الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- 25 -
ولكن..متى كنت شيوعيا
فيما كان بدر منصرفا إلى ملء الصفحة الأدبية في جريدة الشعب بدر دهشة " أم رزوقي "، انفجرت الدولة البوليسية التي أوجدها نوري سعيد، وضربت سياسة الأحلاف في الصميم؛ وكان عنصر المفاجأة في تلك الثورة مثار دهشة بالغة، أحد يتصور أنها ستقع حين وقعت، واليك ما يقوله أحد من درسوا هذه الثورة في وصف الفترة السابقة لها فورا:" لكن أولئك الذين كانوا الماضي ينتقدون ويحملون على العهد سكتوا الآن على مضض وامتنعوا عن الحديث في المواضيع حتى إلى اصدقائهم، إذ انعدمت الثقة واستشرى الخوف وامتد اليأس والقنوط فالإرهاب والفساد قد آتيا أكلهما وقاما بواجبهما ولم تبق هناك رغبة فورية بالثورة، كما كان الأمر قبل سنوات، وأي اضطراب سرعان ما يبلغ عنه وتتخذ اعنف الإجراءات لقمعه؟ واخذ الناس يهيئون عقولهم ويعدون أنفسهم لتقبل استمرار الأحوال الراهنة على ما هي عليه وخيل للجميع أن أي أمل ثورة ناجحة قد زال وانتهى "(1) .
(1) كاركتاكوس: 56 (من الترجمة العربية) .
ومع ذلك فان الإحساس التنبؤي في شعر بدر كان يومئ من بعيد إلى تغير الحال، ولم يكن هذا يتطلب قوة حدس إلهامية فذة فأن الناس إذا لم يطمئنوا إلى أن التغييرات محتوم في أوضاع العراق حينئذ، توارى من قدام عيونهم كل معنى للحياة والوجود ولما يتصل بالحياة والوجود من قيم، ولهذا عبر بدر في قصائد هذه الفترة عن اللهفة إلى الموت:
فيدلهم في دمي حنين
…
إلى رصاصة يشق ثلجها الزؤام
…
أعماق صدري، كالجحيم يشتعل العظام (1)
…
وعن النقمة الغامضة على ما لا تحديد له:
أود لو عدوت أعضد المكافحين
…
اشد قبضتي ثم اصفع القدر (2)
…
وعن أن العذاب المرعب إرهاص بمخاض المدينة (3) وصور في قصيدة " مدينة بلا مطر "(4) ما تعانيه بابل من ظمأ وجفاف وجوع، ولكن انتهى إلى أم المطر لا بد من ان يهطل:
لتعلم ان بابل سوف تغسل من خطاياها
…
ولهذا وجد في الثورة حقيقة زوال الكابوس الفادح فحياها بقصيدة لم تنشر في واحد من دواوينه، ولكن العهد لم يطل بالثورة حتى اخذ عبد الكريم قاسم يضرب فيها بين القوى المختلفة، ويدفع بموجة من موجات تلك القوى إلى أقصى اندفاعها ثم يثير موجة أخرى
(1) ديوان أنشودة المطر: 143
(2)
المصدر نفسه:144.
(3)
المصدر نفسه: 149.
(4)
المصدر نفسه: 172.
لتكبحها، وبذلك يكفل استمراره في لعبة الصوالجة. وكانت الموجة الأولى التي ترك لها حرية التدحرج إلى غايتها هي الفئات الشيوعية، وقد سار في تيار جميع الذين وجدوا انهم يستطيعون جني الثمار العاجلة من الانتماء إليها، والسيل إذا اندفع حمل القش والحطب والحصى وجرف التراب من حول أصول الشجر. ويعتقد الشاعر علي السبتي أن السياب في تلك الفترة حاول الاتصال بالشيوعيين فصدوه وقربوا إليهم البياتي. ولكن السياب نفسه يتحدث في معرض الفخر بأن الشيوعيين كانوا يتوقعون منه العودة إلى صفوفهم " كما عاد إليها المئات من الجبناء الذين قدموا البراءات ونبذوا الشيوعية في عهد نوري السعيد "(1) إلا انه لم يتراجع عن موقفه إزاءهم، ومما يضعف رواية الأستاذ السبتي ان وجود السياب والبياتي في حزب واحد ليس فيه تناقض، إذا شاء السياب نفسه العودة إلى الحزب؛ ويتفق الأستاذ السبتي والدكتور عبد الله السياب (أخوه الأكبر) مع ما يقوله بدر عن المشكلة التي وسعت شقة الخلاف بين بدر والشيوعيين اعني التوقيع على عريضة؟ وقد اضطر بدر حين كتب في ظل عبد الكريم قاسم إلى أن يسكت عن ملابسات تلك العريضة وفحواها - إلا أننا نعلم مما قاله الدكتور عبد الله والأستاذ السبتي أن العريضة كانت تنص على استنكار ثورة الشواف في الموصل وتنسب تدبيرها إلى الرئيس جمال عبد الناصر، فرفض السياب أن يوقع عليها، وقال: أنني أريد عمل الشواف ولا أعده مؤامرة، ويزيد السبتي على هذا قوله: أن مسئولا شيوعيا كبيرا آنذاك طلب إليه أن يكتب (وينشر) قصيدة في هجاء الرئيس عبد الناصر، فبذلك يثبت حسن نيته تجاه الشيوعيين إلا أنه أبى ذلك أيضاً، ولعل هذا حدث بعد فصله من وظيفته.
