مِثْلَهُ، وَقَدْ أَسْنَدَ مُسْلِمٌ مَا عَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ يَحْيَى بْنِ بُكَيْرٍ، فَذَكَرَهُ.

وَقَدْ رُوِيَ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ فَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صالح مولى التومة، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْأَكُولِ الشَّرُوبِ الْعَظِيمِ، فَيُوزَنُ بِحَبَّةٍ، فَلَا يَزِنُهَا".

قَالَ: وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِي كُرَيْبٍ، عَنْ ابن الصلت، عن أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا بِلَفْظِ الْبُخَارِيِّ سَوَاءً.

وَقَدْ قَالَ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَوْنُ بْنُ عُمَارَةَ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ حَسَّانَ، عَنْ وَاصِلٍ، عَنْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ يَخْطُرُ في حلة ما، فَلَمَّا قَامَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"يَا أبا بريدة هذا ممن قال الله فيهم: {فَلَا نقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزناً} . ". ثُمَّ قَالَ: تَفَرَّدَ بِهِ عن عُمَارَةَ، وَلَيْسَ بِالْحَافِظِ وَلَمْ يُتَابَعْ عَلَيْهِ.

قَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الصَّمَدِ وَحَسَنُ بْنُ موسى، حَدَّثَنَا حَمَّادٌ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أنه كان دقيق السباقين فجعلت الريح تلقيه، فَضَحِكَ الْقَوْمُ مِنْهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

ص: 28

"مِمَّ تَضْحَكُونَ? قَالُوا: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مِنْ رقة ساقيه. قال: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَهُمَا أَثْقَلُ فِي الْمِيزَانِ مِنْ أحُد1"، تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ جَيِّدٌ قَوِيٌّ.

فَقَدْ جَاءَتِ الرِّوَايَاتُ بِهَذِهِ الصِّفَاتِ، وَفِي رواية الإِمام أحمد بن حنبل من طريق ابن لهيعة في حديث البطاقة، أنه يوزن مع عمله في الكتاب، وهذه الرواية تجمع الأقوال كلها بتقدير صحتها، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.

وَقَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ الْفَضْلِ قَالَ: قَالَ الْحَسَنُ: قَالَتْ عَائِشَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ تَذْكُرُونَ أَهْلِيكُمْ يوم القيامة. قال: "أما في مواطن ثلاث فَلَا: الْكِتَابُ، وَالْمِيزَانُ، وَالصِّرَاطُ".

فَقَوْلُهُ: "الْكِتَابُ" يَحْتَمِلُ أن يكون حين يوضع كتاب الأعمال ليشهد على الأمم بأعمالها، ويحتمل أن يكون المراد بذلك الصحف حين تطاير، والناس بين من أخذ بيمينه، وأخذ بشماله2.

قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ المعري، أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ يَعْقُوبَ الْقَاضِي، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مِنْهَالٍ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا يُونُسُ بن عبيد، عن الحسن، أن عائشة بكت، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:"مَا يُبْكِيكِ يَا عَائِشَةُ?" قَالَتْ: ذَكَرْتُ أهل النار فبكيت، هل يذكرون أهليهم يوم القيامة? قال: "أما في ثلاثة فَلَا يَذْكُرُ أَحَدٌ أَحَدًا، حَيْثُ يُوضَعُ الْمِيزَانُ حَتَّى يَعْلَمَ أَيَثْقُلُ مِيزَانُهُ أَمْ يَخِفُّ، وَحَيْثُ يقول هاؤم اقرءوا كتابيه، حيث تطاير الصحف حتى يعلم

1 الحديث رواه أحمد في مسنده 1-114، 421، 5-131.

2 الحديث رواه أحمد في مسنده 6- 101.

ص: 29

أين يقع كتابه في يَمِينِهِ أَمْ فِي شِمَالِهِ أَمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ، وَحَيْثُ يُوضَعُ الصِّرَاطُ عَلَى جِسْرِ جَهَنَّمَ" 1.

قال يونس أشك الحسن قال: خافيته كلاليب وحسك، ويحبس اللَّهُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ خَلْقِهِ، حَتَّى يَعْلَمَ أَيَنْجُو أَمْ لَا يَنْجُو?

ثُمَّ قَالَ البيهقي: أنبأنا الروزباري، أنبأنا ابْنُ دَاسَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ، حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ، عن إِبْرَاهِيمَ وَحُمَيِدُ بْنُ مَسْعَدَةَ، أَنَّ إِسْمَاعِيلَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَهُمْ قَالَ: أَخْبَرَنَا يُونُسُ، عَنِ الْحَسَنِ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا ذَكَرَتِ النَّارَ فَبَكَتْ، وَذَكَرَ الحديت بِنَحْوِهِ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ:"وَعِنْدَ الْكِتَابِ، حِينَ يقال: هاؤم اقروا كتابيه: حَتَّى يَعْلَمَ أَيْنَ يَقَعُ كِتَابُهُ أَفِي يَمِينِهِ? أم في شماله مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِهِ? وَعِنْدَ الصِّرَاطِ، إِذَا وُضِعَ بين ظهراني جَهَنَّمَ"، قَالَ يَعْقُوبُ عَنْ يُونُسَ: وَهَذَا لَفْظُ حديثه.

طريق أخرى عن عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما

قَالَ الإِمام أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ خَالِدِ بْنِ أَبِي عِمْرَانَ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: هَلْ يَذْكُرُ الْحَبِيبُ حَبِيبَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ? قَالَ: "يَا عَائِشَةُ، أَمَّا عِنْدَ ثَلَاثٍ فَلَا، أَمَّا عِنْدَ الْمِيزَانِ حَتَّى يَثْقُلَ أَوْ يَخِفَّ فَلَا، وَأَمَّا عِنْدَ تَطَايُرِ الْكُتُبِ فإِما أَنْ يُعْطَى بِيَمِينِهِ، أَوْ يُعْطَى بِشِمَالِهِ فَلَا، ثُمَّ حِينَ يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ، فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ، وَيَتَغَيَّظُ عَلَيْهِمْ، وَيَقُولُ ذلك العنق:

1 الحديث رواه أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ 6-110. وَأَبُو دَاوُدَ فِي سُنَنِهِ 39-25.

ص: 30

وُكِّلْتُ بِثَلَاثَةٍ، وُكِّلْتُ بِمَنِ ادَّعَى مَعَ اللَّهِ إلهاً آخر، وكلت بمن لا يؤمن بيوم الحساب، وكلت برجل جَبَّارٍ عَنِيدٍ، قَالَ: فَيَنْطَوِي عَلَيْهِمْ، وَيَرْمِي بِهِمْ في غمرات جهنم، وَلِجَهَنَّمَ جِسْرٌ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ، عَلَيْهِ كَلَالِيبُ وَحَسَكٌ، تَأْخُذُ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَالنَّاسُ عَلَيْهِ كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ وَكَأَجَاوِيدِ الْخَيْلِ وَالرِّكَابِ، وَالْمَلَائِكَةُ يَقُولُونَ: رَبِّ سَلِّمْ، رَبِّ سَلِّمْ فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَمَخْدُوشٌ مُسَلَّمٌ، وَمُكَوَّرٌ فِي النَّارِ عَلَى وَجْهِهِ" 1.

وَتَقَدَّمَ مِنْ رِوَايَةِ حَرْبُ بْنُ مَيْمُونٍ، عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ، عن أنس، أنه قال: أتشفع لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ? قَالَ: "أَنَا فَاعِلٌ: قال: أين أَطْلُبُكَ? قَالَ: اطْلُبْنِي أَوَّلَ مَا تَطْلُبُنِي عِنْدَ الصِّرَاطِ قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ? قَالَ: فَعِنْدَ الْحَوْضِ. قَالَ: فَإِنْ لَمْ أَلْقَكَ? قَالَ: فَعِنْدَ الميزان قال: فإني لا أخطىء هذه المواطن يَوْمَ الْقِيَامَةِ"2. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالتِّرْمِذِيُّ.

وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَهْلٍ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بن إبراهيم المهراني، حدثنا أحمد بن سليمان الْفَقِيهُ بِبَغْدَادَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا داود بن المحمر، حدثنا صالح المزي، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:

"يُؤْتَى بِابْنِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُوقَفُ بَيْنَ كِفَّتَيِ الْمِيزَانِ، وَيُوَكَّلُ بِهِ مَلَكٌ، فَإِنْ ثَقُلَ مِيزَانُهُ نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: سعد فلان سعادة

1 الحديث رواه أحمد في مسنده 3- 178. غريب اللغة. الكلاليب: الخطاطيف جمع كلاب وهو الحديدة المعوقة.

2 الحديث رواه الترمذي في سننه 38-9-2433 وقال أبو عيسى الترمذي: هذا الحديث حَسَنٌ غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ. ورواه أحمد في مسنده 3- 183.

ص: 31

لا يشقى بعدها أبداً، وإن خفت موازينه، نَادَى الْمَلَكُ بِصَوْتٍ يُسْمِعُ الْخَلَائِقَ: شَقِيَ فُلَانٌ شقاوة لا يسعد بعدها أبداً"، ثم قال: إسناده ضعيف.

وقد روى الْحَافِظَانِ الْبَزَّارُ وَابْنُ أَبِي الدُّنْيَا، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بن أبي الحارث وداود بن المحمر: حدثنا صالح المزي، عن علي بن ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، وَجَعْفَرِ بْنِ زَيْدٍ، زَادَ الْبَزَّارُ وَمَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ يَرْفَعُهُ بِنَحْوِهِ، وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ مِغْوَلٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بن أبي الغرار قَالَ: عِنْدَ الْمِيزَانِ مَلَكٌ، إِذَا وُزِنَ الْعَبْدُ نَادَى: أَلَا إِنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ وَسَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، أَلَا إِنَّ فُلَانَ ابْنَ فُلَانٍ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ وَشَقِيَ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ صُهَيْبٍ، حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَبِي الْمُخْتَارِ، عَنْ بِلَالٍ الْعَبْسِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَ: صَاحِبُ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ، يَرُدُّ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ، وَلَا ذَهَبٌ يَوْمَئِذٍ وَلَا فِضَّةٌ قَالَ: فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ، أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ، فَرُدَّتْ عَلَى الظالم.

وقال ابن أبي الدنيا: حدثنا محمد بن الْعَبَّاسِ بْنِ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ صَالِحٍ الْعِجْلِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَصِ قَالَ: افْتَخَرَتْ قُرَيْشٌ عِنْدَ سَلْمَانَ، فَقَالَ سَلْمَانُ: لَكِنِّي خُلِقْتُ مِنْ نُطْفَةٍ قَذِرَةٍ، ثُمَّ أَعُودُ جِيفَةً مُنْتِنَةً، ثم يؤتى بالميزان، فإن ثقلت موازيني فأنا كريم، لكني وَإِنْ خَفَّتْ فَأَنَا لَئِيمٌ.

قَالَ أَبُو الْأَحْوَصِ: أتدري من أي شيء نجا? إذا ثقل مِيزَانُ عَبْدٍ، نُودِيَ فِي مَجْمَعٍ فِيهِ الْأَوَّلُونَ والآخرون ألا إن فلان ابن فلان سَعِدَ سَعَادَةً لَا يَشْقَى بَعْدَهَا أَبَدًا، وَإِذَا خف ميزانه نودي: ألا إن فلان ابن فلان شَقِيَ شَقَاوَةً لَا يَسْعَدُ بَعْدَهَا أَبَدًا.

ص: 32

وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن أبي علي السقا، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا محمد بن عبيد الله المنادي، حدثنا أيوب بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أبيه، عن يحيى بن معمر، عَنْ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ فِي حَدِيثِ الإِيمان، قَالَ يَا مُحَمَّدُ مَا الإِيمان? قَالَ:"الإِيمان أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْجَنَّةِ، وَالنَّارِ، وَالْمِيزَانِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ بَعْدَ الْمَوْتِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ خَيْرِهِ وَشَرِّهِ"، قال: فإذا فعلت هذا فأنت مؤمن قال: "نعم". أو قال: قَالَ: "صَدَقْتَ".

