المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الدعوة والشيوعية عندما وقع الوطن العربي تحت سيطرة الاستعمار الغربي، كان - تاريخ الغزو الفكري والتعريب خلال مرحلة ما بين الحربين العالميتين

[أنور الجندي]

فهرس الكتاب

- ‌ضوء على البحث ومراجعة لخطتهبعد مرور ربع قرن على كتابته الأولى

- ‌توطنة

- ‌مواقف حاسمةفى تاريخ الفكر العربي المعاصر

- ‌مدخل

- ‌العرب بين الامبراطورية العثمانية وتركيا الكمالية

- ‌القوة الجديدة في مصر

- ‌المؤامرة على الدولة العثمانية

- ‌العرب والاستعمار

- ‌(1)الفكر العربي الإسلامي في مرحلة اليقظة(الى الحرب العالمية الأولى)

- ‌يقظة الفكر العربي الإسلامي

- ‌تيارات الفكر العربي الإسلاميحتى نهاية الحرب العالمية الأولى

- ‌(1)تيار التجديد الدينى

- ‌(2)التيار الثقافيالمزج بين الشرق والغرب

- ‌ المدرسة المصرية

- ‌المدرسة اللبنانية

- ‌1 - البستانيون:

- ‌2 - البازجيون:

- ‌3 - وعمل فارس الشدياق (1804 - 1887) في ميادين اللغة والصحافة والترجمة

- ‌4 - اثر الهجرة اللبنانية

- ‌(2)دور الأزهر

- ‌مراجع البحث

- ‌(3)دور الصحافة

- ‌(التيار الأول)

- ‌(التيار الثانى)

- ‌مراجع

- ‌(4)تطور التعليم

- ‌(المرسلين الأجانب هم المبشرين)

- ‌فى لبنان وسوريا

- ‌أثر الاحتلال في التعليم

- ‌مراجع

- ‌(3)التيار السياسي

- ‌1 - تونس خير الدين التونسى 1860

- ‌2 - مصر: عبد السلام المويلحى (1879)

- ‌المراجع

- ‌(4)مدرسة الافغانى الفكرية وآثارها(مصر من 1871 - 1879)

- ‌5 -عرابى والحزب الوطنى الأول 1879 - 1882

- ‌6 -عبدالرحمن الكواكبى: مقاومة الاستبداد

- ‌7 -محمد فريد والدستور

- ‌8 -محمد عبده: الاجتهاد

- ‌4 -تيار الجامعه الإسلامية

- ‌خلفاء جمال الدين في الدعوة

- ‌(الكواكبى)

- ‌(شكيب ارسلان)

- ‌عبد الله نديم

- ‌مصطفى كامل

- ‌المراجع

- ‌5 -تيار القومية العربية

- ‌مراجع

- ‌6 -تيار الاصلاح الاجتماعى

- ‌7 -تحرير المرأة

- ‌رأى بطرس البستانى

- ‌رأى فارس الشدياق

- ‌رأى رفاعة الطهطاوى

- ‌2 - دعوة قاسم أمين

- ‌آراء قاسم أمين

- ‌تطور الحركة

- ‌تردد قاسم في رأيه

- ‌تطور الحركة النسوية

- ‌(3 - ثورة 1919)

- ‌مراجع

- ‌(2)الفكر العربي الإسلامي ازاء الغزو الثقافي(بعد الحرب العالمية الأولى)

- ‌(1)الاستعمار وآثره الفكرى

- ‌(2)مذاهب الفكر الغربى

- ‌المذهب المادى والنشوء والارتقاء

- ‌المادية التاريخية

- ‌نظرية ماركس

- ‌النظرية الديمقراطية

- ‌نظرية الشك: ديكارت

- ‌الفاشية والنازية

- ‌فرويد والجنس

- ‌السريالية

- ‌البراجماتزم

- ‌المراجع

- ‌(3)تغريب تركيا وآثره على الفكر العربي الإسلامي

- ‌فصل الدين عن الدولة

- ‌نظرة الغرب إلى تركيا

- ‌مراجع:

- ‌(4)إلغاء الخلافة العثمانية

- ‌مرحلة التحدى ورد الفعلتطور الفكر العربي الإسلاميخلال الحربين العالميتين

- ‌(1)حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)حملات على الجنس السامية والآرية

- ‌نظرية رينان

- ‌رد جمال الدين الأفغانى

- ‌(2)حملات على الدين

- ‌مهاجمة الدين واعتبار الإسلام سبب التخلف

- ‌رد قاسم أمين

- ‌حملة هانوتومهاجمة الإسلام والمفاضلة بينه وبين المسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌(3)حملة كرومرعلى الإسلام والعرب ومصر والشرق

- ‌الرد على كرومر

- ‌المراجع

- ‌3 -حملات التعصب

- ‌4 -النظرية اليونانيةوإنكار فضل العرب على حضارة الغرب

- ‌5 -حملات التغريب والغزو الثقافي

- ‌النقل والاقتباس

- ‌الحملة على العقائد والقيم

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌الحملة على نظم المجتمع

- ‌2 -حملات التجزئة

- ‌(الشعوبية)

- ‌دعوات التجزئة

- ‌تجزئة المغرب: البربر والعرب

- ‌(حركة المقاومة ورد الفعل)

- ‌الرد على النظرية البربرية

- ‌المراجع

- ‌النظرية الفينيقية (لبنان)

- ‌الحزب القومى السوى والكتائب

- ‌نظرية البحر المتوسط

- ‌المسلمون والمسيحيون: مصر

- ‌التجزئة بالقومية الضيقة: المصرية والفرعونية

- ‌1 - الدعوة المصرية

- ‌2 - التيار الفرعونى

- ‌3 - التيار القبطى

- ‌الفرعونية والعربية

- ‌المراجع

- ‌أدوات التغريب والغزو الثقافي

- ‌(1)الاستشراق

- ‌الاستشراق والمستشرقون

- ‌(التركيز على الإسلام)

- ‌موقف الفكر العربي الإسلامي من الاستشراق

- ‌المستشرقون والإسلام للدكتور الهراوي

- ‌أخطاء المستشرقين

- ‌المراجع

- ‌(2)التبشير والاستعمار

- ‌عمل المبشرين في ميدان التعليم

- ‌التبشير والاستعمار

- ‌أهداف التبشير

- ‌التبشير والإسلام

- ‌المرأة والتبشير

- ‌مخطط التبشير

- ‌تطوير التبشير في العالم العربي

- ‌لبنان والتبشير

- ‌مصر في ظل التبشير

- ‌زويمر

- ‌فى السودان

- ‌فى الجزائر

- ‌فشل الغزو

- ‌المراجع

- ‌(3)منهج البحث العلمي الحديثإزاء العقل العربي

- ‌دعاة التغريب

- ‌المتعصب والتسامح بين الإسلام والمسيحية

- ‌رد محمد عبده

- ‌الفكر العربي بين الغينية والسطحية

- ‌دعوات التغريب

- ‌توحيد الإسلام والمسيحية

- ‌2 - التغريب الكامل

- ‌3 - الايمان بالقرب

- ‌الادب المحلى

- ‌علماء الأزهر والمستشرقين

- ‌نقل الحضارة وما يعاب وما يكره

- ‌عرب المغرب

- ‌فرنسا الام

- ‌المرأة والإسلام

- ‌طريقة ديكارت

- ‌صراع الثقافات الغربية

- ‌الحملة الفرنسية

- ‌فى المغرب

- ‌فى لبنان

- ‌الصراع بين الثقافتين الفرنسية والانجليزية

- ‌(الصراع بين اللغتين الفرنسية والانجليزية)

- ‌الثقافة الأمريكية

- ‌أثر الصراع في الفكر العربي الإسلامي

- ‌دور الحضارة في معركة الغزو الثقافي

- ‌موقف المسيحية من الحضارة

- ‌موقف الانسان من الحضارة

- ‌الحضارة ومجتمع الغرب

- ‌مادية الحضارة وروحية الشرق

- ‌تدهور الحضارة

- ‌مواجهة الحضارة

- ‌الثقافة فكر والحضارة مادة

- ‌معركة المواجهة

- ‌(الحضارة)

