الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقمر وَقَدَّرَهُ مَنازِلَ قيل: الضمير في وقدّره يرجع إلى الشمس والقمر والمعنى قدر لهما منازل أو قدر لسيرهما منازل لا يجاوزانهما في السير ولا يقصران عنهما وإنما وحد الضمير في وقدره للإيجاز أو اكتفى بذكر أحدهما دون الآخر فهو كقوله سبحانه وتعالى: وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ وقيل: الضمير في وقدره يرجع إلى القمر وحده لأن سير القمر في المنازل أسرع وبه يعرف انقضاء الشهور والسنين وذلك لأن الشهور المعتبرة في الشرع مبنية على رؤية الأهلة والسنة المعتبرة في الشرع هي السنة القمرية لا الشمسية ومنازل القمر ثمان وعشرون منزلة: وهي الشرطين، والبطين، والثريا، والدبران، والهقعة، والهنعة، والذراع، والنثرة، والطرف، والجبهة، والزبرة، والصرفة، والعواء، والسماك، والغفر، والزباني، والإكليل، والقلب، والشولة، والنعائم، والبلدة، وسعد الذابح، وسعد بلع، وسعد السعود، وسعد الأخبية، وفرغ الدلو المقدم، وفرغ الدلو المؤخر، وبطن الحوت، فهذه منازل القمر وهي مقسومة على اثني عشر برجا وهي: الحمل، والثور، والجوزاء، والسرطان، والأسد، والسنبلة، والميزان، والعقرب، والقوس، والجدي، والدلو، والحوت، لكل برج منزلان وثلث منزل وينزل القمر كل ليلة منزلا منهما إلى انقضاء ثمانية وعشرين ليلة ثم يستتر ليلتين إن كان الشهر ثلاثين وإن كان تسعا وعشرين اختفى ليلة واحدة لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ يعني قدر هذه المنازل لتعلموا بها عدد السنين ووقت دخولها وانقضائها وَالْحِسابَ يعني: ولتعلموا حساب الشهور والأيام والساعات ونقصانها وزيادتها ما خَلَقَ اللَّهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يعني للحق وإظهار قدرته ودلائل وحدانيته ولم يخلق ذلك باطلا ولا عبثا يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ يعني يبين دلائل التوحيد بالبراهين القاطعة لقوم يستدلون بها على قدرة الله ووحدانيته إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَما خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ تقدم تفسير هذه الآية في نظائرها إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا يعني لا يخافون لقاءنا يوم القيامة فهم مكذبون بالثواب والعقاب والرجاء يكون بمعنى الخوف تقول العرب: فلان لا يرجو فلانا بمعنى: لا يخافه، ومنه قوله سبحانه وتعالى ما لكم لا ترجون الله وقارا ومنه قول أبي ذؤيب الهذلي:
إذا لسعته النحل لم يرج لسعها أي لم يخفه. والرجاء يكون بمعنى الطمع، فيكون المعنى: لا يطمعون في ثوابنا وَرَضُوا بِالْحَياةِ الدُّنْيا يعني: اختاروها وعملوا في طلبها فهم راضون بزينة الدنيا وزخرفها وَاطْمَأَنُّوا بِها يعني وسكنوا إليها مطمئنين فيها وهذه الطمأنينة التي حصلت في قلوب الكفار من الميل إلى الدنيا ولذاتها أزالت عن قلوبهم الوجل والخوف فإذا سمعوا الإنذار والتخويف لم يصل ذلك إلى قلوبهم وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آياتِنا غافِلُونَ قيل المراد بالآيات أدلة التوحيد.
وقال ابن عباس: عن آياتنا يعني عن محمد صلى الله عليه وسلم والقرآن غافلون: أي معرضون.
[سورة يونس (10): الآيات 8 الى 11]
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (10) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا فِي طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11)
أُولئِكَ مَأْواهُمُ النَّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني: من الكفر والتكذيب والأعمال الخبيثة.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمانِهِمْ يعني يهديهم ربهم إلى الجنان
ثوابا لهم بإيمانهم وأعمالهم الصالحة وقال مجاهد: يهديهم على الصراط إلى الجنة: يجعل لهم نورا يمشون به.
وقال قتادة: بلغنا أن المؤمن إذا خرج من قبره يصور له عمله في صورة حسنة فيقول له: من أنت فيقول:
أنا عملك. فيكون له نورا وقائدا إلى الجنة، والكافر بالضد، فلا يزال به عمله حتى يدخله النار وقال ابن الأنباري: يجوز أن يكون المعنى أن الله يزيدهم هداية بخصائص ولطائف وبصائر ينور بها قلوبهم ويزيل بها الشكوك عنهم ويجوز أن يكون المعنى ويثبتهم على الهداية وقيل معناه بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه أي بتصديقهم هداهم تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهارُ يعني بين أيديهم ينظرون إليها من أعالي أسرتهم وقصورهم فهو كقوله سبحانه وتعالى: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا لم يرد به أنه تحتها وهي قاعدة عليه بل أراد بين يديها. وقيل: تجري بأمرهم فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ يعني ذلك لهم جنات النعيم دَعْواهُمْ فِيها أي قولهم وكلامهم فيها. وقيل:
الدعوى بمعنى الدعاء أي دعاؤهم فيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ وهي كلمة تنزيه لله تعالى من كل سوء ونقيصة. قال أهل التفسير: هذه الكلمة علامة بين أهل الجنة والخدم في الطعام فإذا أرادوا الطعام قالوا: سبحانك اللهم فيأتونهم في الوقت بما يشتهون على الموائد كل مائدة ميل في ميل على كل مائدة سبعون ألف صحفة في كل صحفة لون من الطعام لا يشبه بعضها بعضا فإذا فرغوا من الطعام حمدوا الله على ما أعطاهم فذلك قوله تبارك وتعالى: وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وقيل: إن المراد بقوله سبحانك اللهم اشتغال أهل الجنة بالتسبيح والتحميد والتقديس لله عز وجل والثناء عليه بما هو أهله وفي هذا الذكر والتحميد سرورهم وابتهاجهم وكمال لذتهم ويدل عليه ما روي عن جابر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «أهل الجنة يأكلون فيها ويشربون ولا يتفلون ولا يبولون ولا يتغوطون ولا يمتخطون قالوا فما بال الطعام قال جشاء ورشح كرشح المسك يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس وفي رواية التسبيح والحمد» أخرجه مسلم.
قوله جشاء أي يخرج ذلك الطعام جشاء وعرقا.
وقوله سبحانه وتعالى: وَتَحِيَّتُهُمْ فِيها سَلامٌ يعني يحيي بعضهم بعضا بالسلام. وقيل: تحييهم الملائكة بالسلام وقيل تأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام وَآخِرُ دَعْواهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ قد ذكرنا أن جماعة من المفسرين حملوا التسبيح والتحميد على أحوال أهل الجنة بسبب المأكول والمشروب وأنهم إذا اشتهوا شيئا قالوا: سبحانك اللهم فيحضر ذلك الشيء وإذا فرغوا منه. قالوا: الحمد لله رب العالمين فترفع الموائد عند ذلك وقال الزجاج: أعلم الله أهل الجنة يبتدئون بتعظيم الله وتنزيهه ويختمون بشكره والثناء عليه. وقيل: إنهم يفتتحون كلامهم بالتسبيح ويختمونه بالتحميد. وقيل: إنهم يلهمون ذلك كما ذكر في الحديث قوله سبحانه وتعالى: وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ يعني ولو يعجل الله للناس إجابة دعائهم في الشر بما لهم فيه مضرة ومكروه في نفس أو مال. قال ابن عباس: هذا في قول الرجل لأهله وولده عند الغضب لعنكم الله لا بارك الله فيكم. وقال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وماله وأهله وولده بما يكره أن يستجاب له فيه اسْتِعْجالَهُمْ بِالْخَيْرِ يعني كاستعجالهم بالخير وكما يحبون أن يعجل لهم إجابة دعائهم بالخير لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ يعني لفرغ من هلاكهم وماتوا جميعا والتعجيل تقديم الشيء قبل وقته والاستعجال طلب العجلة.
وقال ابن قتيبة: إن الناس عند الغضب والضجر قد يدعون على أنفسهم وأهلهم وأولادهم بالموت وتعجيل البلاء كما يدعون بالرزق والرحمة وإعطاء السؤال يقال لو أجابهم الله إذا دعوه بالشر الذي يستعجلون به استعجالهم بالخير لقضى إليهم أجلهم يعني: لفرغ من هلاكهم ولكن الله عز وجل بفضله وكرمه يستجيب للداعي بالخير ولا يستجيب له في الشر. وقيل: إن هذه الآية نزلت في النضر بن الحارث حين قال إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء فعلى هذا يكون المعنى ولو يعجل الله للكافرين العذاب كما عجل لهم