المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

والاكتفاء بنشر غمامة كثيفة من الغموض والتشكيك والآراء المتناقضة وذلك - تاريخ الغزو الفكري والتعريب خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌ضوء على البحث ومراجعة لخطتهبعد مرور ربع قرن على كتابته الأولى

- ‌توطنة

- ‌مواقف حاسمةفى تاريخ الفكر العربي المعاصر

- ‌مدخل

- ‌العرب بين الامبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية

- ‌القوة الجديدة في مصر

- ‌المؤامرة على الدولة العثمانية

- ‌العرب والاستعمار

- ‌(1)الفكر العربي الإسلامي في مرحلة اليقظة(الى الحرب العالمية الأولى)

- ‌يقظة الفكر العربي الإسلامي

- ‌تيارات الفكر العربي الإسلاميحتى نهاية الحرب العالمية الأولى

- ‌(1)تيار التجديد الدينى

- ‌(2)التيار الثقافيالمزج بين الشرق والغرب

- ‌ المدرسة المصرية

- ‌المدرسة اللبنانية

- ‌1 - البستانيون:

- ‌2 - البازجيون:

- ‌3 - وعمل فارس الشدياق (1804 - 1887) في ميادين اللغة والصحافة والترجمة

- ‌4 - اثر الهجرة اللبنانية

- ‌(2)دور الأزهر

- ‌مراجع البحث

- ‌(3)دور الصحافة

- ‌(التيار الأول)

- ‌(التيار الثانى)

- ‌مراجع

- ‌(4)تطور التعليم

- ‌(المرسلين الأجانب هم المبشرين)

- ‌فى لبنان وسوريا

- ‌أثر الاحتلال في التعليم

- ‌مراجع

- ‌(3)التيار السياسي

- ‌1 - تونس خير الدين التونسى 1860

- ‌2 - مصر: عبد السلام المويلحى (1879)

- ‌المراجع

- ‌(4)مدرسة الافغانى الفكرية وآثارها(مصر من 1871 - 1879)

- ‌5 -عرابى والحزب الوطنى الأول 1879 - 1882

- ‌6 -عبدالرحمن الكواكبى: مقاومة الاستبداد

- ‌7 -محمد فريد والدستور

- ‌8 -محمد عبده: الاجتهاد

- ‌4 -تيار الجامعه الإسلامية

- ‌خلفاء جمال الدين في الدعوة

- ‌(الكواكبى)

- ‌(شكيب ارسلان)

- ‌عبد الله نديم

- ‌مصطفى كامل

- ‌المراجع

- ‌5 -تيار القومية العربية

- ‌مراجع

- ‌6 -تيار الاصلاح الاجتماعى

- ‌7 -تحرير المرأة

- ‌رأى بطرس البستانى

- ‌رأى فارس الشدياق

- ‌رأى رفاعة الطهطاوى

- ‌2 - دعوة قاسم أمين

- ‌آراء قاسم أمين

- ‌تطور الحركة

- ‌تردد قاسم في رأيه

- ‌تطور الحركة النسوية

- ‌(3 - ثورة 1919)

- ‌مراجع

- ‌(2)الفكر العربي الإسلامي ازاء الغزو الثقافي(بعد الحرب العالمية الأولى)

- ‌(1)الاستعمار وآثره الفكرى

- ‌(2)مذاهب الفكر الغربى

- ‌المذهب المادى والنشوء والارتقاء

- ‌المادية التاريخية

- ‌نظرية ماركس

- ‌النظرية الديمقراطية

- ‌نظرية الشك: ديكارت

- ‌الفاشية والنازية

- ‌فرويد والجنس

- ‌السريالية

- ‌البراجماتزم

- ‌المراجع

- ‌(3)تغريب تركيا وآثره على الفكر العربي الإسلامي

- ‌فصل الدين عن الدولة

- ‌نظرة الغرب إلى تركيا

- ‌مراجع:

- ‌(4)إلغاء الخلافة العثمانية

- ‌مرحلة التحدى ورد الفعلتطور الفكر العربي الإسلاميخلال الحربين العالميتين

- ‌(1)حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)حملات على الجنس السامية والآرية

- ‌نظرية رينان

- ‌رد جمال الدين الأفغانى

- ‌(2)حملات على الدين

- ‌مهاجمة الدين واعتبار الإسلام سبب التخلف

- ‌رد قاسم أمين

- ‌حملة هانوتومهاجمة الإسلام والمفاضلة بينه وبين المسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌(3)حملة كرومرعلى الإسلام والعرب ومصر والشرق

- ‌الرد على كرومر

- ‌المراجع

- ‌3 -حملات التعصب

- ‌4 -النظرية اليونانيةوإنكار فضل العرب على حضارة الغرب

- ‌5 -حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌النقل والاقتباس

- ‌الحملة على العقائد والقيم

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌الحملة على نظم المجتمع

- ‌2 -حملات التجزئة

- ‌(الشعوبية)

- ‌دعوات التجزئة

- ‌تجزئة المغرب: البربر والعرب

- ‌(حركة المقاومة ورد الفعل)

- ‌الرد على النظرية البربرية

- ‌المراجع

- ‌النظرية الفينيقية (لبنان)

- ‌الحزب القومى السوى والكتائب

- ‌نظرية البحر المتوسط

- ‌المسلمون والمسيحيون: مصر

- ‌التجزئة بالقومية الضيقة: المصرية والفرعونية

- ‌1 - الدعوة المصرية

- ‌2 - التيار الفرعونى

- ‌3 - التيار القبطى

- ‌الفرعونية والعربية

- ‌المراجع

- ‌أدوات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)الاستشراق

- ‌الاستشراق والمستشرقون

- ‌(التركيز على الإسلام)

- ‌موقف الفكر العربي الإسلامي من الاستشراق

- ‌المستشرقون والإسلام للدكتور الهراوي

- ‌أخطاء المستشرقين

- ‌المراجع

- ‌(2)التبشير والاستعمار

- ‌عمل المبشرين في ميدان التعليم

- ‌التبشير والاستعمار

- ‌أهداف التبشير

- ‌التبشير والإسلام

- ‌المرأة والتبشير

- ‌مخطط التبشير

- ‌تطوير التبشير في العالم العربي

- ‌لبنان والتبشير

- ‌مصر في ظل التبشير

- ‌زويمر

- ‌فى السودان

- ‌فى الجزائر

- ‌فشل الغزو

- ‌المراجع

- ‌(3)منهج البحث العلمي الحديثإزاء العقل العربي

- ‌دعاة التغريب

- ‌المتعصب والتسامح بين الإسلام والمسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌الفكر العربي بين الغينية والسطحية

- ‌دعوات التغريب

- ‌توحيد الإسلام والمسيحية

- ‌2 - التغريب الكامل

- ‌3 - الايمان بالقرب

- ‌الادب المحلى

- ‌علماء الأزهر والمستشرقين

- ‌نقل الحضارة وما يعاب وما يكره

- ‌عرب المغرب

- ‌فرنسا الام

- ‌المرأة والإسلام

- ‌طريقة ديكارت

- ‌صراع الثقافات الغربية

- ‌الحملة الفرنسية

- ‌فى المغرب

- ‌فى لبنان

- ‌الصراع بين الثقافتين الفرنسية والانجليزية

- ‌(الصراع بين اللغتين الفرنسية والانجليزية)

- ‌الثقافة الأمريكية

- ‌أثر الصراع في الفكر العربي الإسلامي

- ‌دور الحضارة في معركة الغزو الثقافي

- ‌موقف المسيحية من الحضارة

- ‌موقف الانسان من الحضارة

- ‌الحضارة ومجتمع الغرب

- ‌مادية الحضارة وروحية الشرق

- ‌تدهور الحضارة

- ‌مواجهة الحضارة

- ‌الثقافة فكر والحضارة مادة

- ‌معركة المواجهة

- ‌(الحضارة)

- ‌(الدين والفكر العربي الإسلامي)

- ‌(الامتيازات واستعارة النظم)

- ‌مواقف الفكر العربي الإسلاميمن الصهيونية والشيوعية

- ‌(1)أثر الدعوة الصهيونية في الفكر العربي المعاصر

- ‌‌‌الماسونيةالحديثة

- ‌الماسونية

- ‌الصهيونية في أولى خطواتها

- ‌(بروتوكولات صهيونية)

- ‌البروتوكول الأول

- ‌البروتوكول الثاني

- ‌(السامية اليهودية)

- ‌(الجامعة السامية)

- ‌(الحضارة اليهودية)

- ‌المراجع

- ‌الدعوة والشيوعية

- ‌الشيوعية وماركس

- ‌ فكرة "الشيوعية

- ‌ الدين

- ‌(الحرية)

- ‌بين الغربية المسيحية والشيوعية

- ‌مواجهة الغزو ومعارك المقاومة

- ‌السياسة

- ‌2 -قامت الثورات المختلفة في الوطن العربي نتيجة للتعبئة

- ‌3 -سيطر الاستعمار على أقطار الوطن العربي بواسطة

- ‌3 - المعتمدون غير الرسميون

- ‌4 - العملاء

- ‌5 - الأحزاب

- ‌6 - الصحافة

- ‌7 - المقاومة

- ‌2 -الدعوة إلى الوحدة العربية

- ‌إدارة الاستعمار

- ‌عبد الله

- ‌الهاشميون

- ‌العملاء

- ‌معركة مقاومة التجزئة

- ‌2 -الدين

- ‌الإسلام: دين وحضارة

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌2 -واذا كان مرجليوث قد حاول انصاف الإسلام

- ‌(3)أما السر ريتشارد وود قنصل في انجلترا في تونس فقد رفع عام 1878 تقريرا إلى وزير خارجية بريطانيا بعد دراسة شاملة للإسلام والمسلمين خلال فترة عمله لدولته

- ‌معاملة أهل الذمة

- ‌(الإسلام والمدنية)

- ‌4 -واعترف (جورج سارتون) الأستاذ بجامعة هارفارد بأن الإسلام من أصح النظم الدينية

- ‌5 -وعرض المستشرق (هـ. أ. جب) لموقف الإسلام من الحضارة والغزو الثقافي

- ‌7 -وقد وجد الإسلام من كتاب الغرب بعض المنصفين إلى جانب الكثرة الغالبة

- ‌الدين في نظر العلم

- ‌حملة الإلحاد

- ‌الأديان الجديدة: البابية والبهائية والقادياتية:

- ‌حركة المقاومة ورد الفعل

- ‌2 - جوهر الإسلام

- ‌3 -وكان "الإسلام" واسع الأفق في لقاء الحضارة الغربية الحديثة

- ‌الإسلام في معركة المقاومةبين التجديد والاجتهاد والاصلاح

- ‌الجماعات الإسلامية

- ‌ترجمة معايى القرآن

- ‌الخلافات بين المذاهب الإسلامية

- ‌بين السنة والشيعة

- ‌بين السنة والوهابية

- ‌الخلاف بين السنة والصوفية

- ‌دعوة الاجتهاد

- ‌رأي الشيخ محمد عبده

- ‌رأي رشيد رضا

- ‌موقف التغريبإزاء الفقه والتشريع الإسلامي

- ‌الرد على أدعاءات المستشرقين

- ‌الدكتور السنهورى

- ‌تجربة السنهوري

- ‌موقف الفكر العربي من الحملة

- ‌الأزهر

- ‌(2) الأزهر والاستعمار

- ‌(3) الأزهر والسياسة

- ‌الأزهر ودعاة التغريب

- ‌الدفاع عن الأزهر

- ‌مواجهة الأزهر الحضارة

- ‌صلاح الأزهر

- ‌دور الشيخ محمد عبده

- ‌الأزهر القديم والأزهر الجديد

- ‌مهمة الأزهر كما يفهمها المراغى

- ‌نظم الدراسة

- ‌تطور التعليم في الأزهر

- ‌2 -لقيت حركة اصلاح الأزهر التي قام بها المراغى عنه هجوما عنيفا من جهة الاستعمار

- ‌مهمة الأزهر

- ‌4 -وقد حقق الأزهر وجوده باشتراكه في عديد من المؤتمرات العالمية

- ‌دور الأزهر

- ‌4 -التعليم

- ‌الاستعمار والتعليم

- ‌تجربة مصر

- ‌الرد على مؤامرات الاستعمار في التعليم

- ‌اللغة العربية

- ‌البعثات

- ‌المدارس الأجنبية

- ‌ المدارس الأجنبية

- ‌مفهوم التعليم

- ‌الصراع بين التعليم الإنجليزى والفرنسي

- ‌بعد الاستقلال

- ‌معركة المقاومة

- ‌1 - اللغة العربية

- ‌2 - اللغة والجنس

- ‌3 - اللغة وتدريس العلوم

- ‌5 - تعليم الدين

- ‌6 - تعليم الفقراء والمجانية

- ‌تجربة المغرب

- ‌نقص المناهج التعليمية

- ‌ نظرية "ديوى

- ‌اللغة العربية في الجامعة

- ‌اللغة الاجنبية

- ‌دنلوب

- ‌المقاومة في العالم العربي

- ‌الجامعة في معركة الغزو الثقافي

- ‌الغزو في ظل الجامعة الرسمية

- ‌المعارك الأدبية

- ‌5 -اللغة العربية

- ‌ 2 -وعلى ضوء هذا الاتجاه الذي بداه المبشرون وحمله الويه الغزو الثقافي

- ‌الرد على الحملات

- ‌عظمة اللغة العربية

- ‌اللغة العربية والاستعمار

- ‌فى المحاكم المختلطة

- ‌اصلاح اللغة العربية

- ‌انشاء المجامع العربية

- ‌رأي المنصفين

- ‌(6)المجتمعإزاء الاستعمار والغزو الثقافي والتغريب

- ‌معركة الشباب

- ‌أزمات الأسرة

- ‌أزمة الاختلاط

- ‌الزواج بالأجنبيات

- ‌المسائل الجنسية

- ‌تحديد النسل

- ‌تعدد الزوجات

- ‌معركة إلغاء البغاء

- ‌تحريم المسكرات

- ‌المخدرات

- ‌معركة الأغانى

- ‌معركة الزى

- ‌2 - الطربوش

- ‌3 - القبعة

- ‌السينما

- ‌معركة المقاومة الاجتماعية

- ‌(7)المرآة

- ‌معارك تحرير المرأة

- ‌معركة التعليم

- ‌2 - معركة السفور

- ‌3 - حقوق المرأة

- ‌4 - مهمة المرأة

- ‌5 - معركة الاختلاط

- ‌6 - الحقوق السياسية

- ‌المرأة في العالم العربي

- ‌(فى لبنان)

- ‌فى العراق

- ‌مراجع البحث

- ‌(8)الصحافة

- ‌أخطاء الصحافة

- ‌(القومية العربية)

- ‌إيجابية الصحافة

الفصل: والاكتفاء بنشر غمامة كثيفة من الغموض والتشكيك والآراء المتناقضة وذلك

والاكتفاء بنشر غمامة كثيفة من الغموض والتشكيك والآراء المتناقضة وذلك في محاولة ضخمة لاعطائنا الصورة المظهرية دون الصورة الحقيقة للثقافية فقد قاوم الاستعمار التعليم الشامل لوجه الثقافة ووقف في وجه انشاء الجامعة المصرية.

وحاول أن يجعل هدف التعليم قاصرا على اخراج موظفين وليس لتخريج علماء وباحثين.

كما قدم في ميدان الحضارة أسوأ ثمراتها في تجارة الرقيق الأبيض والكحول ومواد الزينة واللهو وهى الأجهزة التي تمكن الغرب بها من القضاء على مقومات شخصيتنا والاستيلاء على أموالنا.

ولقد ظهر واضحا اثر هذا "التغريب" في الأقطار التي تحررت من بعد وكسبت الاستقلال، فقد ظلت خطط التغريب قائمة في كل ميادين الفكر والصحافة في خلق طبقة من المفكرين ورجال الدولة الذين انصهروا في بوتقة التغريب فآمنوا بهذا الاتجاه ودافعوا عنه، وكان ذلك باسم التمدين وباسم العهد التي قطعته الاتفاقيات والمعاهدات بأن نسير سيرة الأوربيين في انظمة الحكم والتعليم والثقافة وقد اتخذ "الغزو الثقافي" في سبيل فرض "التغريب" وسائل متعددة، فالكتب التي تترجم هى كتب معينة تعين على حماية الاستعمار ودعم مركزه وتصورنا بصورة القصور والتخلف. وتصور أوربا والغرب بصور الأمم العظيمة ذات القوى الجبارة وقد كانت هذه الكتب دائما من النوع الهدام الذي يهدف إلى الفتك بالدين والأخلاق وتحطيم كيان المجتمع وتحويل نظره عن الحرية واجهاد في سبيل الاستقلال؟ ؟ ومحاولة قتل الشخصية العربية ومقوماتها وتدمير تفكيرها وتسميم ينابيع الثقافة فيها وعن طرقه ارتفعت أصوات الدعوة إلى اذابة الأمة الإسلامية في الحضارة اذابة كاملة باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد إلى النهضة والحرية.