وقد جاء فصله من وظيفته نتيجة موقفه من العريضة التي تدين
(1) الحرية، العدد:1444.
ثورة الشواف، إذ نشب بينه وبين حامل العريضة مهاترة كلامية وسباب، وما لبث حامل العريضة أن صاح:" الله اكبر، يسب الزعيم ويمدح جمال عبد الناصر "؛ وسنحت الفرصة لبعض الناقمين عليه من زملائه كي يتخلصوا منه، فكتبوا كتابا إلى وزارة الاقتصاد شحنوه بتهم متعددة من جملتها " أنه شوهد وهو يبتسم يوم مؤامرة الشواف "، فاستدعاه معاون شرطة العباخانة للتحقيق، ولما هم بالذهاب تحلق حوله عدد من زملائه ومنعوه من الخروج، وصبوا على رأسه سيلا من الشتائم:" وجاءت الرفيقة الشريفة تماضر وصارت تسبني سبا بذيئا يندى له جبين كل عذراء "، ثم حضر شرطي الأمن فاقتاده إلى المركز ومعه شاهدان ضده هما نوري الراوي وداود سلمان، وفي المركز غير نوري اسمه وسمى نفسه احمد محمود؛ وسئل الشاهدان في التحقيق: هل سب الزعيم أو الجمهورية أو أحد المسئولين فأجابا بالنفي، فخرج من التوقيف ولكن عد أن فصل من عمله (1) . ويقول الدكتور عبد الله ان نوري الراوي؟ وهو رسام - كان من أصدقاء بدر، غير انه لم يتورع عن أن يشهد ضده بالباطل.
ويقول الأستاذ محمود العبطة: " وفي سنة 1959 أرسل إلي شخصا يطلب مني التماس شقيقي محمد العبطة المحامي لأجل التوكل عنه عندما أوقف في تلك السنة، وقد قام الأخ بما التمس منه وأخرجه بكفالة "(2) .
غير ان فصله من العمل وقع على نفسه وقوع الصاعقة، وزاده شعورا بالحيرة إخفاقه في الحصول على عمل جديد، فقد قدم طلبا إلى شركة نفط البصرة ليعمل فيها مترجما، وعين موعد للمقابلة، ولكن
(1) بإيجاز عن عدد الحرية: 1444.
(2)
العبطة: 16.
مديرية شئون النفط تراجعت عن توظيفه قبل الموعد بقليل (1) وكانت مسئولياته العائلية تجعل فقدان مورد الرزق شبيها بالقتل إذ كان يعول، إلى جانب زوجه، طفلين هما غيلان وغيداء.
واخذ أخوه مصطفى يلومه لما حدث، ويحمله المسئولية الكاملة فيه، ويؤكد له في الوقت ذاته ان عزيز الحاج؟ الذي كان زميلا له في دار المعلمين - ما يزال يكن له المحبة والتقدير، وانه يحب ان يراه، وقد يسعفه بنفوذه في العودة إلى عمله. وتوجه بدر إلى إدارة جريدة " اتحاد الشعب " ليقابل زميله القديم فلم يجده هنالك وإنما وجد جمال الحيدري وحمزة سلمان، وكلاهما صديق له، فاستقبلاه بترحيب وعبرا عن أسفهما لفصله من العمل، ولكنهما قالا له: أن قضية فصله ليست موضوع بحث وإنما يجدر به ان يسجل على ورقة قصة اختلافه من الحزب الشيوعي ليدرسها الحزب ويصدر بشأنها قرارا حاسما (2) وكان واضحا أن السياب قد ضمنا على الاحتكام لرأي الحزب؛ ترى لو ان الحزب قرر إعادته إلى وظيفته لقاء انتمائه من جديد فماذا يكون موقفه من ذلك؟ ان استبعاد قضية الفصل وهي الهدف الأول الذي كان يسعى السياب لكسب الوساطة من اجله لم يكن في مصلحة السياب، لآن الأمر الملح هو العودة إلى العمل، وفي سبيل هذه الغاية وجد نفسه يرضى بنوع من الصلح يفرضه الفريق الآخر عليه كما يشاء، وبأي شروط يريدها. ولهذا سمى مصطفى الورقة التي دونها بدر وسلمها لصديقه " اعترافا " لأن اقل ما ترمز إليه هو الإقرار ببعض الخطأ في ذلك الخلاف، ولكن زملاء الأمس حين لم يحلوا مشكلة العودة إلى العمل زادوه شعورا بالنقمة وبالمرارة عليهم وعلى نفسه.