- ‌(الدين والفكر العربي الإسلامي)

- ‌(الامتيازات واستعارة النظم)

- ‌مواقف الفكر العربي الإسلاميمن الصهيونية والشيوعية

- ‌(1)أثر الدعوة الصهيونية في الفكر العربي المعاصر

- ‌‌‌الماسونيةالحديثة

- ‌الماسونية

- ‌الصهيونية في أولى خطواتها

- ‌(بروتوكولات صهيونية)

- ‌البروتوكول الأول

- ‌البروتوكول الثاني

- ‌(السامية اليهودية)

- ‌(الجامعة السامية)

- ‌(الحضارة اليهودية)

- ‌المراجع

- ‌الدعوة والشيوعية

- ‌الشيوعية وماركس

- ‌ فكرة "الشيوعية

- ‌ الدين

- ‌(الحرية)

- ‌بين الغربية المسيحية والشيوعية

- ‌مواجهة الغزو ومعارك المقاومة

- ‌السياسة

- ‌2 -قامت الثورات المختلفة في الوطن العربي نتيجة للتعبئة

- ‌3 -سيطر الاستعمار على أقطار الوطن العربي بواسطة

- ‌3 - المعتمدون غير الرسميون

- ‌4 - العملاء

- ‌5 - الأحزاب

- ‌6 - الصحافة

- ‌7 - المقاومة

- ‌2 -الدعوة إلى الوحدة العربية

- ‌إدارة الاستعمار

- ‌عبد الله

- ‌الهاشميون

- ‌العملاء

- ‌معركة مقاومة التجزئة

- ‌2 -الدين

- ‌الإسلام: دين وحضارة

- ‌الحملة على الإسلام

- ‌2 -واذا كان مرجليوث قد حاول انصاف الإسلام

- ‌(3)أما السر ريتشارد وود قنصل في انجلترا في تونس فقد رفع عام 1878 تقريرا إلى وزير خارجية بريطانيا بعد دراسة شاملة للإسلام والمسلمين خلال فترة عمله لدولته

- ‌معاملة أهل الذمة

- ‌(الإسلام والمدنية)

- ‌4 -واعترف (جورج سارتون) الأستاذ بجامعة هارفارد بأن الإسلام من أصح النظم الدينية

- ‌5 -وعرض المستشرق (هـ. أ. جب) لموقف الإسلام من الحضارة والغزو الثقافي

- ‌7 -وقد وجد الإسلام من كتاب الغرب بعض المنصفين إلى جانب الكثرة الغالبة

- ‌الدين في نظر العلم

- ‌حملة الإلحاد

- ‌الأديان الجديدة: البابية والبهائية والقادياتية:

- ‌حركة المقاومة ورد الفعل

- ‌2 - جوهر الإسلام

- ‌3 -وكان "الإسلام" واسع الأفق في لقاء الحضارة الغربية الحديثة

- ‌الإسلام في معركة المقاومةبين التجديد والاجتهاد والاصلاح

- ‌الجماعات الإسلامية

- ‌ترجمة معايى القرآن

- ‌الخلافات بين المذاهب الإسلامية

- ‌بين السنة والشيعة

- ‌بين السنة والوهابية

- ‌الخلاف بين السنة والصوفية

- ‌دعوة الاجتهاد

- ‌رأي الشيخ محمد عبده

- ‌رأي رشيد رضا

- ‌موقف التغريبإزاء الفقه والتشريع الإسلامي

- ‌الرد على أدعاءات المستشرقين

- ‌الدكتور السنهورى

- ‌تجربة السنهوري

- ‌موقف الفكر العربي من الحملة

- ‌الأزهر

- ‌(2) الأزهر والاستعمار

- ‌(3) الأزهر والسياسة

- ‌الأزهر ودعاة التغريب

- ‌الدفاع عن الأزهر

- ‌مواجهة الأزهر الحضارة

- ‌صلاح الأزهر

- ‌دور الشيخ محمد عبده

- ‌الأزهر القديم والأزهر الجديد

- ‌مهمة الأزهر كما يفهمها المراغى

- ‌نظم الدراسة

- ‌تطور التعليم في الأزهر

- ‌2 -لقيت حركة اصلاح الأزهر التي قام بها المراغى عنه هجوما عنيفا من جهة الاستعمار

- ‌مهمة الأزهر

- ‌4 -وقد حقق الأزهر وجوده باشتراكه في عديد من المؤتمرات العالمية

- ‌دور الأزهر

- ‌4 -التعليم

- ‌الاستعمار والتعليم

- ‌تجربة مصر

- ‌الرد على مؤامرات الاستعمار في التعليم

- ‌اللغة العربية

- ‌البعثات

- ‌المدارس الأجنبية

- ‌ المدارس الأجنبية

- ‌مفهوم التعليم

- ‌الصراع بين التعليم الإنجليزى والفرنسي

- ‌بعد الاستقلال

- ‌معركة المقاومة

- ‌1 - اللغة العربية

- ‌2 - اللغة والجنس

- ‌3 - اللغة وتدريس العلوم

- ‌5 - تعليم الدين

- ‌6 - تعليم الفقراء والمجانية

- ‌تجربة المغرب

- ‌نقص المناهج التعليمية

- ‌ نظرية "ديوى

- ‌اللغة العربية في الجامعة

- ‌اللغة الاجنبية

- ‌دنلوب

- ‌المقاومة في العالم العربي

- ‌الجامعة في معركة الغزو الثقافي

- ‌الغزو في ظل الجامعة الرسمية

- ‌المعارك الأدبية

- ‌5 -اللغة العربية

- ‌ 2 -وعلى ضوء هذا الاتجاه الذي بداه المبشرون وحمله الويه الغزو الثقافي

- ‌الرد على الحملات

- ‌عظمة اللغة العربية

- ‌اللغة العربية والاستعمار

- ‌فى المحاكم المختلطة

- ‌اصلاح اللغة العربية

- ‌انشاء المجامع العربية

- ‌رأي المنصفين

- ‌(6)المجتمعإزاء الاستعمار والغزو الثقافي والتغريب

- ‌معركة الشباب

- ‌أزمات الأسرة

- ‌أزمة الاختلاط

- ‌الزواج بالأجنبيات

- ‌المسائل الجنسية

- ‌تحديد النسل

- ‌تعدد الزوجات

- ‌معركة إلغاء البغاء

- ‌تحريم المسكرات

- ‌المخدرات

- ‌معركة الأغانى

- ‌معركة الزى

- ‌2 - الطربوش

- ‌3 - القبعة

- ‌السينما

- ‌معركة المقاومة الاجتماعية

- ‌(7)المرآة

- ‌معارك تحرير المرأة

- ‌معركة التعليم

- ‌2 - معركة السفور

- ‌3 - حقوق المرأة

- ‌4 - مهمة المرأة

- ‌5 - معركة الاختلاط

- ‌6 - الحقوق السياسية

- ‌المرأة في العالم العربي

- ‌(فى لبنان)

- ‌فى العراق

- ‌مراجع البحث

- ‌(8)الصحافة

- ‌أخطاء الصحافة

- ‌(القومية العربية)

- ‌إيجابية الصحافة

الفصل: ‌ ‌الدعوة والشيوعية عندما وقع الوطن العربي تحت سيطرة الاستعمار الغربي، كان

‌الدعوة والشيوعية

عندما وقع الوطن العربي تحت سيطرة الاستعمار الغربي، كان مخطط تغريبه وتحطيم شخصيته يهدف إلى توجيه تيارات فكرية متعددة متضاربة، وكان لسيطرة الاستعمار على أوجه الأعلام أثره في رسم صور مختلفة لهذه الآراء والمذاهب والدعوات.

