الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد سفت الصحافة كثيرا ولم تحاول أن ترتفع بالقارئ وكانت في مجموع أبحاثها تعمد إلى العبارات الانشائية، وكانت كتاباتها سريعة غير ناضجة وأنها عجزت عن أن تؤدى مهنة الصحافة الحقيقية وهى توخى المصالح العامة. واحترام المسؤليات والبعد عن التهريج
ومن العجب أن الصحف التي كانت تمثل الأقلية وأحزاب الأسر والاقطاع كانت تدافع عن الحرية وكانت تثور لحرية الرأى بينما تؤيد في نفس الوقت الوزارة التي تعطل الدستور والحياة النيابية.
مما يؤكد بأن المعانى والآراء والأقلام لم تكن الا أدوات في سبيل غرض معين.
وقد فسر دفاع جريدة السياسة عن على عبد الرازق في كتابه (الإسلام وأصول الحكم) حينما كتبت جريدة السياسة عشرات المقالات في الدفاع عن حرية الرأى
- انه كان دفاعا خفيا عن أمرين. أولا: نفوذ أسرة على عبد الرازق وهى احدى دعائم حزب الأحرار: ثانيا: خصومتها للملك فؤاد الذي كان يطمع في الخلافة وتأييد رأى بريطانيا في منعه من النجاح في هذه الدعوة.
وقد أيد هيكل في السياسة عمل (عدلى) على تحطيم وحدة الأمة بقيادة سعد، وأيد (زيور) الذي جمع البرلمان في الظهر وفضة في المساء، وأيد محمد محمود صاحب اليد الحديدية.
وقد دافعت صحف الأحرار والصحف المحايدة، وبعض كتاب صحف الوفد عن تيار التغريب والارتباط بالغرب، وأندفعت وراء قبول الاستيراد في الفكر وتقبل الثقافة الغربية قبولا كاملا دون تحفظ مع التبعية دون الاقتباس، أما الصحافة الوطنية فكانت وسطا وأكثر اعتدالا وتحفظا، وكانت تدعو إلى المحافظة واتخاذ سبيل الاقتباس والتحفظ، غير أن صوت الصحف المحايدة كان أقوى ونفوذها كان أكبر.
وخلقت الصحف الهازلة تيارا عمل على تمييع كل القيم والمقدسات، وادخال عنصر السخرية والتهريج على الثقافة والفكر ووالأهداف والمثل العليا. وقد أشار توفيق حبيب إلى صحف الكاريكاتير فقال أنها عملت منذ اليوم الأول على نهش الأعراض.
وقد عجزت الصحافة في هذه الفترة على حل المشكلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكانت مقالاتها تمثل وجهات نظر معينة شخصية، وهى وجهات نظر القصر أو الاستعمار
أو الاقطاع أو الأحزاب ولم تتحدث الصحف عن حقوق العمال أو الفلاحين أو التعاون الا على نحو التنفيس عن الطاقة المكبوتة.
واختفت في هذا العهد المثالية الصفية التي حمل لوائها أحمد توفيق ومصطفى كامل ومحمد فريد وعبد العزيز شاويش وكان آخر من حمل لوائها أمين الرافعى.
كما عجزت الصحف عن قول كلمة الحق، في كثير من المواقف، واضطرت إلى أن تداور، ومع ذلك ان صحفا رفضت ان تنشر مذكرات محمد فريد لأن بها بيانات فاضحة عن تصرف إسماعيل، وشاع ان الوكالة البريطانية تخطب ود كل لين العريكة (عل حد تعبير محمد لطفى جمعه).
وفي عهود حكومات أحزاب الأقلية: الأحرار الدستوريين والاتحاد والشعب، كانت أموال الصحف تجمع بواسطة العمد والمديرين، وقد أنفق محمد محمود باشا على جريدة السياسة من ماله الخاص ما يقرب من 50 ألفا من الجنيهات.
ولم تكن هناك صحف مصرية تدخل المغرب الا جريدة الأهرام، ولا تدخل العراق وفلسطين- في فترة من الفقرات - الا جريدة المقطم.
لا غرابة في هذا الاضطراب الفكرى والصحفى كله فقد كانت عناصر اليهود والأتراك والسوريين والشركس واليونان هى التي تسيطر على السياسة والاقتصاد والسياسة.
***
إيجابية الصحافة
وبعد فماذا كان دور الصحافة الايجابى في الفكر الإسلامي خلال هذه الفترة (ما بين الحربين).
لقد قاومت الصحافة الاستعمار والمستعمرين وأعوانهم، ودافعت عن القيم والمقومات الإسلامية والعربية والمصرية، كما دافعت عن اللغة العربية وحرية التعليم وهاجمت المخدرات والبغاء والتبشير.
وكان أبرز ما تناولته الصحافة في موضوعات السياسية: الاستقلال والمفاوضات والدستور والسودان"
كما تناولت في مشاكل المجتمع: تحرير المرأة والسفور والحجاب والبغاء والمخدرات والتبشير والتعاون وحقوق العامل والفلاح.
وقد كافحت لاصلاح اللغة العربية وطورتها فتحولت من الركاكة في التعبير من ناحية والسجع والزخرف من ناحية أخرى إلى أسلوب وسط بسيط تلغرافى، ودافعت عن اللغة العربية حين هوجمت، ودافعت عن الثقافة العربية حين اصطرعت الثقافتين الفرنسية والانجليزية.
كما حاربت طغيان الملوك والأمراء والحكام والطغاة وهاجمت محمد على وإسماعيل وقاومت الصحافة المصرية المعتمدين البريطانيين أمثال: كرومر وغورست وجورج لويد.
ووقفت الصحافة المصرية والعربية في صف الحرية في الشرق فناصرت غاندى ضد الانجليز.
وهاجمت كل من وجه إلى الوطن الاتهام، فردت بعنف على المحامى بابا كوس الذي هاجم مصر في (16 يوليه 1933) وقال: الأكربول صاف والنبل كدر.
وحملت لواء الهجوم عن الامتيازات الأجنبية والدفاع اصدار الأحكام باللغة العربية من المحاكم المختلطة والكتابة بالعربية في الشركات والبنوك. وتحريم الزواج بالاجنبيات وحماية الأسرة وتقييد الطلاق. وتناولت أبحاث متعددة عى أبحاث المرأة وحقوقها ومشاكل الريف والصناعة ومهاجمة الأغانى الماجنة كما هاجمت الدعوة إلى نغمة الأقلية والأكثرية:
ونشرت الأهرام لمحمود أبو العيون مقالات (الصحيفة السوداء) التي هاجمت فيها الاستعمار البريطانى هجوما عنيفا، كما هاجمت البغاء والتحلل في مجموعات متعددة من المقالات.
وفتحت الصحف المصرية صفحاتها لكل أبطال الفكر العربي وأحراره: أمثال: جمال الدين الأفغانى وشكيب أرسلان وعبد العزيز الثعالبى.
وكان كل زعماء العالم العربي المبرزين في تلك الفترة صحفيون من ذوى الأقلام الحرة: مصطفى كامل محمد فريد عبد العزيز شاويش والثعالبى وصالح ابن يوسف وفائق السمرائى وأميل الغورى وهلال الفاسى وعبد الحميد بن باديس والبشير الإبراهيمى.
وتطورت الصحافة مرتين: من حيث اللغة ومن حيث المعنى، وانتقلت من صحافة الرأى إلى صحافة الخبر، وانتقلت من الجهود الفردية إلى صحافة الأحزاب وجهود الجماعات، وكان أبرز عناصر تطورها بعد ثورة سنة 1919 هو العناية بأخبار العالم الخارجى والخبر الداخلى والصورة.
واستطاعت رغم القيود والقوانين والاعانات أن تقاوم التغريب والاستعمار.
وصدرت صحف سرية في معظم أنحاء العالم العربي تحمل لواء الأفكار الحرة التي كانت تحول الرقابة دون صدورها.
وأثرت الصحافة المصرية في العالم العربي كله. وكتب بها رجال السياسة في العالم العربي والإسلامي: ويمكن القول مع الأسف أن معظم محاكمات الصحافة لم تكن من أجل الرأى الحر في الأغلب وانما كانت من أجل مسائل شخصية أو خلافات خاصة.
وقد كانت لمؤامرة فلسطين اثرها البعيد المدى في توجيه الصحافة العربية وتحريرها من القيود المختلفة، ودفعها إلى مواجهة الاستعمار والصهيونية مواجهة صريحة.
ولا جدال في أن الصحافة كانت مرآة الفكر العربي وموضوعات الثقافة ومفاهيمها ومعارك الوحدة والتجزئة والشعوبية والتغريب كلها دارت على صفحاتها.
وبالجملة فقد كانت الصحافة العربية في هذه الفترة - ما بين الحربين - تمثل الرد على سؤال واحد: هو البحث عن أساس لبناء قاعدة الثقافة والاجماع والفكر والاقتصاد في الوطن العربي.
وكان للمرأة في الصحافة العربية دور واضح، فقد توالت كتابتها الوطنية وكتابتها في شئونها الخاصة،
وقد تصدت كثيرات منهن للمحاكمة ورفعن الصوت بالدعوة إلى حقوق المرأة السياسية.
وبعد: فهل يمكن أن يقال أن الصحافة العربية تستطيع أن تكزن مرجعا موثوقا بأحكامه لكتابة تاريخ الأمة العربية في هذه الفترة.
وهذا ما يجب أن ننظر اليه بكل تحفظ، وهو يتطلب منا دراسة أهداف كل صحيفة وهويتها أولا، ويتطلب مراجعة آراء بعضها على البعض الآخر والتزود بكثير من الحذر واليقظة في قبول آرائها - وأعتقد أن في هذا الاعتماد الكامل عل صحيفة معينة أو صحف معينة - طال عمرها وامتد - كثير من الخطأ.
هذا وبالله التوفيق ..