الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالذات خلال مدة طويلة بدأت منذ قدوم (ماريت) إلى مصر 1846 بعد أن وقف على رموز الهيروغليفية على طريقة شامبليون وقد أتيح له عام 1850 أن ينفذ خطة واسعة ظاهرها قيامه بشراء الكتب القبطية من بعض الأديار والبحث عن مدفن العجل آبيس. وقد وجد في رمال سقارة تمثالا لأبى الهول ينطبق على الوصف الذي وضعه المؤرخ سترابون لهيكل العجل آبيس، هنالك تبين له أن الهيكل مدفون تحت الرمال فاستأجر بعض الفلاحين لرفع الرمال وكشف عن 124 تمثالا وظل يحفر حتى عثر على تمثال لآبيس من الجبس وسمع الخديو لماريت أن يرسل إلى فرنسا 513 قطعة. وكانت هذه مقدمة حركة لسرقة الآثار المصرية وتهريبها إلى الخارج حيث غمرت عواصم أوربا.
وأمكن لماريت فتح قبر آبيس (نوفمبر 1851) وكان هذا أول كشف أثرى من نوعه وكان محمد على من قبل إسماعيل قد وهب الفرنسيين مسلتين من قصر الأقصر حيث نقلت إلى باريس ونصبت أحداها في ميدان الكونكورد (25 أكتوبر 1836) وتكلف نقل المسلة الواحدة إلى باريس مليون وثلاثة وخمسين ألف فرنك ذهبا.
وقد ارتبطت الكشوف الأثرية بالدعوة إلى الفرعونية وتأثر بها "شوقى" بعد كشف قبر توت عنخ آمون. هذا فضلا عما كشف من أوراق البردى التي باعها الأثرى بريس دافبن 1847 وهي تمثل أقدم كتاب في العالم يضم نصائح وحكم ومواعظ منذ 5500 سنة كما أصل ذلك بدعوة أحمد كمال إلى تعليم اللغة المصرية القديمة باعتبارها لغة الأجداد وقد نشر (15/ 1/1922) أسماء الكتب التي تعين على ذلك.
وقد ارتفع صوت الصحافة في الثلاثينيات بتسرب آثار مصر إلى الخارج طالما أن أعمال الحفر والتنقيب في أيدى الأجانب الذين يرون أن (سرقة) هذه الآثار لا يعدو أن يكون خدمة علمية.
وكان "هوارد كارتر" مكتشف مقبر توت عنخ آمون (المتوفى في 4/ 2/1939) قد جاء إلى مصر 1890 وعاون في حفائر تل العمارنة وعين منشأ لمصلحة الآثار وتنظيم دار الآثار في مصر العليا وأدخل نور الكهرباء إلى وادى الملوك وأبو سمبل واكتشف لحساب الحكومة المصرية مدافن الملوك منتوحب وحتشبسوت وتحتمس وامنحتب الأول.
وكان آخر مديرى المتحف المصري الأب لميتين دريتون 1937) وقد تبين أنه خلال عمل الأمناء الأوربيين قد أختفت من المتحف 26 ألف قطعة، وقد حرص هؤلاء الأثريون على تحريف التاريخ وافتعال نظريات تهدف إلى تعزيز (الدعوة الفرعونية) كجزء من خطة "التجزئة والتغريب" التي كانت هدف الاستعمار كله فرنسيا كان أو انجليزيا، ولكن خطوة واحدة لم تتحقق هى أن تصبح الهيروغليفية لغة مرة أخرى أو أن تصبح الفرعونية حركة أو ثقافة أو تيارا فكريا واضحا.
***
3 - التيار القبطى
هذا هو الوجه الثالث للقومية الاقليمية الضيقة فقد كانت "المصرية" ترتبط بالماضي الفرعونى. وكان حملة الدعوة إلى الفرعونية هم المثقفون الأقباط الذين اتصلوا بدعاة التغريب ورجال الآثار الذين ركزوا على احياء الفرعونية في الثقافة والفكر والمجتمع، وكان دعاة الفرعونية الأقباط يحاربون الاتجاه إلى الوحدة العربية أو التراث الإسلامي ويعملون في نفس الوقت إلى الربط بين الفرعونية والقبطية باعتبار أن الأقباط هم خلفاء الفراعنة وورثة هذا التراث.
وقد ردد دعاة القبطية ما نادى به "ماسبيرو" من أن المصريين أقباط أصلا، وأن العرب غزاة وعملوا على تمجيد الفرعونية وتعظيم الحضارة المصرية القديمة، وكان في مقدمة هؤلاء الدعاة: مرقص سميكه منشء المتحف القبطى وجرجؤس فليناس عوض وميخائيل عبد السيد وتوفيق أسكاوروس ونارس شنوده ميخائيل عبد السيد وسلامة موسى.
ولما كان عدد الأقباط في أول القرن التاسع عشر 150 ألف قبطي بين ثلاثة ملايين مصري فقد كان ذلك عاملا على الاحساس بمعنى الأقلية الذي يفرض قيام طائفية قوامها المحافظة على مصالح محموعهم من الأغلبية عن طرق التماسك والتكافل. وكان الإسلام قد رسم نظاما عادلا للطوائف المختلفة التي تعيش في مجتمعه غير أنه في خلال عهود الظلم وسيطرة الولاة والأتراك والمماليك قد أحس الأقباط بضغط واضهاد، ولذلك كان لهم موقف ازاء المستعمر، وقد كان هذا الموقف واضحا ابان الحملة الفرنسية ثم تكشف بصورة أوضح بعد ذلك ابان الاحتلال البريطانى.
?
ويؤكد الدكتور أنيس صايغ- وهو كاتب مسيحى لبنانى- في كتابه الفكرة العربية في مصر- ص 98) أن الأقباط تحالفوا مع الفرنسيين وتجسسوا لصالحهم على حساب الشعب وتنكروا لحق المشاركة القومية.
وأنهم انحازوا إلى نابليون وزودوا جيشه بالرجال والعتاد وكان لهم اليد اليمنى في دعم الحكم الحكم الانجليزى في مصر وقد اقاموا الصلاة في كنائسهم يوم وصول الانجليز إلى مصر. وقال أن الأقباط "كانوا يبررون علاقاتهم مع عدو البلاد بحقهم في حفظ كيانهم وحقوقهم" وأشار الدكتور صايغ إلى زعامة المعلم يعقوب القبطى الذي عاون الفرنسيين واستحق انعام السلطة الفرنسية عليه بتعيينه قائدا للفرقة القبطية التابعة للجيش الفرنسي والذى رقي إلى رتبة جنرال وصاحب مشروع استقلال مصر عن العثمانيين المسلمين برعاية الغرب المسيحى هو أول من طلب بأن تكون مصر وطن مستقل عن العرب والأتراك وأن يعتبر مصر جزءا من أوربا وقد اضطر الجنرال يعقوب أن يسافر مع الفرنسيين مستجديا عطف فرنسا وبريطانيا.
وقد انطوت هذه الصفحة حتى جاء الاحتلال البريطانى فبدأت دعوة المصرية التي ترتبط بالماضى الفرعونى تبرز في حضانة الأقباط الذين بدأول يؤلفون الكتب ويصدرون عشرات الصحف التي تدافع عن الفرعونية والربط بين الماضى الفرعونى والقبطى كما أنشأوا عشرات النوادي والجمعيات والمدارس وفي مقدمتها جمعية التوفيق 1872.
وقد بدأ عمل تاريخى لاعادة دراسة التاريخ المصري وايضاح أثر الأقباط فيه وكان لظهور الآثار المصرية واتساع نطاقها أثر في دعم هذا الاتجاه التاريخي والقول بأن الحضارة المصرية القديمة هى أولى حضارات العالم القديم.
وقد كانت أهم هذه الأبحاث ما يتعلق بتصوير الروابط بين الفرعونية والقبطية وبين اللغة الهيروغليفية واللغة القبطية.
وقد صور (مرقص سميكة) كيف حافظ الأقباط على تاريخ أجدادهم بمحافظتهم على اللغة المصرية القديمة وكيف "أن اللغة التي تستعمل في لقامة الشعائر الدينية عند الأقباط هى نفس اللغة التي كان يتكلم بها الفراعنة، وقد أدخل عليها طائفة من الألفاظ اليونانية، وقال أنه لولا المحافظة على لغتهم الأصلية لما تمكن شامبليون من قراءة وترجمة الكتابة المنقوشة على حجر رشيد الموجود الآن بالمتحف البريطانى، وقال أن لفظ قبطى معناها مصري وهى محرفة من اللفظة اليونانية Stguttlions وقال: لذلك فان جميع المصريين: بعضهم أقباط مسلمون والبعض مسيحيون وكلهم متناسلون من المصريين القدماء.
وقد جرت أحكام كثيرة من هذا النوع، ليست قائمة على الأساس العلمى وانما قائمة على التعصب. ولقد بلغ هذا الأمر حدا دفع مثل أحمد زكى باشا إلى أن صحح الأوضاع حتى يذود التعصب والطائفية وكانت دعوته مثلا جرى على الألسنة: وهى قوله: "مصريون قبل كل شئ" غير أن جرجس عوض جبهة بدعوة أخرى مضادة هى "أقاط قبل كل شئ" واتخذ نفس أسلوب مرقص سميكة ودعواه.
وقد حمل دعاة الفرعونية القبطية في هذه الفترة الدعوة لفصل العرب عن مصر وهاجموا الحزب الوطنى واشادوا بالاحتلال البريطانى.