وَقَالَ شُعْبَةُ: عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ سمرة بن عطية، عن أبي الأخوص، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ هُوَ ابْنُ مَسْعُودٍ قَالَ:"لِلنَّاسِ عِنْدَ الْمِيزَانِ تَجَادُلٌ وَزِحَامٌ".

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَبُو نَصْرٍ التَّمَّارُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ، عَنْ أبي عثمان المدني، عَنْ سَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ قَالَ: يُوضَعُ الْمِيزَانُ وَلَهُ كفتان، لو وضع في إحداهما السموات والأرض وما فيهما لوسعتهما، فتقول الملائكة: يا ربنا من يوزن بهذا? فيقول: مَنْ شِئْتُ مِنْ خَلْقِي فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا مَا عَبَدْنَاكَ حَقَّ عِبَادَتِكَ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حنيفة، عن حماد بن إبراهيم في قوله تعالى:{وَنَضَغ المَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْم الْقِيَامَةِ} . [21- الأنبياء- 47] .

قَالَ: يُجَاءُ بعمل رجل فَيُوضَعُ فِي كِفَّةِ مِيزَانِهِ، وَيُجَاءُ بِشَيْءٍ مِثْلِ الْغَمَامَةِ أَوْ مِثْلِ السَّحَابِ كَثْرَةً فَيُوضَعُ فِي كفة أخرى في ميزانه، فترجح فَيُقَالُ: أَتَدْرِي مَا هَذَا? هَذَا الْعِلْمُ الَّذِي تَعَلَّمْتَهُ، وَعَلَّمْتَهُ النَّاسَ، فَعَلِمُوهُ، وَعَمِلُوا بِهِ بَعْدَكَ.

ص: 33

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنَا ابْنُ الْمُبَارَكِ? عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْهُذَلِيِّ قَالَ: قَالَ سعيد بن جبير وهو يحدثه ذَاكَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: يُحَاسَبُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَمَنْ كَانَتْ حَسَنَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ سَيِّئَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ كَانَتْ سَيِّئَاتُهُ أَكْثَرَ مِنْ حَسَنَاتِهِ بِوَاحِدَةٍ دَخَلَ النَّارَ، ثُمَّ تلا: قول الله تعالى: {وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} . [23- الْمُؤْمِنُونَ- 102- 103] .

ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْمِيزَانَ يَخِفُّ بِمِثْقَالِ حبة خَرْدَلٍ أَوْ يَرْجَحُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ سُفْيَانَ، حَدَّثَنَا السَّهْمِيُّ، حَدَّثَنَا عمار بْنُ شَيْبَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَنَسٍ، عَنِ الْحَسَنِ، قَالَ: يَعْتَذِرُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى آدَمَ ثَلَاثَ مَعَاذِيرَ يَقُولُ: "يَا آدَمُ: لَوْلَا أني لعنت الكاذبين، وأبغض الكذب والحلف، لَرَحِمْتُ ذُرِّيَّتَكَ الْيَوْمَ مِنْ شِدَّةِ مَا أَعْدَدْتُ لَهُمْ مِنَ الْعَذَابِ، وَلَكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لِمَنْ كَذَّبَ رُسُلِي وَعَصَى أَمْرِي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ منهم أجمعين، ويا آدم: اعلم أني لم أعذب بالنار أحداً من ذريتك ولم أدخل النار أحداً إلا من قد سبق فِي عِلْمِي أَنَّهُ لَوْ رَدَدْتُهُ إِلى الدُّنْيَا لَعَادَ إِلَى شَرٍّ مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ، وَلَنْ يَرْجِعَ، وَيَا آدَمُ: أَنْتَ الْيَوْمَ عَدْلٌ بَيْنِي وبين ذريتك، فقم عند الميزان، فانظر ما يرفع إِلَيْكَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَمَنْ رَجَحَ خَيْرُهُ عَلَى شره مثقال ذرة فله الجنة، حتى يعلم أَنِّي لَا أُعَذِّبُ إِلَّا كُلَّ ظَالِمٍ".

وَقَالَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ بْنِ الصَّبَّاحِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ وَهْبٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ صَالِحٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ الرحمن، عن أبي أمامة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال:

ص: 34