المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1)حملات التغريب والغزو الثقافي - تاريخ الغزو الفكري والتعريب خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌ضوء على البحث ومراجعة لخطتهبعد مرور ربع قرن على كتابته الأولى

- ‌توطنة

- ‌مواقف حاسمةفى تاريخ الفكر العربي المعاصر

- ‌مدخل

- ‌العرب بين الامبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية

- ‌القوة الجديدة في مصر

- ‌المؤامرة على الدولة العثمانية

- ‌العرب والاستعمار

- ‌(1)الفكر العربي الإسلامي في مرحلة اليقظة(الى الحرب العالمية الأولى)

- ‌يقظة الفكر العربي الإسلامي

- ‌تيارات الفكر العربي الإسلاميحتى نهاية الحرب العالمية الأولى

- ‌(1)تيار التجديد الدينى

- ‌(2)التيار الثقافيالمزج بين الشرق والغرب

- ‌ المدرسة المصرية

- ‌المدرسة اللبنانية

- ‌1 - البستانيون:

- ‌2 - البازجيون:

- ‌3 - وعمل فارس الشدياق (1804 - 1887) في ميادين اللغة والصحافة والترجمة

- ‌4 - اثر الهجرة اللبنانية

- ‌(2)دور الأزهر

- ‌مراجع البحث

- ‌(3)دور الصحافة

- ‌(التيار الأول)

- ‌(التيار الثانى)

- ‌مراجع

- ‌(4)تطور التعليم

- ‌(المرسلين الأجانب هم المبشرين)

- ‌فى لبنان وسوريا

- ‌أثر الاحتلال في التعليم

- ‌مراجع

- ‌(3)التيار السياسي

- ‌1 - تونس خير الدين التونسى 1860

- ‌2 - مصر: عبد السلام المويلحى (1879)

- ‌المراجع

- ‌(4)مدرسة الافغانى الفكرية وآثارها(مصر من 1871 - 1879)

- ‌5 -عرابى والحزب الوطنى الأول 1879 - 1882

- ‌6 -عبدالرحمن الكواكبى: مقاومة الاستبداد

- ‌7 -محمد فريد والدستور

- ‌8 -محمد عبده: الاجتهاد

- ‌4 -تيار الجامعه الإسلامية

- ‌خلفاء جمال الدين في الدعوة

- ‌(الكواكبى)

- ‌(شكيب ارسلان)

- ‌عبد الله نديم

- ‌مصطفى كامل

- ‌المراجع

- ‌5 -تيار القومية العربية

- ‌مراجع

- ‌6 -تيار الاصلاح الاجتماعى

- ‌7 -تحرير المرأة

- ‌رأى بطرس البستانى

- ‌رأى فارس الشدياق

- ‌رأى رفاعة الطهطاوى

- ‌2 - دعوة قاسم أمين

- ‌آراء قاسم أمين

- ‌تطور الحركة

- ‌تردد قاسم في رأيه

- ‌تطور الحركة النسوية

- ‌(3 - ثورة 1919)

- ‌مراجع

- ‌(2)الفكر العربي الإسلامي ازاء الغزو الثقافي(بعد الحرب العالمية الأولى)

- ‌(1)الاستعمار وآثره الفكرى

- ‌(2)مذاهب الفكر الغربى

- ‌المذهب المادى والنشوء والارتقاء

- ‌المادية التاريخية

- ‌نظرية ماركس

- ‌النظرية الديمقراطية

- ‌نظرية الشك: ديكارت

- ‌الفاشية والنازية

- ‌فرويد والجنس

- ‌السريالية

- ‌البراجماتزم

- ‌المراجع

- ‌(3)تغريب تركيا وآثره على الفكر العربي الإسلامي

- ‌فصل الدين عن الدولة

- ‌نظرة الغرب إلى تركيا

- ‌مراجع:

- ‌(4)إلغاء الخلافة العثمانية

- ‌مرحلة التحدى ورد الفعلتطور الفكر العربي الإسلاميخلال الحربين العالميتين

- ‌(1)حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)حملات على الجنس السامية والآرية

- ‌نظرية رينان

- ‌رد جمال الدين الأفغانى

- ‌(2)حملات على الدين

- ‌مهاجمة الدين واعتبار الإسلام سبب التخلف

- ‌رد قاسم أمين

- ‌حملة هانوتومهاجمة الإسلام والمفاضلة بينه وبين المسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌(3)حملة كرومرعلى الإسلام والعرب ومصر والشرق

