الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
تيار التجديد الدينى
يعد تيار " التجديد الدينى " من أوقى التيارات الفكرية التي بدأت بها يقظة الفكر العربي والإسلامي عامة: هذه الدعوة التي بدأها محمد بن عبد الوهاب في قلب الجزيرة العربية ولم تلبث أن انطلقت إلى مختلف الأفطار، فظهر الأمام الشوكانى في اليمن، والألوسى في العراق، والسنوسى في ليبيا، والمهدى في السودا، ومحمد عبده ومدرسة المنار في مصر، وذلك غير ما ظهر في مختلف أطراف العالم الإسلامي من دعوةات مماثلة:
محمد بن عبد الوهاب 1703 - 1791
الشوكانى
…
1756 - 1834
شهاب الدينالألوسى 1802 - 1854
السنوسى 1785 - 1859
المهدى
…
1843 - 1885
محمد عبده 1849 - 1905
ومعنى هذا أنه في خلال فترة قرن ونصف قرن لم تنقطع هذه الدعوة إلى التجديد الدينى بل واصلت عملها بقوة وحمل لواءها عدد كبير من الأعلام وقد اتصلت هذه الدعوة بالمعركة الكبرى، معركة الغزو الغربى: العسكرى والسياسى والاجتماعى والفكرى، ولذلك تعمقت جذورها واتسع نطاقها حتى أصبحت علما على اتجاه فكرى واضح في أكبر جانب من جوانب التفكير العربي، وهو التفكير الاجتماعى المتصل بالعقيدة والقيم والحرية والمعاملات بل لا نعدو الحق اذا قلنا " أن التجديد " كان بعيد الأثر في جميع مفاهيم " المقاومة " التي قامت بها البلاد العربية ازاء الاستبداد الداخلى
والاستعمار الغربي وانما أثرت في مفاهيم الفكر العربي: السياسىن والثقافي، والاقتصادى.
يمكن القول بأن تيار التجديد الدينى انما قام على أساسيين واضحين هما:
(1)
العودة إلى التوحيد والمنابع الأولى للإسلام، فالتوحيد هو اساس الإسلام. وقد دخله كثير من الفساد في خلال فترة الركود التي أصابت العالم الإسلامي تحت حكم العثمانيين وقد أثر في نقاء التوحيد ما توسع فىه المسلمون من البدع: التي يتصل بالتقرب إلى الأولياء، والنذر لهم، وبناء الأضرحة وزيارتها، وقد حملت هذه الدعوة لواء عبادة الله وحده، ورد البدع وابطال التوسل والشفاعة.
(2)
فتح باب الاجتهاد وقد كان اقفال باب الاجتهاد بعيد الأثر في الجمود الذي أصاب الفكر العربي الإسلامي مما غلب التقليد فكانت الدعوة إلى تحرير العقل الإسلامي ممن أصار التخلف.
وقد حمل محمد بن عبد الوهاب لواء الدعوة على هذا النحو وقال: أن مسألة " التوحيد "ن هى عماد الإسلام، وأن الانحراف في العقيدة هو سبب ضعف المسلمين وسقوط همتهم. ولم يلبث ابن عبد الوهاب أن حول دعوته إلى برنامج سياسى ودعا لمقاومة استبداد الحاكم والتحرر من سلطان الدولة " العلمانية " وهاجم حدود سورية والعراق، وهاجم كل انحراف عن المبادئ الأساسية للإسلام، ودعا إلى التحرر من سلطانها، كما هاجم علماء الدين الرسميين الجامدين، واستطاع أن يحول الدعوة إلى حركة لها كيانها الذي هز الامبراطورية العثمانية حين اقنع " محمد بن مسعود " حاكم نجد، الذي حمل لواء الدعوة في جزيرة العرب
جمعاء. ومن ثم آمن اتباع محمد بن عبد الوهاب بأنهم الدم الجديد في الوطن العربي. وبذلك تحولت الدعوة إلى حركة تحميها دولة.
وأعلن الوهابيون أن سبيل الاصلاح، هو العودة إلى منابع الإسلام الأولى، وتنقية الدين من البدع الدخيلة عليه والايمان بعقيدة التوحيد الخالص، وكان محمد بن عبد الوهاب تلميذا لمذهب أحمد بن حنبل وقد تأثر أفكار ابن تيمية وابن القيم الجوزية. واتيح له أن يطوف في انحاء العالم الإسلامي ويزور بالذات بغداد وكردستان وهمزان وأصفهان وقم وهى معاقل الشيعة التي كانت تحمل لواء الأفكار التي هاجمها ووجدت رسائل لابن تيمية مكتوبة بخط محمد بن عبد الوهاب.
وقد انتهت المرحلة الأولى للحركة الوهابية بهجوم (محمد على) على الحجاز، حيث بدأت الحملة المصرية الأولى 1813 وانتهت. وقد أخذ على الوهابيين أنهم لم يكونوا على استعداد حربى حديث مما مكن لمحمد على هزيمتهم وقد أخذ عليهم المؤرخون عدم اتصالهم بالحضارة أو التفاتهم إلى الثقافات الغربية وأن برنامجهم في الاصلاح السياسى والاجتماعى لم يكن محققا لمواجهة الغزو الغربى، وقيل أن الدعوة لم تكن سلمية محضة، وأنما كانت تواجه خصومها بالعنف وتستحل دماءهم وأموالهم وكان ذلك من الوهابية خروجا على سماحة الإسلام.
4 -
وفي اليمن: ظهر " محمد عبدالله الشوكانى " الذي تأثر بابن تيمية وابن حزم وقد نشأ على مذهب الزيدية في الفروع. وفتح باب الاجتهاد وحارب التقليد وذهب إلى تحريمه، ودعيا إلى الاجتهاد وترك زيارة القبور وألف كتابه المعروف " نيل الأوطار " الذ تسرح فىه مؤلف ابن تيمية " منتقى الأخبار ".
وقد أثارت آراؤه في عدم زيارة القبور معركة حيث قال:
" كم سرى عن تشييد بنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكى لها الإسلام. منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام، وعظم ذلك فظنوا أنها قادرة على جاب النفع، ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجح المطلب وسألوا منها ما يسأل العباد من ربهم، وشدوا اليها الرحال وتمسحوا بها واستغاثوا ".
وقد وقف من خصومه موقفا صلبا، واعلن أن
المذاهب جميعها سواء، ولا يخص مذهب الزيدية منها. وأن مذهبه في العقائد هو مذهب السلف.
3 -
وظهر: أبو الثناء محمود شهاب الدين " الألوسى "(1802 - 1854) في العراق على نفس النهج التجديدى في الفكر العربي الإسلامي المعاصر. وهو مفتى بغداد وأمام العراق في اللغة والدين والتفسير وله " روح المعانى " في تفسير القرآن الدينى يمثل مذهبه وقد أثارت آراءه غضب العلماء التقليديين فسعوا سعيهم ضده فعزل عن منصب الافتاء. جمع في كتابه " روح المعانى " من ثلاث طرق: طريقه السلف، وطريقة المتكلمين، وطريقة المتصوفة، ورد على آراء فخر الدين الرازى.
ولم يلبث أن ظهر من آل الألوسى، عالم آخر سار في نهج التجديد الدينى هو " محمود شكرى الألوسى " 1856 - 1924 الذي يمم نفس الطريق الذي سلكه علماء نجد في الدعوة إلى تطهير عقائد الناس من البدع والخرافات وفتح باب الاجتهاد، معرضا نفسه للخصومة العنيفة مع رجال التصوف في وقت كان فيه أبو الهدى الصيادى شيخ الصوفية: مستشارا للسلطان عبد الحميد وقد لقى من العنت ما لقى كل من دعاة التجديد الدينى في الفكر العربي الإسلامي، من محاربة واضطهاد حيث كان الاستبداد والنفوذ الأجنبى يلتقين في جبهة واحدة لتحطيم التجديد الدينى وتحريره من جمود التقليد، فأصدر عبد الحميد أمره بنفى شكرى إلى الأناضول، غير أن أنصاره في الموصل استطاعوا أن يحولوا بينه وبين المنفى.
4 -
محمد بن على السنوسى الكبير، سمع الدعوة الوهابية في مكة فاعتنقها، وعاد إلى الجزائر يبشر بها، ويؤسس طريقته في المغرب. وقد صرف صدر عمره في مكة، ثم عاد بعد الخمسين إلى برقة، حيث مضى يؤسس الزوايا ليبث تعاليمه بين أهل البادية.
وكان أبرز معالم دعوته: العودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، كما حملت السنوسية لواء الجهاد، ومقاومة الاستعمار الايطالى، حينما هاجم طرابلس وكان لتعاليم الدعوة أثرها الضخم في الفداء.
فقد نهىى السنوسي عن حياة الترف، وحيازة الذهب والجواهر.
وفي السودان: حمل المهدى لواء الدعوة إلى التجديد الدينى على نحو أقرب إلى التجرد السياسى، وقد قاوم الاستبداد ممثلا في سلطاته المفروضة على أهل السودان.