الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الله تعالى: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ لأنها مصونة عن التحريف والتغيير والتبديل باقية إلى يوم القيامة وفي قوله: لا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِهِ دليل على أن السعيد لا ينقلب شقيا ولا الشقي ينقلب سعيدا، فالسعيد من سعد في الأزل والشقي من شقي في الأزل وأورد على هذا أن الكافر يكون شقيا بكفره فيسلم فينقلب سعيدا بإسلامه وأجيب عنه بأن الاعتبار بالخاتمة فمن ختم له بالسعادة كان قد كتب سعيدا في الأزل ومن ختم له بالشقاوة كان شقيا في الأزل والله أعلم.
وقوله تعالى: وَهُوَ السَّمِيعُ يعني لما يقول العباد الْعَلِيمُ بأحوالهم قوله عز وجل: وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ قال المفسرون إن المشركين جادلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في أكل الميتة وذلك أنهم قالوا للمسلمين كيف تأكلون ما قتلتم ولا تأكلوا ما قتل ربكم؟ فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: وإن تطع أكثر من في الأرض في أكل الميتة، وكان الكفار يومئذ أكثر أهل الأرض يضلوك عن سبيل الله، يعني يضلوك عن دين الله الذي شرعه لك وبعثك به وقيل معناه لا تطعهم في معتقداتهم الباطلة فإنك إن تطعهم يضلوك عن سبيل الله يعني يضلوك عن طريق الحق ومنهج الصدق ثم أخبر عن حال الكفار وما هم عليه فقال تعالى: إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ يعني أن هؤلاء الكفار الذين يجادلونك ما يتبعون في دينهم الذي هم عليه إلا الظن وليسوا على بصيرة وحق في دينهم وليسوا بقاطعين أنهم على حق لأنهم اتبعوا أهواءهم وتركوا التماس الصواب والحق واقتصروا على اتباع الظن والجهل وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ يعني يكذبون وأصل الخرص الحزر والتخمين، ومنه خرص النخلة إذا حزر كمية ثمرتها على الظن من غير يقين ويسمى الكذب خرصا لما يدخله من الظنون الكاذبة وقيل: إن كل قول مقول عن ظن وتخمين يقال له خرص لأن قائله لم يقله عن علم ويقين إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ يقول الله لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم يا محمد إن ربك هو أعلم منك ومن جميع خلقه أيّ الناس يضل عن سبيله وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يعني وهو أعلم أيضا بمن كان على هدى واستقامة وسداد ولا يخفى عليه شيء من أحوال خلقه فأخبر تعالى أنه أعلم بالفريقين الضال والمهتدي وأنه يجازي كلّا بما يستحق.
[سورة الأنعام (6): الآيات 118 الى 120]
فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ (118) وَما لَكُمْ أَلَاّ تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ (119) وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ (120)
قوله تعالى: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ هذا جواب لقول المشركين حيث قالوا للمسلمين أتأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل ربكم؟ فقال الله تعالى للمسلمين فكلوا أنتم مما ذكر اسم الله عليه من الذبائح: إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ وقيل كانوا يحرمون أصنافا من النعم ويحلون الميتة فقيل: أحلوا ما أحل الله وحرموا ما حرم الله، فعلى هذا القول تكون الآية خطابا للمشركين.
وعلى القول الأول تكون الآية خطابا للمسلمين وهو الأصح لقوله في آخر الآية: إِنْ كُنْتُمْ بِآياتِهِ مُؤْمِنِينَ وَما لَكُمْ أَلَّا تَأْكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ يعني وأي شيء لكم في أن لا تأكلوا وما يمنعكم من أن تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وهذا تأكيد في إباحة ما ذبح على اسم الله دون غيره: وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ يعني وقد بين لكم الحلال من الحرام فيما تطعمون. وقال جمهور المفسرين: المراد بقوله وقد فصل لكم ما حرم عليكم المحرمات المذكورة في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وأورد الإمام فخر الدين الرازي هاهنا إشكالا فقال: في سورة الأنعام مكية وسورة المائدة من آخر ما أنزل الله تعالى بالمدينة، وقوله: وقد فصل يجب أن يكون ذلك المفصل متقدما على هذا المحل والمدني متأخر على
المكي فيمتنع كونه متقدما ثم قال بل الأولى أن يقال قوله تعالى بعد هذه الآية قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ وهذه الآية وإن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل إلا أن هذا القدر من المتأخر لا يمنع أن يكون هو المراد قال كاتبه ولما ذكره المفسرون وجه وهو أن الله لما علم أن سورة المائدة متقدمة على سورة الأنعام في الترتيب لا في النزول حسن عود الضمير في قوله وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلى ما هو متقدم في الترتيب وهو قوله حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ الآية والله أعلم بمراده.
قوله تعالى: إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ يعني إلا أن تدعوكم الضرورة إلى أكله بسبب شدة المجاعة فيباح لكم ذلك عند الاضطرار وَإِنَّ كَثِيراً لَيُضِلُّونَ بِأَهْوائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ يعني وإن كثيرا من الذين يجادلونكم في أكل الميتة ويحتجون عليكم في ذلك بقولهم أتأكلون ما تذبحون ولا تأكلون ما يذبحه الله، وإنما قالوا هذه المقالة جهلا منهم بغير علم منهم بصحة ما يقولون بل يتبعون أهواءهم ليضلوا أنفسهم وأتباعهم بذلك. وقيل: المراد به عمرو بن لحي فمن دونه من المشركين لأنه أول من بحر البحائر وسيّب السوائب وأباح الميتة وغير دين إبراهيم عليه السلام إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ يعني إن ربك يا محمد هو أعلم بمن تعدى حدوده فأحل ما حرم وحرم ما أحل الله فهو يجازيهم على سوء صنيعهم.
قوله عز وجل: وَذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَباطِنَهُ يعني وذروا أيها الناس ما يوجب الإثم وهي الذنوب والمعاصي كلها سرها وعلانيتها قليلها وكثيرها، قال الربيع بن أنس: نهى الله عن ظاهر الإثم وباطنه أن يعمل به سرا وعلانية وقال سعيد بن جبير: في هذه الآية الظاهر منه قوله: وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ ونكاح المحارم من الأمهات والبنات والأخوات والباطن الزنا، وقال السدي: أما الظاهر فالزواني في الحوانيت وهنّ أصحاب الرايات.
وأما الباطن فالمرأة يتخذها الرجل صديقة فيأتيها سرا، وقال الضحاك: كان أهل الجاهلية يستسرون بالزنا ويرون أن ذلك حلالا ما كان سرا فحرم الله السر منه والعلانية، وقال ابن زيد: ظاهر الإثم التجرد من الثياب والتعري في الطواف والباطن الزنا، وقال الكلبي: ظاهر الإثم طواف الرجال بالبيت نهارا عراة وباطنه طواف النساء بالليل عراة وكان أهل الجاهلية يفعلون ذلك إلى أن جاء الإسلام فنهى الله عن ذلك كله. وقيل: إن هذا النهي عام في جميع المحرمات التي نهى الله عنها وهو الأصح لأن تخصيص العام بصورة معينة من غير دليل لا يجوز، فعلى هذا القول يكون معنى الآية وذروا ما أعلنتم به وما أسررتم من الذنوب كلها، قال ابن الأنباري:
وذروا الإثم من جميع جهاته. وقيل: المراد بظاهر الإثم الإقدام على الذنوب من غير مبالاة وباطنه ترك الذنوب لخوف الله عز وجل لا خوف الناس وقيل المراد بظاهر الإثم أفعال الجوارح وباطنه أفعال القلوب فيدخل في ذلك الحسد والكبر والعجب إرادة السوء للمسلمين ونحو ذلك.
وقوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ يعني إن الذين يعملون بما نهاهم الله عنه ويرتكبون ما حرم عليهم من المعاصي وغيرها سَيُجْزَوْنَ يعني في الآخرة بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ يعني بما كانوا يسكبون في الدنيا من الآثام وظاهر هذا النص يدل على عقاب المذنب أنه مخصوص بمن لم يتب لأن المسلمين أجمعوا على أنه إذا تاب العبد من الذنب توبة صحيحة لم يعاقب وزاد أهل السنة في ذلك، فقالوا: المذنب إذا لم يتب فهو في خطر المشيئة إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه بفضله وكرمه، وقوله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ قال بن عباس: الآية في تحريم الميتات وما في معناها من المنخنقة وغيرها، وقال عطاء الآية في تحريم الذبائح التي كانوا يذبحونها على اسم الأصنام اهـ.
((فصل)) اختلف العلماء في ذبيحة المسلم إذا لم يذكر اسم الله عليها فذهب قوم إلى تحريمها سواء تركها عامدا أو