الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1)
أثر الدعوة الصهيونية في الفكر العربي المعاصر
كان للدعوة الصهيونية أثرها في الفكر العربي الإسلامي المعاصر، بعد أن عم أثرها الفكر العالمى كله، وتداخلت مع الفكر الغربي الاستعمارى والفكر الشرقى الماركسي. ولقد كان الفكر الصهيونى بالغ الأثر في هذين التيارين المتصارعين. ولعل أول ما يقال هنا أن أقوى نظريات الهدم والتدمير والتخريب التي حمل لوائها الاستعمار الغربي والغزو الثقافي إلى الشرق، والى العالم الإسلامي انما كانت من (ايداع) فلاسفة يهود أصلا، وصهيونيين ثانيا، يحملون الدعوة الأساسية التي حملتها الصهيونية ولونت بها الفكر العالمى بقصد فرلض سلطانها على الفكر العالمى والسيطرة على العالم، وتحقيق حلم انشاء الحكومة اليهودية الكبرى التي تحكم العالم كله.
ولقد ظهر الصراع قويا بين الفكر الصهيونى والفكر المسيحى في نواحي، وظهر الالتقاء في نواحى أخرى، ومن هنا نشأت تيارات ثلاث كانت تتضارب فيما بينها، ولكنها تلتقى عند هدف واحد هو: السيطرة على الوطن العربي الذي هو مفتاح العالم الأسود الأفرو آسيوى الذي ظل مركز الصراع بين الاستعمار الغربي والاستعمار الصهيونى والاستعمار البلشفي.
***
الماسونية
الحديثة
واذا كانت الدعوة الصهيونية قد أخذت سبيل العمل الحقيقى لاقامة كيان يهودي بمؤتمر "بال" عام 1897 الذي يعد أول مؤتمر صهيونى وضعت فيه خطط المشروع الأساسى للعمل على اقامة دولة يهودية. كما وضعت به بروتوكولات صهيون التي استمدت مقوماتها كنظام من "التلمود"، فان هذا المؤتمر كان نتيجة لخطوات طويلة وأعمال تمهيدية بعيدة المدى، هذه الخطوات التي يمكن العودة بها إلى الوراء، ربما إلى مائة وثمانين عاما، أى إلى عام 1717 وهو العام الذي ولدت فيه "الماسونية الحديثة" في انجلترا ثم 1721 في فرنسا حيث أعلنت الماسونية أن هدفها هو المحافظة على نفوذ الاسرائيليين واتخذت من هيكل سليمان شعارا لها، وقد سيطرت اليهودية على أغلب محافل الماسونية في العالم ووجهتها للعمل واليها عزى كل ما أريق من دم في الاغتيالات الخفية التي دبرت ونفذت حيث سارت الماسونية مع الصهيونية لصنع الثورات أو اشعال نيرانها أو الاستفادة منها لتحقيق أغراضها.
وقد حققت الماسونية أكبر انتصار لها في الثورة الفرنسية (1789 - 1795) حيث كان أبرز أبطالها من اليهود: ميرابو وفولتير وروبسبير.
***
الماسونية
وقد حققت منظمات الماسونية نجاحا واضحا في الوطن العربي كدعوة وظهر لها تيار فكرى واضح في مؤلفات متعددة وكتابات وصحف، فكتب في الدعوة لها جورجى زيدان وكان شاهين مكاريوس بمجلته اللطائف من أكبر دعاماتها وكتب في الترويج لها محمد سعيد المراغى وأحمد زكى أبو شادى وعزيز ميرهم وغيرهم كثيرون، وهاجمها مؤلف كتاب "كشف الظنون عن حال الخرمسون" والأب لويس شيخو اليسوعى صاحب مجلة (الشرق).
وقد طبعت قوانينها بالعربية في بيروت 1881 وطبعت "النظامات" في مصر 1890 ووصفها جورجى زيدان بأنها أقدم الجمعيات الحية وأرجع انشائها لأول القرن الثامن قبل الميلاد في زمن (نومايومبيلوس) وقد تقلبت في أحوال شتى ووصف عزيز ميرهم كلمة (الماسون) بمعنى البنيان، وأرجع تكوينها الأول إلى البنائين الذين وضعوا فن البناء، ثم تطورت من مزاولة فن البناء المادى إلى فن البناء الأدبى والاجتماعى وبقى من آثار الجماعة
الأولى نظامها وترتيبها وطقوسها وآلاتها وأصبح ذلك كله رموزا وأسرارا للكتابة عما يرمون اليه من تربية نفسية وتشييد اجتماعي. وقال: أن المحافل الماسونية لم تجتمع في سلطة عليا الا عام 1717 في لندن وانتخب أستاذا أعظم لها الدوق دى مونتاجو.
وقد كشف كثير من الباحثين عن الصلة بين الماسون وبين اضطهاد اليهود، فقال أنها تهدف في الأغلب إلى مقاومة التعصب الدينى وخلق جو من السماحة والحرية أمام أعضائها أيا كان ديانتهم وأداء الخدمات لهم. وقد عزا اليها عزيز ميرهم (السياسة الأسبوعية 11/ 12/26) وغيرم أثرها في الثورات وحركات التحرر. فأشار إلى أنها وضعت شعار الثورة الفرنسية (حرية واخاء ومساواة) وأن كبار رجال الثورة كانوا من الماسون أمثال ميرابو وبريسو وكاميل ديمولان ودانتون وأن "لافييت" الذي أملى وثيقة الاعتراف بحقوق الانسان والذى حرر الولايات المتحدة كان من الماسون.