- ‌الرد على كرومر

- ‌المراجع

- ‌3 -حملات التعصب

- ‌4 -النظرية اليونانيةوإنكار فضل العرب على حضارة الغرب

- ‌5 -حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌النقل والاقتباس

- ‌الحملة على العقائد والقيم

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌الحملة على نظم المجتمع

- ‌2 -حملات التجزئة

- ‌(الشعوبية)

- ‌دعوات التجزئة

- ‌تجزئة المغرب: البربر والعرب

- ‌(حركة المقاومة ورد الفعل)

- ‌الرد على النظرية البربرية

- ‌المراجع

- ‌النظرية الفينيقية (لبنان)

- ‌الحزب القومى السوى والكتائب

- ‌نظرية البحر المتوسط

- ‌المسلمون والمسيحيون: مصر

- ‌التجزئة بالقومية الضيقة: المصرية والفرعونية

- ‌1 - الدعوة المصرية

- ‌2 - التيار الفرعونى

- ‌3 - التيار القبطى

- ‌الفرعونية والعربية

- ‌المراجع

- ‌أدوات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)الاستشراق

- ‌الاستشراق والمستشرقون

- ‌(التركيز على الإسلام)

- ‌موقف الفكر العربي الإسلامي من الاستشراق

- ‌المستشرقون والإسلام للدكتور الهراوي

- ‌أخطاء المستشرقين

- ‌المراجع

- ‌(2)التبشير والاستعمار

- ‌عمل المبشرين في ميدان التعليم

- ‌التبشير والاستعمار

- ‌أهداف التبشير

- ‌التبشير والإسلام

- ‌المرأة والتبشير

- ‌مخطط التبشير

- ‌تطوير التبشير في العالم العربي

- ‌لبنان والتبشير

- ‌مصر في ظل التبشير

- ‌زويمر

- ‌فى السودان

- ‌فى الجزائر

- ‌فشل الغزو

- ‌المراجع

- ‌(3)منهج البحث العلمي الحديثإزاء العقل العربي

- ‌دعاة التغريب

- ‌المتعصب والتسامح بين الإسلام والمسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌الفكر العربي بين الغينية والسطحية

- ‌دعوات التغريب

- ‌توحيد الإسلام والمسيحية

- ‌2 - التغريب الكامل

- ‌3 - الايمان بالقرب

- ‌الادب المحلى

- ‌علماء الأزهر والمستشرقين

- ‌نقل الحضارة وما يعاب وما يكره

- ‌عرب المغرب

- ‌فرنسا الام

- ‌المرأة والإسلام

- ‌طريقة ديكارت

- ‌صراع الثقافات الغربية

- ‌الحملة الفرنسية

- ‌فى المغرب

- ‌فى لبنان

- ‌الصراع بين الثقافتين الفرنسية والانجليزية

- ‌(الصراع بين اللغتين الفرنسية والانجليزية)

- ‌الثقافة الأمريكية

- ‌أثر الصراع في الفكر العربي الإسلامي

- ‌دور الحضارة في معركة الغزو الثقافي

- ‌موقف المسيحية من الحضارة

- ‌موقف الانسان من الحضارة

- ‌الحضارة ومجتمع الغرب

- ‌مادية الحضارة وروحية الشرق

- ‌تدهور الحضارة

- ‌مواجهة الحضارة

- ‌الثقافة فكر والحضارة مادة

- ‌معركة المواجهة

- ‌(الحضارة)

- ‌(الدين والفكر العربي الإسلامي)

- ‌(الامتيازات واستعارة النظم)

- ‌مواقف الفكر العربي الإسلاميمن الصهيونية والشيوعية

- ‌(1)أثر الدعوة الصهيونية في الفكر العربي المعاصر

- ‌‌‌الماسونيةالحديثة

- ‌الماسونية

- ‌الصهيونية في أولى خطواتها

- ‌(بروتوكولات صهيونية)

- ‌البروتوكول الأول

- ‌البروتوكول الثاني

- ‌(السامية اليهودية)

- ‌(الجامعة السامية)

- ‌(الحضارة اليهودية)

- ‌المراجع

- ‌الدعوة والشيوعية

- ‌الشيوعية وماركس

- ‌ فكرة "الشيوعية

- ‌ الدين

- ‌(الحرية)

