المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

- 1 - ‌ ‌المعلم المفصول بعد خمس سنوات دراسية نال بدر شهادة - بدر شاكر السياب دراسة في حياته وشعره

[إحسان عباس]

الفصل: - 1 - ‌ ‌المعلم المفصول بعد خمس سنوات دراسية نال بدر شهادة

- 1 -

‌المعلم المفصول

بعد خمس سنوات دراسية نال بدر شهادة ب. ع. في اللغة الإنكليزية والأدب الإنكليزي من دار المعلمين العالية (لا تنس لفظة " العالية " فأننا سنحتاج إليها في المستقبل)، ويلخص بدر حصيلة ما درسه في القسم الإنكليزي بقوله:" فدرست شكسبير وملتون والشعراء الفكتوريين ثم الرومانتيكيين وفي سنتي الأخيرتين في دار المعلمين العالية تعرفت؟ لأول مرة - بالشاعر الإنكليزي ت. س. اليوت، وكان إعجابي بالشاعر الإنكليزي جون كيتس لا يقل عن إعجابي باليوت "(1) .

لم اطلع على برنامج القسم الإنكليزي في دار المعلمين العالية، وعن عمد فعلت ذلك، لقلة احتفالي بما تمثله البرامج المكتوبة من فكرة إحصائية، فبين الجانب النظري والعلمي منها كثيرا ما يتسع البون. خذ عام الوثبة مثلا، وقل لي كم استطاع الطلاب أن يستوعبوا عمليا من البرنامج المكتوب؟ هذا شيء؛ وثمة شيء آخر، هو تفاوت الطلاب أنفسهم في القدرة على الاستيعاب؛ ولا ريب في ان بدرا كان ذا إحساس خاص نحو الأدب الجميل، ولذلك كانت قابليته لهضم ما يدرس أو يحفز التطلع إلى مزيد قابلية متفتحة إيجابية، ولكن ألا

(1) أضواء: 19.

ص: 123

يحق للمرء أن يتساءل كم كان نشاطه الحزبي يستغرق من وقته، وكم من الوقت كان يتبقى لديه لإشباع نهمته إلى الأدب؛ ثم لا بد ان يكون المستوى الذي يبلغه المتخصص في الأدب الإنكليزي محدودا بما تستطيع ان تيسره له دار المعلمين العالية حينئذ ولذلك يستطيع القارئ ان يسأل نفسه: ما معنى " درست شيكسبير وملتون والشعراء الفكتوريين ثم الرومانتيكيين "؟ كم درس من شيكسبير، وماذا عرف من ملتون، وما مدى إلمامه بالفكتوريين ولم تجيء " ثم الرومانتيكيين " هكذا ضاربة وجه التأريخ الزمني بقوة؟ وليست هذه الأسئلة للتشكيك في معرفة بدر واطلاعه، ولكن ثقافة الشاعر أمر هام في تحديد المؤثرات التي تلقاها؛ ولو كنا نملك ان نحدد كل قصيدة قرأها، وكل كتاب درسه، لأفادنا هذا كثيرا في استبانة جوانب كثيرة من شعره، إلا أننا رغم ذلك سنشير إلى هذه المؤثرات حيث نجدها، حين نستطيع الكشف عنها، ويكفينا في هذا المقام ان نقول ان دراسته للأدب الإنكليزي؟ على تبعثر أجزائها وسرعتها وضعف مستواها - قد فتحت له نافذة يتطلع منها إلى غير الأدب العربي، اعني إلى الأدب الإنكليزي والآداب الأخرى المترجمة إلى الإنكليزية.

وكفلت له شهادته وطيفة معلم للغة الإنكليزية، فعين في مدرسة الرمادي الثانوية فانتقل إلى الرمادي وسكن في " احسن فندق بالبلدة "(1) . وبدأ نشاطه التدريسي (1948 - 1949)، ويقول بعض العارفين انه " كان له تأثيره الفعال على الطلاب لأنه كان يتحسس قضاياهم وكانوا هم يأنسون إليه وينصرفون بعد الصف إلى سماع شعره " (2) . أما هو فيقول شيئا آخر: " كان المفروض إنني مدرس للغة الإنكليزية ولكن الحق أني كنت اقضي اكثر من نصف مدة الدرس في

(1) الحرية، العدد:1466.

