الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة هود (11): الآيات 64 الى 67]
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوها تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذابٌ قَرِيبٌ (64) فَعَقَرُوها فَقالَ تَمَتَّعُوا فِي دارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ (65) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ (66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ (67)
وَيا قَوْمِ هذِهِ ناقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آيَةً وذلك أن قومه طلبوا أن يخرج لهم ناقة من صخرة كانت هناك أشاروا إليها فدعا الله عز وجل فأخرج لهم من تلك الصخرة ناقة عشراء ثم ولدت فصيلا يشبهها وقوله ناقة الله إضافة تشريف كبيت الله وعبد الله فكانت هذه الناقة لهم آية ومعجزة دالة على صدق صالح عليه السلام فَذَرُوها تَأْكُلْ يعني من العشب والنبات فِي أَرْضِ اللَّهِ يعني فليس عليكم مؤنتها وَلا تَمَسُّوها بِسُوءٍ يعني يعقر فَيَأْخُذَكُمْ يعني إن قتلتموها عَذابٌ قَرِيبٌ يعني في الدنيا فَعَقَرُوها يعني فخالفوا أمر ربهم فعقروها فَقالَ يعني فقال لهم صالح تَمَتَّعُوا يعني عيشوا فِي دارِكُمْ أي في بلدكم ثَلاثَةَ أَيَّامٍ يعني ثم تهلكون ذلِكَ يعني العذاب الذي أوعدهم به بعد ثلاثة أيام وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ أي هو غير كذب روى أنه قال لهم يأتيكم العذاب بعد ثلاثة أيام فتصبحون في اليوم الأول ووجوهكم مصفرة وفي اليوم الثاني محمرة وفي اليوم الثالث مسودة فكان كما قال وأتاهم العذاب في اليوم الرابع وهو قوله سبحانه وتعالى: فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني العذاب نَجَّيْنا صالِحاً وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا أي بنعمة منا بأن هديناهم إلى الإيمان فآمنوا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ يعني ونجيناهم من عذاب يومئذ سمي خزيا لأن فيه خزي الكافرين إِنَّ رَبَّكَ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم يعني إن ربك يا محمد هُوَ الْقَوِيُّ يعني هو القادر على إنجاء المؤمنين وإهلاك الكافرين الْعَزِيزُ يعني القاهر الذي لا يغلبه شيء ثم أخبر عن عذاب قوم صالح فقال سبحانه وتعالى: وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا يعني أنفسهم بالكفر الصَّيْحَةُ وذلك أن جبريل عليه السلام صاح بهم صيحة واحدة فهلكوا جميعا وقيل أتتهم صيحة من السماء فيها صوت كل صاعقة وصوت كل شيء في الأرض فتقطعت قلوبهم في صدورهم فماتوا جميعا فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ يعني صرعى هلكى.
[سورة هود (11): الآيات 68 الى 71]
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ (68) وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً قالَ سَلامٌ فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ (69) فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ (70) وَامْرَأَتُهُ قائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ (71)
كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها يعني كأن لم يقيموا في تلك الديار ولم يسكنوها مدة من الدهر يقال غنيت بالمكان إذا أتيته أقمت به أَلا إِنَّ ثَمُودَ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِثَمُودَ وهذه القصص قد تقدمت مستوفاة في تفسير سورة الأعراف.
قوله عز وجل: وَلَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى أراد بالرسل الملائكة واختلفوا في عددهم، فقال ابن عباس وعطاء: كانوا ثلاثة جبريل وميكائيل وإسرافيل، وقال الضحاك: كانوا تسعة وقال مقاتل كانوا اثني عشر ملكا، وقال محمد بن كعب القرظي: كان جبريل ومعه سبعة أملاك وقال السدي: كانوا أحد عشر ملكا على صور الغلمان الحسان الوجوه وقول ابن عباس: هو الأولى لأن أقل الجمع ثلاثة وقوله رسلنا جمع فيحمل على الأقل وما بعده غير مقطوع به بالبشرى يعني بالبشارة بإسحاق ويعقوب وقيل: بإهلاك قوم لوط قالُوا سَلاماً يعني أن الملائكة سلموا سلاما قالَ يعني لهم إبراهيم سَلامٌ أي عليكم أو أمركم سلام فَما لَبِثَ أَنْ جاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ يعني: مشويا والمحنوذ هو المشوي على الحجارة المحماة في حفرة من الأرض وهو من فعل أهل البادية وكان سمينا يسيل منه الودك قال قتادة: كان عامة مال إبراهيم عليه السلام البقر، وقيل: مكث إبراهيم عليه
السلام خمس عشرة ليلة لم يأته ضيف فاغتم لذلك وكان يحب الضيف ولا يأكل إلا معه فلما جاءت الملائكة رأى أضيافا لم ير مثلهم قط فعجل قراهم وجاءهم بعجل سمين مشوي فَلَمَّا رَأى أَيْدِيَهُمْ يعني أيدي الأضياف لا تَصِلُ إِلَيْهِ يعني إلى العجل المشوي نَكِرَهُمْ يعني أنكرهم وأنكر حالهم وإنما أنكر حالهم لامتناعهم من الطعام وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً يعني ووقع في قلبه خوف منهم والوجوس هو رعب القلب وإنما خاف إبراهيم صلى الله عليه وسلم منهم لأنه كان ينزل ناحية من الناس فخاف أن ينزلوا به مكروها لامتناعهم من طعامه ولم يعرف أنهم ملائكة وقيل إن إبراهيم عرف أنهم ملائكة لما قدمه إليهم لمعلمه أن الملائكة لا يأكلون ولا يشربون ولأنه خافهم ولو عرف أنهم ملائكة وإنما خاف أن يكونوا نزلوا بعذاب قومه فخاف من ذلك والأقرب أن إبراهيم عليه السلام لم يعرف أنهم ملائكة في أول الأمر ويدل على صحة هذا أنه عليه السلام قدم إليهم الطعام ولو عرف أنهم ملائكة لما خافهم فلما رأت الملائكة خوف إبراهيم عليه السلام قالُوا لا تَخَفْ يا إبراهيم إِنَّا ملائكة الله أُرْسِلْنا إِلى قَوْمِ لُوطٍ وَامْرَأَتُهُ يعني سارة زوجة إبراهيم وهي ابنة هاران بن ناحوراء وهي ابنة عم إبراهيم قائِمَةٌ يعني من وراء الستر تسمع كلامهم، وقيل: كانت قائمة في خدمة الرسل وإبراهيم جالس معهم فَضَحِكَتْ أصل الضحك انبساط الوجه من سرور يحصل للنفس ولظهور الأسنان عنده سميت مقدمات الأسنان الضواحك ويستعمل في السرور المجرد وفي التعجب المجرد أيضا وللعلماء في تفسير هذا الضحك قولان أحدهما أنه الضحك المعروف وعليه أكثر المفسرين ثم اختلفوا في سبب هذا الضحك فقال السدي لما قرب إبراهيم الطعام إلى أضيافه فلم يأكلوا خاف إبراهيم منهم فقال ألا تأكلون فقالوا إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن قال فإن له ثمنا قالوا وما ثمنه قال تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة وقالت يا عجبا لأضيافنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا، وقال قتادة: ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم، وقال مقاتل والكلبي: ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة وهو فيما بين خدمه وحشمه وخواصه وقيل: ضحكت من زوال الخوف عنها وعن إبراهيم وذلك أنها خافت لخوفه فحين قالوا لا تخف ضحكت سرورا وقيل ضحكت سرورا بالبشارة، وقال ابن عباس ووهب: ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها فعلى هذا القول يكون في الآية تقديم وتأخير تقديره فبشّرناها بإسحاق فضحكت يعني تعجبا من ذلك وقيل إنها قالت لإبراهيم اضمم إليك ابن أخيك لوطا فإن العذاب نازل بقومه فلما جاءت الرسل وبشّرت بعذابهم سرّت سارة بذلك وضحكت لموافقة ما ظنت.
القول الثاني: في معنى قوله فضحكت قال عكرمة ومجاهد أي حاضت في الوقت وأنكر بعض أهل اللغة ذلك، قال الراغب: وقول من قال حاضت ليس ذلك تفسيرا لقوله فضحكت كما تصوره بعض المفسرين فقال ضحكت بمعنى حاضت وإنما ذكر ذلك تنصيصا لحالها فإن جعل ذلك أمارة لما بشرت به بحيضها في الوقت لتعلم أن حملها ليس بمنكر لأن المرأة ما دامت تحيض فإنها تحمل وقال الفراء: ضحكت بمعنى حاضت لم نسمعه من ثقة، وقال الزجاج: ليس بشيء ضحكت بمعنى حاضت، وقال ابن الأنباري: قد أنكر الفراء وأبو عبيدة أن يكون ضحكت بمعنى حاضت وقد عرفه غيرهم وأنشد:
تضحك الضبع لقتلى هذيل
…
وترى الذئب بها يستهل
قال: أراد أنها تحيض فرحا وقال الليث في هذه الآية فضحكت أي طمثت وحكى الأزهري عن بعضهم في قوله فضحكت أي حاضت قال: ويقال أصله من ضحاك الطلعة إذا انشقت، قال: وقال الأخطل فيه بمعنى الحيض: