المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المسلمون والمسيحيون: مصر - تاريخ الغزو الفكري والتعريب خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌ضوء على البحث ومراجعة لخطتهبعد مرور ربع قرن على كتابته الأولى

- ‌توطنة

- ‌مواقف حاسمةفى تاريخ الفكر العربي المعاصر

- ‌مدخل

- ‌العرب بين الامبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية

- ‌القوة الجديدة في مصر

- ‌المؤامرة على الدولة العثمانية

- ‌العرب والاستعمار

- ‌(1)الفكر العربي الإسلامي في مرحلة اليقظة(الى الحرب العالمية الأولى)

- ‌يقظة الفكر العربي الإسلامي

- ‌تيارات الفكر العربي الإسلاميحتى نهاية الحرب العالمية الأولى

- ‌(1)تيار التجديد الدينى

- ‌(2)التيار الثقافيالمزج بين الشرق والغرب

- ‌ المدرسة المصرية

- ‌المدرسة اللبنانية

- ‌1 - البستانيون:

- ‌2 - البازجيون:

- ‌3 - وعمل فارس الشدياق (1804 - 1887) في ميادين اللغة والصحافة والترجمة

- ‌4 - اثر الهجرة اللبنانية

- ‌(2)دور الأزهر

- ‌مراجع البحث

- ‌(3)دور الصحافة

- ‌(التيار الأول)

- ‌(التيار الثانى)

- ‌مراجع

- ‌(4)تطور التعليم

- ‌(المرسلين الأجانب هم المبشرين)

- ‌فى لبنان وسوريا

- ‌أثر الاحتلال في التعليم

- ‌مراجع

- ‌(3)التيار السياسي

- ‌1 - تونس خير الدين التونسى 1860

- ‌2 - مصر: عبد السلام المويلحى (1879)

- ‌المراجع

- ‌(4)مدرسة الافغانى الفكرية وآثارها(مصر من 1871 - 1879)

- ‌5 -عرابى والحزب الوطنى الأول 1879 - 1882

- ‌6 -عبدالرحمن الكواكبى: مقاومة الاستبداد

- ‌7 -محمد فريد والدستور

- ‌8 -محمد عبده: الاجتهاد

- ‌4 -تيار الجامعه الإسلامية

- ‌خلفاء جمال الدين في الدعوة

- ‌(الكواكبى)

- ‌(شكيب ارسلان)

- ‌عبد الله نديم

- ‌مصطفى كامل

- ‌المراجع

- ‌5 -تيار القومية العربية

- ‌مراجع

- ‌6 -تيار الاصلاح الاجتماعى

- ‌7 -تحرير المرأة

- ‌رأى بطرس البستانى

- ‌رأى فارس الشدياق

- ‌رأى رفاعة الطهطاوى

- ‌2 - دعوة قاسم أمين

- ‌آراء قاسم أمين

- ‌تطور الحركة

- ‌تردد قاسم في رأيه

- ‌تطور الحركة النسوية

- ‌(3 - ثورة 1919)

- ‌مراجع

- ‌(2)الفكر العربي الإسلامي ازاء الغزو الثقافي(بعد الحرب العالمية الأولى)

- ‌(1)الاستعمار وآثره الفكرى

- ‌(2)مذاهب الفكر الغربى

- ‌المذهب المادى والنشوء والارتقاء

- ‌المادية التاريخية

- ‌نظرية ماركس

- ‌النظرية الديمقراطية

- ‌نظرية الشك: ديكارت

- ‌الفاشية والنازية

- ‌فرويد والجنس

- ‌السريالية

- ‌البراجماتزم

- ‌المراجع

- ‌(3)تغريب تركيا وآثره على الفكر العربي الإسلامي

- ‌فصل الدين عن الدولة

- ‌نظرة الغرب إلى تركيا

- ‌مراجع:

- ‌(4)إلغاء الخلافة العثمانية

- ‌مرحلة التحدى ورد الفعلتطور الفكر العربي الإسلاميخلال الحربين العالميتين

- ‌(1)حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)حملات على الجنس السامية والآرية

- ‌نظرية رينان

- ‌رد جمال الدين الأفغانى

- ‌(2)حملات على الدين

- ‌مهاجمة الدين واعتبار الإسلام سبب التخلف

- ‌رد قاسم أمين

- ‌حملة هانوتومهاجمة الإسلام والمفاضلة بينه وبين المسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌(3)حملة كرومرعلى الإسلام والعرب ومصر والشرق

- ‌الرد على كرومر

- ‌المراجع

- ‌3 -حملات التعصب

- ‌4 -النظرية اليونانيةوإنكار فضل العرب على حضارة الغرب

- ‌5 -حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌النقل والاقتباس

- ‌الحملة على العقائد والقيم

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌الحملة على نظم المجتمع

- ‌2 -حملات التجزئة

- ‌(الشعوبية)

- ‌دعوات التجزئة

- ‌تجزئة المغرب: البربر والعرب

- ‌(حركة المقاومة ورد الفعل)

- ‌الرد على النظرية البربرية

- ‌المراجع

- ‌النظرية الفينيقية (لبنان)

- ‌الحزب القومى السوى والكتائب

- ‌نظرية البحر المتوسط

- ‌المسلمون والمسيحيون: مصر

- ‌التجزئة بالقومية الضيقة: المصرية والفرعونية

- ‌1 - الدعوة المصرية

- ‌2 - التيار الفرعونى

- ‌3 - التيار القبطى

- ‌الفرعونية والعربية

- ‌المراجع

- ‌أدوات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)الاستشراق

- ‌الاستشراق والمستشرقون

- ‌(التركيز على الإسلام)

- ‌موقف الفكر العربي الإسلامي من الاستشراق

- ‌المستشرقون والإسلام للدكتور الهراوي

- ‌أخطاء المستشرقين

- ‌المراجع

- ‌(2)التبشير والاستعمار

- ‌عمل المبشرين في ميدان التعليم

- ‌التبشير والاستعمار

- ‌أهداف التبشير

- ‌التبشير والإسلام

- ‌المرأة والتبشير

- ‌مخطط التبشير

- ‌تطوير التبشير في العالم العربي

- ‌لبنان والتبشير

- ‌مصر في ظل التبشير

- ‌زويمر

- ‌فى السودان

- ‌فى الجزائر

- ‌فشل الغزو

- ‌المراجع

- ‌(3)منهج البحث العلمي الحديثإزاء العقل العربي

- ‌دعاة التغريب

- ‌المتعصب والتسامح بين الإسلام والمسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌الفكر العربي بين الغينية والسطحية

- ‌دعوات التغريب

- ‌توحيد الإسلام والمسيحية

- ‌2 - التغريب الكامل

- ‌3 - الايمان بالقرب

- ‌الادب المحلى

- ‌علماء الأزهر والمستشرقين

- ‌نقل الحضارة وما يعاب وما يكره

- ‌عرب المغرب

- ‌فرنسا الام

- ‌المرأة والإسلام

- ‌طريقة ديكارت

- ‌صراع الثقافات الغربية

- ‌الحملة الفرنسية

- ‌فى المغرب

- ‌فى لبنان

- ‌الصراع بين الثقافتين الفرنسية والانجليزية

- ‌(الصراع بين اللغتين الفرنسية والانجليزية)

- ‌الثقافة الأمريكية

- ‌أثر الصراع في الفكر العربي الإسلامي

- ‌دور الحضارة في معركة الغزو الثقافي

- ‌موقف المسيحية من الحضارة

- ‌موقف الانسان من الحضارة

- ‌الحضارة ومجتمع الغرب

- ‌مادية الحضارة وروحية الشرق

- ‌تدهور الحضارة

- ‌مواجهة الحضارة

- ‌الثقافة فكر والحضارة مادة

- ‌معركة المواجهة

- ‌(الحضارة)

- ‌(الدين والفكر العربي الإسلامي)

- ‌(الامتيازات واستعارة النظم)

- ‌مواقف الفكر العربي الإسلاميمن الصهيونية والشيوعية

- ‌(1)أثر الدعوة الصهيونية في الفكر العربي المعاصر

- ‌‌‌الماسونيةالحديثة

- ‌الماسونية

- ‌الصهيونية في أولى خطواتها

- ‌(بروتوكولات صهيونية)

- ‌البروتوكول الأول

- ‌البروتوكول الثاني

- ‌(السامية اليهودية)

- ‌(الجامعة السامية)

- ‌(الحضارة اليهودية)

- ‌المراجع

- ‌الدعوة والشيوعية

- ‌الشيوعية وماركس

- ‌ فكرة "الشيوعية

- ‌ الدين

- ‌(الحرية)

