المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في أركان الطلاق] - تحبير المختصر وهو الشرح الوسط لبهرام على مختصر خليل - جـ ٣

[بهرام الدميري]

فهرس الكتاب

- ‌فصل [في خيار الأمة]

- ‌فصل [في الصداق وهو الركن الخامس]

- ‌[فصل في نكاع الشغار]

- ‌فصل [في نكاح التفويض]

- ‌فصل [في بيان أحكام تنازع الزوجين]

- ‌فصل [في الوليمة]

- ‌فصل [في القسم بين الزوجات والنشوز]

- ‌[فصل في النشوز]

- ‌فصل [في طلاق السنة]

- ‌فصل [في أركان الطلاق]

- ‌فصل [في أحكام وأقسام الاستنابة على الطلاق]

- ‌فصل [في أحكام رجعة المطلقة]

- ‌باب [في الإيلاء]

- ‌باب: [في الظهار]

- ‌باب [في اللعان]

- ‌باب [في العدة]

- ‌فَصْلٌ [في أحكام المفقود]

- ‌فصل [في أحكام أقسام الاستبراء]

- ‌فصل [في بيان أحكام تداخل العدد والاستبراء]

- ‌باب [في أحكام] الرضاع

- ‌باب [في النفقة بالنكاح والملك والقرابة]

- ‌فصل [في نفقة الرقيق والدواب والقريب وخادمه والحضانة]

- ‌فصل [في حضانة الذكر والأنثى]

- ‌باب [في أحكام البيع]

- ‌[بيع الجزاف]

- ‌[باب في الصرف]

- ‌فصل [الربا في المطعومات]

- ‌[البيوع المنهي عنها]

- ‌[بيع النجش]

- ‌فصل [في أحكام بيوع الآجال]

- ‌فصل [في أحكام بيع العينة]

- ‌فصل [في خيار البيع]

- ‌فصل [في بيع المرابحة]

الفصل: ‌فصل [في أركان الطلاق]

قوله: (كَخَيْرِهِ) أي: ومما يلزم فيه طلقة واحدة إذا قال: أنت طالق خير الطلاق (1)، ونصَّ عليه في كتاب ابن سحنون إلا أن ينوي أكثر. سحنون: وإن قال: أنت طالق طلقة عظيمة أو كبيرة أو قبيحة أو شديدة أو خبيثة أو منكرة أو مثل الجبل أو مثل القصر، فذلك كله سواء، ويلزمه واحدة؛ إلا أن ينوي أكثر (2). وإلى هذا أشار بقوله:(أَوْ وَاحِدَةً عَظِيمَةً أَوْ قَبيحَةً أَوْ كَالْقَصْرِ) أي: ونحو ذلك من الألفاظ كما تقدَّم (3).

قوله: (وَثَلاث لِلْبدعَةِ أَوْ بَعْضُهُنَّ لِلْبدْعَةِ وبَعْضُهُنَّ لِلسُّنَّةِ فَثَلاثٌ فِيهِمَا) أي: إذا قال لها: أنت طالق ثلاثًا لَلبدعة أو أنت طالق ثلاثًا بعضهن للسُّنة وبعضهن للبدعة؛ فإنها تطلق ثلاثًا في الصورتين، وهكذا نقله (4) في النوادر عن سحنون (5).

‌فصل [في أركان الطلاق]

(المتن)

فَصْلٌ وَرُكْنُهُ أَهْلٌ، وَقَصْدٌ، وَمَحَلٌّ، وَلَفْظٌ. وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلاقُ الْمُسْلِمِ الْمُكَلَّفِ، وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا؛ وَهَلْ إِلَّا أَنْ يُمَيِّزَ أَوْ مُطْلَقًا؟ تَرَدُّدٌ. وَطَلَاقُ الْفُضولِيّ كَبَيْعِهِ. وَلَزِمَ وَلَوْ هَزِلًا -لَا إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ- فِي الْفَتْوَى، أَوْ لُقِّنَ بِلَا فَهْمٍ، أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ، أَوْ قَالَ لِمَنِ اسْمُهَا طَالِقٌ: يَا طَالِقُ، وَقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٍ الْتِفَاتُ لِسَانِهِ، أَوْ قَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَة فَطَلَّقَهَا فَالْمَدْعُوَّةُ، وَطَلُقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ، أَوْ أُكْرِهَ؛ وَلَوْ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ، أَوْ فِي فِعْلٍ، إِلَّا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيَةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا بخَوْفِ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ، أَوْ ضَرْبٍ، أَوْ سَجْنٍ، أَوْ قَيْدٍ، أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بِمَلإَ، أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ، أَوْ لِمَالِهِ،

(الشرح)

(وَرُكْنُهُ: أَهْلٌ، وَقَصْدٌ، وَمَحَلٌّ وَلَفْظٌ) أي: وركن الطلاق -يريد مطلقًا- سنيًّا كان أو غيره بعوض أم لا، وذكر له أربعة أركان، وسنذكرها (6) مبينة؛ والمراد بالأهل هنا (7)

(1) قوله: (أنت طالق خير الطلاق) يقابله في (ن 2): (أنت طالق طلقة عظيمة).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 162.

(3)

قوله: (أَوْ قَبِيحَةً أَوْ

الألفاظ كما تقدَّم) ساقط من (ن 1).

(4)

في (ن 1): (قال).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 110.

(6)

في (ن): (وسيذكرها).

(7)

قوله: (هنا) ساقط من (ن).

ص: 168

موقع الطلاق زوجًا كان (1) أو غيره، وبالقصد إرادة (2) إيقاع الطلاق، وبالمحل الزوجة، وباللفظ الصيغ الصادرة من الوقع.

قوله: (وَإِنَّمَا يَصِحُّ طَلاقُ المُسْلِمِ المُكَلَّفِ) هذا شروع منه في الكلام على الأهل، وذكر أنه لا يصح طلاقُه إلا إذا اجتمع فيه وصفان: الإسلامُ والتكليفُ؛ فلا ينفذ طلاق الكافر خلافًا للمغيرة (3)، ولا طلاق الصبي والمجنون والمعتوه، ولو ناهز (4) الصبي الاحتلام خلافًا لما نقله ابن شعبان، قال: وإن كان المجنون يفيق أحيانًا فأوقع ذلك في حال إفاقته لزمه.

قوله: (وَلَوْ سَكِرَ حَرَامًا) أي: فيصح من السلم الكلف ولو كان سكرانًا سكرًا حرامًا، واحترز بذلك مما إذا أكل طعامًا أو شرب لبنًا فسَكِرَ منه؛ فإن طلاقه في تلك الحال لا يلزمه، وحكى الطحاوي إجماع الفقهاء على ذلك (5)، وما ذكر من نفوذ طلاق السكران هو المشهور، وقيل: لا يلزمه، حكاه ابن شاس وغيره عن (6) المازري (7)، وظاهره سواء كان عنده تمييز أم لا. وعند الباجي وابن رشد أن الخلاف مقصور على من عنده بقية من عقله، وأمَّا المطبق فلا يلزمه باتفاق وهو كالجنون (8) وإلى هذين الطريقتين أشار بقوله:(وَهَلْ إِلا أن لا يميز أَوْ مُطْلَقًا؟ ترَدُّدُ). ولابن بشير طريقة أخرى وهي (9) أن الطلاق يلزمه إن كان عنده ميز بلا خلاف وإلا فإنه (10) يلزمه على المشهور، وهو منقول عن ابن شعبان (11).

(1) قوله: (كان) زيادة من (ن 1).

(2)

في (ن) و (ن 1): (نية).

(3)

انظر: لباب اللباب: 129.

(4)

في (ن 1): (راهق).

(5)

انظر: الاستذكار: 6/ 207.

(6)

في (ن 1): (وعن).

(7)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 508.

(8)

انظر: المنتقى: 5/ 432، والبيان والتحصيل: 4/ 258.

(9)

هاهنا نهاية السقط الواقع من (ز 2).

(10)

في (ن 1): (فلا).

(11)

انظر: التوضيح: 4/ 328.

ص: 169

قوله: (وَطَلاقُ الْفُضُولِيِّ كَبَيْعِهِ) أي: فإن أجاز الزوج طلاقه الذي أوقعه (1) على زوجته لزمه ذلك، كما لو باع سلعته بغير إذنه فأجاز البيع، فإنه يلزمه، فإن لم يجزه لم يلزمه طلاق ولا بيع.

قوله: (وَلَزِمَ وَلَوْ هَزْلًا) هذا مما يتعلق (2) بالركن الثاني وهو القصد؛ أي: ولزم الطلاق، ولو هزل فيه المطلق، وهذا هو المشهور، وفي السليمانية قول بعدم اللزوم (3)، وقيل: إن أقام عليه دليلًا أيلزمه وإلا لزمه، وحجة المشهور قوله عليه السلام:"ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، النكاح والطلاق والرجعة".

قوله: (لَا إِنْ سَبَقَ لِسَانُهُ فِي الْفَتْوَى) أي: كما إذا قصد التلفظ بغير الطلاق فزلَّ لسانه فتلفظ به، فإنه يعذر بذلك ولا يلزمه شيء، واحترز بقوله:(في الفتوى (4)) مما إذا أسرته (5) البينة، فإنه لا يعذر ويلزمه الطلاق، وأشار بعض الأشياخ إلى أن الشهود إذا فهموا من قرينة الحال صدقه وأنه (6) أراد أن يتكلم بغير الطلاق فزلَّ لسانُه فتكلم بالطلاق فإنه ينفعه ذلك، وهو صحيح في النظر.

قوله: (أَوْ لُقِّنَ بِلَا فَهْمٍ) يريد كالأعجمي يلقن لفظ الطلاق بالعربية وهو لا يفهم ذلك (7)، وعكسه العربي يلقن ذلك بالأعجمية ولا فهم عنده باللفظ الصادر منه، فإنه لا يلزمه ذلك؛ لعروه عن القصد الذي هو أحد أركان الطلاق، أمَّا إذا فهما ما لقنا وأوقعاه (8) بذلك اللسان مع ذلك (9) القصد، فإنه يقع بلا خلاف.

قوله: (أَوْ هَذَى لِمَرَضٍ) أي: وكذلك لا يلزم طلاق المريض إذا أوقعه (10) في حال

(1) قوله: (طلاقه الذي أوقعه) يقابله في (ن 1): (طلاق الذي أوقع الطلاق).

(2)

زاد في (ن 1) و (ن 2) و (ز 2) و (س): (به).

(3)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 518.

(4)

قوله: (واحترز بقوله في الفتوى) يقابله في (ز 2): (بخلاف).

(5)

في (ن 1): (أشهدته).

(6)

زاد بعده في (ن): (إنما).

(7)

في (س) و (ن) و (ن 1): (مدلوله).

(8)

في (ن 1): (وأوقع).

(9)

قوله: (مع ذلك) يقابله في (ن): (موقع).

(10)

قوله: (إذا أوقعه) ساقط من (ن 1).

ص: 170

هذيانه من شدة مرضه إلحاقًا له بالمجنون، وقاله في الموازية مالك، ويحلف أنه لم يعقل ذلك (1) ولا شيء عليه (2).

قوله: (أَوْ قَالَ لِمَنِ اسْمُهَا طَالِقٌ: يَا طَالِقُ، وَقُبِلَ مِنْهُ فِي طَارِقٍ الْتِفَاتُ لِسَانِهِ) يريد أن من كان له زوجة اسمها طالق، فقال لها: يا طالق لم يلزمه طلاق؛ أي: إذا قصد النداء، وقاله في الجواهر، قال: وإذا كان اسم زوجته طارقًا، فقال: يا طالق، ثم قال: التفتَ لساني، قُبِلَ ذلك منه في الفتيا (3).

قوله: (أَوْ قَالَ: يَا حَفْصَةُ فَأَجَابَتْهُ عَمْرَةُ فَطَلَّقَهَا، فَالمَدْعُوَّةُ وَطُلِّقَتَا مَعَ الْبَيِّنَةِ) أي: فإن كان له زوجتان اسم واحدة حفصة والأخرى عمرة، فقال: يا حفصة، فأجابته عَمْرةُ، فقال لها: أنت طالق (4)، يظنها حفصة، فإن لم تكن هناك بينة طلقت حفصة فقط وهو مراده بالمدعوة، وإن كان ثم بينة طلقتا معًا. ومعنى (فطلقها) أي: أوقع عليها الطلاق لفظًا كما تقدَّم، وحكى ابن الحاجب في هذه المسألة أربعة أقوال (5): قول بطلاقهما معًا، وقول بعدمه فيهما معا (6)، والقول الذي ذكره هنا، وقول (7) بطلاق المخاطبة (8)، والأقوال هكذا منصوصة فيمن له عبدان اسم أحدهما مرزوق والآخر ناصح، فقال: يا ناصح، فأجابه مرزوق، فقال: أنت حر، وخرجها الأشياخ في مسألة الطلاق على ما قدمناه وبعضها منصوص (9).

قوله: (أَوْ أُكْرِهَ) هذا هو الصحيح، وهو مذهبنا ومذهب (10) الأكثرين، والأصل فيه قوله عليه السلام:"حمل عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه"، وقوله عليه السلام: "لا

(1) في (ن 1): (لذلك معنى).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 94.

(3)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 518.

(4)

قوله: (فقال لها: أنت طالق) يقابله في (ن 1): (فطلقها).

(5)

قوله: (أربعة أقوال) ساقط من (ز 2).

(6)

قوله: (معا) زيادة من (ن 1).

(7)

قوله: (وقول) ساقط من (ز 2).

(8)

انظر: الجامع بين الأمهات: ص 432.

(9)

انظر: التوضيح: 4/ 357.

(10)

قوله: (مذهبنا ومذهب) يقابله في (ن 1): (مذهب).

ص: 171

طلاق في إغلاق" أي: (1) إكراه؛ ولأن الإكراه يتعذر معه القصد الذي هو أحد أركان الطلاق، وسواء أكره على اليمين أو على (2) الحنث، وعن بعض المتأخرين إلا أن يترك (3) التورية مع العلم بها والاعتراف بأنه لم يدهش بالإكراه عنها.

قوله: (وَلَوْ بِكَتَقْوِيمِ جُزْءِ الْعَبْدِ) أي: إذا حلف: لا باع نصف عبده فأعتق شريكه نصيبه فعتق عليه حنث. ابن شاس: إلا أن ينوي إلا أن يغلب عليه، وقال المغيرة: لا حنث عليه إذا أراد (4): لا بعته طوعًا (5)، والأول مذهب المدونة، وعندي أن قول المغيرة ليس بخلاف، وينبغي أن يقيد كلام الشيخ بذلك، وإلا فهو خلاف المشهور.

