الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
آلهة ثلاثة وأن الإلهية مشتركة بينهم وأن كل واحد منهم إله ويبين ذلك قوله تعالى للمسيح: أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ؟ فقوله ثالث ثلاثة فيه إضمار تقديره إن الله أحد ثلاثة آلهة أو واحد من ثلاثة آلهة. قال الواحدي: ولا يكفر من يقول إن الله ثالث ثلاثة ولم يرد به أنه ثالث ثلاثة آلهة لأنه ما من اثنين إلا والله ثالثهما بالعلم ويدل عليه قوله تعالى في سورة المجادلة ما يَكُونُ مِنْ نَجْوى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سادِسُهُمْ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟» . والطريق الثاني: أن المتكلمين حكوا عن النصارى أنهم يقولون: إنه جوهر واحد ثلاثة أقانيم أب وابن وروح القدس وهذه الثلاثة إله واحد كما أن الشمس اسم يتناول القرص والشعاع والحرارة، وعنوا بالأب الذات وبالابن الكلمة وبالروح الحياة وأثبتوا الذات والكلمة والحياة قالوا إن الكلمة التي هي كلام الله اختلطت بجسد عيسى اختلاط الماء باللبن، وزعموا أن الأب إله والابن إله والروح إله والكل إله واحد واعلم أن هذا الكلام معلوم البطلان لبديهة العقل، فإن الثلاثة لا تكون واحدا والواحد لا يكون ثلاثة، ولا ترى في الدنيا مقالة أشد فسادا ولا أظهر بطلانا من مقالة النصارى وعلى هذا أخبر الله عنهم في قوله لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ ثالِثُ ثَلاثَةٍ فهذا معنى مذهبهم وإن لم يصرحوا بأنه واحد من ثلاثة آلهة فذلك لازم لهم وإنما يمتنعون من هذه العبارة لأنهم إذا قالوا: إن كل واحد من الأقانيم إله فقد جعلوه ثالث ثلاثة. وقولهم بعد هذا: هو إله واحد فيه مناقضة لما قالوا أولا فهذا بيان فساد قول النصارى ثم رد الله عليهم فقال تعالى: وَما مِنْ إِلهٍ إِلَّا إِلهٌ واحِدٌ يعني أنه ليس في الوجود إله واحد موصوف بالوحدانية لا ثاني له ولا شريك له ولا والد له ولا ولد له ولا صاحبة له إلا الله تعالى: وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ يعني وإن لم ينته النصارى عن هذه المقالة الخبيثة لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني ليصيبن الذين أقاموا على هذا القول الخبيث وهذا الدين الذي ليس بمرضي عذاب وجيع في الآخرة وإنما قال تعالى منهم لعلمه السابق أن من النصارى من سيؤمن ويخلص ويترك هذا القول ويعلم أنه فاسد ثم ندب سائر النصارى إلى التوبة من هذه المقالة الخبيثة فقال تعالى: أَفَلا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّهِ يعني من قولهم بالتثليث وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وهذا استفهام بمعنى الأمر أي: توبوا إلى الله واستغفروه من هذا الذنب العظيم فإنه تعالى يغفر الذنوب وَاللَّهُ غَفُورٌ يعني لمن استغفره وتاب إليه رَحِيمٌ به وبسائر خلقه.
قوله عز وجل: مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ يعني أن المسيح رسول من الله عز وجل ليس بإله كما أن الرسل الذين كانوا من قبله لم يكونوا آلهة وقد أتى عيسى عليه السلام بالمعجزات الدالة على صدقه كما أن الذين من قبله أتوا بالمعجزات الدالة على صدقهم وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ يعني أنها كثيرة الصدق وقيل: سميت مريم صديقة، لأنها صدقت بآيات ربها وكتبه. وقوله تعالى: كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ في احتجاج على فساد قول النصارى بإلهية المسيح. يعني: أن المسيح وأمه مريم كانا بشرين يأكلان الطعام ويعيشان به كسائر بني آدم، فكيف يكون إلها من يحتاج إلى الطعام ولا يعيش إلا به؟ وقيل: معناه أنه لو كان إلها كما يزعمون لدفع عن نفسه ألم الجوع وألم العطش ولم يوجد ذلك فكيف يكون إلها وقيل هذا كناية عن الحدث وذلك أن كل من أكل وشرب لا بد له من الغائط والبول ومن كانت هذه صفته فكيف يكون إلها؟
وبالجملة فإن فساد قول النصارى أظهر من أن يحتاج إلى إقامة دليل عليه ثم قال تعالى: انْظُرْ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي انظر يا محمد كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآياتِ يعني الدالة على بطلان قولهم ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ أي كيف يصرفون عن استماع الحق وقبوله.