- ‌بين الغربية المسيحية والشيوعية

- ‌مواجهة الغزو ومعارك المقاومة

- ‌السياسة

- ‌2 -قامت الثورات المختلفة في الوطن العربي نتيجة للتعبئة

- ‌3 -سيطر الاستعمار على أقطار الوطن العربي بواسطة

- ‌3 - المعتمدون غير الرسميون

- ‌4 - العملاء

- ‌5 - الأحزاب

- ‌6 - الصحافة

- ‌7 - المقاومة

- ‌2 -الدعوة إلى الوحدة العربية

- ‌إدارة الاستعمار

- ‌عبد الله

- ‌الهاشميون

- ‌العملاء

- ‌معركة مقاومة التجزئة

- ‌2 -الدين

- ‌الإسلام: دين وحضارة

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌2 -واذا كان مرجليوث قد حاول انصاف الإسلام

- ‌(3)أما السر ريتشارد وود قنصل في انجلترا في تونس فقد رفع عام 1878 تقريرا إلى وزير خارجية بريطانيا بعد دراسة شاملة للإسلام والمسلمين خلال فترة عمله لدولته

- ‌معاملة أهل الذمة

- ‌(الإسلام والمدنية)

- ‌4 -واعترف (جورج سارتون) الأستاذ بجامعة هارفارد بأن الإسلام من أصح النظم الدينية

- ‌5 -وعرض المستشرق (هـ. أ. جب) لموقف الإسلام من الحضارة والغزو الثقافي

- ‌7 -وقد وجد الإسلام من كتاب الغرب بعض المنصفين إلى جانب الكثرة الغالبة

- ‌الدين في نظر العلم

- ‌حملة الإلحاد

- ‌الأديان الجديدة: البابية والبهائية والقادياتية:

- ‌حركة المقاومة ورد الفعل

- ‌2 - جوهر الإسلام

- ‌3 -وكان "الإسلام" واسع الأفق في لقاء الحضارة الغربية الحديثة

- ‌الإسلام في معركة المقاومةبين التجديد والاجتهاد والاصلاح

- ‌الجماعات الإسلامية

- ‌ترجمة معايى القرآن

- ‌الخلافات بين المذاهب الإسلامية

- ‌بين السنة والشيعة

- ‌بين السنة والوهابية

- ‌الخلاف بين السنة والصوفية

- ‌دعوة الاجتهاد

- ‌رأي الشيخ محمد عبده

- ‌رأي رشيد رضا

- ‌موقف التغريبإزاء الفقه والتشريع الإسلامي

- ‌الرد على أدعاءات المستشرقين

- ‌الدكتور السنهورى

- ‌تجربة السنهوري

- ‌موقف الفكر العربي من الحملة

- ‌الأزهر

- ‌(2) الأزهر والاستعمار

- ‌(3) الأزهر والسياسة

- ‌الأزهر ودعاة التغريب

- ‌الدفاع عن الأزهر

- ‌مواجهة الأزهر الحضارة

- ‌صلاح الأزهر

- ‌دور الشيخ محمد عبده

- ‌الأزهر القديم والأزهر الجديد

- ‌مهمة الأزهر كما يفهمها المراغى

- ‌نظم الدراسة

- ‌تطور التعليم في الأزهر

- ‌2 -لقيت حركة اصلاح الأزهر التي قام بها المراغى عنه هجوما عنيفا من جهة الاستعمار

- ‌مهمة الأزهر

- ‌4 -وقد حقق الأزهر وجوده باشتراكه في عديد من المؤتمرات العالمية

- ‌دور الأزهر

- ‌4 -التعليم

- ‌الاستعمار والتعليم

- ‌تجربة مصر

- ‌الرد على مؤامرات الاستعمار في التعليم

- ‌اللغة العربية

- ‌البعثات

- ‌المدارس الأجنبية

- ‌ المدارس الأجنبية

- ‌مفهوم التعليم

- ‌الصراع بين التعليم الإنجليزى والفرنسي

- ‌بعد الاستقلال

- ‌معركة المقاومة

- ‌1 - اللغة العربية

- ‌2 - اللغة والجنس

- ‌3 - اللغة وتدريس العلوم

- ‌5 - تعليم الدين

- ‌6 - تعليم الفقراء والمجانية

- ‌تجربة المغرب

- ‌نقص المناهج التعليمية

- ‌ نظرية "ديوى

- ‌اللغة العربية في الجامعة

- ‌اللغة الاجنبية

- ‌دنلوب

- ‌المقاومة في العالم العربي

- ‌الجامعة في معركة الغزو الثقافي

- ‌الغزو في ظل الجامعة الرسمية

- ‌المعارك الأدبية

- ‌5 -اللغة العربية

- ‌ 2 -وعلى ضوء هذا الاتجاه الذي بداه المبشرون وحمله الويه الغزو الثقافي

- ‌الرد على الحملات

- ‌عظمة اللغة العربية

- ‌اللغة العربية والاستعمار

- ‌فى المحاكم المختلطة

- ‌اصلاح اللغة العربية

- ‌انشاء المجامع العربية

- ‌رأي المنصفين

- ‌(6)المجتمعإزاء الاستعمار والغزو الثقافي والتغريب

- ‌معركة الشباب

- ‌أزمات الأسرة

- ‌أزمة الاختلاط

- ‌الزواج بالأجنبيات

- ‌المسائل الجنسية

- ‌تحديد النسل

- ‌تعدد الزوجات

- ‌معركة إلغاء البغاء

- ‌تحريم المسكرات

- ‌المخدرات

- ‌معركة الأغانى

- ‌معركة الزى

- ‌2 - الطربوش

- ‌3 - القبعة

- ‌السينما

- ‌معركة المقاومة الاجتماعية

- ‌(7)المرآة

- ‌معارك تحرير المرأة

- ‌معركة التعليم

- ‌2 - معركة السفور

- ‌3 - حقوق المرأة

- ‌4 - مهمة المرأة

- ‌5 - معركة الاختلاط

- ‌6 - الحقوق السياسية

- ‌المرأة في العالم العربي

- ‌(فى لبنان)

- ‌فى العراق

- ‌مراجع البحث

- ‌(8)الصحافة

- ‌أخطاء الصحافة

- ‌(القومية العربية)

- ‌إيجابية الصحافة

الفصل: ‌المسلمون والمسيحيون: مصر

‌المسلمون والمسيحيون: مصر

اتخذ الاستعمار الانجليزى في مصر من قضية الاقليات نقطة ارتكاز في "مؤامرة التجزئة" فقد أثار الخلاف بين المسلمين والأقباط وادعى حماية الأقباط وخلق مشكلة الأكثرية والأقلية، وبينما كان المصريون يعيشون في ظل مجتمع متحد قبل الاحتلال، حرص الانجليز على ضم فريق من المسيحيين اليهم وخقوا لهم وضعا معينا في مختلف ميادين العمل والتعليم.

وقد سجل المؤرخون الأوربيون المنصفون سماحة المسلمين أزاء الأقليات وأن الإسلام أكد حقوق أهل الكتاب من غير المسلمين، غير ان النفوذ الغرب اتخذ من حماية الأقليات وسيلة للتدخل لتوطيد أقدامه، وخلق عددا من المشاكل والخلافات والفتن بين الطوائف المختلفة.

وكان لبنان أبرز مثل لقدرة الاستعمار على استغلال الخلاف بين الموارنة والدروز، أما في مصر فإن الموقف قد اختلف عن ذلك نظرا لليقظة وضبط النفس والقدرة على افساد الخطة التي حاولها الاستعمار.

وقد شهد بذلك فوردو كاتنج (27/ 10/1929 - الأهرام) فقال أن الأقليات المسيحية واليهودية كانت تعامل على الدوام خير معاملة في البلاد الإسلامية إلى أن تأتى دولة أوربية وتستخدم تلك الأقليات لقلب الحالة.

وقد كان للأقباط منذ تعريب مصر مكانة مرموقة حيث كان إليهم إدارة البلاد وأعمال المال وبينما اختص الأتراك بالمناصب العسكرية والادارية واختص المسلمون بالقضاء اختص المسيحيون بأعمال المال، ولم يكن عدد الأقباط عام 1901 يزيد عن عشر سكان القطر بينما كانوا يحتلون 45 في المائة من الوظائف ويحصلون على 40 في المائة من المرتبات، بينما لم يزد نصيب المسلمين منها عن 44 في المائة وقد أحرز عددا منهم الباشوية، وكان أول قاض قبطى هو (عبد الملاك كتكوت) بمحكمة قنا الأهلية كما عين يوسف عبد الشهيد مديرا لديوان القضايا بمديرية المنيا وسرور بك وكيلا لمديرية الدقهلية وكان ذلك رمزا لاتحاد البلاد كما ألف الأقباط الجمعية الخيرية القبطية برئاسة قربانص مفتاح.

غير أن الاستعمار البريطانى بدأ يدس بين المسلمين والأقباط على نحو يفهم منه أن هناك أقليو أكثرية وأنهم- أى البريطانيين- يراعون فريق المسلمين كما يحمون فريق الأقلية، وذلك حتى يجعلوا نفوذهم مرجعا للفريقين، وقد بدأت سنة 1907 حملة صحفية قادتها صحيفتا "الوطن ومصر" المسيحيتين حيث هاجمتا الإسلام هجوما عنيفا اضطرت معه اللواء والمؤيد للرد عليها فكتب اللورد في تقريره (1908) يقول أنه يوجد فرق ظاهرى شاسع بين المسلمين والأقباط. ولكن هذا الفرق لا يكاد يذكر في الواقع. غير أن الضرورة تحتم أن الأقلية تتأثر بالأغلبية" وتحت ضغط الاشاعات التي روجها المستعمر بأن هناك دستور سيوضع وستهمل حقوق الأقلية، رفع الأقباط إلى كرومر عام 1908 مذكرة ضمنوها بأربع مطالب:

1 -

المساواة الكاملة مع المسلمين فيما يختص بالتعيين في الوظائف.

2 -

اغلاق المحاكم يوم الأحد.

3 -

تعيين عضو آخر في الجمعية الاستشارية.

4 -

تعليم الدين للطلبة المسيحيين في المدارس الأميرية.

وقد قبلت السلطات المطلبين الأول والثالث. وتبادلت جريدتى اللواء والمؤيد التهانى لهذه الخطوة نحو المساواة الاجتماعية.

غير ان الاستعمار لم يشأ أن يلتقى الأقباط والمسلمون فوسع شقة الخلاف حيث أزال امتياز

ص: 140

المسيحيين في العمل المالى وأخذ يدفع بعض المسلمين اليه. (توفيق حبيب وجاك تاجر (ك) أقباط ومسلمون) ثم لم يلبث أن عين بطرس غالى رئيسا للوزراء (13 - نوفمبر 1908) وقد كان هذا عملا مستغربا اذ أنه لأول مرة يرأس الوزارة مسيحى في بلد له أغلبية مسلمة، وقد أثار هذا عاصفة من النقد في مجال الصحافة، وان كان بطرس غالي عندما سألته الصحف المسحية عن مطالب المسيحيين لم يشأ أن يعلن عن وجهته واكتفى بأن قال أنه لا ينوى التدخل في هذه المسألة. وكان بطرس غالى قد رأس المحكمة المخصوصة لمحاكمة أهالى دنشواى ووقع مع كرومر سرا اتفاقية السودان 1899 التي قضت على كل صلة لمصر بالسودان وقد كان هذا كله مما أعده الانجليز للوصول إلى النهاية التي وقعت بعد اذ تقدم شاب متحمس من شباب الحزب الوطنى فاغتال رئيس الوزاراء 20/ 2/1910 وان كان قد ثبت أن هذا الشاب كان مدفوعا بمفاهيم السياسة لا بالعاطفة الدينية.

وبذلك وصل الانجليز إلى غايتهم في تعميق شقة الخلاف، وكان مصطفى كامل من قبل قد حاول أن يجمع بين عنصرى الأمة. وضم إلى حركته عددا كبيرا من أعيان الأقباط أمثال ويصا واصف ومرقص حنا وهو القائل "ان المسلمين والأقباط شعب واحد مرتبط بالوطنية والعادات والأخلاق وأسباب المعاش ولا يمكن التفريق بينهما مدى الأبد. وأن الأقباط اعوة لنا بين الوطن وقد شهد (مرقس حنا) بعد وفاة مصطفى كامل بأنه هو الذي "أرانا طريق الحرية والأخاء وأفهمنا أن الاتحاد هو السلم الأول للوصول إلى الحرية والاستقلال"

وقد أمكن أن يتلقى نخبة من رجال العنصرين في مؤتمر عام استنكروا فيه عمل تلك الفئة التي اتجهت إلى استعداء سلطات الاحتلال. بيد أن الاستعمار استطاع أن يدفع بالغلاة إلى العمل على اثارة الخلاف مرة أخرى وتعميقه وأعانت على ذلك الصحف الأوربية في الخارج والأفرنجية في مصر التي وصمت المصريين المسلمين بأقبح النعوت (إبراهيم عبده- تاريخ الأهرام ص 310) وقد كسب الاستعمار من هذه الفرقة أن شغل المصريين عن الجهاد الأساسى الذي يقوم ضد الاحتلال إلى الانقسامات والخلافات المذهبية.

ثم عقد الأقباط مؤتمرهم في أسيوط (مارس 1911) وثم به اعداد مطالب خمسة هى:

(1)

راحة يوم الأحد.

(2)

المساواة في الوظائف.

(3)

تشخيص العناصر القبطية في الهيئات النيابية.

(4)

المساواة في التعليم في مجالس المديريات واعانة مدارس الأقباط.

(5)

الانفاق من الخزينة المصرفية على جميع المرافق المصرية على السواء.

وقد واجهت صفوة رجال الأمة هذا المؤتمر بالتسامح ولم تشأ أن تعقد مؤتمرا حمل اسم المؤتمر الإسلامي حتى تفسد على المستعمر خطته في التفرقة بل عقدوا مؤتمرا "مصريا" ضم المسلمين والمسيحيين في مصر الجديدة برئاسة رياض باشا (مايو 1911) وقد رفض هذا المؤتمر تقسيم الأمة المصرية إلى عنصرين أكثرية إسلامية وأقلية قبطية ودعا إلى وحدة الأمة السياسة وسجل هذا في عبارة مضيئة: "ان لكل أمة دينا رسميا. ودين كل أمة هو دون الأكثرية منها ومن غير المفهوم ان يكون في الأمة أكثر من دين رسمى واحد وعليه فلا معنى للاعتراف بأقليات دينية تعمل في السياسة بهذه الصفة".

وبذلك حطم المصريون مؤامرة "التجزئة الدينية" بعد أن استمرت أكثر من ثلاث سنوات.

وعندما طالبت مصر بحقوقها بعد الحرب العالمية الأولى، ومنعت بريطانيا المصريين من حضور اجتماعات مؤتمر الصلح، هب المصريون جميعا مسلمين ومسيحيين في ثورة 1919: وكان القساوسة ومشايخ الأزهر يتبادلون الخطابة والدعوة إلى الحرية الوطنية في الأزهر والمساجد والكنائس وكانت الأعلام التي رسم عليها الهلال والصليب تظهر متعانقة في كل مكان، وسجلت الحركة الوطنية مبدأ واضحا هو: الدعوة إلى حرية مصر على أساس أن الجميع مصريون، ولما أصدرت بريطانيا تصريح 28 فبراير من جانب واحد لم تنس أن تنص على أن من المسائل المعلقة بينها وبين مصر "حقوق الأقليات" وعندما بدأ وضع الدستور دس الاستعمار البريطانى دسائسه مرة أخرى بين المسلمين والأقباط فظهر اتجاه يدعو إلى تحديد تمثيل نسبى لجميع الطوائف الدينية: وقال أنصار هذا النظام (جاك تاجر- أقباط ومسلمون) أنه اذا ضمنوا للأقليات الدينية تمثيلا ثابتا في الجمعية الوطنية فانهم يمنعون بذلك الانجليز من التدخل في شئون مصر الداخلية بدعوى حمايتهم للأقليات،

ص: 141

وقد أيد هذا بعض المسلمين غير أن أغلبية الأعضاء عارضوا هذا الاتجاه كما عارضه المستنيرون من المسيحيين: وكان الرأى أن هذا لو تحقق سيبقى على الانقسامات القديمة ويضعف الوحدة القومية، وقد جرت مساجلات طويلة في الصحف في هذا الشأن حمل فيها لواء الدعوة إلى تحديد التمثيل "توفيق دوس" ومن شايعه وحمل لواء الدعوة إلى الاطلاق (عزيز ميرهم) ومن شايعه.

