الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4)
إلغاء الخلافة العثمانية
اذا كان حدث الحركة التركية التجديدية بمختلف تطوراته بعيد المدى في الفكر العربي المعاصر، فقد كان الغاء الخلافة "الإسلامية" العثمانية من ابعد هذه التطورات ثرا. وقد اثار وقع هذا الحادث البعيد المدى في العالم العربي والعالم الإسلامي عديدا من المساجلات والمعارك الفكرية- وقد تم الغاء الخلافة على مرحلتين:
الاولى: فصل الخلافة عن السلطنة (نوفمبر 1922).
الثانى: الغاء الخلافة (3 مارس 1924).
وذلك ان مصطفى كمال بدا بفصل الخلافة عن السلطة وعزل السلطان وحيد الدين "محمد السادس" واتخذ خليفة بغير سلطة زمنية كخطوة اولى في سبيل الغاء الخلافة نهائيا بعد ذلك باقل من اربعة شهور.
وكان من راى مصطفى كمال ان السلطة شئ والخلافة شئ وأن السلطة العثمانية قد اغتصبت السلطة من الشعب ومن حق الشعب ان يستردها ويفصل بين السلطة والخلافة ثم ألغى السلطنة وأقام الجمهورية التركية.
وقال بعد ان عين عبد المجيد خليفة بغير سلطنة زمنية: ان منصب الخلافة لا يزيد الآن عن ان يكون أثرا تاريخيا ليس له حق شرعى يسوغ له البقاء، وهكذا مهد لالغاء الخلافة.
وقال السلطان محمد السادس ان الفصل بين السلطة المدنية والسلطة الدينية لا يطابق ما هو معروف في التشريع الإسلامي وانه لا يمكن ان يكون الخليفة رئيسا دينيا فقط.
ومشروع فصل الخلافة عن السلطنة مشروع قدم كان قد أعده "مدحت ابو الدستور مع الدستور ذاته ولأجله نفى سلطان عبد الحميد مدحت وقضى عليه أخيرا، ذلك ان مدحت كان يرى فصل الخلافة عن الحكم على أساس ان السلطة للأمة وقد كان اعتراض العلماء على فضل الخلافة على السلطة مبنيا على انه اذا جرد الخليفة من هذه السلطنة فقد جرد من كل شئ وأصبح عضوا أشل لا معنى لوجوده".
وفي 23 مارس 1934 قدم مصطفى كمال اقتراحا للمجلس بالغاء الخلافة بعد ان قدم اتهامات مؤداها تعاون الخلافة مع النفوذ الأجنبى.
وقد أشار الكماليون في تقريرهم عن الخلافة ان وجودها لم ينقذ تركيا من ان تكون ذات رأسين في سياستها الداخلية والخارجية وان ال عثمان كانوا سبب مصائب تركيا.
ومن الطبيعى ان يتخلص مصطفى كمال من الخلافة لعدة اسباب منها: انه لم يكن يرغب في ان تكون هناك قوة اكبر منه او لها صفة من الصفات التي تجعل في تركيا اكثر من نفوذها، فضلا عن ايمان أتاتورك الأكيد بالطريق الذي سار فيه نحو الغرب: ثقافة وحضارة.
وقد واجهت تركيا خصومة عنيفة من العالم الإسلامي كله لهذا العمل الذي قضى على القيادة العليا للدول الإسلامية.
ورسمت (المقطم) لالغاء الخلافة (4 مارس 1924) هذه الصورة:
"اليوم تهتز أعصاب العالم كله لنبأ يطير من أنقرة
الى الشرق والغرب عن الغاء الخلافة في تركيا وانزال آل عثمان عن عروشهم التي سمت دهرا طويلا على عروش المماليك والامارات والامبراطوريات. حكموا 732 سنة فملأوا التاريخ بأعمالهم وبطولة رجالهم وحسناتهم بالرحمة وسيئاتهم بالبطش. منذ 1517 انقرضت خلافة العباسيين في ارض مصر بعد انقراض خلافة الأمويين بها من قبل وانتقلت هذه الخلافة إلى ال عثمان في الأستانة فتولوها 417 سنة من حكمهم الذي ابتدأ 1092 وانتهى اليوم 1924 جلس على عرشهم 72 سلطانا".
ولم تلبث ان قامت في "العالم العربي" حركة فكرية بعيدة المدى: في مصر وفي الحجاز وفي الأردن وفي الهند. ففى مصر أعلن علماء الأزهر ان خلع الخليفة غير شرعى "لأنه صادر من طائفة قليلة" من المسلمين وقال وكيل الأزهر (محمد حسنين) لقد اخطأ الترك اذا ظنوا أن الخلافة عقبة في سبيل ما يريدون من أنظمة الحكم. فان سلطة الخلافة كما تتمثل في فرد يقوم باعباثها تتمثل في ملك خليفة أو سلطان. ثم طالب المسلمين بالنظر في اسناد الخلافة لمن هو أهلها وأحق بها "فان الاجماع منعقد على وجوب نصب الخليفة وأولى الناس بالقيام بذلك هى الأمة المصرية فأن بها علماء الدين والأزهر الشريف".
وقالت الاهرام (8 مارس) ان الاتراك ارادوا الطفرة والتشبه بغيرهم. وجعلوا معيار عملهم الثورة الفرنسية يقلدونها ناسين ان التقاليد الذي لا يتفق مع اخلاق الأمة ومداركها لا يفضى إلى غير الخراب والدمار.
وقالت آراء أخرى: ان العرب ما انفكوا ينظرون إلى الخلفاء الترك شذرا ويعدونهم المغتصبين للخلافة اغتصابا قد جهد عبد الحميد لاحياء عظمة الخلافة الدينية واسترداد ما كان لها من الجلال والهبة. وقد ظن الغربيون ان مقام عبد الحميد في الإسلام كالبابا في النصرانية.
ولم يلبث شيخ الأزهر (أبو الفضل الجيزاوى) ان دعا في 12 مايو 1926 إلى عقد المؤتمر الإسلامي للخلافة في القاهرة وذاك "لما كان لزوال الخلافة من الوقع الشديد في أنفس الشعوب الإسلامية. ولذلك أصبح على المسلمين ان يفكروا في نظام الخلافة على قواعد توافق احكام الدين الإسلامي ولا تجافى النظم الإسلامية التي رضيها المسامون نظما لحكم" وقد أرسلت دعوات إلى مختلف بلاد العالم الإسلامي.
وقال "حسن محمود علم الدين" في نداء إلى الأمة المصرية "ان علينا ألا ندع الخلافة تسقط من أيدينا بل علينا ان نتكاتف على رجاء مولانا جلالة ملك مصر في قبولها" وكان الشريف حسين قد اسرع فأعلن نفسه خليفة للمسلمين بعد سقوط خليفة الأستانة ولذلك حرص علماء مصر في نداءاتهم أن يحذروا من بيعة الشريف حسين "اياكم ان تخدعوا بنداءات بيعة الملك حسين بن على صنيعة الانجليز ومانع حجاج بيت الله الحرام من القيام بالفريضة في العام الفائت (الأهرام 10/ 3/ 1924) وقد أبرق العلماء إلى الشريف حسين بعمان في التريث في قبول البيعة حتى يتكون رأى عام لإسلامي لجمع كلمة المسلمين على خليفة واحد.
وقد ابلغت حكومة شرق الأردن في 7 مارس شركة روتر رسميا " ان الملك حسين قبل الخلافة التي عرضها عليه مسلمو العراق وشرق الأردن والحجاز أعلنوه خليفة".
ولكن الجهات الغربية أخذت تبدى رغباتها في أحقية ملوك العالم الإسلامي للخلافة فأعلنت صحف روما (ايطاليا) تأييدها للملك فؤاد وأعلنت انه اذا قيل منصب الخلافة فان المسلمين يقابلون قبوله أعظم مظاهر السرور وتوترات الأبحاث والدراسات واشترك فيها عدد من الكتاب: رشيد رضا ومحمد لبيب البتانونى. وقال بعض الكتاب ان الإسلام "ما رمى بسهم او هى لجلده وأوهن لعضدة وأدمى لكبده من هذا السهم الذي رماه الكماليون على الغاء الخلافة أكبر جريمة في عهد الدولة وأشنع خيانة في تاريخ الإسلام على الإسلام (الأهرام 14/ 3/ 1924).