وجرت الادعاءات الغربية التي تنفى أن العرب أمة وتحاولت أن تجعل من دول البحر الأبيض المتوسط جامعة ورابطة.

ولقد ركز الغزو الثقافي أحماله كلها على مهاجمة "الإسلام" كدين ونظام مجتمع واتهامه بأنه سبب انحطاط الشعوب ورأى "جب" أن "حركة التغريب كانت بعيدة المدى بانزال الاسلاام من عرشه في الحياة الاجتماعية" وقد أعلن الكثيرون من دعاة التغريب أننا لسنا شرقيين اطلافا وأننا أوربيون في الدم والمزاج والثقافة واللغة، وادعى هؤلاء اننا سكان العالم العربي من بغداد شرقا إلى طنجة غربا نشترك وأوربا في ميراث واحد هو ميراث الدولة الرومانية.

وكان من نتائج هذا كله أن أضيف إلى الفكر العربي الإسلامي "ترقيعاات" متعددة من الثقافات الفرنسية والانجليزية والأمريكية، وهى البطاقات التي فرضت نفسها في المنطقة.

***

‌النقل والاقتباس

كان لحركة "التغريب" أثر واضح في الفكر العربي الإسلامي المعاصر والحياة الاجتماعية في العالم العربي فقد كانت مصدر كل الانحرافات والاضطرابات التي أصابات الشخصية العربية الإسلامية وانحرفت بها فترة من الزمن عن طريقها الطبيعى، وليس من شك أن الثقافة والحضارة الغربيتين كان لهما نتائج ايجابية ونتائج سلبية.

ولو قد استقبات الأمة العربية هذه الحضارة وهذه الثقافة دون أن يرتبطا بحملات الاستعمار والغزو الثقافي والتغريب لأمكن لها أن تنقل منها ما تراه صالحا لها، كما فعلت من قبل في أبان النهضة الفكرية الأولى خلال العصر العباسى الأول.

غير أن الأمر لم يكن باختيارها فقد فرضت الحضارة الغربية فرضا وفرضت معها الثقافة الغربية بما فيها من تيارات ومذاهب ونظريات في الاجتماع والدين والسياسية وأساليب في الحكم والتشريع والتعليم والصحافة.

ولذلك فقد كانت القضية الأولى في الفكر العربي الإسلامي المعاصره هى:

النقل أم الاقتباس؟

وكانت هناك تجربة كاملة من تجارب النقل هى تجربة تركيا، فقد تحولت من الشرق إلى الغرب، ومن اللون الإسلامي إلى العلمانية اللادينية في الثقافة والحكم والتعليم.

وقد قام تياران واضحان: أحدهما يدعو إلى النقل الكامل والثانى يدعو إلى الاقتباس، وكان تيار "النقل الكامل" الذي دعا اليه سلامة موسى ومحمود عزمى

ص: 120

وطه حسين جريا وراء دعوة "جاك الب" التركى وهم جميعا من تلاميذ (دوركايم) العالم الاجتماعى الاسرائيلى الذي نقل آراء كارل ماركس من ميدان الاقتصاد والسياسة إلى ميدان الأخلاق والاجتماع. والذى يؤمن بأن الفرد لا قيمة له وانما القيمة للمجتمع. وأن القيم كلها كالاخلاق والأديان والعقائد والآداب انما بخلقها المجتمع ولذلك فهى ليست ذات قيمة أو أهمية حقيقية.

وقد كان طه حسين تابعا لأحمد غايف التركى في القول: بأن المدينة الاوربية كل لا يتجزأ، أما ان يؤخذ كله أو يترك كله وهو قول مردود وكأن الطرف الثانى يقول: أن التجديد في الأدب والثقافة كالتجديد في العلم لا يمكن أن يقوم الا على أساس تعاون الماضى والحاضر، وأن الفكر يبنى في حاضره على ما أسس في ماضية.

ولم يكن لدى العالم الإسلامي مانعا من قبل الحضارة باعتبارها نتاجا بشريا اشترك فيه الجنس الانسانى كله وقد حمل العرب أمانتها فترة تزيد على أربعة قرون.

أما الذين قالوا بالتوقف دون الاقتباس فلم يكونوا على فهم صحيح بحقيقة الإسلام وقدرته على تقبل التطور وحقيقة مفاهيم الفكر العربي، ذاك أن القاعدة في ذلك هى اننا لا نتقبل كل شيء، ولا الإسلامي تتحول لى صور ممسوخة من الأمم الأخرى، وأن عاينا أن نضع أمام أنفسنا أولا المحافظة على ملامحنا الحقيقية ومعالم شخصيتنا الواضحة والايمان الصادق بتراثنا وقوميتنا وتاريخنا ولغتنا ومشخصات فكرنا ثم نقتبس ما يزيد هذه الشخصية قوة وحياة ودفعنا إلى الامام في طريق الحضارة جنبا إلى جنب غير متخلفين في ركب الأمم.

وقد كان هذا المبدأ "البناء على الاساس" هو حصاد المعركة الفكرية الطويلة الممتدة خلال اكثر من مائة عام.

فالمزج بين القديم والجديد والماضى والحاضر والشرق والغرب انما يقوم على وجود شخصيتنا أولا والمحافظة على ملامح فكرنا العربي الإسلامي الواضح حيث لا يجوز أن يطمس ملامحه الاقتباس.

وقد كنا طوال تاريخنا (1) متحركين غير جامدين ولا متوقفين (2) اصلاء أكبر من الاحداث وغير أمعات تجرى مع التيار (3) لدينا من المرونة والحيوية ما يمكننا من التكيف مع الظروف والمقاومة الدائمة لكل محاولة للطغيان عليها أو سحقنا ومن القدرة ما يمكننا من مواجهة التحدى برد الفعل السريع الذي يرقى فوق الاحداث ولا يجعلنا نضيع في زحمتنا.

وقد كان "الاقتباس" في معناه مزيج من "المعالم الاساسية" التراث الجديد ومن هذا كله يتكون شيئا جديدا هو شخصيتنا الفكرية العربية الإسلامية المتجددة.

وكان هذا التيار "الوسط" أصدق التيارات التي حققت ما أراده دعاة الثقافة القديمة من بعث التراث وتجديده ما أراده دعاة الثقافة القديمة من بعث التراث وتجديده بأساليب جديدة وحقق خير ما اراده دعاة التغريب الذين يريدون منا التحول نهائيا إلى الصورة الغربية.

وكان مفهوم الاقتباس، أن معنى نقل الحضارة ليس في مستوى مفهوم نقل الثقافة. وأن نقل الحضارة ليس معناه نقل كل الحضارة فهناك فوارق واضحة بين الثقافة والحضارة.

غير أن "التغريب" ام يكن يهدف الا إلى النقل الكامل للقضاء على شخصيتنا وكياننا، ولذلك كان يضغط علينا ليحولنا من الاقتباس إلى النقل عن طريق دعاته وعملائه.

وقد حدث انحراف فعلا ولكن اثارة لم تمتد طويلا، فان بعض دعاة التغريب أنفسهم قد تحولوا عن دعواهم تحول منصور فهمى والدكتور هيكل ومحمود عزمى.

وهكذا سار تيار النقل وتيار الاقتباس جنبا إلى جنب، كان الاقتباس يعنى الاعتدال وكان النقل يعنى الاندفاع وقد كان لمادية الفكر الغربي وتحلل الجوانب المنقولة من الحضارة الغربية أثرها في موجة الانحراف التي أصابت الأمة الإسلامية.

ذلك أن أول أثار الثقافة للغربية والحضارة الغربية كانت القضاء على مقومات حياتنا الفكرية وهى مقومات روحية مقتبسة من الدين والخلق فظهرت ملامح الذاتية الفردية واسراف الطبقة الوسطى في تقليد الطبقة العليا المترفة التي صنعها الاستعمار له، وتفشى الوصولية والزلفى والتبذل واستشراء روح الخنوثة والميوعة،

ص: 121

حيث سرت روحها إلى الصحافة والاغانى والكتابة والمسرح.

وبلغ الاهتمام غايته بالالفاظ، واستولى روح من اليأس، صاحبه روح من الاستهانة والسخرية بامجادنا وتراثنا وأعلامنا وتاريخنا ولغتنا وديننا، وبدأ الوجود العربي تحت ضغط صراع الثقافات المتعددة من أمريكية وفرنسية وبريطانية، وثنائية التعليم الغربي والقديم، مزيجا غربيا مضطربا من القديم والجديد، دون أن يتبلور ذلك في حضارة جديدة أو ثقافة جديدة، وحرص الاستعمار على أن تظل هذه الجماعات المختلفة والآراء المختلفة، والدعوات المختلفة ما بين إسلامية وعربية وبابلية وأشرية وبربرية قائمة حتى لا يتم "الامتزاج والتباور" بين أجزاء البلاد العربية التي أفصلت فعلا بحواجز وحدود وقامت فيها حكومات وعروش ونظم مختلفة ما بين ملكية وجمهورية وامارات وما بين حماية ووصاية وانتداب واستقلال واحتلال.

وبذلك أمكن للتغريب أن يسيطر وأن يحول الحياة الاجتماعية في الأمة العربية تحت ضغط "النزعة المادية" إلى الاندفاع وراء اللذات والمتاع مما أدى إلى افلاس عدد كبير من التجار وسقوط عدد كبير من اعيان البلاد وهو ما أطلق عليه فريد وجدى "المبالغة في المتاع بالحياة المادية" مما أدى إلى استيلاء الاجانب أصحاب البنوك والأندية على هذه الثروات تحت تأثير التهالك على الشهوات على نحو خطير لم يعرف من قبل.

وقد كان حرص الغرب على نقل هذا الجانب الآثم من حضارته إلى بلادنا خطير الأثر في عملية التغريب والقضاء على كياننا، وكان أخطر ما فيه من أثر هو القضاء على كياننا، وكان أخطر ما فيه من أثر هو القضاء على الكيان الاجتماعى والاقتصادى والنفسى لنا، مما يجعلنا عاجزين عن الجهاد والنضال في سبيل مقاومة الاستعمار، وما يؤدى إلى سحق قولنا وهدم معالم روحنا المعنوية وتطرق الفساد إلى النفوس والوصول إلى درجة التحلل التي تقضى قضاءا نهائيا على كياننا.

ولذلك كان كتاب الغرب يحرصون على تسجيل هذا المعنى في دراساتهم ومشاهداتهم: يقول روث فرانسيس في كتابة الشرق الناهض "لقد أصبحت البضائع التي تغمر الأسواق الشرقية هى الجوارب الحريرية والأثاث والمفروشات وثياب السهرة المكشوفة والأحذية العالية الكعوب. والسيارات والمشروبات الكحولية والمياه المشبعة بالصودا والكتب الافرنجية.

وقد حرص التغريب أن يربط بين التجديد وبين الاباحة وأن يجعل التجديد هدما دون بناء وأن يكون التجديد في أعماق معاينه هو ترويج البضائع الاجنبية وازدراء المصنوعات الوطنية وهدمها وجعل كل قديم مزدرى.

وكان لضغط التغريب أثره في أن العربي كان يعرف عن شكسيبر وبرناردشو وكبلنج أكثر مما يعرف عن المتنبى والجاحظ وابن الرومى.

وكانت غزوات المفكرين الغربيين لبلادنا انما تهدف للبحث عن صور مسمومة يراد بها الاساءة، والقاء محاضرات ترمى فيها بالاتهامات حتى أن أحدهم كان لا يتورع عن أن يحاضرنا في الجعية الجغرافية عن عقليتنا بأسم (عقلية الشعوب المنحطة) أمثال الدكتور ليفى برول ويفسر هذه الشعوب بأنها شعبنا.

والجمعيات الثقافية التي أنشئت في بلادنا كان هدفها ربطنا بالغرب، من هذه جمعيات التاريخ المصري ونادى الانجليزى الذي كان يتولى رئاسته اللور ملنر وبرنامجها كما ذكرت الصحف هو «افهام الرأى العام الانجليزى الخدمات التي أدتها الحكومة المصرية الحكومة البريطانية والحلفاء في خلال الحرب» كما كان هدف هذه الجمعيات خلق صداقات بين المصريين والفرنسيين من ناحية وبينهم وبين الانجليز من ناحية أخرى تولى رئاستها أجانب ثم مصريين متغربين.

حتى الجمعية المصرية التي أنشئت 1836 باللغة الانجليزية كان هدفها كما ذكر توفيق أسكاروس (الأهرام 13/ 1/1925) بجمع معلومات خاصة بمصر وما لها من العلاقات بينها وبين بلدان أفريقيا وآسيا وأن أعضائها كانوا من الأجانب وأغلبهم الانجليز، وقد استعملت طبعا هذه المعلومات والأبحاث لخدمة الاستعمار البريطانى ومهدت لوضع يده على بلادنا وقد عزا الدكتور محمد حسنى ولاية (الاهرام 3/ 1/1934) جمود روح البحث العلمى في مصر إلى وقوعها تحت نير الحكم الاجنتى عصورا طويلة وما يتبع ذلك من التضييق على ميادين الاقتصاد والعلم والزراعة.

ولا شك أن حركة التغريب كانت تستهدف أن تظل معرفتنا بتاريخنا ناقصة، مما كان له أبعد الأثر في ضعف الوطنية والقومية. ولذلك دعا عباس مصطفى عمار

ص: 122

(الاهرام 1/ 4/1934) الذين يعالجون ضعف الوطنية عندنا ويثيرون الشعور القومى أن يتأكدوا أن الاهتمام بشئوننا السياسية وحدها لا يكفى، وأن تقوية العقيدة الوطنية أنما يكون بقدر فهمنا لهذا الوطن الذي نعيش فيه من حيث جغرافيته وتاريخيه ومدنيته وحضارته كما أدى التغريب إلى فقدان "الطابع" وانعدام التجانس الفكرى وأن الاستعمار الفكرى حرص على أن لا يصهر في بوتقة واحدة حتى لا يحدث "التجميع" الذي هو اخطر عوامل مقاومة الاستعمار ولذلك كان يعول كثيرا على اثارة عناصر التفكك والتمزيق والتجزئة مما يحول دون خا 5 طابع واضح.

وقد كان أبرز عوامل فقد الطابع كما أوردها عباس عمار (الاهرام 3/ 9/1925) هى: احتقار تراث الاجداد والنظر إلى الدين نظرة ليس فيها احترام ولا تقديس والامان بمادية الغرب والسخرية بروحانية الشرق واعتبار كل ما في الغرب جميل حتى أباحيته ونواحى الضعف فيه وكل ما في الشرق حقير أن استحق أن ينظر اليه بعين الاحترام يوما ما فزمنه قد انقضى. وقد آن الأوان للتخلص من تراثه ووئده حيا كما اعتبر ظاهره الزواج من الغرب لها أبعد الاثر في هذا التفكك لما يؤدى إلى تنشئة الاولاد النشأة الغربية التي لا صلة لها بالشرق والتعلم بالغة الاجنبية وتجاهل اللغة العربية.

ونعى عبد العزيز الإسلامبولى (المعرفة- يولية 1933) على مفكرينا التنكر لأبنائنا وأجدادنا واكار أدبنا ولغتنا والزراية بتاريخنا وثقافتنا وقطع الصلة بين ماضينا وحاضرنا» وطالب بالتعرف إلى التراث العربي والبحث عن اثارة ومخلفاته من إسلامي وعربي وقبطى وفرعونى في أديانه وفلسفاته وروحانياته ومادياته، وأننه لابد للتجديد من شرط الدين والقومية الصحيحة.

وليس أدل على اضطرابنا في المرحلة أننا احتفلنا بذكرى رينان وهو الداعية الاستعمارى الذي جهر باتهامنا بالقصور وصاحب نظرية الآرية والسامية.

ص: 123