ومما كتبه عزيز ميرهم في هذا الصدد تحت عنوان حماية أقليات (افتتاحية الأهرام 8 مارس 1922) قوله "لا أنكر في مصر أقليات من قبط وعرب ويهود وطوائف من المسيحيين الشرقيين وأن كثيرا من هذه الأقليات يتمتع بقوانين خاصة وامتيازات مختلفة من التمثيل في الهيئات النيابية، وقد وجدت هذه الأٌليات بحكم أسباب تاريخية لا تختلف كثيرا عن الأسباب التي أنتجت ما يشابهما من الأقليات التاريخية في بلاد الغرب. من هذم الأسباب قيام الوطنية في الماضى على أساس الدين قبل قيامها على وحدة الدم والتاريخ والوطن. وانما تقدم الغرب على الشرق في فكرة بناء الوحدة القومية على أساس وحدة الدم والتاريخ والوطن. أما في الشرق فلتساهل الدين الإسلامي وتسامحه لم يمنع الإسلام الطوائف غير الإسلامية من المعيشة والانتشار في جواره." ثم أشار إلى الصعوبات التي وقعت بين طواءف من الأديان في الشرق وقال أن هذه الخصومات لم تكن الا أعمالا فردية وقتية، وقد وضع الإسلام منذ نشأته قاعدة حرية الدين وأجاز للطوائف غير الإسلامية حق مباشرة شئونها الداخلية بنفسها. وأن مصالح الأقليات في مصر مضمونة ضمانا قلما من مدة مديدة ومنها تمتع الأقباط في مصر بالأنظمة الدينية الخاصة بهم والتمتع بشعائرهم الدينية وحق بناء المدارس والكنائس والأديرة من غير قيد، وحق امتلاك الأملاك الموقوفة عليها وادارتها.

وقال ان ادعاء بريطانيا حماية الأقليات انما يفتح باب الدسائس واسعا، وأشار إلى الأساليب التي يستعملها الانجليز تحت ستار حماية الأقليات للتفريق بين الطائفتين، وقال أن الأمة المصرية قامت تنادى بمبدأ واحد وأن جميع عناصرها قد التقت في وحدة المطلب ووحدة الوطن وأن مثل هذا الاجراء- تحديد نسب التمثيل- تدخل معيب تأباه كرامة شعب يريد الحياة".

وعادت الأهرام فسجلت شعور المصريين (9/ 2/عام 1923) ورغبتهم في الغاء مذهب الأكثرية والأقلية الذي خلقه الانجليز وابتدعوه "ليغروا به ضعاف النفوس وضعاف العزائم حتى يستميلوهم إلى قوتهم فيكونون خدمة لها في ما تطمع وتريد".

وقد نص دستور 1923 على المساواة التامة بين جميع المصرين أيا كان دينهم أو عقيدتهم كما نص على حريتهم في ممارستهم لشعائر دينهم وقبولهم بالوظائف الحكومية. وجرت التقاليد على أن يكون دائما ضمن مجلس الوزاراء وزير قبطى.

ولكن بريطانيا لم تتوقف عن اثارة النعرة الطائفية فترددت تحذيرات الصحف منها في سنوات 1928 و 1929 معلنة "أن الأكثرية والأقلية بضاعة من بضائع أوربا السياسية تصنع للتصدير إلى الخارج وترسل إلى الشرق التعس الذي القى فيه هذا الميكروب منذ دهر بعيد فغفل عنه وعمل عمله. وأن الشرق لم يعرف في ابان مجده وحضارته مثل هذه التفرقة، وقد سجل "جاك تاجر" في كتابه أقباط ومسلمون: أن الاندماج بين المسلمين والمسيحيين في الحضارة والثقافة قد بلغ حدا بعيدا وأن تقاليد المسلمين في مصر لم تخل من الأثر الفرعونى، بينما طبع الإسلام بروحه الأقلية القبطية التي ظلت متمسكة بالمسلمين، وقد كف الأقباط عن التكلم بلغتهم وتعلموا اللغة العربية ونقلوا عباداتهم في الكنائس إلى اللغة العربية أيضا وما حل القرن الثانى عشر حتى أصبحت كلها: تتحدث باللغة العربية، كما أخذ الأقباط عن المسلمين ختان الأطفال كما تشبهوا بالمسلمين من حيث المظهر وهو ما عجز عنه اليونان والرومان من قتل الأتراك من بعد وكان هذا علامة على امتزاج العرب بالأسر المصرية والتقاء المسلمين والمسيحيين في وحدة حضارية وثقافية كاملة.

ص: 142