الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
-
4 -
النظرية اليونانية
وإنكار فضل العرب على حضارة الغرب
من أهم الدعوات التي أثارها الغرب في سبيل الغزو الثقافي والتغريب: النظرية اليونانية، مستهدفا تحطيم مكانة الثقافة العربية. وغاية النظرية: انكار أثر العرب على الفلسفة اليونانية وتجاهل فضل مصر والشرق على حضارة اليونان ثم يستطرد هذا إلى محاولة فرض فضل للثقافة اليونانية على الثقافة العربية
فقد أنكروا أن أعلام اليونان سافروا إلى الشرق لارتشاف علومه، وقالوا أن الفلسفة العربية ليست شيئا آخر الا الفلسفة العربية دونت بحروف عربية.
وقد أشار المستشرق جويدى في محاضراته التي ألقاها في مصر عام 1928 فقال: ان سفر اعلام اليونان إلى الشرق للاستفادة من علومه قول منتحل، وان مصر وسائر بلاد الشرق لم يكن لها فضل على العلوم والآداب واثقافات التي تنسب إلى اليونان.
وقد ذهب طه حسين في بحثه الذي صدر به كتاب (نقد الشعر) لقدامة إلى أن قواعد البلاغة العربية أنما أسست على وضع أرسطو ونقله العرب عن اليونانية وشايعه كثيرون.
وقال طه حسين: أن الناس في الشرق والغرب وفي جميع الأجيال مدينون لثقافة اليونان. وقال أن عقلية مصر عقلية يونانية، وأنه لم يكن للشرق في تكوين الفلسفة اليونانية والعقل اليونانى والسياسة اليونانية تأثيرا يذكر وانما كان تأثير الشرق في اليونان تأثيرا عمليا ماديا ليس غير.
وقد جرت بشأن هذه النظرية مجادلات شتى وكانت احدى الدعوات التي قصد بها القضاء على مكانة الفكر العربي القديم أو التقليل من شأنه والواقع الذي روته كتب التاريخ وابحاث العلماء المنصفين فيه اجماع على أن المعارف اليونانية منقولة من المعارف المصرية، وأن فلاسفة اليونان تلامذة فلاسفة مصر القدماء. واليونانيون يعترفون بأنهم تلاميذ المصريين، وكانت زيارة مصر واجبة على كل يونانى يريد التفقه في أسرار الوجود. (زكى مبارك: الرسالة 15/ 11/1943).
ولقد بلغ من عنف دعوة التغريب أن فرض هذا القول الخاطئ على الكتب المقررة للتدريس في المدارس في مصر، ليؤمن الطلاب بالادعاء الكاذب الذي يقول بأن العقل؟ قد أنهزم أمام العقل اليونانى مرات.
والواقع أن أرسطو وزملائه أخذوا من الفلسفة المصرية القديمة وأنه سجل الفضل للعقلية الشرقية في مقدمة كتاب (ما بعد الطبيعة) أما ما ذكر من أن العرب لم يزيدوا في فلسفة اليونان عندما ترجموها فالرد عليه يظهر لكل منصف فيما أضاف العرب إلى علوم اليونان، وأول فضل العرب على فلسفة اليونان هى النزعة الدمقراطية التي أنزلت الفلسفة من السماء إلى الأرض ويسرت لكل انسان أن يفكر فيها والرأى مجمع على أن ما أضافوه ما أبتكروه (أبو النصر الفارابى) من وضع أصول سنوا سنة الجمع بين الحكمة والعلم، ولم يكن ذلك معروفا لليونان، والمعروف أن العرب عندما تمثلوا فلسفة اليونان أضافوا اليها عنصرا جديدا وهو الدين، أما الرد على ما يقال من أن العرب نقلوا فلسفة اليونان وعلومهم، ولم ينقلوا آدابهم، فان آثار اليونان الأدبية التي لم يتقبلها العرب فقد كانت من الأدب المكشوف الذي يثير الشهوات وهى الدعامة التي قام عليها الأدب الأوربى الحديث.
وقد سجل ذلك الشيخ رشيد رضا (المنار جـ 5 م 27 ص 397) موقف العرب من الشعر اليونانى على أثر ما أثير من أن العرب نبذوه ولم يترجموه أن يقتبسوا
من معاينة، قال: قد كنا نجهله قبل أن يترجم لنا سلمان البستانى (الالياذة) نظما، وكنا نبيح لانفسنا الحكم عليه، فلما أطلعنا على (الالياذه) وهى أعلى شعر الاغريق ومفخرتهم التاريخية حكما بأن اجدادنا لم ينبذوا شعرهم وراء ظهورهم، ألا لانهم وجدوه دون الشعر العربي في حكمة وسائر معانيه وأنه على ذلك محشو بالخرافات الوثنية التي طهر الله عقولهم ومخيلاتهم منها بالإسلام.
ومما يتصل بالنظرية اليونانية المحاولات الفكرية التي جرت في انكار فضل العرب على الثقافة العربية والعمل على التشكيك في مساهمة العرب في الحضارة ورد كل فضل إلى اليونان ثم الادعاء بأن العرب كانوا نقلة ومترجمين في الوقت الذي سجل لهم التاريخ الفضل في الاضافة والانماء للثقافة والعلوم التي ترجموها عن اليونانية.
وقد كانت أسبانيا العربية (الاندلس) بعيدة الأثر في ثقافة أوربا وحضارتها: سواء في الادب أو الموسيقى أو الفن أو العمارة.
وقد سجل أكثر من باحث ومؤرخ وفي مقدمتهم المستشرق الأسبانى الأب اسين بلاسيون الذي قال: أن شعراء (التروبادور) قد تأثروا بالشعر الاندلسى وأن قصص (سرفانينس) انما تصور في الحقيقة شهامة ونجدة الفارس العربي.
كما أشار غيره إلى أثر (ابن رشد) هذا الاثر الذي بقى في ايطاليا حتى القرن السادس عشر بعد أن نقدت مؤلفاته إلى اللاتينية، وقامت له مدرسة من الفلاسفة الأوربيين، كما نقلت أثار الطب وفي مقدمتها كتاب أبو القاسم الزهراوى في الجراحة الذي ظل يدرس في جامعات أوربا واكسفود بالذات حتى عام 1778، كما خرجت جامعات طليطلة وقرطبة عددا من الباحثين الأوربيين الذين سجلوا أن ترطبة كان بها 70 دارا للكتب و 900 حمام بينما كانت أوربا تعيش في ظلمات القرون الوسطى، هذه القرون الوسطى الذي يطلقها الغرب على ازهر فترات الحضارة الإسلامية تعنتا منه وتعصبا فانما كانت القرون الوسطى ثقافة واجتماعيا، بربرية وظلاما على الغرب وحده.
أما في الاندلس العربية والشرق العربي كله فقد كانت بأزهر فترات اليقظة والنهضة وأنضر صفحات الحضارة والمدنية.
ولقد انهزمت هذه النظريات بأقلام كتاب كن الغرب نفسه، ومن المستغربين الذين استفاق ضميرهم إلى الحق كزكى مبارك وهيكل ومنصور فهمى.