الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يعني: هذه الأمم برسلهم ويصدقوهم بما جاءوا به من عند الله كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يعني: كما أهلكنا الأمم الخالية لما كذبوا رسلهم كذلك نهلككم أيها المشركون بتكذيبكم محمدا صلى الله عليه وسلم ثُمَّ جَعَلْناكُمْ خَلائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ الخطاب لأهل مكة الذين أرسل فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم والمعنى ثم جعلناكم أيها الناس خلفاء في الأرض من بعد القرون الماضية الذين أهلكناهم لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ يعني خيرا أو شرا فنعاملكم على حسب أعمالكم والنظر هنا بمعنى العلم يريد لنختبر أعمالكم وهو يعلم ما يكون قبل أن يكون. قال أهل المعاني: معنى النظر، هو طلب العلم وجاز في وصف الله سبحانه وتعالى إظهارا للعدل لأنه سبحانه وتعالى يعامل العباد معاملة من يطلب العلم بما يكون منهم ليجازيهم بحسبه كقوله تبارك وتعالى: لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ذكره الواحدي والرازي (م) عن سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الدنيا حلوة خضرة وأن الله مستخلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واحذروا فتنة النساء» أخرجه مسلم قوله فاتقوا الدنيا معناه احذروا فتنة الدنيا واحذروا فتنة النساء.
[سورة يونس (10): الآيات 15 الى 17]
وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَاّ ما يُوحى إِلَيَّ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17)
قوله سبحانه وتعالى: وَإِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ يعني وإذا قرئ على هؤلاء المشركين آيات كتابنا الذي أنزلناه إليك يا محمد بينات يعني واضحات تدل على وحدانيتنا وصحة نبوتك قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنَا يعني قال هؤلاء المشركون الذين لا يخافون عذابنا ولا يرجون ثوابنا لأنهم لا يؤمنون بالبعث بعد الموت وكل من كان منكرا للبعث فإنه لا يرجو ثوابا ولا يخاف عقابا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هذا أَوْ بَدِّلْهُ قال قتادة: قال ذلك مشركو مكة، وقال مقاتل: هم خمسة نفر عبد الله بن أمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري والعاص بن عامر بن هشام، قال هؤلاء للنبي صلى الله عليه وسلم: إن كنت تريد أن نؤمن بك فأت بقرآن غير هذا ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وليس فيه عيبها وإن لم ينزله الله عليك فقل أنت من عند نفسك أو بدله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة ومكان حرام حلالا ومكان حلال حراما.
قال الإمام فخر الدين الرازي: اعلم أن إقدام الكفار على هذا الالتماس يحتمل وجهين: أحدهما، أنهم ذكروا ذلك على سبيل السخرية والاستهزاء وهو قولهم لو جئتنا بقرآن غير هذا القرآن أو بدلته لآمنا بك وغرضهم السخرية والاستهزاء. الثاني: أن يكونوا قالوا ذلك على سبيل التجربة والامتحان حتى أنه لو فعل ذلك علموا أنه كان كاذبا في قوله: إن هذا القرآن ينزل عليه من عند الله. ومعنى قوله: ائت بقرآن غير هذا أو بدله يحتمل أن يأتي بقرآن آخر مع وجود هذه القرآن والتبديل لا يكون إلا مع وجوده وهو أن يبدل بعض آياته بغيرها كما طلبوه ولما سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره الله أن يجيبهم بقوله قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء ما يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي يعني أن هذا الذي طلبتموه من التبديل ليس إليّ وما ينبغي لي أن أغيره من قبل نفسي ولم أومر به إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى إِلَيَّ يعني فيما آمركم به أو أنهاكم عنه وما أخبركم إلا ما يخبرني الله به وإن الذي أتيتكم به هو من عند الله لا من عندي إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ أي: قل لهم يا محمد إني أخشى من الله
إن خالفت أمره أو غيرت أحكام كتابه أو بدلته فعصيته بذلك أن يعذبني بعذاب عظيم في يوم تذهل كل مرضعة عما أرضعت.
قوله سبحانه وتعالى: قُلْ أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين الذين طلبوا منك تغيير القرآن وتبديله لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ يعني لو شاء الله لم ينزل علي هذا القرآن ولم يأمرني بقراءته عليكم وَلا أَدْراكُمْ بِهِ قال ابن عباس: ولا أدراكم الله به ولا أعلمكم به فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ يعني فقد مكثت فيكم قبل أن يوحى إلي هذا القرآن مدة أربعين سنة لم آتكم بشيء ووجه هذا الاحتجاج أن كفار مكة كانوا قد شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل مبعثه وعلموا أحواله وأنه كان أميا لم يطالع كتابا ولا تعلم من أحد مدة عمره قبل الوحي وذلك أربعون سنة ثم بعد الأربعين جاءهم بهذا الكتاب العظيم المشتمل على نفائس العلوم وأخبار الماضين وفيه من الأحكام والآداب ومكارم الأخلاق والفصاحة والبلاغة ما أعجز البلغاء والفصحاء عن معارضته فكل من له عقل سليم وفكر ثاقب يعلم أن هذا لم يحصل إلا بوحي من الله تعالى لا من عند نفسه وهو قوله أَفَلا تَعْقِلُونَ يعني أن هذا القرآن من عند الله أوحاه إليّ لا من قبل نفسي (ق) عن ابن عباس قال: أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة فمكث ثلاث عشرة سنة يوحى إليه ثم أمر بالهجرة فهاجر إلى المدينة فمكث بها عشر سنين ثم توفي صلى الله عليه وسلم: وفي رواية أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام بمكة ثلاث عشرة سنة يوحى إليه وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة، وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بمكة خمس عشرة سنة يسمع الصوت ويرى الضوء سبع سنين ولا يرى شيئا وثمان سنين يوحى إليه وأقام بالمدينة عشرا أو توفي وهو ابن خمس وستين سنة أخرجاه في الصحيحين (ق) عن عائشة قالت:
توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة. أخرجاه في الصحيحين (م) عن أنس قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وأبو بكر وهو ابن ثلاث وستين وعمر وهو ابن ثلاث وستين أخرجه مسلم (ق).
عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن قال سمعت أنس بن مالك يصف رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: كان ربعة من القوم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير أزهر اللون ليس بالأبيض الأمهق ولا بالآدم ليس بجعد قطط ولا سبط رجل أنزل عليه الوحي وهو ابن أربعين سنة فلبث بمكة عشر سنين ينزل عليه الوحي وبالمدينة عشرا وتوفاه الله على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء. أخرجاه في الصحيحين قال الشيخ محيي الدين النووي:
ورد في عمره صلى الله عليه وسلم ثلاث روايات إحداها أنه صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ستين سنة والثانية خمس وستون سنة والثالثة ثلاث وستون سنة وهو أصحها وأشهرها رواها مسلم من حديث أنس وعائشة وابن عباس واتفق العلماء على أن أصحها ثلاث وستون سنة وتأولوا الباقي عليه فرواية ستين سنة اقتصر فيها على العقود وترك الكسر ورواية الخمس متأولة أيضا بأنها حصل فيها اشتباه. قوله: يسمع الصوت، يعني صوت الهاتف من الملائكة ويرى الضوء يعني ضوء الملائكة أو نور آيات الله حتى رأى الملك بعينه وشافه بالوحي من الله عز وجل وقوله ليس بالأبيض الأمهق المراد به الشديد البياض كلون الجص وهو كريه المنظر وربما توهم الناظر أنه برص. والمراد: أنه كان أزهر اللون بين البياض والحمرة.
قوله عز وجل: فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً يعني فزعم أن له شريكا وولدا والمعنى: أني لم أفتر على الله كذبا ولم أكذب عليه في قولي إن هذا القرآن من عند الله وأنتم قد افتريتم على الله الكذب فزعمتم أن له شريكا وولدا والله تعالى منزه عن الشريك والولد وقيل: معناه إن هذا القرآن لو لم يكن من عند الله لما كان أحد في الدنيا أظلم على نفسه مني من حيث إني افتريته على الله ولما كان هذا القرآن من عند الله أوحاه إليّ وجب أن يقال ليس أحد في الدنيا أجهل ولا أظلم على نفسه منكم من حيث إنكم أنكرتم أن يكون هذا القرآن من عند الله فقد كذبتم بآياته وهو قوله تعالى: أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ يعني جحد بكون القرآن من عند الله وأنكر دلائل