وأشارت جريدة الطان ان الملك فؤاد سيزور فرنسا من شأن الترشيح للخلافة وتركزت الدعوة في مصر حول مطامح الملك فؤاد في الخلافة وأيدها علماء الأزهر وبعض الصحف- ونشرت الأهرام في 21 مارس 1924 مقالا تحت عنوان "يكون ملك مصر خليفة" جاء فيه ان مصر اليوم أكبر دولة إسلامية وأرقى دول الإسلام طرا وأغناها وأغزرها علما وأعلاها نهضة ولربما يكون رأى كبار علمائها ان يجعلوا الخلافة في وطنهم وفي عرشهم ناظرين إلى ذلك من الوجهة الدينية والاجتماعية.
ويعيب مصر الوحيد- وقد لا تخلو منه مملكة إسلامية- هو وجود جيش أجنبى محتل لأرضها ولكن
هذا الجيش الأجنبى قوة زائلة بحكم السياسة وباعتراف الانجليز.
وكذبت الأهرام ما يدعيه الانجليز من "أتهم لا يتعرضون للخلافة لأنها عمل دينى" وقالت "ان أوربا كلها تهتم بالخلافة اهتماما عظيما لأن نفوذ الخلافة الإسلامية في العالم الإسلامي هو فوق نفوذ البابوية في العالم المسيحى وعملها أكبر اذا عادت هذه الخلافة إلى أصولها ونظمت على الطريقة العصرية. اذا ليس قول الأتراك بأنها لم تنفعهم بالقول الصحيح على اطلاقه".
ودارت أبحاث حول "مفهوم" الخلافة: وتسمى "الامامة" وهى رئاسة عامة في الدين والدنيا قوامها النظر في مصالحة الملة وتدبير الأمة والامام نائب عن صاحب الشريعة صلى الله عليه وسلم في حياطة الدين وتنفيذ أحكامه. وبصير الامام بالبيعة من أهل الحل والعقد او استخلاف أمام قبله ولا بد مع ذلك من نفاذ حكمه في رعيته (الأهرام- 25 مارس 1924).
3 -
وتحدث الانجليز عن رأيهم في الخلافة على لسان لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا السابق الذي قال "قضى لأمر والغيت الخلافة الإسلامية. ثم جاء عرب الحجاز وشرق الأردن فبايعوا الملك حسين بالخلافة وبذا عادت او على الأقل شطر منها إلى الشعب الذي أسسها وأحتفظ بمجدها". وشبه ألغاء الخلافة بقضاء نابليون على الامبراطورية الرومانية المقدسة والغاء سلطة البابا الزمنية. ورأيه انه لا يبعد ان تنقلب الخلافة وتتحول إلى نظام يشبه نظام البابوية وان "محمد على" من كبار مسلمى الهند- يرى ان خير بديل للخلافة هو ان تختار جمعية مؤلفة من رجال الدين ألمستقيمى السيرة في البلدان الإسلامية رجل لا ثروة له ولا مال ويسند اليه منصب الخلافة. وانه ليس بين ملوك العرب من هو جدير بملء الفراغ الذي حدث بعد خلع الخليفة التركى، وان السلطة الزمنية قد أخذت تنهار في كل مكان وقد جاء الآن دور العقيدة لكى يظهر تأثيرها مرة أخرى". (الأهرام 28 مارس 1924).
ولم يكن الخلافة فؤاد وحده طموحا لمنصب الخلافة، بل ان قلينى فهمى يذكر في مذاكراته (جـ 1) ان عباس حلمى كان شغوفا بأن يكون يوما ما خليفة للمسلمين وانه استخدم لتحقيق هذا الغرض وسائل جمة منها استخدام نفوذ مسلمى الشام والأناضول. وانف مبالغ طائلة في هذا السبيل وقال قلينى فهمى ان أول من دفعه إلى هذه الفكرة هو الشيخ محمد عبده. "ولذلك تخلص الباب العالى منه".
ودعا محمد لبيب البتانونى إلى الاسراع للعمل من أجل الخلافة حتى "لا يدعو الملك حسين لنفسه في الحجاز والعراق وشرق الأردن والسلطان يوسف في مراكش والامام يحي في اليمن. والادريسى في عسير وابن السعود في نجد وابن سعيد في عمان وأغاخان في الهند والبهاء في العجم والسنوسى في مجاهل لوبيا والميرغنى في السودان ولا نبعد ان نسمع بالدعوة للورد هلدن في انجلترا".
4 -
وكان للحجاز دورها في الخلافة فان الملك عبد العزيز آل سعود كان في هذه الفترة قد استولى على الحجاز وأنهى فيه حكم الشريف حسين وأولاده. ولذلك دعا إلى عقد مؤتمر إسلامي بمكة وأرسل إلى ملوك الأفغان والعراق والى شاه ايران ورئيس الجمهورية التركية والامام يحيى ورئيس المجلس الإسلامي المقدس وجمعية الخلافة في بومباي وجمعية الحديث في أمر تستر بالهند وجمعية الخلافة في دلهى وباى تونس ورئيس حكومة طرابلس وبدر الدين الحسينى وبهجت البيطار في دمشق وجاوه برقية (22 أبريل 1926) لعقد مؤتمر الشعوب الإسلامية في مكة.
وقد تم انعقاد مؤتمر مكة وألقى الملك عبد العزيز خطاب افتتاحيا جاء فيه قوله:
"تفاقم البغى والعدوان بعد زوال سيادة الدولة العثمانية من هذه البلاد وخلوص أمرها إلى الشريف حسين بن على آخره أولئك الأمراء فاضطرب العالم الإسلامي كله من استبداده وظلمه، ومن عجزه عن توطيد الأمن في البلاد من جعلها تحت السيطرة الأجنبية غير الإسلامية. جعل نفسه عاملا موظفا لبعض الدول الأجنبية. وكنا معشر النجديين جيران الحجاز عرضة لبغية وايذائه لنا. منع أداء فريضة الحج وأغرى بعض رعايانا بالخروج علينا. وقد ثبت بالتشاور مع أهل الحل والعقد انه يجب علينا انقاذ مهد الإسلام من بغية وظلمه وعزمنا على ذلك".
وقال ان المسلمين قد أهلكهم التفرق في المذاهب
والمشارب فائتمروا في التأليف بينهم والتعاون على مصالحهم وعدم جعل اختلاف المذاهب والأجناس سببا للعداوة والبغضاء"
وكما ان مؤتمر مكة لم يؤد إلى نتيجة ما فان مؤتمر القاهرة الذي عقد في 13 مايو 1926 لم يؤدى أيضا إلى أى نتيجة اذ انتهى إلى تقرير ان الخلافة الشرعية المستجمعة لشروطها المقررة في كتب الشريعة الغراء ومن أهمها الدفاع عن حوزة الدين في جميع بلاد المسلمين وتنفيذ أحكام الشريعة الغراء فيها لا يمكن تحقيقها بالنسبة للحالة التي عليها المسلمون الآن.
وقال أحمد شفيق في حولياته (جـ 1 ص 111): ان جمعية الخلافة أعلنت عدم صلاحية مصر لا نعقاد المؤتمر العام للخلافة بها ووجوب انعقاد المؤتمر بمكة المكرمة لأنها خالية من النفوذ الأجنبى. وأرسل مؤتمر الخلافة الإسلامية برقية إلى مؤتمر مكة المكرمة راجيا ان يوفق في وضع نظام للحكم في البلاد المقدسة وقال أن عمل هذا المؤتمر في نظر البعض هو تأكد سقوط الخلافة وعدم قدرة المسلمين على جمع كلمتهم وتوحيد أعمالهم لدرء الأخطار التي تتهددهم وتعبث بكيانها الدينى والسياسى وقال انه استقر الرأي على وجوب الخلافة وتعذر ايجادها بين المسلمين وانه كانت هناك مآرب خاصة لفئة من ذوى النفوذ في مصر وقال رجال السياسة ان رجال الدين ليسوا ذوى اختصاص وان الفشل حالفهم.
5 -
وقد واجه الفكر العربي هذه المعركة مواجهة لها وجهين واضحى الخلاف، فوجه كان يهدف إلى تأييد قيام الخلافة ووجه يعارض في اعادتها. أما الذين يؤيدونها فقد كانوا مختلفين في شخص الخليفة، بعضهم يرى ان الملك عبد العزيز آل سعود أحق بها لوجوده في بلاد الحجاز مهد الإسلام والبعض يؤيد قيامها في مصر والبعض الآخر يرى ان تقوم خلافة عربية.
والأزهر الرسمى الذي أيد الخلافة لحساب الملك فؤاد وله معارضة لرايه من أربعين أزهريا وقعوا مذكرة أعربوا فيها عن ان مصر لا تصلح دارا للخلافة لتسلط الانجليز عليها ودعا بعضهم إلى ان يعقد مؤتمر الخلافة في مكة المكرمة.
وكان لرأى الشيخ على عبد الرزاق دوى حين أصدر كتابه (الإسلام وأصول الحكم) معارضا أعتبار الخلافة أصل من أصول الإسلام. وكان مصدر الدوى ان الكاتب منسوب إلى حزب الأحرار الدستوريين الذي كان يعارض عودة الخلافة أصلا لاتجاه دعاته إلى التغريب، ولأن الحزب بالذات كان يحارب رغبة الملك فؤاد في الخلافة.
ولقد أعلنت صحيفة السياسة تبل صدور كتاب على عبد الرازق رأيهما في الخلافة (2 فبراير 1929 وما بعدها) اذا أعلنت ان مسألة الخلافة تمس سياسة الدولة وان الدستور ينص على انه لا يجوز للملك ان يتولى مع ملك مصر أمور دولة أخرى بغير رضاء البرلمان ولذلك فان أمر بحث الخلافة هو من عمل السياسيين وليس رجال الدين.
وقال على عبد الرازق ان البلاد التي تهتم بالخلافة هى البلاد التي يحركها الأجنبى وان الذين يتولون أمر البحث في الخلافة رجال لا يملكون لأنفسهم أمرا ولكن يحركهم غيرهم فيتحركون (السياسة 13 مارس 1926)
وقد شغلت الصحف العربية وصحف مصر بالذات بالخلافة بين مؤيدة ومعارضة، وظهر أكثر من كتاب في هذا الموضوع من أهمها كتاب رشيد رضا (الخلافة أو الامامة العظمى) وهو تأييد الخلافة وكتاب على عبد الرزاق (الإسلام وأصول الحكم) في معارضتها ثم ظهر مؤلف بعد فترة الدكتور عبد الرزاق السنهورى يدعو إلى ان تحل محل الخلافة عصبة أمم إسلامية.
1 -
وقد كشف رشيد رضا في كتابه عن انه هناك ثلاث جبهات تقف ازاء الخلافة الأول وهم (1) المجددون او (المتفرنجون) يرون ان الذين لا يتفق في هذا العصر مع السياسة والعلم والحضارة. وهم يرون أن تكون الحكومة غير دينية وهمن موجودون في تركيا ومصر وسوريا والعراق والهند.
2 -
الفقهاء الجامدون: وهم الذين يرفضون القول بالاجتهاد المطلق في كل المعاملات الدنيوية ولو فوض اليهم أمر الحكومة لعجزوا عن ان ينهضوا به.
3 -
المؤمنون بالاجتهاد والاصلاح وهم الذين يجمعون بين الاستقلال في فهم فقه الدين وحكم الشرع الإسلامي وهم القادرون على ازالة الشقثق من الأمة وذلك باحياء منصب الامامة وان موقفهم الوسط من شأنه ان يجذب المستعدين لتجديد الأمة من الطرفين.
وقد بين رشيد رضا ان الخليفة في الإسلام ليس
الا رئيس الحكومة المقيدة، لا سيطرة ولا رتابة له على أرواح الناس وقلوبهم، وانما هو منفذ للشرع وطاعته محصورة في ذلك فهى طاعة للشرع لا له نفسه، فالخليفة عند المسلمين ليس بالمعصوم ولا هو مهبط الوحى ولا من حقه الاستئثار بتفسير الكتاب والسنة. وبين الفارق بين الخليفة عند المسلمين وبين البابا عند المسيحيين الذي ينفرد بتلقى الشريعة ويستأثر بالتشريع.
4 -
أما "عبد الرازق" في كتابه الإسلام وأصول الحكم وقد حاول اثبات ان الخلافة نظام ابتكره المسلمون ولم يكن له أصل في الشريعة. وان الخلافة ليست من الدين في شئ وانما هى خطة دنيوية صرفة لا شأن للدين بها فهو لم يعرفها ولم ينكرها لنا لنرجع فيها إلى أحكام العقل وتجارب الأمم وقواعد السياسة. وان رئاسة النبى كانت رئاسة دينية جاءت عن طريق الرسالة فما انتهت الرسالة بموته انتهت الزعامة وما كان لأحد أن يخافه في هذه الزعامة. وان بيعة أبو بكر كانت بيعة سياسية ملكية عليها كل طابع الدولة المحدثة.
ويقول الدكتور م. محمد حسين (الاتجاهات الوطنية- ـ 2) بان على عبد الرازق تأثر في مراجعه وآرائه بالمستشرقين وبالكتاب الذي أصدرته الحكومة التركية لتبرر به الغاء الخلافة وهو (الخلافة وسلطة الأمة) الذي ترجمه عبد الغنى سنى عن التركية وقد وضعته لجنة من كتاب الترك باشارة من الكمثليين.
5 -
ويتجه كتاب الدكتور عبد الرازق السنهورى (الخلافة وتطورها أتصبح عصبة أمم شرقية) الذي ألفه بالفرنسية إلى محاولة ايجاد نظام بدلا من الخلافة يجمع شمل المسلمين، وطالب الدكتور السنهورى بتطوير نظام الخلافة فيصبح عصبة أمم شرقية.
وقد أشار إلى ان الإسلام الذي يعنيه هو تلك الثقافة الإسلامية التي أثارت جوانب العالم في ظلمات القرون الوسطى "فالثقافة الإسلامية لا الدين الإسلامي هو الذي يعنينى. ذلك ان الذين يؤمنون بتعاليم الدين هم المسلمون أما الذين ينتمون إلى الثقافة الإسلامية فأولئك هم أولاد ذلك الوطن الإسلامي الكبير. وقد وسع المسلمين والنصارى واليهود، وقد عاشوا جميعا تحت علم الإسلام طوال هذه القرون".
وتطلع الدكتور السنهوى إلى ان نتخطى الشريعة الإسلامية أعناق القرون فتصبح شريعة العصر تتسع لمقتضيات الحضارة وتصبح شريعة الشرق دون تمييز بين دين ودين".
ولقد تجدد الحديث مرة أخرى في شأن الخلافة بعد توقيع معاهدة 1936 وتولى فاروق الملك، واتسع نطاق هذا الحديث عام 1938 بعد ان صلى فاروق الجمعة في الأزهر الشريف برؤساء وملوك الدول العربية.
وقد تناولت الصحف الموضوع تناولا يكشف عن وجهات النظر المختلفة. أما الصحف الفرنسية فقد أعلنت (24/ 4/ 1938 الأهرام) بأنها تخشى ان تؤدى اعادة الخلافة إلى تأليف كتابة من الدول الإسلامية تقف في وجه الدول الأوربية. وان فرنسا تهتم اهتماما كبيرا بالمسألة وبما ان الخلافة ستعاد يوما ما فلا بد ان ذلك مع فرنسا وضدها، ولما كانت المسلحة تقضى بان تكون مقرها القاهرة. وان فرنسا هى أشد الدول الأوربية تفاهما مع المسلمين ولاسيما مع المصريين.