- ‌بين الغربية المسيحية والشيوعية

- ‌مواجهة الغزو ومعارك المقاومة

- ‌السياسة

- ‌2 -قامت الثورات المختلفة في الوطن العربي نتيجة للتعبئة

- ‌3 -سيطر الاستعمار على أقطار الوطن العربي بواسطة

- ‌3 - المعتمدون غير الرسميون

- ‌4 - العملاء

- ‌5 - الأحزاب

- ‌6 - الصحافة

- ‌7 - المقاومة

- ‌2 -الدعوة إلى الوحدة العربية

- ‌إدارة الاستعمار

- ‌عبد الله

- ‌الهاشميون

- ‌العملاء

- ‌معركة مقاومة التجزئة

- ‌2 -الدين

- ‌الإسلام: دين وحضارة

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌2 -واذا كان مرجليوث قد حاول انصاف الإسلام

- ‌(3)أما السر ريتشارد وود قنصل في انجلترا في تونس فقد رفع عام 1878 تقريرا إلى وزير خارجية بريطانيا بعد دراسة شاملة للإسلام والمسلمين خلال فترة عمله لدولته

- ‌معاملة أهل الذمة

- ‌(الإسلام والمدنية)

- ‌4 -واعترف (جورج سارتون) الأستاذ بجامعة هارفارد بأن الإسلام من أصح النظم الدينية

- ‌5 -وعرض المستشرق (هـ. أ. جب) لموقف الإسلام من الحضارة والغزو الثقافي

- ‌7 -وقد وجد الإسلام من كتاب الغرب بعض المنصفين إلى جانب الكثرة الغالبة

- ‌الدين في نظر العلم

- ‌حملة الإلحاد

- ‌الأديان الجديدة: البابية والبهائية والقادياتية:

- ‌حركة المقاومة ورد الفعل

- ‌2 - جوهر الإسلام

- ‌3 -وكان "الإسلام" واسع الأفق في لقاء الحضارة الغربية الحديثة

- ‌الإسلام في معركة المقاومةبين التجديد والاجتهاد والاصلاح

- ‌الجماعات الإسلامية

- ‌ترجمة معايى القرآن

- ‌الخلافات بين المذاهب الإسلامية

- ‌بين السنة والشيعة

- ‌بين السنة والوهابية

- ‌الخلاف بين السنة والصوفية

- ‌دعوة الاجتهاد

- ‌رأي الشيخ محمد عبده

- ‌رأي رشيد رضا

- ‌موقف التغريبإزاء الفقه والتشريع الإسلامي

- ‌الرد على أدعاءات المستشرقين

- ‌الدكتور السنهورى

- ‌تجربة السنهوري

- ‌موقف الفكر العربي من الحملة

- ‌الأزهر

- ‌(2) الأزهر والاستعمار

- ‌(3) الأزهر والسياسة

- ‌الأزهر ودعاة التغريب

- ‌الدفاع عن الأزهر

- ‌مواجهة الأزهر الحضارة

- ‌صلاح الأزهر

- ‌دور الشيخ محمد عبده

- ‌الأزهر القديم والأزهر الجديد

- ‌مهمة الأزهر كما يفهمها المراغى

- ‌نظم الدراسة

- ‌تطور التعليم في الأزهر

- ‌2 -لقيت حركة اصلاح الأزهر التي قام بها المراغى عنه هجوما عنيفا من جهة الاستعمار