ولقد كان من الطبيعى أن تصل هذه الدعوات: الرأسمالية المسيحية والصهيونية والماركسية والشيوعية إلى الوطن العربي باعتبارها دعوات عالمية لها أجهزة ضخمة تذيعها ككل الأفكار والآراء والتيارات، غير أن الاستعمار الغربي كان حريصا على أن يوجه هذه الأفكار ويرسم لها صورا معينة حسب وجهة نظره كتأييده للصهيونية ودعوته ومهاجمته للشيوعية والاشتراكية. وليس أدل على هدفه في زعزعة العقائد وأحداث اضطرابات ضخمة في الحياة الفكرية العربية من أنه سمح بقيام دعوات وصحف وكتابات للشيوعية وهو على خلاف معا وخصومه وتعارض، ذلك لأنه انما كان يهدف بذلك إلى تعميق حملة التغريب وتحطيم الشخصية الإسلامية وتمزيقها وسلخها عن أهدافها، فضلا عما في الشيوعية من حملة عنيفة على "الإسلام" الذي كان الاستعمار حريصا على القضاء عليه والتشكيك فيه كمقوم ضخم للحياة الفكرية.

وكانت تلك خطته دائما في اذاعة الآراء ذات الصفة المعارضة، في السياسة والاجتماع والتعليم والعقيدة وذلك لتنسيخ الفكر ومنعه من الاتجاه في طريق موحد وكان هذا جزءا من خطة التجزئة التي جعلها من أبرز أهدافه.

وكانت الدعوة الماركسية الشيوعية قد تسربت إلى الفكر العربي الإسلامي بعد ثورة أكتوبر 1917 في روسيا وتألفت أحزاب شيوعية سرية في مصر وسورية قام على الدعوة لها والاتفاق صهيونيون وكان (روزنتال) اليهودي هو رأس هذه الحركة في مصر. وقد نظرت الأهرام (10/ 7 عام 1925) إلى هذا الأمر من زاوية بريطانيا لا من وجهة نظر الوطن العربي فقالت أن معظم شعوب الشرق مغلوبة تئن بلادها تحت النير الأجنبى وأنهم - أى الشروعيون - يأتون اليها من الطريق الذي يغريهم بها، ومما يهم التلاشفة بنوع خاص أن يثيروا الاضطرابات المشاكل في كل بلد شرقى ذى صلة مباشرة أو غير مباشرة بالامبراطورية البريطانية لأنهم يرون في هذه الامبراطورية عدوهم الطبيعى وهم يشجعون روح العداء للانجليز في أفغانستان وايران والشرق الأوسط.

وأشارت الأهرام إلى "أن مصر محاطة بالدعاية الشيوعية من معظم أطرافها ففى فلسطين حزب شيوعى خارج من صميم الحركة الصهيونية وملازم لها وهو يعمل في السر والعلانية. وفي تونس تعمل الحركة الشيوعية وفي جدة وصل بلشفى مسلم يعمل في الخفاء وعلقت على ذلك بأن مركز مصر الجغرافى يجعلها عرضة لجميع ما يقذفه الغرب من العلل المادية والاجتماعية إلى الخارج".

وفي هذه الفترة جرت مساجلات بشأن الشيوعية والاشتراكية، حيث قامت فئتان، احداهما تدعو إلى الشيوعية علانية والأخرى تدعو إلى الاشتراكية. وفتحت جريدة الأهرام منذ عام 1921 صفحاتها للكتابات المختلفة حول هذا الموضوع قائلة (16/ 8/1921) أن حاجة البلد الاجتماعية تقضى علينا (أى الأهرام) وعلى كل عامل برقابة حزب كهذا لا لأننا نكره التعاليم والمذاهب الاشتراكية العلمية والعملية، بل لأننا نكره النظريات المتطرفة التي تقضى بالطفرة ونحن نود التطور رويدا رويدا. وقالت: أن لكل أمة أخلاقها وعوائدها ومنافعها وما يصح أن يجرى في ايطاليا ورومانيا لا يصح أن يتبع في مصر - وقال سلامة موسى وعلى العنانى ومحمد عبد الله عنان: أنهم يستهجنون الطرق البواشفية وأعلنوا تأكيد الاعتدال في خطتهم (س. م - 4/ 7/1922) وأن البولشفية الروسية أخفقت اخفاقا يكاد يكون تاما ونشرت في ربوع البلاد الروسية الخراب والدمار وأن عددا كبيرا من الاشتراكيين قد أعلنوا عدم موافقتهم عليها لأنها لجأت إلى تحقيق غايتها طفرة وغالت في تطبيقها .. وأن الغرض هو المذاكرة في أغراض هذا المذهب (الاشتراكية) وتطبيقه على الأحوال المصرية (س. م

ص: 209

-8/ 8/1921) وطالب روزنتال بحقوق المستأجرين ثم باتحاد النقابات، وكان سلامة موسى قد ألف عام 1914 رسالة في الدعوة إلى الاشتراكية عن طريق النشوء والارتقاء والتطور لا عن طريق الثورة، وقال أنه كان عضوا في الجمعية الغابية الانجليزية وعرف من أعضائها مستر سدنى وب، أصدر عزيز ميرهم بيان بتأليف الحزب الاشتراكى المصري في 29 أغسطس 1921 غير أنه في عام 1924 وبعد صدور الدستور وقيام الحكم النيابى المصري بدأت حملات متعددة على اتباع هذا الحزب واعتقل عدد كبير منهم في الاسكندرية، وقدموا للمحاكمة ثم تجددت الدعوة إلى مقاومة الشيوعية في فترات متوالية منها 1927 و 1931. وقد ثبت اتصال دعاة الحزبين الشيوعى والاشتراكى في مصر بجهات خارجية وأن دعوتهم لم تكن مستقلة لصالح مصر ومثل هذا يقال عن الأحزاب الأخرى التي ظهرت في سوريا ولبنان وفلسطين تحت حماية الدول المستعمرة البريطانية والفرنسية.

وقد قاوم الرأى العام الفكر في مصر هذه الدعوة، وأنكر "أحمد حلمي" هذه الدعوة وبين خطرها على نظامنا الاجتماعى ومخالفتها للتعاليم الدينية، ودعا رجال الدين والحكومة إلى محاربة هذا الخطر وقال (20/ 8/1921 - الأهرام) أنه ليس في مصر مشكلة توصف بحق بمشكلة رأس المال حتى يقال أننا لسنا في حاجة إلى تأليف مثل تلك الأحزاب، ولا ندرى كيف أن الحكومة التي لم يتسع صدرها لاصدار الصحف اليومية الجديدة، تتسع اليوم لتأليف حزب اشتراكى في مصر على الأنماط المتطرفة وقال:"هل نسوا أن الاشتراكية التي يدعون اليها تكفر بجميع الأديان وتجعل الأملاك من عقار وأطيان ملكا لواضع اليد عليها والمناجم لعمالها والمصانع لصانعيها. أن كارل ماركس مع اعتدال أفكاره لم تطقه حكومة بلاده بل حاكمته على نشر تعاليمه وأخيرا نفقته".

وقال الشيخ التفتازانى (24/ 9/1921 - الأهرام) أى نقص في الأديان التي تعرض للفقير من مال الغنى قدرا وتحتم على أولى الأمر البذل بين الجميع. أنها لاحدى الكبر أن يقوم فينا نفر من الذين بهرتهم زخارف النظريات الخيالية فيستهينون فينا بقوة العقيدة والأثر على حسن ظن منهم، ولو أنهم كانوا على حصافة في الرأى لدعونا إلى أحياء موات أحكام أدياننا ولرددنا إلى الكتب السماوية والسنن النبوية" ورد عزيزهم ميرهم عن الحزب فقال "أن خصوم الاشتراكية بمصر لم يقوموا حتى الآن بدليل وجيه في سبيل معارضتها وقال أنهم يحاربون أصحاب الثروة ويحاربون الاشتراكية باسم الدين للتأثير على عقول السذج ويحاربونها لا حبا في الدين ولكن لأن جشعهم في حب المال يجعلهم يظنون أن الدين يدافع عن مالهم.

وقال التفتازانى (7/ 9/1921 - الأهرام) هل جاءت الاشتراكية لتكمل نقصا في الأديان السماوية. لقد صارت روسيا معملا كيماويا لعدة تجارب أسفر كل منها عن خيبة وفشل.

وقال عزيز ميرهم ردا عليه (13/ 9/1921): لا تظن أن التعصب للملكية الفردية يصل بانسان فيدعى بأنها ركن من أركان الدين. أن النظم الاجتماعية تتغير وتتبدل وتتطور في أشكال مختلفة حسب الزمان والمكان.

وقال الشيخ عبد اللطيف بخيت (الأهرام - 11/ 9/1921) أن الاشتراكية ليست مخالفة للدين بل على العكس من ذلك نجد روح القرآن والسنة تتمشى مع الاشتراكية. ولما فتح عمرو بن العاص مصر وزع أرضها على الجند وغيرهم حسب ما يرى ولم يجد من الدين ما يمنعه" وترددت مناقشات طويلة بين سلامة موسى وعلى العنانى ومحمد عبد الله عنان وعزيز ميرهم (سبتمبر 1921 - الأهرام) وقال سلامة موسى في ختام هذه المناقشات (29/ 9/1921) أن الاشتراكية في نظره تستدعى حالة عليا من الرقى في الأمة لم تصل اليها بعد الأمة الروسية، وقال أن اشتراكية الروس هى اشتراكية عجلة وارهاق تشبه كل الشبه تلك الشيوعية التي فشلت في باريس في حصارها المشهور 1870، ولاشك أن الاشتراكية المصرية ستكتسب لونا خاصا بتأثير الوسط المصري والمزاج المصري. والاشتراكية بانقسامها حقوق الغنى من الجهة الواحدة ستزيد في حقوقه من الجهة الأخرى" وأن ما ذكر من أمن الملكية مبدأ مقدس يجب أن تدافع عنه الحكومة وتحميه من كل اعتداء هو قول مثير للضحك عند عارفى تاريخ الملكية المصرية وعدد الملاك الآن، ويكفينى أن أذكر أن نحوا من ثلاثة عشر ألف نفس أى أقل من عدد طلبة الأزهر يملكون أكثر من نصف ثروة القطر الزراعية وأن هذا العدد الصغير من الناس يملك ويتصرف في أرزاق نحو ثمانية ملايين مصري، وأشار إلى ما فعله محمد على في نزع ملكية الأرض فقال "لقد نزع محمد على ملكية الأرض ليشغلها على نفقته الخاصة فلما هم بابراز هذه الفكرة قامت في وجهه صعوبات استعمل ازاءها كل أنواع التهديد حتى أصبح المالك الوحيد لأكثرها فقد استولى على أملاك "المماليك"، والأراضى الموقوفة

ص: 210

ونزع ملكية الأراضى التي كانت لبقية الأفراد مدعيا حق التسلط على كل الأراضى لأنه الحاكم النائب على الخليفة المالك للأرض، فاستحضر كل الملاك وطلب منهم ابراز حقوق ملكيتهم فقدموا اليه حججهم رغم أنوفهم، فكان يضرب ببعضها عرض الحائط ويظهر بطلان بعضها الآخر، ويملى بعض الملاك بعوض، ولما أصبحت جميع الأملاك في قبضته أعدم كل ما لديه من الحجج وأصبحت كل الأرض في قبضته واستخدام الفلاحين في زراعتها".

ومن جملة هذه الآراء يظهر أن السجال لم يكن علميا ولا قوميا فلم يفرق الدعاة بين الاشتراكية والشيوعية، كما أن دعوتهم ارتبطت بعوامل خارجة وباتصالات الأحزاب الشيوعية في أوربا، ولم تكن دعوة اشتراكية وطنية متصلة بالواقع المصري أو العربي أو خالصة للهدف القومى المتحرر من المذاهب الغربية أو الاتصال بالشيوعية الدولية.

وكان خصوم هذه الآراء يتحدثون من الناحية الدينية وحدها، ويعارضون المذهب دون مناقشته علميا ولم يكن الرأى العام يحتمل في هذه الفترة مواجهة مثل هذه المذاهب على نحو يحقق الاستفادة من الصالح منها.

وقد كان الاستعمار وراء السماح بهذه الآراء اذ كان في هذه الفترة (1921 - 1923) يسيطر بالحماية والأحكام العرفية وقوة الاحتلال على توجيه الرأى العام في ميدان الصحافة والفكر والاجتماع، ولم ترفع الحماية الا بعد صدور تصريح 28 فبراير 1922 وقد ظل المعتمد البريطانى الذي أصبح المندوب السامى بعد اعلان الاستقلال هو صاحب الرأى الأول في كل هذه الأمور، كما أن افساح جريدة الأهرام الصفحات الأولى والمقالات الافتتاحية منها لهذه الدعوة من ناحية تأييدها ومعارضتها انما كان يهدف إلى خلق جو من البلبلة والتمزق وضرب الأفكار بعضا ببعض على نحو يحقق أهداف الغزو الثقافي والتغريب وتحطيم مقومات الفكر العربي الإسلامي والشخصية العربية الإسلامية.

غير أنه في خلال هذه الفترة التي نؤرخ لها - حتى الحرب العالمية الثانية - لم يتوقف الحديث عن الشيوعية على نحو أو آخر في مقالات وأبحاث تتناول شخصيات لينين وتروتسكى وستالين أو مذهب التفسير المادى للتاريخ أو ثورة 1917 وسقوط القيصرية. كما جرت محاولات متعددة لتنظيم العلاقة بين أصحاب العمل والعمال وقامت نقابات العمال وجرى بحث مختلف المسائل المتصلة بالرأسمالية والاقطاع، غير أن الاستعمار كان حريصا على دعم نظامه القائم على تسلط الاتجاهات الرأسمالية الغربية على مختلف التشريعات والقوانين، وكان نفوذ الاقطاعيين من رؤساء الحكومات ورجال القصر والأحزاب يحول دون أى اتجاه نحو الاشتراكية الحقيقية المستمدة من الواقع العربي.

وقد واجه الفكر العربي الإسلامي الدعوة الماركسية الشيوعية في مختلف مراحلها كما واجه مختلف النظريات الغربية، وكان في كل أدوار هذه الرحلة يكتشف في عقائده وتراثه خير ما في هذه الدعوات لو أتيح له أن يحقق الاصلاح دون أن يتخلى عن معتقداته، غير أن الاشتراكية الإسلامية كانت لا تزال تحارب من قيادة حركة التغريب في سبيل الابقاء على أنظمة الاقطاع وسلطان رأس المال وفوارق الطبقات وحجب العدالة الاجتماعية.

وقد ظل دعاة الشيوعية أو الاشتراكية الغربية في نظر الفكر العربي غرباء عنه على أساسين واضحين: أحدهما أن لدينا في الإسلام وتراثه وشريعته ما يحقق تنظيم المجتمع واشتراكيته ويحقق العدالة الاجتماعية دون الحاجة إلى اقتباس نظم الآخرين فضلا عن أن التجربة التي حاولت الشيوعية تحقيقا في روسيا لم تحقق النجاح الذي يكسبها القبول، هذا بالاضافة عن نفوذ الفكر العربي من استبعاد "الإسلام" عن مجال النظم الاجتماعية.

وقد كان الفكر العربي الإسلامي يرى في الشيوعية وجها آخر من الغزو الغربي لأمتنا لأنها تحمل أفكارا. ومذاهب بعيدة عن طبيعته فضلا عما كانت تتسم به الدعوة الشيوعية من الارتباط بموسكو، وعدم قدرتها على التحرر من هذا القيد، واستحالة مواجهة الاشتراكية كتظلم يمكن أن نقبل منه ما يتفق مع حاجة أى أمة من الأمم، وهى في هذا تحمل نفس الخطأ التطبيقى الذي يطالب به الغزو الاستعمارى من أن تقبل الأمة العربية الحضارة كاملة أو ترفضها جميعا.

وقد كشفت التجربة الشيوعية أمام الفكر العربي الإسلامي نتائج خطيرة زادت حذرها منها فقد الدين والحرية والمساواة. وصلب النظام الشيوعى حرية الفرد ووضعه تحت الوصاية القاهرة والرقابة الشديدة. ولم تنجح الشيوعية في الغاء نظام الطبقات وعجزت عن أن تقرب بينها وبين سلطان الحكام شبيها بسلطان القيصرية وهى ان استطاعت أن تمحو طبقات قديمة فقد أحلت محلها طبقات جديدة.

ص: 211