(1) الحرية: العدد: 1444.
(2)
الحرية: العدد: 1449.
وما كادت الموجة الشيوعية تصل إلى قرار تركد عنده حتى هب السياب يكتب مقالات بعنوان " كنت شيوعيا " وبضمنها أقسى أنواع الهجوم على الشيوعيين، لا يبقي ولا يذر كأنه حاطب ليل، ولذا أصاب رشاش قلمه كثيرا من الناس فيهم البعيد والقريب، واضطر مصطفى أخوه أن يعلن تبرؤه من هذا الموقف، حتى تحولت العلاقة بين الأخوين إلى مهاترات علنية، ومن يقرأ هجوم بدر على أخيه مصطفى (1) يتضح له ان بدرا في حدة انفعاله كان ينسى كل الروابط الوثيقة في سبيل أن يفرغ غيظه المحموم، وتلك هي حاله في كثير من التهم التي ساقها؟ صحت أو لم تصح - فأنها كانت محاولة عامدة للتشويه، ألح فيها على تهم الجنس والشذوذ الجنسي بشكل خاص، كأنما كانت غايته هي نشر الفضائح. وقد تجد في هذه المقالات بعض ما يفيد في إلقاء ضوء على سيرة بدر، ولكن مجمل الرأي فيهما أن السياب حاول تهشيم شيء كبير بأسلحة كليلة، لأنها أسلحة غير علمية، وكانت تنقصه اللباقة في النقد فلذلك سمح لغضبه ان يجتاح كل الحدود، فأدان نفسه قبل ان يدين الآخرين، كما كان يعوزه المنهج الدقيق الذي يضع فيه مذكراته، ولذلك جاءت أشبه بفصول محشودة دون نظام أو ترتيب، وكان بعض هذه الفصول لملء الفراغ في الصحيفة، إذ ما علاقة امرء يسجل تجربته مع الحزب الشيوعي بعرض رواية جورج أورويل " عام 1984 " في غير مقالة واحدة؟ ان هذا الموقف قد أصاب السياب نفسه، فقد اضطره ان يقول في رواية أورويل أنها رواية " رائعة "، كما اضطر إلى ان يورد بعض نماذج من شعر سيمونوف الشاعر السوفيتي، ليزيف شعره جملة (2) . وهكذا حكمت السذاجة الغاضبة على بدر ان يتناول كل أدب غير شيوعي في نطاق " رائع "
(1) انظر عدد الحرية: 1449.
(2)
الحرية، العدد:1458.
و " عظيم " وما أشبه من تلك الصفات، وأن ينسب كل شعر أو أدب شيوعي إلى التفاهة والسخف:" لقد قرأت مثلا شعر الكثيرين من الشعراء الشيوعيين من ناظم حكمت وبابلو نيرودا وأراغون وماوتسي تونغ والشاعر السوفيتي سيمونوف فوجدته سخيفا بل وجدت الكثير منه لا يستحق حتى أن يسمى شعرا "(1) وعلى هذا الأساس ابرز بدر مدى المداجاة التي عاش فيها لا في شئون المعتقد السياسي بل في شيئين أهم من ذلك في نظري أولهما: التذوق الفني والأحكام النقدية التي كان يصدرها عن إعجابه بأولئك الشعراء حتى ليترجم قصائد لهم وينشرها في الصحف، والثاني: صدق البواعث التي وجهت عددا من القصائد نظمها في تلك الفترة، فمثل هذا التصريح قد ضرب بفأس حاد على جذور الشعر الذي نظمه السياب حين كان ينتمي إلى الحزب الشيوعي.
وقد اضطرته تلك المقالات إلى أن ينثر فيها بين الحين والحين شيئا من الثناء الكاذب على عهد عبد الكريم قاسم: " أن السياسة التقدمية الحكيمة التي يتبعها زعيمنا الأوحد هي ضمان بان الشيوعية لن تجد لها مكان مناسبا في العراق؛ ان الفلاح بعد ان وزعت الارض عليه بموجب قانون الإصلاح الزراعي لن يجد في الشيوعية ما يغريه؟ والعامل أيضاً نال حقوقه في عهد الزعيم الأمين، فقد ارتفعت أجوره وشرعت القوانين التي تضمن حقوقه "(2) ولذلك انغمر في تيار من الملق الواضح: " وها أنا ذا اليوم؟ أحارب في رزقي في عهد الزعيم الفذ عبد الكريم قاسم، لا لأنني ضد الجمهورية بل لمجرد إنني أحب عبد الكريم قاسم اكثر مما احب خروشوف أو ماركس أو لينين.. "(3) . وأورطه هذا الملق في سلسلة من التصريحات الساذجة،
(1) الحرية، العدد 1451.
(2)
الحرية، العدد:1444.
(3)
الحرية، العدد:1444.
وعصب الغضب بصيرته فجعله يصدق كل ما يروى ما دام يصيب أعداءه وينشر فوقهم الشبهات.
ولما كان السخط المحموم يجرف في طريقه جميع الصوى المنطقية فقد انزلق السياب في مزلق عسر حين نصب نفسه عدوا للشيوعية، بعد ان بدأ بداية طبيعية وهي معاداته للحزب الشيوعي العراقي - أو لتصرفات بعض أفراده. ولم يقف ليسأل نفسه: هل تنفع الأسلحة التي يسلطها على الحزب الشيوعي العراقي لتفويض أركان الشيوعية جملة؟ ثم لم يقف ليسأل نفسه مرة واحدة: أليس من المعقول أن كثيرا مما أغضبه إنما نجم عن أناس " ركبوا الموجة " الشيوعية، حين وجدوا في ذلك مغنما؟ ولهذا كان نداؤه:" يا أعداء الشيوعية اتحدوا " يمثل هذا الخلط الشديد، وقد كان واعيا تمام الوعي أين يضعه هذا النداء، ولهذا قال:" نعم إننا نلتقي مع الاستعمار في عدائنا للشيوعية، ولكن ماذا في ذلك؟ أيصح أن نكفر بالله وننكر وجوده لأن المستعمرين من مكارثي وماك آرثر وتشرشل يؤمنون به؟ " وبمثل هذه المغالطات والتسويغات امتلأت مقالات السياب، كما امتلأت بحفر الحفر للإيقاع بأقرب الناس إليه:" ان شقيق زوجتي؟ وهو من أبطال ما بعد 14 تموز ورفيق مناضل - هددنا في أيام محنة الشيوعيين قائلا: انتظروا.. انتظروا بعد خمسة ايام فقط ستملأ جثث القوميين شوارع بغداد "(1) ، ووصل إلى حد التصريح بأن " مكارثي اشرف بألف مرة من كثير من الذين يعتبرهم الشيوعيون قادة كبارا "، وقطع على نفسه عهدا بأن لا يكف عن محاربة " الشيوعية " حتى الرمق الأخير.
ومن خلال هذه الحمى الراجعة يهمنا إحساس بدر بأن معين الشعر قد نضب لديه، ولكنه بدلا من أن ينحي باللائمة على الإرهاق الذي أصابه خلال عامي 1957، 1958 وعلى الاضطراب العام الذي شهده
(1) الحرية، العدد:1471.
العراق خلال العام التالي رأى أن احتضار الشعر بل موته إنما يتم " في البلدان التي تحكمها الأحزاب الشيوعية؛ أن الشيوعية والشعر شيئان لا يمكن أن يجتمعا بأن حال من الأحوال "(1) وتساءل: " أين هي الشاعرة العربية العظيمة نازك الملائكة؟ وأين صوت الشاعر المبدع الأستاذ علي الحلي؟ ابدلا من قصائده المتأججة بالنار عن الجزائر وعن ثورة الشعب العربي في كل مكان صرنا نقرأ " عشرين قصيدة من برلين و51 قصيدة وسواهما من الدواوين الحمراء السخيفة؟ كما أنني أنا نفسي لم اكتب خلال هذه الفترة سوى قصيدة واحدة عن البطلة العربية جميلة بوحيرد؟ " (2) .
إلا أن ذلك الإحساس بنضوب الشعر كان يعبر عن فترة قصيرة، إذ سرعان ما زايله شبح الجوع حين رجع إلى سلك التعليم واصبح مدرسا في إعدادية الأعظمية أو على وجه الدقة لم يكن مدرسا وإنما كان محاضرا في المدارس الثانوية لحاجتها الماسة إلى مدرسي اللغة الإنكليزية (3) . ومع ان العمل كان يستغرق ساعات في الليل والنهار فانه أحس بالارتياح إليه وتحسنت صحته " وقد اكتسى باللحم وغاب عنه شحوبه الملازم له "(4) وتحول من بيته بمنطقة الكسرة إلى مسكن في هيبة خاتون إحدى محلات الأعظمية.
وحين فاتحه الشاعر أدونيس في أمر الهجرة إلى لبنان والبحث عن عمل فيه الفكرة وتساءل: " فهل تراني أوفق إلى العثور على عمل يكفي لإعاشتي وإعاشة زوجي وطفلي؛ لست ادري. على كل حال، أنا مستعد للانشغال في التدريس وان كان ذلك آخر ما أتمناه "(5) ؛
(1) الحرية، العدد:1469.
(2)
المصدر نفسه.
(3)
العبطة ص: 16 ورسالة إلى أدونيس 12 - 3 - 60.
(4)
العبطة: 16.
(5)
رسالة إلى أدونيس بتاريخ 12 - 3 - 1960.
ثم تحول عن التفكير في النقلة إلى بيروت، فقد أزعجه شعوره بحاجته إلى الاغتراب في سبيل الرزق:" صرفت النظر عن المجيء إلى بيروت فقد وجدت عملا راتبي منه يكفيني وان كان أقل من راتبي السابق: أن يترك الإنسان عملا ويمضي إلى بلد آخر ليبحث عن عمل فذلك ما تمنعني أبوتي ومسئوليتي تجاه طفلي من القيام به "(1) .
وما كاد جنبه يطمئن إلى الحياة التي توفر كسبا حتى فوجئ بفصله من عمله، ولكنه لم يكن خائر النفس في هذه المرة لركونه إلى أن اللجنة ستقرر إعادته إلى وظيفته (2) ، وكان يقضي جانبا من وقته في تلك الأيام بصحبة صديقه الأديب الناقد جبرا إبراهيم جبرا كما يخرج مع صديقه الأستاذ محمود العبطة يجوبان الشوارع أو يجلسان في بعض المقاهي. وفي شهر تشرين الثاني (1960) أصدرت له دار مجلة شعر ديوانه " أنشودة المطر "، وهو يدل على أن حصاد ذلك العام من القصائد كان غزيرا، إذا قسناه بالإعدام الثلاثة السابقة، فقد بلغ مجموع قصائده لعام 1960 ثماني قصائد (أو سبعا إذا عددنا قصيدته إلى جميلة من نتاج العام السابق) .
ونراه عند نهاية العام (1960) ما يزال يتحدث عن ارتياحه ولكن الإقامة في بغداد لم تعد تجتذبه، ولهذا سعى ليجد لنفسه عملا في البصرة:" سوف انقل مقر عملي إلى مدينة البصرة، فقد هزمني الشوق إلى جيكور وبويب وسواهما من ملاعب الطفولة "(3) . وفي الشهر نفسه كان منهمكا في ترجمة كتاب عن الإنكليزية لمؤسسة فرنكلين (فرع بغداد) ولم يكن قد انتهى منه بعد؛ كما انه عاد إلى موضوعه المحبب القديم وهو قصائد اديث سيتول في القنبلة الذرية، فكتب مقالا يقارن
(1) رسالة إلى أدونيس بتاريخ 9 - 6 - 1960.
(2)
رسالة إلى أدونيس بتاريخ 23 - 7 - 1960.
(3)
رسالة إلى أدونيس بتاريخ 18 - 12 - 1960.
فيه بين قصيدة لها عن هيروشيما، وقصيدة لناظم حكمت في الموضوع نفسه، وكانت غايته من ذلك إصدار سلسلة من المقالات في دراسة الأدب الشيوعي ونقده (1) .
ولكن لعل الأهبة اللازمة للعودة إلى جيكور قد شغلته عن ذلك كله؛ وربما نسي مثل هذا المشروع الذي تحفزه إليه بغداد حين وجد نفسه يردد الطرف في مرابع الطفولة والصبا.
(1) إلى أدونيس بتاريخ 31 - 12 - 1960.