- ‌مهمة الأزهر

- ‌4 -وقد حقق الأزهر وجوده باشتراكه في عديد من المؤتمرات العالمية

- ‌دور الأزهر

- ‌4 -التعليم

- ‌الاستعمار والتعليم

- ‌تجربة مصر

- ‌الرد على مؤامرات الاستعمار في التعليم

- ‌اللغة العربية

- ‌البعثات

- ‌المدارس الأجنبية

- ‌ المدارس الأجنبية

- ‌مفهوم التعليم

- ‌الصراع بين التعليم الإنجليزى والفرنسي

- ‌بعد الاستقلال

- ‌معركة المقاومة

- ‌1 - اللغة العربية

- ‌2 - اللغة والجنس

- ‌3 - اللغة وتدريس العلوم

- ‌5 - تعليم الدين

- ‌6 - تعليم الفقراء والمجانية

- ‌تجربة المغرب

- ‌نقص المناهج التعليمية

- ‌ نظرية "ديوى

- ‌اللغة العربية في الجامعة

- ‌اللغة الاجنبية

- ‌دنلوب

- ‌المقاومة في العالم العربي

- ‌الجامعة في معركة الغزو الثقافي

- ‌الغزو في ظل الجامعة الرسمية

- ‌المعارك الأدبية

- ‌5 -اللغة العربية

- ‌ 2 -وعلى ضوء هذا الاتجاه الذي بداه المبشرون وحمله الويه الغزو الثقافي

- ‌الرد على الحملات

- ‌عظمة اللغة العربية

- ‌اللغة العربية والاستعمار

- ‌فى المحاكم المختلطة

- ‌اصلاح اللغة العربية

- ‌انشاء المجامع العربية

- ‌رأي المنصفين

- ‌(6)المجتمعإزاء الاستعمار والغزو الثقافي والتغريب

- ‌معركة الشباب

- ‌أزمات الأسرة

- ‌أزمة الاختلاط

- ‌الزواج بالأجنبيات

- ‌المسائل الجنسية

- ‌تحديد النسل

- ‌تعدد الزوجات

- ‌معركة إلغاء البغاء

- ‌تحريم المسكرات

- ‌المخدرات

- ‌معركة الأغانى

- ‌معركة الزى

- ‌2 - الطربوش

- ‌3 - القبعة

- ‌السينما

- ‌معركة المقاومة الاجتماعية

- ‌(7)المرآة

- ‌معارك تحرير المرأة

- ‌معركة التعليم

- ‌2 - معركة السفور

- ‌3 - حقوق المرأة

- ‌4 - مهمة المرأة

- ‌5 - معركة الاختلاط

- ‌6 - الحقوق السياسية

- ‌المرأة في العالم العربي

- ‌(فى لبنان)

- ‌فى العراق

- ‌مراجع البحث

- ‌(8)الصحافة

- ‌أخطاء الصحافة

- ‌(القومية العربية)

- ‌إيجابية الصحافة

الفصل: ‌(1)حملات التغريب والغزو الثقافي

(1)

حملات التغريب والغزو الثقافي

قامت الحضارة الغربية على أساس المادية والاقتصاد والصناعة. لذلك كان الاستعمار ثمرة من أهم ثمارها، وجزءا مرتبطا بها مكمل لها لا ينفصل عنها. وقد اختلفت بذلك عن الحضارة التي سبقتها والتي كانت تجمع بين المادة والروح.

ولقد قامت الثقافة الغربية على أساس تفكير بدأ بالتحرر من سلطان الكنيسة عندما رأى المسيحية تحده عن الانطلاق فانفصل عن الدين كلية وجرى مع العلم الحديث في مكتشفاته وعلومه وأنشأ نظما وقيما اشتقها من حاجاته ورغباته وحاول تطبيقها.

وقد بدأت الحضارة الغربية بالثورة الصناعية وقامت على أساس التنافس في البحث عن المواد الأولية والخامات والصلب والبحث عن أسواق لتصريف المنتجات وكان لاختراع وسائل المواصلات السريعة أثره في ربط أنحاء العالم وسرعة الانتقال بين أجزاءه المختلفة.

ولما كان الاستعمار هو عامل "الحركة" في الحضارة الغربية المادية فقد كان لابد أن يتخذ من الوسائل التي تكفل له البقاء في المناطق التي يغزوها. وذلك بعد ان استطاع في خلال القرن التاسع عشر ان يخضع القارتين الآسيوية والأفريقية وجنوب أمريكا وكما ارتبطت الحضارة بالغزو الاستعمارى ارتبط هذا الغزو بالخصومة لغير الرجل الأبيض وغير الأوربيين.

وصاحبت عمليات الغزو العسكرى عملية غزو فكرية واقتصادية وكان هذا الغزو أشبه بحملة انتقام عنيفة ربما كان مصدرها هزيمة الغرب في الحروب الصليبية.

وقد بدأ الغرب نهضته على أساس ترجمة العلوم والفلسفات العربية التي كانت قوام حضارته الجديدة ومع ذلك فقد حمل معه لواء الغدر والافتراء والحقد على العرب والمسلمين وانكار فضلهم وأثرهم وقد استهلت أوروبا حملتها بحرب صليبية عنيفة على العرب في أسبانيا وعلى المسلمين في تركيا وعلى العرب في المغرب وهذه ربما كانت انتقاما لمقتل القديس لويس وهو يقود الحملة الصليبية التاسعة إلى ساحل المغرب. ولم يلبث اللورد اللنبى ان كشف خبيئة هذا الأمر حين أعلن عند دخول "القدس" عام 1917 انه قد انتهت الحرب الصليبية.

وقد ارتبطت الحضارة بالاستعمار، وارتبط الغزو بصورة تحمل معنى الخصومة للإسلام على نحو صليبى فيه معنى الصراع بين المسيحية والإسلام ومحاولة الانتقام او ربما كان الضغط على الإسلام انما جاء باعتباره العدو الأول للاستعمار وان بقاء الاستعمار الغربي المسيحى في العالم العربي لا يتم الا بالقضاء عليه.

ويظهر ذلك واضحا في أول مشروع استعماري تقدم به القس "ميبنتز" في 15 مارس 1972 إلى لويس الرابع عشر ملك فرنسا جاء فيه "أريد أن أتحدث اليكم يا مولاى في مشروع غزو مصر، ولا يوجد بين أجزاء الأرض بلد غير مصر يمكن السيطرة منه على العالم كله.

وعلى تجارة الدنيا بأسرها وهى تستطيع ان تلعب هذا الدور لسهولة استيعابها لعدد كبير من السكان. وهي اليوم معقل الديانة المحمدية، ولأى داء تخسر المسيحية تلك الأرض المقدسة التي تصل آسيا بأفريقيا والتي جعلت منها حاجزا بين البحر الأبيض والبحر المتوسط ومدخلا لبلاد الشرق بأجمعها والذين يحقدون على فرنسا سينظرون بعين الارتياح لهجومكم على المسلمين تحدوهم روح مسيحية".

وعندما عرض المركيز دى سنيلاي مشروع ثق قناة تصل البحر الأبيض بالبحر الأحمر قال في مشروعه "انه مشروع صليبى ومن مميزاته امكان حفر قناة تكون ملكا مشتركا للعالم المسيحى".

ص: 101

ويمكن أن يطلق على هذه المرحلة "مرحلة التحدي" لما حفلت به من حملات التغريب والغزو الثقافي واضح وخطة واسعة المدى قوامها الغزو التجارى والاقتصادى والثقافي والعسكرى والسياسى، وعمليات الغزو الثقافي عن طريق الصحافة والكتابة والسينما والتعليم، وحركات التبشير والاستشراق والدعوات المتعددة التي تهاجم التراث والقيم والدين ومحاولة التشكيك فيها، والثنائية في التعليم الدينى والمدنى وثنائية الثقافة بين الفرنسية والانجليزية والحملات على القيم، والاتهامات ودعوات التجزئة والتمزيق ومحاولات نقل حشد هائل من المذاهب والنزعات والدعوات الغربية المتصلة بالدين والمجتمع والفكر وحملات الشيوعية والصهيونية والإلحاد، والحملات على الدين واللغة.

وقد وقفت الأمة العربية من الحضارة الغربية موقفا رائعا، لم يكن موقف الجمود ولا موقف الانصهثر. لم يمانع من قبل الأضواء الحديثة على أساس ان تظل معالم شخصيتنا حية قائمة، على ان تزداد بهذه الأضواء الجديدة قوة وحياة واندفاعا في طريق الأمم الناهضة.

ولم يكن لدى البلاد العربية مانعا من تقبل الحضارة باعتبارها نتاج بشرى اشترك فيه الجنس الانسانى كله وقد قام العرب بدورهم فيها وحملوا أمانتها- وحدهم- فترة تزيد على أربعة قرون كاملة وحدهم فحموها وزادوا فيها وأضافوا اليها.

والإسلام دين متطور فسيح مطلق يتجاوب مع الأزمان المختلفة والبيئات المتعددة، ولا يحول دون اقتباس أسباب الحضارة، وقد تقبل مجتمعنا الحضارة من تبل واقتباس وترجم من ثقافات الشرق والغرب ومن حضارات الفرس والروم والهند والمسحيين واليونان ما زاد شخصيته قوة وحياة.

ولكن الغرب عندما اتصل بالوطن العربي لم يقدم لنا من الحضارة الا الجوانب المتصلة بمظاهر الحياة وهى في مجموعها جوانب الغرائز والترف وارضاء الأهواء.

وللحضارة الغربية جانبها: العلمى العقلى المتصل بالآلة والاختراع والتقدم العلمى والكشوف المختلفة. وجانبها المتصل بالترف والمتاع الحسى واطلاق الأهواء واللذات مما كانت المرأة والمراقص والحانات والكحول والمخدرات وسائلها وأدواتها.

وقد حرص الاستعمار ان ينقل هذا الجانب وحده إلى البلاد المحتلة، وان يحجب عنها الجانب الايجابى، ولم يقصد بتقديم هذا الجانب من الحضارة ألا العمل على تحطيم المجتمع العربي وبث روح الفساد فيه وتمزق كيانه واستلاب ثروات الأثرياء الذين اندفعوا وراء اللذات، وسقطوا في حماة المتاع الحسى فتركوا القرية وعكفوا على الأهواء في المدن وبذلك فقدوا ثرواتهم والتهمتها المؤسسات الاستعمارية الربوية والعقارية، اما فيما يتعلق بالثقافة فقد حجب الاستعمار عن الوطن العربي جانبها العلمى الرفيع المتصل بترقية الحياة والسمو بالفكر إلى عوالم الاحساس والتسامى، وأباح الجانب المتصل بالمذاهب الهدامة والآراء الإلحادية والشبهات وقضايا الفكر التي ما زالت معروضة للبحث والتي لم تصل بعد إلى درجة العقائد، واتصل هذه بالنظريات ذات المظهر العلمى التي خلقها الاستعمار ليحاول اقناع الشرقيين والشعوب الملونة والمحتلة بأنهم أقل من الشعوب البيضاء قدرة عقلية، وان الرجل الأبيض هو الانسان الذي خصته العناية الالهية بنحصير الشعوب المختلفة وحمل أمانة حمايتها وتنويرح ا، وهذا هو ما التام هذا الاضطراب العميق والصراع النييبين الفكر العربي والحضارة والثقافة الغربيتين.

وعندى أن أمر الحضارة والثقافة الغريبتين او انتقل الينا انتقالا طبيعيا دون ان تكون وراءه هذه القوى التي تقوم على الغزو الثقافي وتنظم الحملات في سبيل "سحق الشخصية العربية" لما حدث أى انحراف، وانما الذي أحدث الانحراف هو محاولة الغرب في غزو بلادنا بجانب من ثقافته ان يفرض الجانب المنحرف المضطرب المتشكك.

والواقع ان الآراء والمذاهب الغربية لم تكن قائمة في الغرب بهذه الكثرة او التعدد في وقت واحد وانما جرت محاولة حشد كل الآراء والأفكار والدعوات التي مرت بمختلف الثقافات والفلسفات في الفقرة الطويلة من عصر النهضة إلى الآن حتى تأخذ صورة الحملة الجائحة التي تثير اؤعصاب وتبعث الشك وتزلزل العقائد في حين ان هذه الدعوات والمذاهب قد ظهر بعضها أثر البعض الآخر وانها لم تكن في صيغة الحقائق المقررة وانما في صيغة الآراء المعروضة للمناقشة وكآراء قابلة للنقد وان أغلبها انطوى وظهرت أفكار أخرى قضت على الأولى.

ص: 102

ولقد كانت هناك معركة ضخمة هائلة، وهى "معركة التغريب والغزو الثقافي وقد حدث انحراف ووقعت ضحايا وظن الاستعمار ان تجربة "تغريب تركيا" يمكن ان تتكرر في العالم العربي.

حقا، لقد كانت تجربة تركيا سلاح رهيب في أبانه، ثم تبين من بعد انها عمل فاشل وأن "التطور" غير التغريب" وان "الاقتباس" غير "النقل".

ذلك ان "تجربة تركيا" لم تتنع الأمة العربية بتقبل الحضارة الغربية كاملة، بل لعلها زادتها حذرا من ان تمسخ شخصيتها ولعنها هى التي حكمت بان "الاقتباس" خير من النقل، وان قبول جوانب من الحضارة والثقافة ورفض أشياء أقوى لشخصية الأمة من نقل كل شئ. لقد ظهرت كيف تميعت الشخصية التركية فلم تعد إسلامية او شرقية او غربية وانما هى خليط غير واضح المعالم.

ص: 103