وقالت صحف ايطاليا (2/ 6/ 1938 - الأهرام) ان القاعدة الأساسية للسياسة البريطانية في القسم الشرقى من البحر المتوسط وفي الشرق الأدنى عامة هى الدفاع عن طريق الهند وحماية منابع البترول في العراق وغيرها. وقد كانت انجلترا حتى الأمس تخشى ان تصبح مصر دولة قوية على رأس البلاد العربية، ولكنها غيرت سياستها ازاء الخطر الايطالى وأصبحت تؤيد اسناد الخلافة إلى مصر على أمل تأليف كتلة في البلدان العربية خاضعة لنفوذها وقصدها من وراء التوصل إلى تعزيز مركزها ومقاومة الدعاية الايطالية وتأمين طريق الهند وحماية منابع البترول في البلاد العربية.
وأشارت جريدة سئمتا (روما- عن الأهرام 9/ 2/ 1939) ان على ماهر والشيخ المراغى يعملان على اعادة الخلافة إلى الملك فاروق. وان المناداة بخليفة جديد لا يمكن ان يكون من الحوادث المفاجئة ولا يتم الا اذا اجتمع مؤتمر الإسلامي ورأي في الأحوال الحاضرة ان فارق هو الأصلح والأجدر. وهل يوافق ملوك
البلدان العربية الأخرى على ان يتولى ملك مصر الخلافة أم لا. وأشارت إلى ان تركيا تعارض في احياء الخلافة في القاهرة، وان العالم العربي يتجه إلى مقاومة ترشيح رجل تركى للخلافة وفي هذه المرحلة ظهرت جبهة جديدة من الكتاب تؤيد الخلافة وجبهة تعارضها: ويرى عبد الحميد سعيد (الهلال الذهبى- 1939) ان الخلافة في العصر الحاضر ألزم منها في أي عصر مضى. وان دول أوربا تعلم ان فكرة الخلافة تهدد سياستها الاستعمارية والذى يرعب أوربا ان قيام الخلافة يؤدى إلى اتحاد الأمم الإسلامية وتعاونها في سبيل نهضة الشرق كله، هذه النهضة اذا قويت باتحاد الأمم الإسلامية تحطمت دونها مطامع الدول الأوروبية وشهواتها الاستعمارية.
ويقول عبد القادر حمزة: ان من الحكومات الإسلامية المستقل والمستعمر والمحمى والخاضع للانتداب وهى حكومات ملكية وجمهورية وأمامية وسلطانية وأميرية جمعها تحت لواء الخلافة متعذر فضلا عن ان تركيا والمغرب تعارضان في الخلافة ولا فائدة من نظام لا يعترف به الجميع، كطما ان الخلافة في مصر تكون مصدر خطر عليها من الدول القوية وفد تحرك في نفس بريطانيا عوامل جديدة تدفع بها إلى الرغبة في البقاء حتى حين ساعة الجلاء. والخلافة عبء قبل ان تكون مزية.
ورأى بعض المعارضين في الخلافة انها ربما تخلق مع الزمن كهانة.
وهكذا ظلت مسألة الخلافة تشغل الفكر العربي بآراء وأدلة تؤيد هذا الجانب او ذاك ولم تتوقف الدعوة إلى اعادة الخلافة، وهى في نظر دعاتها انما هى وسيلة لربط المسلمين برباط روحى، وهى كالجامعة الإسلامية في هذا الغرض وكل وسيلة من شأنها ان تربط أو توحد بين المسلمين يمكن ان تقوم مقام الخلافة.
ولا شك ان الاستعمار قد حرص على ألا تقوم هذه الرابطة على أى وضع كان، وكان ينظر إلى الخلافة من وجهة نظره الخاصة فهو حين يؤيدها ويدعو اليها انها كان يحرص ان يلتمس من وراء السيطرة وتأكيدا لنفوذه وهو حين حال دون قيامها انما قصد إلى تمزيق وحدة المسلمين ومع ذلك فقد عجز الاستعمار عن فصم الروابط الروحية في العالم الإسلامي بل وربما زادتها مقاومة الاستعمار قوة وبأسا.