[سورة المائدة (5): الآيات 76 الى 79]
قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (76) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ غَيْرَ الْحَقِّ وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيراً وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ (77) لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ (78) كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ (79)
قوله تعالى: قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي: قل يا محمد لهؤلاء النصارى أتعبدون من دون الله ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً يعني لا يستطيع أن يضركم بمثل ما يضركم الله به من البلايا والمصائب في الأنفس والأموال ولا يقدر أن ينفعكم بمثل ما ينفعكم الله به من صحة الأبدان وسعة الأرزاق فإن الضار والنافع هو الله تعالى لا من تعبدون من دونه ومن لم يقدر على النفع والضر لا يكون إلها وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يعني أنه تعالى سميع لأقوالكم وكفركم عليم بما في ضمائركم.
قوله عز وجل: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ. الغلوّ: مجاوزة الحد وذلك أن الحق بين طرفي الإفراط والتفريط فمجاوزة الحد والتقصير مذمومان في الدين غَيْرَ الْحَقِّ يعني: لا تغلوا في دينكم غلوا باطلا غير الحق وذلك أنهم خالفوا الحق في دينهم ثم غلوا في الإصرار عليه وكلا الفريقين من اليهود والنصارى غلوا في عيسى عليه السلام، أما غلوّ اليهود فالتقصير في حقه حتى نسبوه إلى غير رشدة، وأما غلوّ النصارى فمجاوزة الحد في حقه حتى جعلوه إلههم وكلا الغلوين مذموم وَلا تَتَّبِعُوا أَهْواءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ الأهواء جمع هوى وهو ما تدعو شهوة النفس إليه، قال الشعبي: ما ذكر الله تعالى الهوى في القرآن إلا وذمه وقال أبو عبيدة:
لم نجد الهوى يوضع إلا موضع الشر لأنه لا يقال فلان يهوى الخير إنما يقال فلان يحب الخير ويريده والخطاب في قوله ولا تتبعوا أهواء قوم لليهود والنصارى الذين كانوا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم نهوا عن اتباع أسلافهم فيما ابتدعوه من الضلالة بأهوائهم وهو المراد بقوله أهواء قوم قد ضلوا من قبل فبين الله تعالى أنهم كانوا على ضلاله وَأَضَلُّوا كَثِيراً يعني من اتبعهم على ضلالتهم وأهوائهم وَضَلُّوا عَنْ سَواءِ السَّبِيلِ يعني وأخطئوا عن قصد طريق الحق.
قوله تعالى: لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ قال أكثر المفسرين: هم أصحاب السبت لما اعتدوا في السبت واصطادوا الحيتان فيه. قال داود عليه السلام: اللهم العنهم واجعلهم قردة فمسخوا قردة وستأتي قصتهم في سورة الأعراف وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ يعني وعلى لسان عيسى ابن مريم وهم كفار أصحاب المائدة لما أكلوا منها وادخروا ولم يؤمنوا قال عيسى عليه السلام اللهم العنهم واجعلهم خنازير فمسخوا خنازير وستأتي قصتهم.
وقال بعض العلماء: إن اليهود كانوا يفتخرون بآبائهم ويقولون نحن من أولاد الأنبياء عليهم السلام، فأخبر الله تعالى بأنهم ملعونون على ألسنة الأنبياء عليهم السلام. وقيل: إن داود وعيسى بشّرا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولعنا من يكفر به ذلِكَ بِما عَصَوْا وَكانُوا يَعْتَدُونَ يعني ذلك اللعن بسبب عصيانهم واعتدائهم ثم فسر الاعتداء والمعصية فقال تعالى: كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ أي لا ينهى بعضهم بعضا عن منكر. وقيل: معناه لا يتناهون عن معاودة منكر فعلوه ولا عن الإصرار عليه لَبِئْسَ ما كانُوا يَفْعَلُونَ اللام في لبئس لام القسم أي أقسم لبئس ما كانوا يفعلون يعني من ارتكاب المعاصي والعدوان. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يلقى الرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك، ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما