الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يوم بدر من الأيام وكانوا يكونون فيما سواه عددا ومددا. وروي عن أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان قد شهد بدرا أنه قال بعد ما ذهب بصره لو كنت معكم اليوم ببدر ومعي بصري لأريتكم الشعب الذي خرجت منه الملائكة تقدم الكلام في سورة آل عمران هل قاتلت الملائكة أم لا والصحيح أنهم قاتلوا يوم بدر لما تقدم من حديث ابن عباس في الذي ضربه بالسوط فحطم أنفه وشق وجهه وكانوا فيما سوى يوم بدر مددا وعونا قيل إنهم لم يقاتلوا وإنما نزلوا ليكثروا سواد المسلمين ويثبتوهم ويدل عليه قوله سبحانه وتعالى:
[سورة الأنفال (8): الآيات 10 الى 12]
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَاّ بُشْرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وَمَا النَّصْرُ إِلَاّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (10) إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ (11) إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ (12)
وَما جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشْرى يعني وما جعل الله الإرداف بالملائكة إلا بشرى وَلِتَطْمَئِنَّ بِهِ قُلُوبُكُمْ وهذا يحقق أنهم إنما نزلوا لذلك لا للقتال والصحيح هو الأول وأنهم قاتلوا يوم بدر ولم يقاتلوا فيما سواه من الأيام.
وقوله تعالى: وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني أن الله هو ينصركم أيها المؤمنون فثقوا بنصره ولا تتكلوا على قوتكم وشدة بأسكم وفيه تنبيه على أن الواجب على العبد المسلم أن لا يتوكل إلا على الله تعالى في جميع أحواله ولا يثق بغيره فإن الله تعالى بيده النصر والإعانة إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ يعني أنه تعالى قوي منيع لا يقهره شيء ولا يغلبه غالب بل هو يقهر كل شيء ويغلبه حَكِيمٌ يعني في تدبيره ونصره ينصر من يشاء ويخذل من يشاء من عباده.
قوله سبحانه وتعالى: إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعاسَ أَمَنَةً مِنْهُ أي: واذكروا إذ يلقى عليكم النعاس وهو النوم الخفيف أمنة منه أي أمنا من الله لكم من عدوكم أن يغلبكم قال عبد الله بن مسعود: النعاس في القتال أمنة من الله وفي الصلاة من الشيطان والفائدة في كون النعاس أمنة في القتال أن الخائف على نفسه لا يأخذه النوم فصار حصول النوم وقت الخوف الشديد دليلا على الأمن وإزالة الخوف. وقيل إنهم لما خافوا على أنفسهم لكثرة عدوهم وعددهم وقلة المسلمين وقلة عددهم وعددهم وعطشوا عطشا شديدا ألقى عليهم النوم حتى حصلت لهم الراحة وزال عنهم الكلال والعطش وتمكنوا من قتال عدوهم وكان ذاك النوم نعمة في حقهم لأنه كان خفيفا بحيث لو قصدهم العدو لعرفوا وصوله إليهم وقدروا على دفعه عنهم وقيل في كون هذا النوم كان أمنة من الله أنه وقع عليهم النعاس دفعة واحدة فناموا كلهم مع كثرتهم وحصول النعاس لهذا الجمع العظيم مع وجود الخوف الشديد أمر خارج عن العادة فلهذا السبب قيل إن ذلك النعاس كان في حكم المعجزة لأنه أمر خارق للعادة وقوله سبحانه وتعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً يعني المطر لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وذلك أن المسلمين نزلوا يوم بدر على كثيب رمل أعفر تسوخ فيه الأقدام وحوافر الدواب وكان المشركون قد سبقوهم إلى ماء بدر فنزلوا عليه وأصبح المسلمون على غير ماء وبعضهم محدث وبعضهم جنب وأصابهم العطش فوسوس لهم الشيطان. وقال: تزعمون أنكم على الحق وفيكم نبي الله وأنتم أولياء الله وقد غلبكم المشركون على الماء وأنتم تصلون محدثين ومجنبين فكيف ترجون أن تظهروا على عدوكم؟ فأنزل الله سبحانه وتعالى مطرا سال منه الوادي فشرب منه المؤمنون واغتسلوا وتوضؤوا وسقوا الركاب وملأوا الأسقية وأطفأ الغبار ولبد الأرض حتى ثبتت عليها الأقدام وزالت عنهم وسوسة الشيطان وطابت أنفسهم وعظمت النعمة من الله عليهم بذلك وكان دليلا على حصول النصر والظفر، فذلك قوله سبحانه وتعالى: وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ يعني: من الإحداث والجنابة وَيُذْهِبَ
عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطانِ يعني وسوسته التي ألقاها في قلوبكم وَلِيَرْبِطَ عَلى قُلُوبِكُمْ يعني بالنصر واليقين والربط في اللغة الشد وكل من صبر على أمر فقد ربط نفسه عليه قال الواحدي ويشبه أن تكون لفظة على صلة والمعنى وليربط قلوبكم بالصبر وما أوقع فيها من اليقين وقيل: إن لفظة على ليست بصلة لأنها تفيد الاستعلاء فيكون المعنى: أن القلوب امتلأت من ذلك الربط حتى كأنه علا عليها وارتفع فوقها وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدامَ يعني أن ذاك المطر لبد الأرض وقوى الرمل حتى تثبتت عليه الأقدام وحوافر الدواب، وقيل المراد به تثبت الأقدام بالصبر وقوة القلب لأن من يكون ضعيف القلب لا يثبت قدمه بل يفر ويهرب عن اللقاء.