(2)

أضواء: 14.

ص: 124

التحدث إلى الطلاب عن الشيوعية؟. ورحت اشرح لهم مبادئ المادية الديالكتيكية وسواها من الأفكار الشيوعية، وكانت جميلة جذابة، فالشيوعية كما شرحتها ليست الذبح والحرق والنهب والقتل؟ الخ ". (1) وإذا لم يكن بين القولين من تناقض فانهما يتفقان في شيء من التعميم، فإذا عرفنا أن الفترة التي قضاها السياب في التعليم لا تتجاوز ثلاثة أشهر ونصف الشهر، أدركنا أنه لم يكد يثبت قدميه في هذا المجال حتى انتزعتا منه، قبل ان يكون له " الأثر الفعال في الطلاب "، وقبل أن يجد الفرصة الكافية ليتحسس قضاياهم. وأما قول السياب: " ورحت أشرح لهم مبادئ المادية الديالكتيكية وسواها من الأفكار الشيوعية "، فأنه قول موهم. نعم ان الطلاب في تلك السن يحسنون الإصغاء والتلقي، والانبهار بكل جديد مستطرف، ولكن يجب الا يخجل القارئ من ان يسأل: ما مدى ما كان يحسنه السياب من ثقافة شيوعية، لا المقدار الذي يكفي الطلاب وحسب، بل القدر الذي يجب أن يعرفه مفكر؟ لا شخص عادي - ينتمي إلى حزب ما. ان شواهد الحال المستمدة مما نثره السياب في مذكراته تدل على ان مفهوماته عامة في هذا الصدد، كانت خليطا مشوشا مما يقرؤه في " القاعدة " أو في نشرات الحزب، بل وفي الأدب المضاد للاتجاه الشيوعي، والمروجات العامة عما تعنيه الشيوعية؛ وهذا يؤدي بنا إلى القول بأن السياب كان مصابا بنوع من " التنفج " إذا تحدث عن الثقافة، أية ثقافة، فهو إذا افتخر على بعض رفاقه العمال قال: " أنني قد قرأت معظم ما كتبه شكسبير في لغة الأصلية "؟ " ان الأدب هو (شغلتي) وقد تخصصت بالأدب الإنكليزي في دار المعلمين العالية " (2) ، وأظن ان المتخصصين في الأدب الإنكليزي من غير دار المعلمين لا يقولون انهم قرأوا " معظم " شيكسبير

(1) الحرية، العدد:1466.

(2)

جريدة الحرية، من مقال بعنوان " أخلاق الشيوعيين ".

ص: 125

في لغته الأصلية، لا لأن هذا عمل معجز، بل لأن هذا التوفر على شيكسبير يعني " الانقطاع " لدراسته والتخصص فيه لا في الأدب الإنكليزي عامة، حتى يكون لقراءته معنى غير معنى التسلية. ومن هذا القبيل حديثه عن " مكتبته التي كانت عامرة ذات يوم بمختلف الكتب الشيوعية من أدبية وسواها "(1) ؛ وقد طلبت إلى مصطفى أن يحدثني عن الجو الثقافي الذي كان يحيط ببدر في البيت، قبل الزواج وبعده، وإنما عمدت إلى هذا ليكون حديثه اخباريا وصفيا، دون أن أذكر له شيئا عما زعمه بدر، فإن ذكره على هذا النحو قد يثير فيه روح النقض بعد أن حدث بين الأخوين من التباين في الرأي ما حدث - فقال:" كانت اكثر قراءاته في الشعر، كان يكثر قراءة ت. س. اليوت، وشيكسبير، وكانت لديه مكتبة بسيطة؟ "، ولست أجد سببا للطعن في رواية مصطفى، لأنها كانت عفوية نابعة من الاسترسال في الخبر غير مدفوعة بروح النقض أو التحدي.

ولم يكن للحزب الشيوعي في الرمادي من اتباع ولذلك كان بدر وزميل له في التدريس تخرج وإياه في دار المعلمين، وطبيب غير عراقي، هم كل من يمثل الاتجاه الشيوعي فيها حينئذ، وسرعان ما أخذ أهل البلد يتحدثون فيما بينهم بأمر بينهم بأمر الأستاذين الشيوعيين، والشابان غير ملقيين بالا لما يقال عنهما، مندفعين في سبيل إقناع الطلبة باعتناق المبدأ الذي يبشران به (2) .

وحين رأت الحكومة أن الذكرى الأولى للوثبة (27 كانون الثاني 1949) قد أصبحت وشيكة، لجأت إلى حيلة تتفادى بها ما قد يقوم به الطلبة من عنف أو اضطراب، فأوعزت إلى وزارة المعارف أن تمنح

(1) الحرية، العدد:1469.

(2)

الحرية، العدد:1466.

ص: 126

المدارس عطلة ربيعية مبكرة، بحيث تحل الذكرى والطلاب بمنأى عن التجمهر، وقد آب كل منهم إلى بلده؛ وهكذا كان، فحزم بدر أمتعته عائدا إلى قريته، وبينما كان في محطة القطار سمع الناس يتهامسون بأن وزارة المعارف قد فصلته من وظيفته، وحسب ذلك شائعة تتردد على الأفواه لأنه لم يبلغ بشيء من ذلك.

وما كاد يصل القرية حتى أنبأه أبوه بأن الشرطة جاءت تسأل عنه، وربما كانت لها عودة، فليحتط للأمر، وليحاول الاختفاء إن قدر على ذلك، غير أنه اطمأن إلى الجو الماطر، وحسب أن الشرطة لن تتجشم البحث عنه مخترقة الأزقة القروية الموحلة، إلا أنه فوجئ بهم في اليوم التالي يطرقون عليه الباب، وقادوه معهم إلى المخفر موقوفا، فقضى يوما في أحد سجون البصرة ونقل من ثم إلى بغداد، وإلى موقف الكرخ بالذات، حيث وجد كثيرا من الرفاق ومن أعضاء حزب الشعب ومن أعضاء حزب البارتي الكردي (1) .

كانت الحكومة العراقية عام 1948 قد أعادت محاكمة " فهد " ورفاقه موجهة إليهم تهمتين: اولاهما أنهم ظلوا يوجهون الحركة الشيوعية من داخل السجن، والثانية أنهم تبعا لذلك مسئولون عن أحداث الوثبة في كانون. وفي شهر شباط (فبراير) 1949 نفذ حكم الإعدام في كل من فهد والشبيبي وزكي بسيم ويهودا صديق، وبينما كان بدر والرفاق من حزب فهد يقضون ايام التوقيف ولياليه في الأناشيد والأغاني وممارسة الألعاب ومطارحة النكت، بلغهم النبأ ذات يوم بأن قادتهم سيشنقون غدا (ولم يذكروا يهودا صديق بين من سيلحقهم الإعدام لأنه كان قد خان مبادئ الحزب في نظرهم) فسيطر عليهم الوجوم؛ لم يبك بدر رغم أنه حاول البكاء فاستعصت عليه الدموع؛ كان البكاء حينئذ يعني أنه

(1) الحرية، العدد:1471.

ص: 127

جاوز مرحلة الصدمة إلى مرحلة التأمل فيها والحسرة بسببها، وكان؟ وهو الشيوعي المخلص يومئذ - لا يصدق أن حكم الإعدام سينفذ حقا، لأن الجماهير الغاضبة لن تتخلى عن قادتها، وإنما ستهاجم السجن وتحطم أبوابه وتطلق سراح المعتقلين، وتفوت على الحكومة الرجعية مآربها.

وفيما هو غارق في هذا البحران الذي يمثل حمأة من اليأس المتفائل سمع في إحدى جهات المعتقل أصوات غناء ورقص وتصفيق، ولما استوضح حقيقة الأمر عرف أن أعضاء حزب الشعب كانوا يعبرون بذلك عن شماتتهم بفهد ورفاقه:" كانت صفاقة منهم ما بعدها صفاقة، فسبحان مغير الأحوال، لقد أصبح قادة حزب الشعب (الانتهازيون، الجواسيس، العملاء، كما كنا نسميهم؟ نحن الشيوعيين - آنذاك) هم قادة حزب الرفيق الخالد فهد الذي ما زال الحزب الشيوعي العراقي يعتز به، فصورته؟ مكبرة - معلقة في إدارة جريدة اتحاد الشعب؟ "(1) .

أصيب الحزب الشيوعي بانتكاسة شديدة اثر إعدام قادته في شباط، وفي حزيران من نفس العام أعدم ساسون دلال، وفيما بين التاريخين، أخذت الدولة تعتقل كل من كشف عنه شهادة مالك سيف؛ وعاد بدر إلى قريته بعد أن قضى في الموقف حوالي ثلاثة أشهر، فاقدا وظيفته، فوجد يد الحكومة قد امتدت إلى قريته أيضا، فاعتقل عمه عبد المجيد؟ معتمد الحزب الشيوعي في ابي الخصيب - ثم حكم عليه بالسجن مدة خمس سنوات، ثم سيق بدر بعد فترة قصيرة إلى المجلس العرفي ببغداد، وقد حكم عليه بالربط بكفالة شخص ضامن، مقدارها خمسة آلاف دينار، وكان الضامن هو والده؛ وعاد مرة

(1) الحرية، العدد السابق.

ص: 128

أخرى إلى القرية، ليجد أن أخاه مصطفى هو الذي يتولى القيام بأمر الحزب بدلا من العم السجين، ولكن دراسة مصطفى بمدرسة البصرة كانت تحتم عليه الابتعاد عن القرية، فلم يكن تحضر إليها إلا مرة في الأسبوع؛ وهكذا أصبح بدر هو المنظم الفعلي للشئون الحزبية.

تلك فترة حرجة في تاريخ الحزب الشيوعي العراقي كانت تنذر بتصدعه تماما، ولم تكن الروابط العقائدية والحماسة النظرية كافية للم الشمل والحفاظ على تماسك الحزب، وخاصة لمن مثل بدر يعمل في منطقة من الريفيين البسطاء الذين لا يدركون شيئا من المادية الديالكتيكية والصراع الطبقي وحتمية التاريخ؛ وكانت الوطأة التي صبتها الدولة على الحزب لحل روابطه وتفكيك عراه قادرة على أن تخفيف أولئك البسطاء وتجعلهم يفصمون علاقتهم به، ولهذا كانت أية وسيلة تسوغ الغاية، والغاية في هذا المقام هي الاحتفاظ بكل عضو منتسب والحيلولة دون انفصاله، ولم يتردد بدر نفسه في التهاج هذه المكيافلية، فأخذ يجزل الوعود ويبذلها دون حساب للفلاحين، ورسم بمعاونة بعض الحزبيين الكبار خريطة لبساتين البلدة، وعين لكل فلاح حصة فيها، وأخذ يدور بهذه الخريطة على الفلاحين، فاقتنوا لسذاجتهم وطيبة قلوبهم بتلك الوعود (1) ؛ أقول: إن بدرا نفسه يعترف بأنه لم يستنكف من انتهاج هذا الأسلوب المكيافلي، وهو مدرك تمام الإدراك أنه قائم على الزيف والكذب، مقدما على ذلك لحراجة الظروف التي يمر بها تنظيمه الحزبي، وفي التنظيمات الحزبية أشياء كثيرة من هذا القبيل، حيث يضحى ببعض القيم العقائدية تحت وطأة ظروف واقعية، لا تقبل الانصياع لمنطق تلك القيم.

وهبط القرية ذات يوم " رفيق " من أعضاء اللجنة المركزية للحزب

(1) الحرية، العدد:1472.

ص: 129

ينوي السفر إلى إيران، وهو يحمل مالا وعناوين ورسائل ومنشورات حزبية، فقام بدر مع رفاقه الآخرين باستقباله ةتهيئة الوسائل الكفيلة بإبلاغه آمنا إلى هدفه، يقول بدر:" وعلمته ثلاث طرق لإخفاء الرسائل الحزبية التي تكون صغيرة الحجم عادة: في قفل شنطته بعد أن يخرج محتوياتها أو أن يلفها حول ثدي قلمه (طلمبته) "(1) ؟ ونسي بدر الطريقة الثالثة - ولكن الرجل كان قليل الخبرة هيابا، فلما فأجأه شرطي الحدود قدم له رشوة ضخمة ورقة فئة العشرة دنانير - فارتاب الشرطي في أمره وقدر أن يكون يهوديا هاربا من العراق، فلما مثل أمام التحقيقات الجنائية، اندلثت الاعترافات من فمه طيعة غير منكبحة، وأدت فيها أدات إلى اعتقال مصطفى السياب فوقع الاختيار على عبد اللطيف ناصر (الذي كان يحلو له أن يلقبه الناس لتفينوف) منظما للحزب في أبي الخصيب، وربما كان الاحتقار الشديد الذي يكنه بدر للتفينوف (2) هذا من الأسباب القوية التي جعلته يتشكك في قيمة الانتماء إلى الحزب، ولكن الأمر لم يتخذ كل هذا العمق في نفسه لأنه نأى مؤقتا عن ما يصله بلتفينوف وتصرفاته حين وجد لنفسه عملا في شركة نفط البصرة (3) .

وكان بدر في وظيفته الجديدة ينتمي إلى فئة الكتبة في الشركة لا إلى العمال، وكان من السهل على سلام عادل مسؤول اللجنة المحلية في البصرة أن يعرف موضعه وأن ينده بصحيفة " القاعدة " وغيرها من منشورات الحزب، ويتخذ منه عضوا نشيطا في العمل والحركة، ولكن التنظيم العمالي كان بسبب قوته العددية وقدرته على إيجاد الأسباب

(1) الحرية، العدد السابق.

(2)

يقول عنه في العدد ذ441 " فلاح من ذوي قرباي سخيف غاية السخف جاهل غاية الجهل وان كان يدعي العلم والمعرفة ".

(3)

الحرية، العدد:1477.

ص: 130

التي تسوغ الشكوى من سياسة الشركة أسرع إلى تنفيذ أوامر الحزب بالأضراب، ولم يكن كتاب الشركة عمالا بالمعنى الدقيق، ولهذا فانهم لم يتقيدوا بتلك الدعوة، مما أثار غضب العمال، فانهالوا في الصباح على أحد الكتاب وهو ذاهب إلى عمله ضربا وركلا، وفيما كان بدر وبعض الكتبة يقتربون من موقع الحادثة، عرفوا الخبر، فقرروا؟ من باب طلب السلامة - أن يشاركوا العمال إضرابهم. وفي ذلك اليوم اجتمع الكتبة في حديقة أم البروم، واندفع بدر يخطب في رفاقه الكتبة ويحثهم على عدم التخلي عن إخوانهم، في هذا الموقف، فاستجابوا لكلمته، واختيرت لجنة لتنفيذ الإضراب كان هو أحد أعضائها. وقد استمر الإضراب مدة غير قليلة تعرض فيها العمال صابرين لضيق ذات اليد، فرأت فئة الكتبة أن تنقذ الموقف بالوساطة بين الشركة والعمال، وألمحوا إلى الشركة من طرف خفي أن العمال قد يقومون بأعمال عنيفة وربما عمدوا إلى حرق المخازن والخزانات، فواقف المسئولون فيها على تلبية مطالب العمال، وعد بدر ورفاقه هذا نصرا عظيما إذ كانوا يعلمون أن الإضراب سائر إلى الإخفاق، وأن كثيرا من العمال كانوا قد قرروا استئناف العمل لما بلغته حالهم من سوء (1) .

ان عمل السياب في شركة نفط البصرة، يطوي من صفحات حياته اكثر عام 1949 وجانبا من العام التالي، وليس لدي ما يعينني على القطع اليقيني بسبب عودته إلى بغداد: هل فصل أو اختار العودة إلى الحياة الادبية؟ والامر الأول أقرب إلى طبيعة الأوضاع، إذ من المستبعد ان يكون نشاطه الحزبي قد ظل خافيا على الشركة، وهكذا وجد نفسه عاطلا عن العمل، فعاد إلى بغداد يبحث عن الرزق والشهرة الأدبية معا. وفي عام 1950 اصدر ديوانه الثاني " أساطير ".

(1) الحرية، العدد:1477.

ص: 131