قوله: (أَوْ فِي فِعْلٍ) أي أن الإكراه في الفعل كالإكراه في القول، كما لو حلف: لا أدخل دار فلان، فأكره على دخولها، وهو أكثر نصوص أهل المذهب، وعن عبد الملك وسحنون أنه مقصور على القول (6)، ما لم يخف القتل.

قوله: (إِلا أَنْ يَتْرُكَ التَّوْرِيةَ مَعَ مَعْرِفَتِهَا) قد تقدَّم هذا من كلام بعضهم، وظاهره أنه تقييد (7) وهو ظاهر كلام اللخمي، وكلام ابن شاس يقتضي أنه خلاف، وكذا قال ابن بشير (8).

قوله: (بِخَوْفٍ مُؤْلِمٍ مِنْ قَتْلٍ أَوْ ضَرْبٍ أَوْ سِجْنٍ أَوْ قَيْدٍ أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ بملأ) أي: أكره بخوف مؤلم إلى آخره، ومراده بذلك أن الإكراه الذي لا (9) يثبت معه حكم يكون بخوف مؤلم من الضرب أو القتل أو السجن أو نحو ذلك؛ لا بحصوله لذهاب النفس المكرهة بالقتل (10)،

(1) زاد بعده في (ن): (في).

(2)

قوله: (على) ساقط من (ز 2).

(3)

قوله: (إلا أن يترك) يقابله في (ن 1): (إلا من ترك).

(4)

في (ز 2): (قال).

(5)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 519.

(6)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 519.

(7)

في (ن 1): (تفسير).

(8)

انظر: التوضيح: 4/ 359.

(9)

قوله: (لا) ساقط من (ز 2).

(10)

قوله: (المكرهة بالقتل) يقابله في (ن 1): (بالمكرهة).

ص: 172

ونصوصهم متواترة (1) على عدم اشتراط وقوع (2) ما يتخوف به، وأن التهديد (3) بوقوعه كاف في رفع الحكم.

قوله: (أَوْ صَفْعٍ لِذِي مُرُوءَةٍ) احترازًا عن غيره، فإن الصفع لا يكون إكراهًا في حقه.

قوله: (بمَلأٍ) احترازًا مما لو فعل به ذلك في الخلوة، فإنه لا يكون إكراهًا.

قوله: (أَوْ قَتْلِ وَلَدِهِ) أي: وهكذا يحصل الإكراه بخوف قتل الولد ونحوه في الجواهر (4)، ولم يحك (5) فيه خلافًا.

قوله: (أَوْ لمَالِهِ) أي: وكذا يحصل الإكراه بأخذ المال، كقوله: احلف على كذا وإلا أخذت مالك، فحلف له خوفًا، فإنه لا يحنث بذلك، ويكون معذورًا، كالخوف على نفسه، وهو قول مالك وأكثر أصحابه، وقال أصبغ: لا يعذر ويكون حانثًا، وروي مثله عن مالك وابن القاسم وعبد الملك ومطرف (6) وابن عبد الحكم، واختاره ابن حبيب، وفصل أيضًا عبد الملك بين المال الكثير فيعذر به ولا يحنث، وبين القليل (7) فلا يعذر به ويحنث. ابن عبد السلام: وهو أقربها عندي وبعضهم يجعله تفسيرًا. ابن بزيزة: والصحيح أنه إكراه (8) إلا في اليسير الذي لا قدر له (9).

(المتن)

وَهَلْ إِنْ كَثُرَ؟ تَرَدُّدٌ. لا أَجْنَبِي، وَأُمِرَ بِالْحَلِفِ لِيَسْلَمَ، وَكَذَا الْعِتْقُ، وَالنِّكَاحُ، وَالإِقْرَارُ، وَالْيَمِينُ، وَنَحْوُهُ. وَأَمَّا الْكُفْرُ، وَسَبُّهُ عليه السلام، وَقَذْفُ الْمُسْلِمِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ، وَصَبْرُهُ أَجْمَلُ، كَالْمَرْأَةِ لا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا إِلَّا لِمَنْ يَزْنِي

(1) في (س) و (ن 1): (متوافرة).

(2)

قوله: (وقوع) ساقط من (ز 2).

(3)

في (ز 2): (التشديد).

(4)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 519.

(5)

في (ن): (يجد).

(6)

انظر: البيان والتحصيل: 6/ 119.

(7)

في (ز 2): (غيره).

(8)

في (ن): (يكره).

(9)

انظر: التوضيح: 4/ 362.

ص: 173

بِهَا، لا قَتْلُ الْمُسْلِمِ وَقَطْعُهُ وَأَنْ يَزْنَيَ، وَفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلَانِ.

كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلاقِ طَائِعًا، وَالأَحْسَنُ الْمُضِيُّ،

(الشرح)

ولما تعارضت هذه الأقوال عند الشيخ (1) باعتبار الترجيح ولم يقف على تشهير (2) فيها، قال:(وَهَلْ إِنْ كَثُرَ؟ ترَدُّدٌ).

قوله: (لَا أَجْنَبِيٍّ) أي: فإن التخويف بقتله لا يكون إكراهًا، فإذا قيل له: احلف على كذا وإلا قتلنا زيدًا فحلف أوطلب إحضاره منه ليقتل (3) وهو قادر على ذلك، وأنكر كونه عالمًا به، وأحلف على ذلك فحلف، فإنه لا يعذر بذلك، ويكون حانثًا، وهو قول مالك وابن القاسم ومطرف وأصبغ، قالوا: ويؤجر (4) إذا حلف ويلزمه الحنث، وإليه أشار بقوله:(وَأُمِرَ بِالحلِفِ ليَسْلَمَ)؛ أي: لأجل سلامة الأجنبي. وعن أشهب أن ذلك إكراه، وشهره ابن بزيزة (5) لكن لم يعتبره هنا.

قوله: (وَكَذَا الْعِتْقُ وَالنِّكَاحُ وَالإِقْرَارُ وَالْيَمِينُ وَنَحْوُهُ) يريد أن الإكراه المذكور لا يختص بالطلاق بل يكون أيضًا في العتق والنكاح والإقرار واليمين بالله تعالى ونحو ذلك من عقود البيع والشراء.

قوله: (وَأَمَّا الْكُفْرُ، وَسَبُّهُ عليه السلام وَقَذْفُ المُسْلِمِ، فَإِنَّمَا يَجُوزُ لِلْقَتْلِ) يريد أن الإكراه في هذه الأمور الثلاثة لا يكون إلا بخوف القتل وحده فلا يسعه الإقدام على شيء من ذلك إلا إذا خاف على نفسه الهلاك بالقتل (6)، نصَّ عليه سحنون وغيره، قالوا: وله أن يصبر حتى يقتل ولا يفعل ذلك وهو مأجور وهو أفضل له (7)، وإليه أشار آخر المسألة (8) بقوله:(وَصَبْرُهُ أَجْمَلُ).

(1) قوله: (عند الشيخ) يقابله في (ن 1): (عنده).

(2)

في (س): (ترجيح).

(3)

في (ز 2): (ليقتله).

(4)

في (ز 2): (ويؤخر).

(5)

انظر: التوضيح: 4/ 361.

(6)

قوله: (الهلاك بالقتل) يقابله في (ن 1): (القتل).

(7)

قوله: (له) ساقط من (س). وانظر: النوادر والزيادات: 10/ 248.

(8)

قوله: (آخر المسألة) ساقط من (ن 1).

ص: 174

سحنون: وأما المرأة تخشى على نفسها الهلاك من الجوع، ولا تجد من يطعمها (1) ما يسد رمقها إلا من يطلب منها الزنى، فإنها يسوغ لها ذلك للخوف على نفسها، ويصير حالها كحال المكره بتخويف القتل، وإليه أشار بقوله:(كَالمَرْأَةِ لَا تَجِدُ مَا يَسُدُّ رَمَقَهَا، إِلا لِمَنْ يَزْنِي بِهَا).

قوله: (لَا قَتْلُ المُسْلِمِ وَقَطْعُهُ وَأَنْ يَزْنِيَ) أي: فليس له القدوم على ذلك وإن خاف على نفسه القتل، إذ ليس له أن (2) يصون دمه بدم (3) غيره أو قطعه (4)، ولا بالإقدام (5) على الزنى، وسيأتي الخلاف في حد (6) الزاني المكره.

قوله: (وَفِي لُزُومِ طَاعَةٍ أُكْرِهَ عَلَيْهَا قَوْلانِ) مثل أن يجد (7) ولي الأمر من يشرب خمرًا فيحلفه ألا يشربها أو لا يسرق أو لا يزني ونحو ذلك (8)، والقول بذلك (9) لمطرف وابن حبيب وعدمه لأصبغ وعبد الملك. ابن رشد (10): وإنْ أُكره على اليمينِ فيما هو معصية أو ليس بمعصية ولا طاعة لم يلزمه اليمين اتفاقًا (11).

قوله: (كَإِجَازَتِهِ كَالطَّلاقِ طَائِعًا) أي: وكذلك القولان فيمن أَمِنَ فأجاز ما طلقه في حالة (12) الإكراه، والقولان لسحنون كان أولًا (13) يقول: لا يلزمه، لأنه ألزم نفسه ما لا يلزمه، ثم رجع فقال: يلزمه لاختلاف الناس في لزوم الإكراه (14)، واختار هذا بعض

(1) في (ز 2)، و (ن 1):(يعطيها).

(2)

قوله: (أن) ساقط من (س).

(3)

قوله: (دمه بدم) يقابله في (ن 1): (نفسه بنفس).

(4)

قوله: (أو قطعه) ساقط من (ز 2).

(5)

قوله: (ولا بالإقدام) يقابله في (ن 1): (وليس له الإقدام).

(6)

قوله: (حد) ساقط من (ز 2).

(7)

في (ن 1): (يأخذ).

(8)

قوله: (ونحو ذلك) ساقط من (ز 2).

(9)

في (ن 1): (باللزوم).

(10)

في (ز 2): (وابن راشد).

(11)

انظر: البيان والتحصيل: 6/ 119.

(12)

في (ز 2): (حال).

(13)

قوله: (أولًا) ساقط من (ن 2).

(14)

انظر: التوضيح: 4/ 358.

ص: 175

الأشياخ، ولهذا قال:(وَالأَحْسَنُ المُضِيُّ)، وأدخل الكاف في كالطلاق تنبيهًا على أن هذا الحكم ليس مقصورًا على الطلاق، بل يجري في العتق والنكاح ونحوهما مما تقدم، واحترز بقوله:(طائعًا) مما لو أجاز ذلك ثانيًا مكرهًا (1)، فإنه لا يلزمه بلا إشكال.

(المتن)

وَمَحَلُّهُ مَا مُلِكَ قَبْلَهُ وَإِنْ تَعْلِيقًا، كَقَوْلِهِ لِأَجْنَبِيَّةٍ هِيَ طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا، أَوْ إِنْ دَخَلْتِ، وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا وَتَطْلُقُ عُقَيْبَهُ، وَعَلَيْهِ النِّصْفُ، إِلَا بَعْدَ ثَلاثٍ عَلَى الأَصْوَبِ، وَلَوْ دَخَلَ، فَالْمُسَمَّى فَقَطْ، كَوَاطِئٍ بَعْدَ حِنْثِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ، كَانْ أَبْقَى كَثِيرًا بِذِكْرِ جِنْسٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ يبلُغُهُ عُمْرُهُ ظَاهِرًا؛ لا فِيمَنْ تَحْتَهُ إِلَّا إِذَا تَزَوَّجَهَا.

(الشرح)

ثم أشار إلى الركن الثالث بقوله: (ومَحَلُّهُ مَا مُلِكَ قَبْلُهُ) أي: وشرط المحل وهي المرأة التي يقع عليها الطلاق أن تكون مملوكة العصمة للزوج قبل الطلاق، وسواء كانت الملكية حقيقية (2) كما إذا كانت تحته قبل إنشاء الطلاق، أو مجازًا كما إذا طلق امرأة ليست في عصمته ونوى بعد نكاحها، وهو معنى قوله:(وإِنْ تَعْلِيقًا) أي: علق طلاقها على (3) تقدير وجود عصمتها بيده، ولهذا قال متممًا له (4) (كَقَوْلِهِ لأَجْنَبِيَّةٍ: هِي طَالِقٌ عِنْدَ خِطْبَتِهَا، أَوْ: إِنْ دَخَلْتِ، وَنَوَى بَعْدَ نِكَاحِهَا) أي: إذا قال لها حين الخطبة: إن تزوجتك فأنت طالق، أو: إن دخلتِ الدار فأنت طالق، ونوى إن دخلت بعد أن يتزوجها، فإنه إذا نكحها فدخلت وقع الطلاق عليه حينئذ، وإليه أشار بقوله:(وَتَطْلُقُ عُقَيْبَهُ) أي: عقيب التزويج في قوله: إن تزوجتك فأنت طالق، وعقيب دخول الدار في إن دخلت الدار (5) فأنت طالق، وهذا الذي ذكره هو المشهور، وقال به كثير من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، وعن مالك من رواية ابن وهب والمخزومي عدم لزومه (6)، واختاره جماعة من الأشياخ. ابن بشير: ومنهم من كان يفتي به، وقال به أيضًا جماعة من

(1) في (ن 1): (مكروهًا).

(2)

في (ز 2) و (ن 1): (حقيقة).

(3)

زاد في (ن 1): (تقديم).

(4)

قوله: (متممًا له) يقابله في (ن 1) و (ن 2): (مثاله).

(5)

قوله: (الدار) زيادة من (ن 1).

(6)

قوله: (عدم لزومه) يقابله في (ز 2): (لا شيء عليه). وانظر: لباب اللباب: 131.

ص: 176

الصحابة والتابعين ومن بعدهم (1).

قوله: (وَعَلَيْهِ النِّصْفُ) أي: نصف الصداق؛ لأن الزوجة تطلق عقيب التزويج، فالواجب حينئذ ما ذكر (2)، وكذلك إذا دخلت الدار (3) المحلوف عليها قبل الدخول، وهذا مقيد بما إذا لم يأت في لفظه بما يقتضي التكرار، فإن أتى في كلامه بذلك (4) كقوله: كلما تزوجتك فأنت طالق، فإنه لا شيء عليه بعد الثلاث. عبد الوهاب والتونسي وغيرهما: وهو الصواب، وإليه أشار بقوله:(إِلا بَعْدَ ثَلاثٍ عَلَى الأَصْوَبِ) وظاهر كلام ابن المواز أنه (5) يلزمه نصف الصداق، ولو بعد ثلاث تطليقات (6).

قوله: (وَلَوْ دَخَلَ فَالمُسَمَّى فَقَطْ) أي: إن سمى شيئًا وإلا فصداق المثل وهو (7) المشهور.

قوله: (كَوَاطِئٍ بَعْدَ حِنْثِهِ وَلَمْ يَعْلَمْ) أي: فلا يلزمه إلا صداق واحد، وقال ابن وهب: ونصف صداق (8)، وألزم أن يقول في كل وطأة (9) مهر.

قوله: (كَأَنْ أَبْقَى كَثِيرًا بِتذِكْرِ جِنْسٍ أَوْ بَلَدٍ أَوْ زَمَانٍ يَبْلُغُهُ عُمْيرُهُ ظَاهِرًا) أي: وكذلك يلزمه الطلاق إذا التزمه فيما ذكر، كقوله: كل امرأة أتزوجها (10) من الترك أو الروم أو من بلد كذا أو إلى سنتين أو ثلاث أو نحو ذلك فهي طالق، واحترز بقوله:(يبلغه عمره ظاهرًا) مما إذا ذكر ما لا يبلغه عمره (11) من طول الزمان كمائتي سنة ونحوها مما يعلم أنه لا يعيش (12) إلى مثله، فإنه لا شيء عليه؛ لأنه حرج

(1) قوله: (ومن بعدهم) ساقط من (ز 2). وانظر: التوضيح: 4/ 338.

(2)

في (ز 2) و (ن 1): (ذكره).

(3)

قوله: (الدار) ساقط من (ز 2).

(4)

قوله: (بذلك) ساقط من (ن 1).

(5)

قوله: (أنه) ساقط من (ن 1) و (ن 2).

(6)

انظر: التوضيح: 4/ 339.

(7)

في (ن 1): (على).

(8)

قوله: (ونصف صداق) يقابله في (ن 2): (صداق ونصف).

(9)

قوله: (في كل وطئه) يقابله في (ن 1): (لكل وطء).

(10)

في (ز 2): (تزوجتها).

(11)

قوله: (ظاهرًا مما إذا ذكر ما لا يبلغه عمره) ساقط من (ز 2)، وقوله:(عمره) ساقط من (ن 1).

(12)

قوله: (مما يعلم أنه لا يعيش) يقابله في (ن 2): (ما لا يعيش)، وفي (ن 1):(لا لا يعد شيء).

ص: 177

ومشقة، وقاله في المدونة (1).

قوله: (لَا (2) فِي مَنْ تَحْتَهُ) أي: فإنه لا يلزمه الطلاق فيها إلا إذا أبانها ثم تزوجها فإنها تصير كغيرها، وتطلق عليه بمنزلة من تزوجها من ذلك الجنس ممن لم يتقدم له عليها عقد نكاح إلى الآن، وإليه أشار بقوله:(إلا إذا تزوجها) أي: بعد أن (3) أبانها.

(المتن)

وَلَهُ نِكَاحُهَا وَنِكَاحُ الإِمَاءِ فِي كُلِّ حُرَّةٍ، وَلَزِمَ فِي الْمَصْرِيَّةِ فِي مَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ، وَالطَّارِئَةِ إِنْ تَخَلَّقَتْ بِخُلُقِهِنَّ، وَفِي مِصْرَ يَلْزَمُ فِي عَمَلِهَا إِنْ نَوَى، وَإِلَّا فَلِمَحَلِّ لُزُومِ الْجُمُعَةِ، وَلَهُ الْمُوَاعَدَةُ بِهَا، لَا إِنْ عَمَّ النِّسَاءَ، أَوْ أَبْقَى قَلِيلًا، كَكُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا؛ إِلَّا تَفْوِيضًا أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرَةٍ، أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا فَعَمِيَ، أَوِ الأَبْكَارَ بَعْدَ كُلِّ ثَيّبٍ، وَبِالْعَكْسِ، أَوْ خَشِيَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْعَنَتَ، وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي، أَوْ آخِرُ امْرَأَةٍ، وَصُوِّبَ وُقُوفُهُ عَن الأُولَى حَتَّى يَنْكِحَ ثَانِيَةً ثُمَّ كَذَلِكَ، وَهُوَ فِي الْمَوْقُوفَةِ كَالْمُولِي، وَاخْتَارَهُ إِلَّا الأُولَى،

(الشرح)

قوله: (وَلَهُ نِكَاحُهَا) أي: وله (4) نكاح التي تحته إذا أبانها فيما إذا قال: كل حرة أتزوجها فهي طالق.

قوله: (وَنِكَاحُ الإِمَاءِ) أي: وكذلك له نكاح الإماء في قوله: كل حرة أتزوجها فهي (5) طالق، ويلزمه اليمين في الحرائر، وقاله ابن القاسم في العتبية، وبه قال ابن حبيب. وقال محمد: لا يلزمه إن كان مليًّا عند من يقول بالطول؛ إذ لا سبيل (6) له إلى الحرائر اللاتي حرمهن (7)، وقول ابن القاسم هو المشهور (8).

قوله: (في كُلِّ حُرَّةٍ) هو عائد على المسألتين كما تقدَّم.

(1) انظر: المدونة: 2/ 72 و 73.

(2)

في (ن): (إلا).

(3)

في (ن 1): (ما).

(4)

قوله: (وله) ساقط من (ز 2).

(5)

قوله: (فهي) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (بالطول؛ إذ لا سبيل) يقابله في (ن 2): (بالطلاق إذ لا سبب).

(7)

قوله: (اللاتي حرمهن) ساقط من (ن 1).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 119.

ص: 178

قوله: (وَلَزِمَ فِي المَصْرِيَّةِ فِي مَنْ أَبُوهَا كَذَلِكَ) أي: إذا قال: لا أتزوج مصرية فإنه يلزمه فيها الطلاق، وسواء تزوجها بمصر أو غيرها، وقاله محمد وغيره. الباجي: ولو تزوج من أبوها مصري وأمها شامية فإنه يحنث، قاله ابن أبي حازم، والأم تبع للأب، وقاله ابن دينار في المجموعة. ابن المواز عن مالك: ولو حلف لا (1) يتزوج مصرية فلا بأس أن يتزوج بمصر غير مصرية (2). اللخمي (3): يريد ما لم يطل مقامها وتصير على طباعهم وسيرهم (4)، وإليه أشار بقوله:(وَالطَّارِئَةِ إِنْ تخَلَّقَتْ بِخُلُقِهِنَّ)، ولسحنون فيمن حلف لا (5) يتزوج من الأعراب فانتقلت امرأة إلى الحاضرة فسكنتها فإذا انقطعت عن البادية لم يحنث بتزويجها، فجعل (6) مجرد الانقطاع كافيًا، وإن لم تتخلق بخلقهن.

قوله: (وفِي مِصْرٍ يَلْزَمُ فِي عَمَلِهَا إِنْ نَوَى) أي: فإن حلف أن (7) لا يتزوج من (8) مصر ونوى عملها، لزم اليمين إن تزوج فيه، وقاله الباجي (9) ونحوه في الموازية (10).

قوله: (وإِلا فَلِمَحَلِّ (11) لُزُومِ الْجُمُعَةِ) أي: وإن لم ينو عملها بل نواها (12) خاصة فإنه يلزمه فيمن على ثلاثة أميال، وهو المحل الذي تلزم منه (13) الجمعة (14)، وقاله ابن كنانة وعبد الملك وأصبغ، قالوا: وإن لم ينو شيئًا لزمه في مسيرة يوم حتى يجاوز

(1) في (ن 1): (ألا).

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 115، والمنتقى: 5/ 411.

(3)

قوله: (اللخمي) ساقط من (ن 1).

(4)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2643.

(5)

في (ن 1): (ألا).

(6)

في (ن 2): (فعلى).

(7)

قوله: (أن) زيادة من (س).

(8)

في (ن 1) و (ن 2): (في).

(9)

انظر: انظر المنتقى: 5/ 410.

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 114.

(11)

في (ن 1): (فَمَحَل).

(12)

في (ن 1): (نوى بها).

(13)

قوله: (تلزم منه) يقابله في (ن): (يلزمه منه السعي).

(14)

قوله: (وهو المحل الذي تلزم منه الجمعة) ساقط من (ن 1).

ص: 179

أربعين (1) ميلًا وأكثر حد ما تقصر (2) فيه الصلاة ابن القاسم: واستحسن أن يتباعد إلى حيث لا تلزمه الجمعة، وقال أصبغ (3):(4) أن يتباعد (5) إلى حيث تقصر (6) فيه الصلاة إذا خرج في ظعنه ولا يتم فيه الصلاة إذا قدم (7)، ابن حبيب (8): والأول استحسان، قال: ولو تزوج في الوضع الذي إذا برز إليه لم يقصر حتى يجاوزه لم أفسخه (9).

قوله: (ولَهُ الْمُوَاعَدَةُ بِهَا) يريد بذلك ما قاله ابن القاسم في العتبية، أن من حلف بطلاق من يتزوجها بمصر فلا بأس أن يوا عدها بمصر ويعقد نكاحه (10) بغيرها (11)، قال: ووجهه أن المراعى انعقاد النكاح، وهو إنما يعقد النكاح (12) بغير مصر فلا حنث عليه.

قوله: (لا إِنْ عَمَّ النِّسَاءَ) أي: فقال: كل امرأة أتزوجها فهي طالق، فإنه لا يلزمه شيء للحرج والمشقة، ولم يعتبروا بقاء الإماء؛ لأن الزوجة أضبط (13) لماله، وذكر ابن بزيزة قولا باللزوم (14)

قوله: (أَوْ أبقى (15) قَلِيلًا) ككل امرأة (16) يريد كقوله: كل امرأة أتزوجها إلا فلانة

(1) في (ن) و (ن 2): (ثمانية وأربعين).

(2)

في (س): (تقتصر).

(3)

في (س): (أشهب).

(4)

زاد بعده في (ن): (القياس).

(5)

قوله: (أن يتباعد) يقابله في (ن 1): (إن تباعد).

(6)

في (س): (تقتصر).

(7)

قوله: (إذا قدم) زيادة من (ن 2).

(8)

قوله: (ابن حبيب) ساقط من (ن 2).

(9)

انظر: المنتقى: 5/ 410.

(10)

في (ز 2): (نكاحها).

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 115.

(12)

قوله: (النكاح) زيادة من (ن 1).

(13)

في (ن 1): (أحفظ).

(14)

انظر: التوضيح: 4/ 341.

(15)

في (ن) و (ن 2) و (س): (إبقاء).

(16)

قوله: (ككل امرأة) زيادة من (ن 1).

ص: 180

أو إلا بنات فلان أو ذكر عددًا قليلا، فإنه لا شيء عليه كمن عم النساء، ورواه المصريون عن مالك في كل امرأة أتزوجها إلا فلانة، وهو مذهب المدونة (1)، وروى عبد الملك أن ذلك يلزمه (2). أشهب في العتبية: ولو قال: كل امرأة أتزوجها (3) تفويضًا طالق لزمه، ولو قال: كل امرأة أتزوجها إلا تفويضًا لم يلزمه (4)؛ لأن التفويض غير مبذول ولا مرجو (5)، وإلى هذا أشار بقوله:(كَكُلِّ امْرَأَةٍ أَتَزَوَّجُهَا، إِلا تَفْوِيضًا)؛ أي: فلا يلزمه.

قوله: (أَوْ مِنْ قَرْيَةٍ صَغِيرةٍ) أي: وكذلك لا يلزمه شيء إذا أبقى لنفسه قرية صغيرة، وقاله في المدونة (6).

قوله: (أَوْ حَتَّى أَنْظُرَهَا فَعَمِيَ) أي: وهكذا لا شيء عليه إذا قال: كل امرأة أتزوجها حتى أنظر (7) إليها طالق فعمي قبل ذلك، وقاله في كتاب محمد (8)، قال: وكذلك حتى ينظر إليها فلان فمات فلان.

قوله: (أَوِ الأَبكَارِ بَعْدَ كُلِّ ثَيِّبٍ وبِالْعَكْسِ (9)) يريد أن من قال: كل ثيب أتزوجها طالق، ثم قال: كل بكر أتزوجها طالق فلا يلزمه في الأبكار شيء، ويلزمه في غيرهن، وأما العكس وهو أن يذكر الأبكار أولًا ثم (10) الثيب، فلا شيء عليه في الثيب، ويلزمه في الأبكار، وحاصله (11) أنه يلزمه اليمين (12) فيمن تقدم من القبيلين (13) دون من

(1) انظر: المدونة: 2/ 72.

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 118.

(3)

قوله: (إلا فلانة، وهو مذهب

كل امرأة أتزوجها) ساقط من (ن 1) و (ن 2).

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 119.

(5)

في (ن 1): (موجود).

(6)

انظر: المدونة: 2/ 72.

(7)

قوله: (حتى أنظر) يقابله في (ن 1): (قبل النظر).

(8)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 128.

(9)

قوله: (وبِالْعَكْسِ) ساقط من (ن).

(10)

قوله: (أولًا ثم) يقابله في (ن 1): (ثم يذكر).

(11)

في (ن): (والحاصل).

(12)

قوله: (اليمين) ساقط من (ن 2).

(13)

في (ن 1): (المسألتين).

ص: 181

تأخر، وقال ابن وهب وابن عبد الحكم (1): يلزمه اليمين في القبيلين (2)، واختار اللخمي عدم اللزوم فيهما (3).

قوله: (أَوْ خَشِيَ فِي الْمُؤَجَّلِ الْعَنَتَ وَتَعَذَّرَ التَّسَرِّي) أي: وهكذا لا يلزمه إذا علق المنع بأجل وخشي العنت قبل انقضائه، وتعذر عليه التسري، وقاله في الموازية، قال ابن القاسم: ولا أحد مقدار ما يعذر فيه، ولا أشك (4) أن عشرين سنة كثير (5)، قال: ونكاحه أولى من الزنا، وقال أشهب وابن وهب: لا يتزوج وإن خشي العنت إن حلف إلى (6) ثلاثين سنة (7).

قوله: (أَوْ آخِرُ امْرَأَةٍ) أي: وكذا لا شيء عليه (8) إذا قال: آخر امرأة أتزوجها طالق، وقاله ابن القاسم، زاد في العتبية: وهو (9) كمن حرم جميع النساء، لأنه كلما تزوج امرأة طلقت إذ لعلها آخر امرأة يتزوجها فلا يستقر ملكه على امرأة، ابن المواز: ونحن نرى أن يقف عن وطئها حتى ينكح ثانية فتحل له الأولى ويقف (10) عن الثانية حتى ينكح ثالثة، وهو في (11) التي يقف (12) عنها كالمولى (13)، وإلى هذا أشار بقوله:(وصُوِّبَ وُقُوفُهُ عَنِ الأُولَى حَتَّى يِنْكِحَ ثَانِيَةً، ثُمَّ كَذَلِكَ، وهُوَ فِي الْمَوْقُوفَةِ كَالْمُولِي)؛ أي: فإن رفعته فالأجل من يوم الرفع، وقال سحنون كذلك في العتبية (14).

(1) في (ن 2): (عبد الملك).

(2)

قوله: (يلزمه اليمين في القبيلين) ساقط من (ز 2). وقوله: (القبيلين) يقابله في (ن 1): (المسألتين).

(3)

انظر: التوضيح: 4/ 346، انظر: التبصرة، للخمي، ص: 2639 و 2640.

(4)

في (س) و (ن 2): (شك)، وفي (ن) و (ن 1):(إشكال).

(5)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 120.

(6)

في (ن 1): (على).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 120.

(8)

قوله: (شيء عليه) يقابله في (ن 1): (لا يلزمه شيء).

(9)

زاد بعده في (ن): (حينئذ).

(10)

في (ن 1): (ويوقف).

(11)

قوله: (في) ساقط من (ز 2).

(12)

في (ن 1): (يوقف).

(13)

انظر: التوضيح: 4/ 347.

(14)

انظر: البيان والتحصيل: 6/ 136 و 137.

ص: 182

قوله: (واخْتَارَهُ إِلا الأُولَى) يشير به (1) إلى ما قاله اللخمي، فإنه لما حكى عن ابن القاسم ما تقدم وذكر كلام ابن المواز قال: والصواب أن لا شيء عليه في الأولى؛ لأنه لما قال: آخر امرأة علمنا أنه جعل لنكاحه أولا لم يرده باليمين (2).

(المتن)

وَلَو قَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ، فَتَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا نُجِّزَ طَلاقُهَا، وَتُؤُوِّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلاقُ إِذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا، وَاعْتُبِرَ فِي وِلَايَتِهِ عَلَيْهِ حَالُ النُّفُوذِ، فَلَوْ فَعَلَتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ، وَلَوْ نكحَهَا فَفَعَلَتْهُ حَنِثَ؛ إِنْ بَقِيَ مِنَ الْعِصْمَةِ الْمُعَلَّقِ فِيهَا شَيءٌ كَالظِّهَارِ، لَا مَحْلُوفٌ لَهَا فَفِيهَا وَغَيْرِهَا، وَلَوْ طَلَّقَهَا، ثُمَّ تَزَوَّح، ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طُلِّقَتِ الأَجْنَبِيَّةُ، وَلا حُجَّةَ لَهُ أَنَّهُ لَمْ تتَزَوَّجْ عَلَيْهَا، وَإِنِ ادَّعَى نِيَّةً لِأَن قَصْدَهُ أَنْ لا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا، وَهَلْ لِأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا، أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ؟ تَأْوِيلَانِ.

(الشرح)

قوله: (وَلَو (3) قَالَ: إِنْ لَمْ أَتَزَوَّجْ مِنَ الْمَدِينَةِ فَهِيَ طَالِقٌ، فتَزَوَّجَ مِنْ غيرِهَا نُجِّزَ طَلاقُهَا) قوله:(فهي طالق (4)) أي: فالتي أتزوجها من غيرها طالق، فإذا تزوج من غيرها وقع الطلاق عليها ناجزًا على المشهور؛ لأن قصد الحالف بذلك الرغبة في نساء المدينة، والتزام طلاق غيرهن، ولا فرق بين كونه تزوج من المدينة قبلها أم لا وهو ظاهر المدونة (5)، وهو أيضًا ظاهر الجواهر (6)، وحمل سحنون ذلك (7) على غير ظاهره لغة من التعليق، وهو التزام طلاق من يتزوجها من غير المدينة بشرط أن لا يتزوج من المدينة قبلها (8)، قال: ويوقف عن التي من غيرها حتى يتزوج من المدينة (9) وهو بمنزلة

(1) قوله: (به) ساقط من (ن).

(2)

زاد بعده في (ن): (لأنه لم يعقد)، وانظر: التوضيح: 4/ 347، التبصرة، للخمي، ص:2639.

(3)

في (ز 2) و (ن) والمطبوع من مختصر خليل: (وإن).

(4)

قوله: (قوله فهي طالق) يقابله في (ز 2) و (س): (فهى).

(5)

انظر: تهذيب المدونة: 2/ 355.

(6)

قوله: (وهو أيضًا ظاهر الجواهر) ساقط من (ن).

(7)

قوله: (وحمل سحنون ذلك) يقابله في (ن 1): (ومله سحنون).

(8)

في (ن 1): (مثلها).

(9)

قوله: (قبلها، قال

يتزوج من المدينة) ساقط من (ز 2).

ص: 183

من قال: إن لم أتزوج من المدينة فامرأته طالق، وهو ظاهر كلام اللخمي (1)، وإليه أشار بقوله:(وتُؤُوّلَتْ عَلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَلْزَمُهُ الطَّلاقُ إِذَا تَزَوَّجَ مِنْ غَيْرِهَا قَبْلَهَا).

قوله: (واعْتُبِرَ فِي ولايته عَلَيْهِ حَالُ النُّفُوذِ) أي: واعتبر في ولاية الزوج، أي: ما يوقعه على المرأة من طلاق أو ظهار حال النفوذ؛ فلهذا إذا قال (2). لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ثلاثًا (3) ثم أبانها بأن خالعها أو طلقها طلقة رجعية، ثم أمهلها حتى انقضت العدة، ثم فعلت ذلك الحلوف عليه فلا يلزمه طلق؛ لأنها حين الفعل (4) أجنبية ومحل الطلاق معدوم، وإلى هذا أشار بقوله:(فَلَوْ فَعَلَتِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ حَالَ بَيْنُونَتِهَا لَمْ يَلْزَمْ)، ثم قال:(ولَوْ نَكَحَهَا فَفَعَلَتْهُ حَنِثَ، إِنْ بَقِيَ مِنَ الْعِصْمَةِ الْمُعَلِّقِ فِيهَا شَيْءٌ)؛ قوله كالظهار (5) أي: فلو تزوجها بعد أن أبانها ففعلت ما حلف عليه (6) لزمه اليمين، وسواء تزوجت غيره في زمان البينونة أم لا؛ لأن نكاح الثاني لا يهدم الطلاق السابق قبله، وهذا إذا بقي من العصمة الأولى طلقة فأكثر كما قال، واحترز بذلك مما إذا طلقها ثلاثا ثم نكحها بعد زوج ففعلت المحلوف عليه حينئذ، فإنه لا يلزمه شيء؛ لأن العصمة التي علق عليها ذلك لم يبق منها شيء، ورجعت بعصمة جديدة، والظهار كذلك (7).

قوله: (كَالظِّهَارِ) يريد إذا قال لها: إن فعلت كذا فأنت عليَّ كظهر أمي، ثم أبانها ففعلت (8) ما حلف عليه فإنه (9)، لم يلزمه (10) ظهار؛ فإن تزوجها بعد بينونتها ففعلته لزمه (11) الظهار إن بقي من العصمة الأولى شيء وإلا فلا.

(1) انظر: التوضيح: 4/ 349، التبصرة، للخمي، ص: 2642، وما بعدها.

(2)

قوله: (فلهذا إذا قال) يقابله في (ن 2): (فإن قال).

(3)

قوله: (ثلاثا) ساقط من (ن 1).

(4)

قوله: (حين الفعل) يقابله في (ن 2): (حينئذ).

(5)

قوله: (قوله كالظهار) زيادة من (ن 1)، وفي (ن):(كالظهار).

(6)

قوله: (عليه) زيادة من (ز 2).

(7)

قوله: (والظهار كذلك) زيادة من (ن 1) و (ن 2).

(8)

في (ز 2): (ففعلته).

(9)

قوله: (ما حلف عليه فإنه) زيادة من (ن 1).

(10)

في (س): (يلزمها).

(11)

في (ز 2): (لزم).

ص: 184

قوله: (لا مَحْلُوفٌ لَهَا فَفِيهَا وغَيْرِهَا) يريد أن ما قدمه من اختصاص الحنث بالعصمة الأولى مقيد بما إذا كانت الزوجة محلوفًا (1) عليها كما تقدم، فأما إذا كانت محلوفًا لها (2) فإنه يحنث مطلقًا؛ أي (3): في العصمة الأولى أو غيرها (4)، وقاله ابن المواز وغيره: لأن القصد تطييبها (5)، فإذا قال لها: كل زوجة أتزوجها عليك فهي طالق ثم طلقها ثلاثًا ثم عادت له بعد زوج، فإن اليمين تعود عليه، فإذا تزوج عليها حنث، وهو مذهب الجمهور، وجعله ابن الحاجب شاذًا (6)، وشهر اختصاص ذلك (7) بالعصمة الأولى، فجعل المحلوف لها كالمحلوف بطلاقها، وقد نص على مثل (8) ذلك في كتاب الأيمان بالطلاق من المدونة (9)، وأنكره محمد وابن حبيب (10) وغيرهما من المحققين، قالوا: وهي رواية عن (11) ابن وهب، وأخذ بها أشهب. وقوله ففيها وغيرها أي ففي العصمة الأولى وغير الأولى (12).

قوله: (ولَوْ طَلَّقَهَا ثُمَّ تَزَوَّجَ ثُمَّ تَزَوَّجَهَا طُلِّقَتِ الأَجْنَبِيَّةُ، ولا حُجَّةَ لَهُ، أَنَّهُ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا، وإِنِ ادَّعَى نِيَّةً؛ لأَنَّ قَصْدَهُ أَنْ لا يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا) أي: ولو طلق المحلوف لها ثم تزوج امرأة أجنبية ثم تزوج المطلقة التي حلف لها فإن الأجنبية تطلق عليه، ولا حجة له إن قال: إنما تزوجتها (13) على غيرها ولم أتزوج غيرها عليها، قال في المدونة: ولا أنويه إن

(1) في (ن 1): (غير محلوف).

(2)

في (ن 1): (عليها).

(3)

في (ن): (سواء).

(4)

قوله: (أي: في العصمة الأولى أو غيرها) زيادة من (ن 2).

(5)

في (ن 2): (تطيب نفسها).

(6)

انظر: الجامع بين الأمهات، ص:431.

(7)

في (ن 1): (الحنث).

(8)

قوله: (مثل) ساقط من (ن 1).

(9)

انظر: المدونة: 2/ 73 - 74.

(10)

انظر: التوضيح: 4/ 350.

(11)

قوله: (عن) زيادة من (ن 1).

(12)

قوله: (وقوله ففيها ..... وغير الأولى) زيادة من (ن 2).

(13)

زاد في (ن 2): (وليست في عصمتي).

ص: 185

ادعى نية (1)، لأن قصده أن لا يجمع بينهما، واستشكل هذا بعض المتأخرين، لأن الحالف يقول: نويت أن لا أتزوج عليها، وهو يقول: بل قصدك (2) أن لا تجمع بينهما، وذلك مخالف له في قصده، وهذا إذا حملت على ظاهرها (3)، وأما على ما قاله بعضهم أن معناها أنه قامت عليه بينة بذلك، ولو جاء مستفتيًا لصدق فلا (4) إشكال، أبو الحسن الصغير: وقيل: إنما لم ينوه (5)، لأنه حالف للزوجة (6) والحلف (7) على نية المحلوف له، وإلى هذا (8) التأويل أشار بقوله:(وهَلْ لأَنَّ الْيَمِينَ عَلَى نِيَّةِ الْمَحْلُوفِ لَهَا)، وإلى ما قاله بعضهم أشار بقوله:(أَوْ قَامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ) أي: أو لأن البينة قامت عليه (تَأْوِيلانِ)، وقال أشهب: لا شيء عليه؛ لأنه لم ينكح عليها، وراعى (9) لفظ اليمين، وقال مطرف: إن اشترط عليه ذلك في أصل العقد لزمه ذلك، وإن طاع به فله نيته، وروى مطرف وعبد الملك أن اليمين لا تعود عليه (10)، ولو اشترط ذلك في العقد ونحوه للمغيرة، وعن ابن القاسم كذلك إن طاع باليمين.

(المتن)

وَفِيمَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا، إِلَّا لِنِيَّةِ كَوْنِهَا تَحْتَهُ، وَلَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ الثَّلاثَ عَلَى الدُّخُولِ فَعَتَقَ وَدَخَلَتْ لَزِمَتْ الثلاث، وَاثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ، كَمَا لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ، وَلَوْ عَلَّقَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لِأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يَنْفذْ. وَلَفْظُهُ: طَلَّقْتُ، وَأَنَا طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ، أَوْ مُطَلَّقَةٌ، أَوِ الطَّلاقُ لِي لازِمٌ، لا مُنْطَلِقَةٌ، وَتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ إِلَّا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ، كَاعْتَدِّي، وَصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ، إِنْ دَلَّ الْبِسَاطُ عَلَى الْعَدَد،

(1) انظر: تهذيب المدونة: 2/ 356.

(2)

في (ن 1): (قصدي).

(3)

قوله: (إذا حملت على ظاهرها) يقابله في (ن 1): (إذا احتملت على ظرها)، وفي (ن):(إذا حملت المدونة على ظاهرها).

(4)

في (ن) و (ن 1) و (ز 2) و (س): (بلا).

(5)

انظر: التوضيح: 4/ 352.

(6)

قوله: (حالف للزوجة) يقابله في (ز 2): (خالف الزوجة).

(7)

في (ن 1): (واليمين).

(8)

قوله: (هذا) زيادة من (ز 2).

(9)

في (ن 1): (وإنما يراعى).

(10)

قوله: (لا تعود عليه) يقابله في (ن 2): (يعود).

ص: 186

أَوْ كَانَتْ مُوَثَقَةً فَقَالَتْ: أَطْلِقْنِي، وَإِنْ لَمْ تَسْأَلْ، فَتَأْوِيلانِ. وَالثَّلاثُ فِي بَتَّةٍ، وَحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، أَوْ نَوَاهَا بِخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوِ ادْخُلِي،

(الشرح)

قوله: (وفِيمَا عَاشَتْ مُدَّةَ حَيَاتِهَا إِلا لِنيَّةِ كَوْنِهَا تَحْتَهُ) هذه مسألة المدونة، قال فيها: وإن قال: كل امرأة أتزوجها ما عاشت فلانة طالق (1) لزمه كانت فلانة تحته أم لا؛ فإن كانت تحته فطلقها، فإن نوى بما عاشت ما دامت تحتي فله أن يتزوج، وهذا معنى قوله:(إلا لنية كونها تحته)، يريد وتقبل نيته (2) في الفتوى والقضاء، ثم قال: وإن لم يكن (3) له نية فلا يتزوج ما بقيت إلا أن يخشى العنت.

قوله: (ولَوْ عَلَّقَ عَبْدٌ الثَّلاثَ عَلَى الدُّخُولِ فَعَتَقَ ودُخِلَتْ لَزِمَتِ الثلاث واثْنَتَيْنِ بَقِيَتْ وَاحِدَةٌ كَما لَوْ طَلَّقَ وَاحِدَةً ثُمَّ عَتَقَ) قد تقدم أن المعتبر في الولاية حال النفوذ لا حال التعليق، فلهذا إذا قال العبد لزوجته: إن دخلت الدار فأنت طالق ثلاثًا فعتق، ثم دخلت لزمه الثلاث؛ لأنه حال النفوذ حر مالك الثلاث، فلو قال: فأنت طالق اثنتين فدخلت بعد عتقه بقيت له (4) واحدة، لما قدمناه، ويصير بمنزلة ما لو طلق واحدة، ثم عتق فإنه يبقى له واحدة فقط؛ لأنه طلق النصف، وقال (5) مالك في الموازية، (6) كحر ذهبت له طلقة ونصف فصارت طلقتان وبقيت (7) طلقة. محمد: وكل من فيه بقية رق كالعبد في طلاقه (8) حتى إذا عتق صار له حكم الحر (9) من يومئذ في طلاقه (10)، ولو قال الشيخ (11): فدخلت أو ثم دخلت لكان أحسن.

(1) انظر: المدونة: 2/ 73.

(2)

قوله: (وتقبل نيته) يقابله في (ن) و (ن 1) و (ن 2): (ويقبل منه).

(3)

في (ن): (تكن).

(4)

قوله: (له) ساقط من (ن).

(5)

في (س): (وقاله)، وفي (ن):(قاله).

(6)

زاد بعده في (ن): (وإليه أشار بقوله كما لو طلق واحدة ثم عتق).

(7)

في (ن 1): (في بقية).

(8)

قوله: (في طلاقه) ساقط من (ن 1).

(9)

قوله: (الحر) ساقط من (ز 2).

(10)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 92.

(11)

قوله: (الشيخ) زيادة من (ز 2).

ص: 187

قوله: (ولَوْ عَلَّقَ طَلاقَ زَوْجَتِهِ الْمَمْلُوكَةِ لأَبِيهِ عَلَى مَوْتِهِ لَمْ يَنْفُذْ) قوله: على موته؛ أي: موت أبيه، وإنما لم ينفذ الطلاق؛ لأنه قبل نفوذه قد ملك الأمة بالإرث فانفسخ نكاحه؛ إذ الملك لا يجتمع مع النكاح، فلم يكن للطلاق محلِ يقع فيه.

قوله: (ولَفْظُهُ طَلَّقْتُ وأَنَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ أَوْ مُطَلَّقَةٌ أَوِ الطَّلاقُ لي لازِمٌ) هذا هو الركن الرابع من أركان الطلاق، وهو الصيغة عند من لا يرى الطلاق لَازمًا بمجرد النية، وأما من يرى ذلك فلا يكون اللفظ عنده من أركانه (1)، ثم إن اللفظ ينقسم إلى صريح وغيره، فإن دل (2) على ذلك (3) بالوضع (4) اللغوي فهو صريح، وفي الجواهر: ما تضمن لفظ الطلاق على أي وجه كان مثل أن يقول: أنت طالق أو أنت (5) مطلقة أو قد طلقتك أو الطلاق لي لازم أو قد أوقعت عليك الطلاق أو أنا طالق منك، وما أشبه ذلك مما ينطق فيه بالطلاق فيلزم بهذه الألفاظ الطلاق (6) ولا يفتقر إلى النية (7).

قوله: (لا مُنْطَلِقَةٌ) أي: فلا يلزم فيها طلاق (8) يريد (9) إلا مع النية وهو متفق عليه، ولهذا استشكل القرافي قول الفقهاء أن الصريح ما فيه الطاء واللام والقاف وأبطله بما ذكرنا (10).

قوله: (وتَلْزَمُ وَاحِدَةٌ إِلا لِنِيَّةِ أَكْثَرَ) أي: ويلزم في كل لفظ من هذه الألفاظ (11) الصريحة طلقة واحدة (12) إلا أن ينوي أكثر منها، وقاله في الجواهر (13)، وقال أصبغ:

(1) في (ن 1): (أركان الطلاق).

(2)

في (ن): (دلت).

(3)

قوله: (على ذلك) زيادة من (ن 1)، وفي (ن):(الصيغة).

(4)

في (ز 2): (باللفظ).

(5)

قوله: (أنت) ساقط من (ن).

(6)

قوله: (الطلاق) ساقط من (ن 1) و (ن 2).

(7)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 509.

(8)

قوله: (أي فلا يلزم فيها طلاق) ساقط من (ن 1).

(9)

قوله: (يريد) ساقط من (ن).

(10)

انظر: التوضيح: 4/ 363.

(11)

قوله: (كل لفظ من هذه الألفاظ) يقابله في (ن 1): (هذه الألفاظ).

(12)

قوله: (واحدة) ساقط من (ن 1).

(13)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 509.

ص: 188

يلزمه ثلاث ولا ينوي (1)، وأما قوله:(كَاعْتَدِّي) فيريد به أن من قال لزوجته اعتدي فلا تلزمه إلا طلقة واحدة (2) إلا أن ينوي أكثر منها (3)، وقاله في المدونة (4).

قوله: (وصُدِّقَ فِي نَفْيِهِ إِنْ دَلَّ الْبِسَاطَ عَلَى الْعَدد (5) أَوْ كَانَتْ مُوَثَّقَةً فَقَالَتْ أَطْلِقْنِي) أي: وصدق في نفي الطلاق إن دل بساط يمينه على العدد بأن تكون الزوجة موثقة، وقالت: له أطلقني، فقال لها أنت طالق، وقال: لم أرد الفراق، ولا خلاف أنه يدين (6) في ذلك إن سألته الانطلاق، وأما إن لم تسأله بل قال ذلك بداء وادعى إرادة الحل من الوثاق، فقال مطرف: يصدق، وقال أشهب: لا يصدق، قيل: وإن جاء مستفتيًا صدق على كل حال، واختلف في تأويل المدونة (7)، فمنهم من تأولها على قول مطرف ومنهم من تأولها على قول (8) أشهب، وإلى هذا أشار بقوله:(وإِنْ لَمْ تَسْأَلْ فتَأْوِيلانِ)، وأما قوله:(والثَّلاثُ فِي بَتَّةٍ، وحَبْلُكِ عَلَى غَارِبِكِ، أَوْ وَاحِدَةٌ بَائِنَةٌ، أَوْ نَوَاهَا بِخَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، أَوِ ادْخُلِي)، فيريد به أن الطلاق الثلاث يلزم قائل (9) أحد (10) هذه الألفاظ لزوجته (11)، قال (12) في الرسالة: ومن قال لزوجته أنت طالق البتة فهي ثلاث بنى أو لم يبن (13)، ونص (14) في المدونة على (15) أن من قال لزوجته: حبلك على غاربك تلزمه الثلاث، ولا

(1) انظر: النوادر والزيادات: 5/ 134.

(2)

قوله: (واحدة) ساقط من (ن 1) و (ن 2).

(3)

قوله: (منها) ساقط من (ز 2).

(4)

انظر: المدونة: 2/ 293.

(5)

في (ن 2) والمطبوع من مختصر خليل: (العد).

(6)

في (ز 2): (مدين).

(7)

انظر: المدونة: 2/ 292.

(8)

قوله: (على قول) يقابله في (س) و (ن 2): (كقول).

(9)

في (س): (قابل).

(10)

قوله: (أحد) ساقط من (ن 1).

(11)

قوله: (لزوجته) ساقط من (ن 1).

(12)

في (ن 1): (وفي).

(13)

قوله: (بنى أو لم يبن) يقابله في (ن 1): (دخل بها أو لم يدخل). وانظر: الرسالة، ص:94.

(14)

قوله: (نص) ساقط من (ن 1).

(15)

قوله: (على) ساقط من (ن 1).

ص: 189

ينوى (1)، اللخمي: ومقتضاه لا قبل الدخول ولا بعده، وقيل ينوى في غير المدخول بها ويحلف (2) وعن مالك هي ثلاث في المدخول بها فإن لم يدخل فعسى أن تكون واحدة، قال في المدونة: وإن قال لها: أنت طالق طلقة بائنة فهي ثلاث (3)، وفي العتبية عن ابن القاسم ذلك في المدخول بها، والضمير في (إن نواها) راجع إلى (الثلاث) أي: وكذلك إذا قال لها: خليت سبيلك أو ادخلي الدار تلزمه الثلاث إن نواها (4)، وحكى اللخمي في خليت سبيلك ثلاثة أقوال لزوم الثلاث في المدخول بها وغيرها؛ إلا أن يقول أردت واحدة وإن قال: لم أرد طلاقًا فهي أشد وهي البتة، وقال محمد: هي واحدة ولا يقبل قوله: لم أرد طلاقًا، وقال ابن حبيب: هي ثلاث في المدخول بها حتى ينوي أقل فيحلف، وإن لم يدخل (5) فهي واحدة حتى (6) ينوي أكثر (7).

(المتن)

وَالثَّلاثُ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ، إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، وَوَهَبْتُكِ وَرَدَدْتُكِ لِأَهْلِكِ، وَأَنْتِ وَمَا أَنْقَلِبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْلِ حَرَامٌ، أَوْ خَلِيَّةٌ، أَوْ بَائِنَةٌ، أَوْ أَنَا، وَحَلَفَ عِنْدَ إِرَادَةِ النِكَاحِ، وَدُيِّنَ فِي نَفْيِهِ إِنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ، وَثَلَاثٌ فِي لَا عِصْمَةَ لِي عَلَيْكِ، أَوِ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ، إِلَّا لِفِدَاءٍ، وَثَلَاثٌ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ مُطْلَقًا فِي خَلَّيْتُ سَبِيلَكِ، وَوَاحِدَةٌ فِي فَارَقْتُكِ.

(الشرح)

قوله: (والثَّلاثُ إِلا أَنْ يَنْوِيَ أَقَلَّ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فِي كَالْمَيْتَةِ والدَّمِ ووَهَبْتُكِ ورَدَدْتُكِ لأَهْلِكِ) يريد أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها: أنت عليَّ (8) كالميتة (9) ونحوه مما ذكر فإنها تطلق ثلاثًا إلا أن ينوي أقل فيصدق، قال في المدونة: وإن قال أنت كالميتة أو

(1) قوله: (ولا ينوى) ساقط من (ن) و (ن 1) و (ن 2). وانظر: المدونة: 2/ 288.

(2)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2747.

(3)

انظر: المدونة: 2/ 288.

(4)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 153.

(5)

في (س): (يحلف).

(6)

في (ن 1): (إلا أن).

(7)

انظر: التوضيح: 4/ 374، التبصرة، للخمي، ص:2747.

(8)

قوله: (عليَّ) ساقط من (ن 1).

(9)

في (ن 2): (كالميت).

ص: 190

كالدم فهي ثلاث وإن لم ينو به الطلاق، وإن قال: وهبتك أو رددتك لأهلك فهو ثلاث في المدخول بها (1) وينوى في غيرها ونحوه في كتاب محمد (2).

قوله: (وَأَنْتِ وَمَا أَنْقَلِبُ إِلَيْهِ مِنْ أَهْل حَرَامٌ) أي: وكذا يلزمه الثلاث في غير المدخول بها إلا أن ينوي أقل إذا قال لها: أنت حرام أو ما أنقلب إليه من أهل حرام ونحوه في الجواهر (3) وغيرها.

قوله: (أَوْ خَلِيَّةٌ أَوْ بَائِنَةٌ أَوْ أَنَا) أي: وهكذا يلزمه في هذه الألفاظ الثلاث إلا أن ينوي أقل في غير المدخول بها، وقاله ابن شاس في خلية (4) وبائن وهو المشهور (5)، وأما قوله:(أو أنا) فهو مقابل لقوله: (أو أنت) ويعني به أن من قال لزوجته: أنا عليك حرام أو خلي منك أو بائن ونحو ذلك فهو كقوله: (أو أنت عليَّ حرام) أو (أنت خلية أو بائن).

قوله: (وحَلَفَ عِنْدَ إِرَادَةِ النِّكَاحِ) أي: في غير المدخول بها؛ لأنه لا ينوي إلا فيها على المشهور، وأما غيرها فلا لأنها تطلق عليه ثلاثًا في جميع ما تقدم، ولا ينوي فلا ينكحها إلا بعد زوج فلا فائدة حينئذ (6) في يمينه.

قوله: (ودُيِّنَ فِي نَفْيِهِ إِنْ دَلَّ بِسَاطٌ عَلَيْهِ) أي: إذا قال: لم أقصد طلاقًا قال في المدونة: وإذا قال أنت خلية، وقال لم أَرد طلاقًا (7) فإنه يصدق إذا تقدم كلام يكون هذا جوابه (8)، وإلا فقد بانت (9) منه إذا كان كلامًا مبتدأ (10).

(1) انظر: المدونة: 2/ 288.

(2)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 157.

(3)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 509.

(4)

في (ن): (خليت).

(5)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 509.

(6)

قوله: (حينئذ) ساقط من (ز 2).

(7)

قوله: (لم أرد طلاقا) يقابله في (ن 1): (لم أقصد ثلاثا).

(8)

قوله: (جوابه) يقابله في (ن 1): (جوابا له).

(9)

في (ز 2): (أبانت).

(10)

انظر: المدونة: 2/ 289.

ص: 191

قوله: (وثَلاثٌ فِي لا عِصْمَةَ لِي عَلَيْكِ أَوِ اشْتَرَتْهَا مِنْهُ إِلا لِفِدَاءٍ) الاستثناء راجع إلى قوله: (لا عصمة لي عليك) فقط، قال ابن شعبان والأبياني في القائل لزوجته لا عصمة لي عليك (1) أنها ثلاث إلا أن يكون معها فداء، فتكون واحدة حتى يريد ثلاثًا (2)، أبو محمد: وهو صواب، ثم حكي عن سحنون في امرأة اشترت من زوجها عصمته عليها، ورضي بذلك فهي ثلاث لأنها ملكت جميع ما كان يملك من عصمتها (3).

قوله: (وثلاث إِلا أن ينوي أقلّ مطلقًا فِي خلّيت سبيلك) قد تقدم أنه إذا نوى بهذا اللفظ الثلاث لزمته ومذهب المدونة أنه ينوى في ذلك بنى بها أو لم يبن وهو مراده بالإطلاق هنا، قال فيها: فإن لم تكن له نية فهي ثلاث (4)، وهو مراده هنا بما ذكر وقد تقدم فيها ثلاثة أقوال من حكاية اللخمي (5).

قوله: (ووَاحِدَةٌ فِي فَارَقْتُكِ) يريد إلا أن ينوي أكثر وقد وقع هذا اللفظ في المدونة (6)، ولم يبين فيه الجواب (7)، وقال أبو الحسن الصغير يلزم به واحدة كما قال هنا (8)، وحكى محمد عن مالك أنه (9) ثلاث في المدخول بها إن لم تكن له نية وواحدة في غيرها إلا أن ينوي أكثر (10)، وقاله ابن القاسم وابن عبد الحكم. ابن القاسم: وإن قال لم أرد طلاقًا فهو أشد وهي البتة (11)، وعن مالك أيضًا إن نوى شيئًا وإلا فقد بانت منه.

(1) قوله: (فقط، قال

لا عصمة لي عليك) ساقط من (ن 1).

(2)

في (ز 2): (طلاقا).

(3)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 161.

(4)

انظر: المدونة: 2/ 281.

(5)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2747.

(6)

انظر: المدونة: 2/ 282.

(7)

في (ن) و (ز 2) و (س): (الجواز).

(8)

قوله: (كما قال هنا) ساقط من (ز 2).

(9)

في (ز 2): (أنها)، وفي (ن 1):(تلزمه).

(10)

انظر: البيان والتحصيل: 5/ 379.

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 153.

ص: 192

أن يشاء زيد أو إن شاء زيد (1) ويتوقف الأمر على مشيئته، فإن شاء الطلاق وقع وإلا فلا، وقيل أنها (2) تطلق ناجزًا في إلا أن يشاء بخلاف إن شاء؛ لأن القول (3) الأول اقتضى وقوع الطلاق إلا أن يشاء زيد رفعه وبعد وقوعه لا يرتفع، وهو في قوله:(إن شاء) مشروط بالمشيئة، فلا يقع إلا بعد حصولها.

قوله: (بِخِلافِ إِلا أَنْ يَبْدُوَ لِي) أي: فيقع عليه ناجزًا. ابن الحاجب: وهو المشهور (4). وفي البيان: لا خلاف في ذلك، ولهذا قال ابن راشد (5): لم أقف على القول بعدم اللزوم، وهو بعيد في النظر (6).

قوله: (كَالنَّذْرِ وَالْعِتْقِ) أي: فيلزمه النذر والعتق (7) إذا قال: عليَّ نذر كذا أو عتق عبدي فلان ثم قال (8) إلا أن يبدو لي (9)، فإن قال: إلا أن يشاء زيد فإن ذلك يتوقف (10) على مشيئته، كما تقدَّم.

(المتن)

فَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ، كَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ مُنِعَ مِنْهَا، إلا إِنْ لَمْ أُحْبِلْهَا، أَوْ إِنْ لَمْ أَطَأْهَا، وَهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقًا؟ أَوْ إِلَّا فِي كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ، وَلَيْسَ وَقْتَ سَفَرٍ؟ تَأْوِيلَانِ. إِلَّا إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ مُطْلَقًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ، أَوْ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسِ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ، أَوِ الآنَ فَيُنَجَّز وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ، كَطَالِقٌ الْيَوْمَ إِنْ كلَّمْتِ فُلانًا غَدًا، وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الآنَ الْبَتَّةَ، فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَت، وَإِلَّا قِيلَ لَهُ: إِمَّا عَجَّلْتَهَا وَإِلَّا بَانَتْ. وَإِنْ حَلَفَ

(1) قوله: (زيد) زيادة من (ز 2).

(2)

قوله: (أنها) ساقط من (ز 2).

(3)

قوله: (القول) زيادة من (ن 1).

(4)

قوله: (ابن الحاجب: وهو المشهور) يقابله في (ن 1): (وشهره ابن الحاجب)، انظر: الجامع بين الأمهات، ص:441.

(5)

في (ن 1): (قال ابن شاس)، وفي (ن):(قال رشد).

(6)

انظر: التوضيح: 4/ 417.

(7)

قوله: (والعتق) ساقط من (ن).

(8)

قوله: (ثم قال) زيادة من (ن 1).

(9)

زاد بعده في (ن): (فإنه لا ينفعه ذلك).

(10)

قوله: (يتوقف) يقابله في (ن 2): (متفق)، وفي (ن):(موقوف).

ص: 193

عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ، فَفِي الْبِرِّ كَنَفْسِهِ، وَهَلْ كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ؟ أَوْ لَا يُضْرَبُ لَهُ أَجَلُ الإِيلَاءِ وَيُتَلَوَّمُ لَهُ؟ قَوْلَانِ.

(الشرح)

قوله: (فَإِنْ نَفَى وَلَمْ يُؤَجِّلْ كَإِنْ لَمْ يَقْدُمْ مُنِعَ مِنْهَا) أي: فإن كان المعلق عليه بحاله أي: محتمل غير غالب إلا أنه منفي غير مؤجل، كقوله: أنت طالق إن لم يقدم زيد، فإنه يمنع منها حتى ينظر هل يقدم أم لا؟ لكونه على حنث، فإن أجله بزمن كانت (1) طالق إن لم يقدم زيد (2) بعد شهر فلا يمنع؛ لأن من ضرب أجلًا فهو على بر إليه.

قوله: (إِلا إِنْ لَمْ أُحْبِلْهَا وَإِنْ لَمْ أَطَأهَا) أي: فإنه لا يمنع من الوطء، وإن كان على حنث؛ لأن بره في إحبالها وفي وطئها فيطؤها أبدًا حتى يحبلها، قاله في المقدمات (3).

قوله: (وَهَلْ يُمْنَعُ مُطْلَقًا أَوْ إِلا فِي كَإِنْ لَمْ أَحُجَّ فِي هَذَا الْعَامِ وَلَيْسَ وَقْتَ سَفَرٍ؟ تَأْوِيلانِ) أي: وكذا إذا فرعنا على منع الوطء في المسألة المتقدمة فهل ذلك مطلقًا، وهو قول ابن القاسم أو لا (4) إلا في مثل أنت طالق (5) إن لم أحج إلى آخره؟ وهو قول غير ابن القاسم (6)، وهما معًا في المدونة (7) واختلف الشراح (8) هل قول الغير (9) تقييد لقول ابن القاسم أو خلاف، وإليه أشار بالتأويلين (10) وقيل: لا يمنع إلا إذا خشي فوات الفعل حتى (11) يمكنه الفعل (12)، وقيل: حتى يفوته الفعل.

قوله: (إِلا إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ مُطْلَقًا أَوْ إِلَى أَجَلٍ) أي: فإن الطلاق ينجز عليه، ومراده

(1) قوله: (حتى ينظر هل

كانت) يقابله فِي (ن 1): (فإن كان منفيا مؤجلا كقوله أنت).

(2)

قوله: (زيد) ساقط من (ز 2)، وقوله: (فإنه يمنع

بقدم زيد) ساقط من: (ن 2).

(3)

انظر: المقدمات الممهدات: 1/ 308.

(4)

قوله: (لا) زيادة من (ص).

(5)

قوله: (أنت طالق) ساقط من (ز 2).

(6)

زاد بعده في (ن): (وهو المغيرة).

(7)

انظر: المدونة: 2/ 341.

(8)

في (ن): (الشيوخ).

(9)

قوله: (هل قول الغير) يقابله في (ن): (هل هو قول المغيرة).

(10)

في (ن): (بالتأويل).

(11)

زاد بعده في (ن): (وقيل).

(12)

قوله: (حتى يمكنه الفعل) زيادة من (س).

ص: 194

بالإطلاق أنه لم يذكر في يمينه أجلًا، ولهذا جعل قوله: أو إلى أجل قسيمه (1) ففي الأول يقول (2): إن لم أطلقك فأنت طالق، وفي الثاني يقول (3): إن لم أطلقك بعد شهر فأنت طالق، وقيل: لا يقع عليه طلاق حتى يرفعه ويوقعه الحاكم.

قوله: (أَوْ إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ رَأْسَ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ فَأَنْتِ طَالِقٌ رَأْسَ الشَّهْرِ الْبَتَّةَ أَوِ الآنَ، فَيُنْجِزُ) أي: وهكذا يتنجز (4) عليه الطلاق (5) إذا قال لزوجته هذه (6) المقالة.

وقوله: (أو الآن (7)) أي: إن لم أطلقك رأس الشهر البتة فأنت طالق الآن البتة، وذلك واضح، أما في الأول (8) فلأن (9) إحدى البتتين واقعة رأس الشهر على كل تقدير، إما بإيقاعه هو (10) أو بمقتضى (11) التعليق، فصار كمن قال: أنت طالق رأس الشهر البتة، وقد علمت أن من علق الطلاق على أجل آت مثل هذا يقع عليه الطلاق (12) ناجزًا.

وقال محمد: له أن يخالعها قبل الشهر بطلقة فتبين منه، ثم يراجعها بعد الشهر على ما بقي من الطلاق، وأما في الثانية فالبتة واقعة، إما الآن أو رأس الشهر، فلا يأتي رأس الشهر إلا والبتة واقعة (13) على كل تقدير، وظاهر كلام ابن عبد السلام أن المذهب فيها عدم اللزوم، وخالفه (14) الشيخ وجعل المذهب لزوم الطلاق، وحكى اللخمي فيها

(1) في (ز 2): (تتمة).

(2)

قوله: (ففي الأول يقول) يقابله في (ن 1): (الأول بقوله).

(3)

قوله: (يقول) زيادة من (ز 2).

(4)

في (ن): (ينجز).

(5)

قوله: (الطلاق) ساقط من (ز 2).

(6)

في (ز 2): (في هذه).

(7)

زاد بعده في (ن): (فينجز).

(8)

في (ز 2) و (ن 1) و (ن 2): (الأولى).

(9)

في (ن 1): (فإن).

(10)

قوله: (بإيقاعه هو) يقابله في (ن 1): (بائنا).

(11)

قوله: (إما بإيقاعه هو أو بمقتضى) يقابله في (ن 2): (إذ هو مقتضى).

(12)

قوله: (عليه الطلاق) ساقط من (ن).

(13)

في (ز 2): (واقعة إما الآن أو رأس الشهر).

(14)

في (ن 2): (وخالف).

ص: 195

التنجيز والانتظار (1)، وهذا الأخير هو الراجح عنده.

قوله: (وَيَقَعُ وَلَوْ مَضَى زَمَنُهُ كَطَالِقٌ الْيَوْمَ إِنْ كَلَّمْتِ فُلانًا غَدًا) هذا (2) كقوله في العتبية: وإذا قال (3): أنت طالق اليوم (4) البتة (5) إن دخل فلان الحمام غدًا (6) لم تكن طالقًا إلا إذا دخله غدًا (7)، نقل ذلك (8) عياض في باب الظهار، قال (9): وعلى هذا فتلزمه البتة، ولو مضى زمنها.

قوله: (وَإِنْ قَالَ: إِنْ لَمْ أُطَلِّقْكِ وَاحِدَةً بَعْدَ شَهْرٍ فَأَنْتِ طَالِقٌ الآنَ الْبَتَّةَ، فَإِنْ عَجَّلَهَا أَجْزَأَتْ) أي: فإن عجل الطلقة التي حلف على إيقاعها (10) بعد شهر أجزأت عن إيقاع البتة ولا يلزمه غيرها، قاله ابن القاسم. وقال أصبغ: لا تجزئه؛ إذ لا يتقدم المشروط على الشرط. ولمحمد: إن سألته الطلاق هي أو أهلها فحلف لهم ثم عجَّل الطلقة لم ينفعه ذلك، وإلا أجزأه (11).

قوله: (وَإِلا قِيلَ لَهُ: إِمَّا عَجَّلْتَهَا وَإِلا بَانَتْ) أي: وإن لم يعجل التطليقة الآن وقف، ثم قيل له: إمَّا أن تعجلها وإلا بانت منك بالثلاث، وقاله ابن القاسم، وقال المغيرة: لا يوقف (12) حتى يأتي الشهر فيبر بالطلاق عنده أو يحنث، وإن عجل (13) التطليقة (14) قبل

(1) انظر: التبصرة، للخمي، ص: 2604 و 2605.

(2)

في (ز 2): (هو).

(3)

زاد بعده في (ن): (لها).

(4)

قوله: (اليوم) زيادة من (س) و (ن 2).

(5)

قوله: (البتة) ساقط من (ن 1).

(6)

قوله: (كقوله في العتبية

فلان الحمام غدًا) مكرر في (ز 2).

(7)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 102.

(8)

قوله: (نقل ذلك) ساقط من (ن) و (ن 1) و (ن 2).

(9)

قوله: (قال) زيادة من (س).

(10)

قوله: (على إيقاعها) يقابله في (ن 1): (عليها).

(11)

انظر: النوادر والزيادات: 5/ 112.

(12)

في (ن 1) و (ن 2) و (ز 2) و (س): (توقف).

(13)

في (ن): (لم يعجل).

(14)

قوله: (الآن وقف، ثم قيل

وإن عجل التطليقة) ساقط من (ن 1) و (ن 2).

ص: 196

الشهر لم يخرجه من يمينه (1).

قوله: (وَإِنْ حَلَفَ عَلَى فِعْلِ غَيْرِهِ فَفِي الْبِرِّ كَنَفْسِهِ) أي: كقوله: أنت طالقٌ إن فعل زيد كذا وكذا. ابن رشد: وهو كالحالف على فعل نفسه، سواء في جميع الوجوه (2)، قال: وأما إن قال: هي (3) طالق إن لم يفعل زيد كذا وكذا، فعن ابن القاسم أنه أيضًا (4) كالحالف على فعل نفسه، من سواء في جميع الوجوه، قال: وأما إن قال: هي طالق إن لم يفعل زيد كذا (5) فيمنع (6) من الوطء ويدخل عليه الإيلاء جملة من غير تفصيل، وقيل: يتلوم له قدر ما يرى أنه أراد بيمينه، واختلف هل يطأ في هذا التلوم أم لا؟ على قولين جاريين على الاختلاف إذا ضرب أجلًا، لأنَّ التلوم كضرب (7) الأجل، فإن بلغ التلوم على مذهب من يمنعه من الوطء أكثر من أربعة أشهر دخل عليه الإيلاء (8)، وإلى هذين القولين (9) أشار بقوله:(وَهَلْ كَذَلِكَ فِي الحنْثِ؟ أَوْ لا (10) يُضْرَبُ لَهُ أَجْلُ الإِيلاءِ وَيُتَلَوَّمُ لَهُ؟ قَوْلانِ).

(المتن)

وَإِنْ أَقَرَّ بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينٍ بِخِلَافِ إِقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيُنَجَّزُ، وَلَا تُمَكِّنُهُ زَوْجَتُهُ إِنْ سَمِعَتْ إِقْرَارَهُ وَبَانَتْ، وَلَا تَتَزَيَّنُ إِلَّا كَرْهًا، وَلِتَفْتَدِ مِنْهُ. وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا قَوْلَانِ، وَأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي إِنْ كُنْتِ

(1) انظر: البيان والتحصيل: 6/ 226.

(2)

زاد بعده في (ن): (فلا يمنع من الوطء وهذا إذا كان على بر وأما إن كان على حنث كقوله امرأتي طالق).

(3)

قوله: (هي) ساقط من (ن).

(4)

قوله: (أيضًا) ساقط من (ن).

(5)

قوله: (من سواء في جميع الوجوه، قال: وأما إن قال: هي طالق إن لم يفعل زيد كذا) مكرر في (ز 2)، ويقابله في (ن):(ليفعلن).

(6)

في (ز 2): (فيمتنع).

(7)

في (ن 1) و (ن 2): (بضرب).

(8)

انظر: البيان والتحصيل: 3/ 118، والمقدمات الممهدات: 2/ 298.

(9)

في (ن 1): (التأولين).

(10)

قوله: (كَذَلِكَ فِي الْحِنْثِ؟ أَوْ لا) ساقط من (ن 1).

ص: 197

تُحِبِّينِي، أَوْ تُبْغَضِينِي، وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إِلَّا أَنْ تُجِيبَ بِمَا يَقْتَضِي الْحِنْثَ فَيُنَجَّزُ؟ تَأْوِيلَانِ. وَفِيهَا مَا يَدُلُّ لَهُمَا، وَبِالأَيْمَانِ الْمَشْكُوكِ فِيهَا. وَلَا يُؤْمَرُ إِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ أَمْ لَا، إِلَّا أَنْ يَسْتَنِدَ وَهُوَ سَالِمُ الْخَاطِرِ، كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلًا شَكَّ فِي كَوْنِهِ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ، وَهَلْ يُجْبَرُ؟ تَأْوِيلَانِ.

(الشرح)

قوله: (وَإِنْ أَقر بِفِعْلٍ ثُمَّ حَلَفَ مَا فَعَلْتُ، صُدِّقَ بِيَمِينٍ؛ بِخِلافِ إِقْرَارِهِ بَعْدَ الْيَمِينِ فَيُنَجَّزَ) هكذا أي في كتاب الأيمان بالطلاق ونصه: ومَن أقرَّ أنه فعل كذا ثم حلف بالطلاق أنه ما فعل ذلك (1)، وقال: كنت كاذبًا في إقراري صُدِّق مع يمينه، ولا يحنث، ولو أقرَّ بعد يمينه أنه فعل ذلك (2) ثم قال: كنت كاذبًا لم ينفعه ولزمه الطلاق بالقضاء. قوله: (وَلَا تُمَكِّنْهُ زَوْجَتُهُ إَنْ سَمِعَتْ إِقْرَارَهُ وَبَانَتْ، وَلَا تَتَزيَّنُ إِلَا كُرْهًا) يشير بهذا إلى مسألة المدونة، وهي قوله: فإن لم تشهد (3) البينة على إقراره بعد اليمين وعلم هو أنه كاذب في إقراره عندهم بعد يمينه حلَّ له المقام عليها فيما (4) بينه وبين الله تعالى، ولم (5) يسع امرأته إن سمعت إقراره هذا المقام معه إلا أن لا تجد بينة ولا سلطانًا، وهي كمن طلقت ثلاثًا، ولا بينة لها (6)، فلا تتزين له ولا يرى لها شعرًا ولا وجهًا إن قدرت، ولا يأتيها إلا وهي كارهة (7). فقوله (8):(إلا كرهًا) معناه: إلا وهي مُكْرَهَةٌ على ذلك.

قوله: (وَلْتَفْتَدِ مِنْهُ (9)) أي: بما قدرت عليه، قاله محمد، قال: وإن قدرت على ضربه أو قتله إذا أرادها فلتفعل. وقال سحنون: لا تقتله ولا تقتل نفسها. واختاره بعض الأشياخ (10)، وإليه أشار بقوله: (وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا

(1) قوله: (فعل ذلك) يقابله في (ن): (فعله).

(2)

في (ن): (كذا).

(3)

في (ن): (يشهد).

(4)

قوله: (فيما) زيادة من (ن 1).

(5)

في (ن 2): (ولا).

(6)

في (ز 2): (معه).

(7)

انظر: المدونة: 2/ 95.

(8)

(ن): (إلى هذا أشار بقوله).

(9)

زاد بعده في (ن): (وَفي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا قَوْلانِ).

(10)

قوله: (واختاره بعض الأشياخ) ساقط من (ز 2). وانظر: التوضيح: 4/ 425.

ص: 198

قَوْلانِ) (1).

قوله: (وَأُمِرَ بِالْفِرَاقِ فِي إِنْ كُنْتِ تُحِبِّينِي أَوْ تَبْغَضِينِي). ابن بشير (2): ولا خلاف في ذلك (3) أنه يؤمر بالفراق (4)، وقاله ابن شاس، قال: وهل (5) يجبر (6) عليه أو لا؟ على ثلاثة أقوال: الوجوب، ونفيه، والتفرقة، فإن إجابته بما يقتضي الحنث وجب الفراق، وإلا لم يجب. وقال عبد الحميد: إن قصد نفس لفظها فلا طلاق عليه إذا جاوبته بما لا يقتضيه، وإن علقه بما في قلبها (7) فهو من باب وقوع الطلاق بالشك (8). واختلف هل مذهب المدونة عدم الجبر مطلقًا (9) أو التفصيل؟ وإليه أشار بقوله:(وَهَلْ مُطْلَقًا، أَوْ إِلا أَنْ تُجِيبَ بِما يَقْتَضِي الْحِنْثُ فَيُنَجَّزُ؟ تَأْوِيلانِ)، ثم قال (10):(وَفِيهَا مَا يَدُلُّ لهُمَا)، يشير إلى قوله: فيها: وإن قال لها إن كنت تبغضيني فأنت طالق، فقالت: لا أبغضك فلا يجبر على فراقها، ولكن يؤمر به، وإن قال: إن كنت تحبين فراقي، فأنت طالق فقالت: أحبه، ثم قالت: كنت كاذبة، فارقها ولا يقيم عليها (11). فكلامه أولًا يقتضي عدم (12) الجبر فيما إذا أجابت بما لا يقتضي الحنث، وكلامه ثانيًا محتمل.

قوله: (وَبِالأَيْمانِ المَشْكُوكِ فِيهَا) أي: وهكذا ينجز عليه الطلاق بالأيمان المشكوك فيها. يريد: للاحتياط، وهو ظاهر.

(1) قوله: (واختاره بعض الأشياخ، وإليه أشار بقوله: "وَفِي جَوَازِ قَتْلِهَا لَهُ عِنْدَ مُحَاوَرَتِهَا قَوْلانِ") يقابله في (ن): (بعض الشيوخ وهو الصواب واعترض قياس ابن المواز حكمها على المحارب).

(2)

في (ن 2): (ابن رشد).

(3)

قوله: (في ذلك) زيادة من (ن 1).

(4)

انظر: التوضيح: 4/ 427.

(5)

في (ن): (واختلف هل).

(6)

في (ن 1): (يجب).

(7)

في (ز 2): (قبلها)، وفي (ن 2):(بطنها).

(8)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 537.

(9)

قوله: (مطلقًا) ساقط من (ن 2).

(10)

قوله: (ثم قال) يقابله في (ن 1): (قوله).

(11)

في (ن 1): (معها). وانظر: المدونة: 2/ 60.

(12)

قوله: (عدم) ساقط من (ز 2).

ص: 199

قوله: (وَلَا يُؤْمَرُ إِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ (1) أَمْ لَا) هكذا حكي في البيان عن أصبغ وعن ابن القاسم أنه يؤمر (2).

قوله: (إِلا أَنْ يَسْتَنِدَ وَهُوَ سَالِمُ الخَاطِرِ كَرُؤْيَةِ شَخْصٍ دَاخِلًا شَكَّ فِي كَوْنِهِ المَحْلُوفَ عَلَيْهِ) أي: فإنه يؤمر. ابن رشد: بلا خلاف، وهو أن يحلف على شخص بالطلاق أنه لا يدخل دار فلان ثم يرى شخصًا داخلًا لها، فيشك في كونه المحلوف عليه، واحترز بقوله:(وهو (3) سالم الخاطر) من الموسوس، فإنه لا شيء عليه، وقاله في المدونة.

قوله: (وَهَلْ يُجْبَرُ أَوْ لَا (4)؟ تَأْوِيلانِ) الأحسن أن لو قال خلاف؛ لأن الأشياخ اختلفوا في المشهور من ذلك، فعند ابن أبي زيد أن عدم الجبر هو المشهور، وهو المعروف عند اللخمي (5)، وبه قال ابن القاسم ومطرف وعبد الملك، وعند ابن أبي عمران وجماعة أن الجبر هو المشهور (6)، ولكن لما كان القولان قائمين من المدونة قال: تأويلان.

(المتن)

وَإِنْ شَكَّ أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا؟ أَوْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ، بَلْ أَنْتِ، طَلُقَتَا، وَإِنْ قَالَ: أَوْ أَنْتِ خُيِّرَ، وَلَا أَنْتِ طَلُقَتِ الأُولَى، إِلَّا أَنْ يُرِيدَ الإِضْرَابَ. وَإِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ أَوْ ثَلاثًا؟ لَمْ تَحِلَّ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ. وَصُدِّقَ إِنْ ذَكَرَ فِي الْعِدَّةِ، ثُمَّ إِنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فَكَذَلِكَ، إِلَّا أَنْ يَبُتَّ.

(الشرح)

قوله: (وَإِنْ شَكَّ أَهِنْدٌ هِيَ أَمْ غَيْرُهَا أَوْ قَالَ: إِحْدَاكُمَا طَالِقٌ أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ بَلْ أَنْتِ، طُلِّقَتَا) يريد أن من كان له زوجتان فأكثر، اسم واحدة منهما هند فأوقع الطلاق على واحدة معينة أو حنث فيها، ثم شكَّ أهي هند أو غيرها فإنهما تطلقان إن كانا (7) اثنتين، وكذا إن حصل الشك في أكثر منهما، واتفق قول مالك على ذلك، وكذلك تطلق عليه

(1) في (ن): (هل طلق).

(2)

في (ن): (يؤمر بالطلاق). وانظر: البيان والتحصيل: 5/ 429 و 430.

(3)

قوله: (وهو) ساقط من (ن) و (ن 1).

(4)

قوله: (أَوْ لَا) ساقط من (س) و (ن) و (ن 1) والمطبوع من مختصر خليل.

(5)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2622.

(6)

انظر: التوضيح: 4/ 429.

(7)

في (ن): (كانتا).

ص: 200

زوجتاه (1) إذا قال لهما: إحداكما (2) طالق؛ أي: ولم (3) ينوِ واحدة معينة، وهو مذهب المصريين من أصحابنا. ابن رشد: وهو المشهور، وقال المدنيون: يختار واحدة، ولا خلاف في تصديقه إذا قال: نويت واحدة معينة، وقاله (4) ابن بشير وغيره، ومثل ذلك في تطليقهما معًا إذا قال لواحدة منهما: أنت طالق، ثم قال للأخرى: بل أنت، نصَّ عليه اللخمي، قال: لأنه أوجب الطلاق في الثانية، وإضرابه عن الأولى لا يرفع عنها الطلاق الذي وقع (5).

قوله: (وَإِنْ قَالَ: أَوْ أَنْتِ، خُيِّرَ) أي: فإن قال: أنت طالق أو أنت (6)، فهو بالخيار يطلق أيتهما أحب (7)، وقاله اللخمي قال: ولو قال: أو أنت، بنية أحدثها (8) بعد تمام قوله: أنت طالق (9)، طلقت الأولى؛ لأنه لا يصح رفع الطلاق عنها (10) بعد وقوعه ولا تطلق الثانية؛ لأنه جعل طلاقها على خيار، وهو لا يختار طلاقها لما طلقت الأولى، قال: وإن قال: أنت طالق لا أنت، طلقت الأولى خاصة؛ لأنه نفى الطلاق عن الثانية (11)، وإليه أشار بقوله:(وَلَا أَنْتِ، طَلُقَتِ الأُولَى) أي: وإن قال: أنت طالق لا أنت. اللخمي: إلا أن يريد بقوله: لا (12) النفي عن الأولى ثم التفت لسانه (13) إلى الثانية، فقال: أنت طالق (14)؛

(1) في (ن): (زوجاته).

(2)

قوله: (إحداكما) ساقط من (ن).

(3)

قوله: (أي: ولم) يقابله في (ن): (إن لم).

(4)

في (ن 1): (وقال).

(5)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2631.

(6)

زاد بعده في (ن): (خير).

(7)

في (ن 1): (شاء).

(8)

قوله: (بنية أحدثها) يقابله في (ن 2): (أحدهما).

(9)

قوله: (أنت طالق) يقابله في (ن 1): (ولا أنت).

(10)

قوله: (عنها) ساقط من (ن 2).

(11)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2631.

(12)

قوله: (بقوله: لا) ساقط من (ن 1).

(13)

قوله: (لسانه) زيادة من (ز 2).

(14)

قوله: (طالق) زيادة من (ز 2).

ص: 201

أي: التي (1) تكونين طالقًا فتطلقان جميعًا (2)، وهو مراده بقوله:(إِلَا أَنْ يُرِيدَ الإِضْرَابَ)، ثم قال:(وَإِنْ شَكَّ أَطَلَّقَ وَاحِدَةً أَوْ ثِنْتَينِ أَوْ ثَلَاثًا لَمْ تَحِلَّ لَهُ إِلا بَعْدَ زَوْجٍ) يريد: إذا تحقق وقوع الطلاق إلا أنه شك في عدده، فإن زوجته تحرم عليه إلا بعد زوج؛ لأنا نحكم عليه (3) بالفراق لكونه أوقع عليها واحدة محققة فيقع عليه، ويوقع (4) الباقيتين احتياطًا، واختلف في قول مالك (5) هنا: لا تحل له إلا بعد زوج (6)، هل على اللزوم والقضاء -وإليه ذهب أكثر المتأخرين- أو على الكراهة؟ وهو مذهب الواضحة، وقيل: إنما تلزمه طلقة رجعية.

قوله: (وَصُدِّقَ إِنْ ذكرَ فِي الْعِدَّةِ) يريد: فإن تذكر قبل انقضاء العدة أن طلاقه كان قاصرًا (7) عن الثلاث فإنه يصدق. يريد: بلا يمين، قاله ابن القاسم، وله رجعتها (8).

قوله: (ثُمَّ إِنْ تَزَوَّجَهَا وَطَلَّقَهَا فكَذَلِكَ) أي: ثم إن تزوجها بعد زوجٍ ثم طلقها واحدة، فكذلك لا تحل له أيضًا إلا بعد زوج، وكذا في زوج ثالث ورابع، قال في المدونة: و (9) مائة زوج؛ لأنه إذا تزوجها ثانيًا وطلقها واحدة قلنا (10): يحتمل أن يكون الطلاق المشكوك في عدده اثنتين، وهذه ثالثة فتحرم عليه إلا بعد زوج، ثم إذا تزوجها بعد زوج ثان وطلقها واحدة حرمت عليه أيضًا حتى تنكح زوجًا غيره؛ لاحتمال أن يكون الطلاق المشكوك فيه واحدة، وقد طلقها ثانيًا واحدة، وهذه مكملة لعدد الطلاق الثلاث، ثم كذلك فإنها تدور أبدًا ولو بعد ألف زوج قاله القاضي عياض (11)

(1) قؤله: (أي: التي) ساقط من (ن 1).

(2)

انظر: التبصرة، للخمي، ص:2631.

(3)

قوله: (لأنا نحكم عليه) يقابله في (ن 1): (لأنه يحكم).

(4)

في (ن 1): (وتقع عليه).

(5)

في (ن): (من قال).

(6)

قوله: (في قول مالك هنا لا تحل له إلا بعد زوج) زيادة من (ز 2).

(7)

قوله: (كان قاصرًا) يقابله في (ن 1): (قاصر).

(8)

في (ن): (رجعيتها).

(9)

زاد بعده في (ن): (لو بعد).

(10)

في (ن 1): (فإنه).

(11)

انظر: التوضيح: 4/ 432.

ص: 202

وغيره (1)، وهذا إذا كان الطلاق واحدة واحدة أو اثنتين اثنتين، وأما إن اختلف بأن طلقها مرة واحدة ومرة اثنتين فلا دوران (2)، وإن كان ظاهر كلام جماعة من الأشياخ الإطلاق، وبيانه أنه (3) إذا طلق في الثاني اثنتين وفي الثالث طلقة وفي الرابع طلقة، فإن كان المشكوك فيه ثلاثًا (4)، فهذه الطلقة الأخيرة هي أول عصمة (5) مستأنفة، وإن كان اثنتين فتكون الأخيرة ثالثة (6)، وكذلك إن كانت واحدة، فاعرف ذلك.

قوله: (إِلا أَنْ يَبُتَّ) أي: ما لم يقع عليها الثلاث فيرتفع الشك، وروى أشهب ارتفاعه بعد ثلاثة أزواج، وقال هو وأصبغ به (7)، وقال ابن وهب: إذا طلقها ثلاثًا وإن كن متفرقات فإنها ترجع على ملك مبتدأ (8).

(المتن)

وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لَا بُدَّ أَنْ تَدْخُلَ، فَحَلَفَ الآخَرُ لَا دَخَلْتُ، حُنِّثَ الأَوَّلُ، وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتِ، إِنْ دَخَلْتِ لَمْ تَطْلُقْ إِلَّا بِهِمَا، وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ، وَآخَرُ بِبَتَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وَذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا، أَوْ بِكَلَامِهِ فِي السُّوقِ وَالْمَسْجِدِ، أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ وَيَوْمًا بِمَكَّةَ، لُفِّقَتْ.

(الشرح)

قوله: (وَإِنْ حَلَفَ صَانِعُ طَعَامٍ عَلَى غَيْرِهِ لا بُدَّ أَنْ يَدْخُلَ، فَحَلَفَ الآخَرُ: لا دَخَلْتُ؛ حُنِّثَ الأَوَّلُ) يريد أن من صنع طعامًا ودعا إليه الناس فحلف على رجلٍ ليدخلن الدار مع الناس، فحلف ذلك الرجاى أنه لا يدخلها، فإن الأول وهو الذي صنع الطعام لغيره يحنث، لكونه حلف على أمر ليس بيده، والثاني وهو المدعو لا يحنث؛ لأنه حلف على

(1) قوله: (وغيره) ساقط من (ن).

(2)

في (ن 1): (يدور).

(3)

قوله: (أنه) ساقط من (ن 1).

(4)

في (ن 1): (ثالثا).

(5)

في (ن 1): (عصمتة).

(6)

في (س): (ثانية).

(7)

قوله: (به وقال) يقابله في (ن 1): (وبه قال).

(8)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 534.

ص: 203

أمر بيده.

قوله: (وَإِنْ قَالَ: إِنْ كَلَّمْتِ إِنْ دَخَلْتِ لَمْ تُطَلَّقْ إِلا بِهِمَا) أي: ولو قال لزوجته: أنت طالق (1) إن كلمت زيدًا، أنت طالق (2) إن دخلتِ الدار، فإنه لا يحنث إلا بمجموع الأمرين. ابن شاس: فإذا كلمت زيدًا أولًا تعلق الطلاق بالدخول (3). يريد: وإن دخلت أولًا تعلق بالكلام.

قوله: (وَإِنْ شَهِدَ شَاهِدٌ بِحَرَامٍ، وآخَرُ بِبَتَّةٍ، أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وذِي الْحِجَّةِ أَوْ بِدُخُولِهَا فِيهِمَا، أَوْ بِكَلامِهِ فِي السُّوقِ والْمَسْجِدِ، أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ وَيوْمًا بِمَكَّةَ. لُفِّقَتْ) يريد: أن الشاهدين إذا شهد أحدهما بأنه قال لزوجته: أنت حرامٌ، وشهد الآخرُ بأنه قال: أنت (4) طالق البتة، فإن شهادتهما تلفق في ذلك؛ أي: وتلزمه الثلاث، وقاله في المدونة، وفيها أيضًا: وإن شهد أحدهما أنه قال في رمضان: إن دخلت دار عمرو بن العاص (5) فامرأتي طالق، وشهد أحدهما (6) أنه قال ذلك في ذي الحجة، وشهد أحدهما (7) أو غيرهما أنه دخلها بعد ذي الحجة طلقت عليه (8). وإليه أشار بقوله:(أَوْ بِتَعْلِيقِهِ عَلَى دُخُولِ دَارٍ فِي رَمَضَانَ وَذِي الحِجَّةِ) أي (9): وقامت البينة أنه دخلها طلقت عليه (10)، وهو معنى قوله:(أَوْ بِدُخُولِهِ فِيهِمَا) أي: إذا (11) شهدا عليه جميعًا (12) في مجلس واحد أنه قال: إن دخلت دار فلان فامرأتي طالق، وشهد أحدهما أنه دخلها في

(1) قوله: (أنت طالق) ساقط من (ن 1).

(2)

قوله: (أنت طالق) زيادة من (ز 2).

(3)

انظر: عقد الجواهر: 2/ 540.

(4)

قوله: (أنت) زيادة من (ز 2) و (ن 2).

(5)

قوله: (عمرو بن العاص) يقابله في (ن 1): (عمر).

(6)

في (ن 1): (الآخر).

(7)

قوله: (وشهد أحدهما) يقابله في (س) و (ن 2): (وشهدا هما).

(8)

انظر: المدونة: 2/ 91 و 92.

(9)

قوله: (طلقت عليه

وَذِي الحِجَّةِ) أي) ساقط من (ن 2).

(10)

قوله: (طلقت عليه) ساقط من (س) و (ن 1) و (ن 2).

(11)

قوله: (إذا) زيادة من (ن 1).

(12)

قوله: (جميعًا) ساقط من (س).

ص: 204

رمضان، وشهد الآخر أنه دخلها في ذي الحجة، فإنها تطلق عليه، وقاله أيضًا في المدونة (1) فالضمير المؤنث راجع إلى الدار، والمثنى راجع (2) إلى شهري رمضان وذي الحجة.

قوله: (أَوْ بِكَلامِهِ فِي السُّوقِ وَالمَسْجِدِ) هذا نحو قوله في المدونة: ومن حلف بالطلاق أنه لا يكلم زيدًا فشهد عليه رجل أنه كلمه في السوق، وآخر أنه كلمه في المسجد حنث (3).

قوله: (أَوْ بِأَنَّهُ طَلَّقَهَا يَوْمًا بِمِصْرَ ويوْمًا بِمَكَّةَ) أي: وكان بين الشهادتين زمن (4) يمكن فيه الانتقال من مصر إلى مكة؛ ولهذا قال في المدونة: تطلق (5) عليه إذا شهد أحدهما أنه طلقها بمصر في رمضان، وشهد آخر أنه طلقها (6) في ذي الحجة (7).

ابن يونس: ولو (8) شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس بمصر (9)، وشهد آخر أنه طلقها في الخميس الثاني بمكة (10) فهو (11) إذا (12) تكاذب وتسقط الشهادتان (13).

قوله: (لُفِّقَتْ) أي: الشهادتان، بمعنى أن إحداهما تضم إلى الأخرى في كل ما تقدم.

(1) قوله: (فني المدونة) زيادة من (ن 1).

(2)

قوله: (راجع) ساقط من (س) و (ن) و (ن 1).

(3)

انظر: المدونة: 2/ 92.

(4)

في (ن 1): (ما)، وفي (ن):(زمان).

(5)

في (ن 2): (لا تطلق).

(6)

في (ن): (طلقها في مكة).

(7)

قوله: (في ذي الحجة) يقابله في (ن 2): (في الخميس الثاني). وزاد بعده في (ن): (فتطلق عليه بالشهادتين لإمكان الانتقال في ذلك الزمان إلى مكة). وانظر: المدونة: 2/ 91.

(8)

قوله: (شهد أحدهما أنه طلقها

ابن يونس: ولو) ساقط من (ن 2).

(9)

قوله: (شهد أحدهما أنه طلقها يوم الخميس بمصر، ) يقابله في (ن): (شهد شاهد أنه طلقها في الخميس الأول من رمضان بمصر).

(10)

المقولة إلى هنا موجودة من كلام: (مالك) انظر: المدونة: 5/ 71، والتبصرة، للخمي، ص:2693.

(11)

في (ن): (فهذا).

(12)

قوله: (إذا) زيادة من (ن 2).

(13)

قوله: (وتسقط الشهادتان) يقابله في (ز 2): (وسقطت الشهادتين).

ص: 205

(المتن)

كَشَاهِدٍ بِوَاحِدَةٍ، وَآخَرَ بِأَزْيَدَ، وَحَلَفَ عَلَى الزَّائِدِ، وَإِلَّا سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ، لَا بِفِعْلَيْنِ أَوْ فِعْلٍ وَقَوْلٍ كَوَاحِدٍ بِتَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ، وَآخَرَ بِالدُّخُولِ، وَإِنْ شَهِدَا بِطَلاقِ وَاحِدَةٍ وَنَسِيَاهَا لَمْ تُقْبَلْ وَحَلَفَ مَا طَلَّقَ وَاحِدَةً، وَإِنْ شَهِدَ ثَلاثَةٌ بِيَمِينٍ وَنكلَ فَالثَّلَاثُ.

(الشرح)

قوله: (كَشَاهِدٍ بِوَاحِدَةٍ وَآخَرَ بِأَزْيَدَ وَحَلَفَ عَلَى الزَّائِدِ، وَإِلَّا سُجِنَ حَتَّى يَحْلِفَ) أي: ومما تلفق فيه الشهادتان أيضًا أن يشهد أحد الشاهدين بأمرٍ، ويزيد عليه الآخر؛ مثل: أن يشهد أحدهما بأنه طلقها طلقة واحدة، ويشهد الآخر أنه طلقها (1) طلقتين، فالطلقة الواحدة لا إشكال في لزومها لاتفاقهما عليها، ويحلف الزوج على نفي الطلقة التي زادها الآخر، فإن حلف فلا شيء عليه (2)، وإن نكل سجن حتى يحلف، وفي المدونة: إذا شهد واحد بطلقة وآخر بثلاث لزمته واحدة وحلف على البتات، فإن نكل طلقت عليه البتة، قاله مالك، ثم رجع فقال: يسجن حتى يحلف، ومن المدونة: إذا شهد واحد بطلقة وآخر بثلاث لزمه واحدة، وحلف (3).

قوله: (لَا بِفِعْلَيْنِ أَوْ بِفِعْلٍ وَقَوْلٍ) أي: فإن الشهادتين لا يلفقان في ذلك، وقيل: يلفقان ويقضى بهما، وقيل: إن كانا على فعلين لم يلفقا وإن كانا على فعلٍ وقول ضُمَّا، حكى ذلك اللخمي، ثم أخذ يمثل لما اجتمع فيه القول والفعل بقوله:(كَوَاحِدٍ بِتَعْلِيقِهِ بِالدُّخُولِ، وَآخَرَ بِالدُّخُولِ) أي: شهد أحدهما أنه قال: إن دخلت دار فلان (4) فامرأتي طالق، ويشهد الآخر أنه دخلها وإنما لم يلفقا؛ لأنهما لم يجتمعا (5) على شيء واحد. وفي المدونة: إن شهد واحد أنه طلقها البتة وشهد آخر أنه قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، وشهد هو وآخر أنه دخلها لم تطلق؛ لأن هذا شهد على فعل وهذا على إقرار (6). اللخمي: واختلف هل يحلف أو (7) لا؟

(1) قوله: (طلقها) ساقط من (ن 1).

(2)

في (ز 2) و (ن 1) و (ن 2): (عليه منها).

(3)

قوله: (ومن المدونة: إذا

لزمه واحدة، وحلف.) زيادة من (ز 2). وانظر: المدونة: 2/ 91.

(4)

قوله: (دار فلان) يقابله في (ن 1): (الدار).

(5)

في (ن 1): (لم يجتمعان).

(6)

في (ن) و (ن 1) و (ن 2): (قول). وانظر: المدونة: 2/ 92.

(7)

في (ن 2): (أم)، انظر: التبصرة، للخمي، ص: 2693، وما بعدها.

ص: 206