وقوله سبحانه وتعالى: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ يعني أن الله سبحانه وتعالى أوحى إلى الملائكة الذين أمد بهم النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إني معكم بالنصر والمعونة فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا أي: قووا قلوبهم واختلفوا في كيفية هذه التقوية والتثبيت. فقيل: كما أن للشيطان قوة في إلقاء الوسوسة في قلب ابن آدم بالشر، فكذلك للملك قوة في إلقاء الإلهام في قلب ابن آدم بالخير. ويسمى ما يلقي الشيطان: وسوسة، وما يلقي الملك لمة وإلهاما، فهذا هو التثبيت. وقيل: إن ذلك التثبيت هو حضورهم معهم القتال ومعونتهم لهم أي: ثبتوهم بقتالكم معهم المشركين، وقيل معناه بشروهم بالنصر والظفر فكان الملك يمشي في صورة رجل أمام الصف ويقول أبشروا فإن الله ناصركم عليهم سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ يعني الخوف وكان ذلك نعمة من الله على المؤمنين حيث ألقى الرعب والخوف في قلوب الكافرين فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْناقِ قيل هو خطاب مع المؤمنين فيكون منقطعا عما قبله. وقيل: هو خطاب مع الملائكة فيكون متصلا بما قبله ..
قال ابن الأنباري: ما كانت الملائكة تعرف تقتل بني آدم فعلمهم الله ذلك بقوله تعالى فاضربوا فوق الأعناق. قال عكرمة: يعني الرؤوس لأنها فوق الأعناق. وقال الضحاك: معناه فاضربوا الأعناق وفوق صلة.
وقيل: معناه فاضربوا على الأعناق فتكون فوق بمعنى على وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنانٍ يعني كل مفصل. وقال ابن عباس: يعني الأطراف وهي جمع بنانة وهي أطراف أصابع اليدين سميت بذلك لأن بها صلاح الأحوال التي يمكن الإنسان أن يبين ما يريد أن يعمله بيديه وإنما خصت بالذكر من دون سائر الأطراف لأجل أن الإنسان بها يقاتل وبها يمسك السلاح في الحرب. وقيل: إنه سبحانه وتعالى أمرهم بضرب أعلى الجسد وهو الرأس وهو أشرف الأعضاء وبضرب البنان وهو أضعف الأعضاء فيدخل في ذلك كل عضو في الجسد. وقيل: أمرهم بضرب الرأس وفيه هلاك الإنسان وبضرب البنان وفيه تعطيل حركة الإنسان عن الحرب لأن بالبنان يتمكن من مسك السلاح وحمله والضرب به فإذا قطع بنانه تعطل عن ذلك كله. روي عن أبي داود المازني، وكان شهد بدرا، قال: إني لأتبع رجلا من المشركين لأضربه إذ وقع رأسه قبل أن يصل إليه سيفي فعرفت أنه قد قتله غيري. وعن سهل بن حنيف قال: لقد رأيتنا يوم بدر وإن أحدنا ليشير بسيفه إلى المشرك فيقع رأسه عن جسده قبل أن يصل إليه السيف، وروى عكرمة عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كنت غلاما للعباس بن عبد المطلب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان الإسلام قد دخل علينا أهل البيت فأسلمت أم الفضل وأسلمت وكان العباس يهاب قومه ويكره خلافهم وكان يكتم إسلامه وكان ذا مال كثير متفرق في قومه وكان عدو الله أبو لهب قد تخلف عن بدر وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة فلما جاء الخبر عن مقتل أصحاب بدر كبته الله وأخزاه ووجدنا في أنفسنا قوة وعزا، قال أبو رافع وكنت رجلا ضعيفا أعمل القداح وأنحتها في حجرة زمزم فو الله إني لجالس أنحت القداح وعندي أم الفضل جالسة إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجر رجليه حتى جلس على طنب الحجرة فكان ظهره إلى ظهري فبينما هو جالس إذ قال الناس: هذا أبو سفيان بن الحرث بن عبد المطلب قد قدم فقال أبو لهب: إليّ يا ابن أخي فعندك الخبر اليقين فجلس إليه والناس قيام عليه فقال أبو لهب: يا ابن أخي خبرني كيف كانت أحوال الناس؟ قال: لا