وقال عزيز ميرهم: أن الماسون هم الذين حرروا العالم من سلطان البابوية وفرقوا بين السلطة الدينية والسلطة الدينية للبابا، وأنهم حملوا لواء الحرية الفكرية وهدموا سلطان الكنيسة في ايطاليا وفرنسا وأنالوا تركيا دستورها بفضل محافلهم القائمة بها - وقد اختلفت الكنائس في النظر إلى الماسونية (هامش الصحفى العجوز - الأهرام 2/ 6/1933) فالكنيسة الكاثوليكية تمقت الماسونية وتحاربها، أما الكنيسة الأنجليكانية فهى على عكس ذلك. ووصف تطور الماسونية في مصر فقالت أنها دخلت في عهد إسماعيل، وكان الخديو من أكبر رؤسائها وكان الأمراء والوزراء وكبار رجال القضاء أعضاء في محافلها. ثم تطورت واتسع نطاقها. وتعددت لوحاتها ومحافلها ودخلها كل من هب ودب. وأشار إلى ما قيل من فوائد الماسونية ومنافعها لأعضائها ومشتركيها وللهيئة الاجتماعية وما قيل "مما لا يصدق عن عقاب من يبوح بتلك الأسرار المقدسة وجزاءه العقاب بالقتل في رائعة النهار بالسم أو السيف والمسدس".
وعارض رأى القائلين بالسرية وقال أن الفضائل يجب أن لا يكون سرا، وأن طبيعة العصر تنافى السرية وأصحاب الأسرار، وأشار إلى أن موسولينى شتت المحافل الماسونية في ايطاليا وتبعه هتلر.
وارتاب لويس شيحو اليسوعى (مجلد 15، ص 326 - الشرق) في أمر الماسونية فتساءل لماذا "تحتجب عن أعين الناس وتتستر في زوايا الظلمات ولا يجتمع أعضاؤها الا في الليل الدامى في بيوت يحصنونها بالحراس فلا يدخل الا من عرف كلمة الجواز السرية واذا دخلوا كتموا بكل حرص ما يدور بينهم من الأحاديث، وأشار إلى تعارض العمل الخيرى مع الأقسام والأيمان بعدم البوح بالأسرار. وقال (أن للماسونية طقوسا ورتبا وأزياء غريبة ولمسات وخطوات وطرقات وتهويلات في درجاتها العديدة من الدرجة الأولى إلى الدرجة الثلاث والثلاثين، ومن درجة الرفيق إلى الأستاذ".
وقد كشف معارضى الماسونية وأغلبهم من المسيحيين أنها تهاجم المسيحية وأنها ترمى إلى القضاء على الدين كما فعلت في ثورات 1789 الفرنسية و 1920 الشيوعية و 1926 التركية، وقد ردد الدكتور صروف (المقتطف فبراير 1910) (اتهام بعض الناس للجمعية الماسونية بأنها حملة سياسية معادية لكل سلطة مدنية) ثم دافع عنهم وقال أن اتهامها بمعاداة الأديان لا يتفق مع وجود عدد كبير من رؤساء الأديان بها وقال:"والذين يعرفون الجمعية الماسونية يعرفون حق المعرفة أنها ليس لها غرض الا أن تساعد أعضائها بعضهم بعضا في أمورهم الزمنية وأن يسعوا في كل ما يعلى شأن البشر ولهم في ذلك مآثر كثيرة".
وقال خصوم الماسونية أن القضاء على سلطان الكنيسة وهدمه والفضل بين السلطة المدنية في البابوية والمسيحية والغاء الخلافة في تركيا كل هذا كان من عمل الماسونية التي هى في نظره جمعية سرية صهيونية قامت وفق بروتوكولات صهيون وتسترت في أغراضها وراء هذا الشعارات والأهداف، وأنها كانت ذات يد في القضاء على كل من وقف أمام الصهيونية كاقصاء السلطان عبد الحميد، ومدحت وهتلر وموسولينى وجمال الدين الأفغانى الذي انشق عن الحفل الماسونى وعارضه وأقام محفلا ماسونيا تابعا للمحفل الفرنسي.
ولقد تأثر الفكر العربي الإسلامي بأفكار الماسونية التي انتشرت في العالم العربي وكان لها محافل متعددة في مصر والشام والمغرب، وكان جمال الدين الأفغانى قد دخل الماسونية ظنا بأنها تخدم أهدافه لتحرير العالم الإسلامي من الاستعمار.
أما في العالم الإسلامي فقد تركزت الماسونية في تركيا على نحو ضخم، وكان لها سلطانها الواضح على جمعية الاتحاد والترقى العثمانية التي قامت نظمها أساسا وفق أنظمة الماسون وكان أغلب أعضائها من الماسون.
وقال الدكتور صروف أنها هى التي بثت في نفوس