الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
عربية فصيحة وإن كانت غير عربية في الأصل لكنهم لما تكلموا بها نسبت إليهم وصارت لهم لغة، فظهر بهذا البيان صحة القولين وأمكن الجمع بينهما لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ يعني تفهمون أيها العرب لأنه نازل بلغتكم قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ الأصل في معنى القصص اتباع الخبر بعضه بعضا والقاص هو الذي يأتي بالخبر على وجهه وأصله في اللغة من قصص الأثر إذا تتبعه وإنما سميت الحكاية قصة لأن الذي يقص الحديث يذكر تلك القصة شيئا فشيئا والمعنى نحن نبين لك يا محمد أخبار الأمم السالفة والقرون الماضية أحسن البيان وقيل المراد منه قصة يوسف عليه الصلاة والسلام خاصة وإنما سماها أحسن القصص لما فيها من العبر والحكم والنكت والفوائد التي تصلح للدين والدنيا وما فيها من سير الملوك والمماليك والعلماء ومكر النساء والصبر على أذى الأعداء وحسن التجاوز عنهم بعد اللقاء وغير ذلك من الفوائد المذكورة في هذه السورة الشريفة. قال خالد بن معدان: سورة يوسف وسورة مريم يتفكه بهما أهل الجنة في الجنة. قال عطاء: لا يسمع سورة يوسف محزون إلا استراح إليها.
وقوله تعالى: بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ يعني بإيحائنا إليك يا محمد هذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ أي وقد كنت مِنْ قَبْلِهِ يعني من قبل وحينا إليك لَمِنَ الْغافِلِينَ يعني عن هذه القصة وما فيها من العجائب قال سعد بن أبي وقاص: أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاه عليهم زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا فأنزل الله عز وجل: اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ فقالوا يا رسول الله لو قصصت علينا فأنزل الله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ فقالوا يا رسول الله لو ذكرتنا فأنزل الله عز وجل: أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ قوله عز وجل:
[سورة يوسف (12): الآيات 4 الى 5]
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ (4) قالَ يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ (5)
إِذْ قالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ أي اذكر يا محمد لقومك قول يوسف لأبيه يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليه وعليهم أجمعين (خ) عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم ويوسف اسم عبري ولذلك لا يجري فيه الصرف وقيل هو عربي سئل أبو الحسن الأقطع عن يوسف فقال الأسف أشد الحزن والأسيف العبد واجتمعا في يوسف فسمي به يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ معناه قال أهل التفسير: رأى يوسف في منامه كأن أحد عشر كوكبا نزلت من السماء ومعها الشمس والقمر فسجدوا له وكانت هذه الرؤيا ليلة الجمعة وكانت ليلة القدر وكان النجوم في التأويل إخوته وكانوا أحد عشر رجلا يستضاء بهم كما يستضاء بالنجوم والشمس أبوه والقمر أمه في قول قتادة، وقال السدي: القمر خالته لأن أمه راحيل كانت قد ماتت. وقال قتادة وابن جريج:
القمر أبوه والشمس أمه لأن الشمس مؤنثة والقمر مذكر وكان يوسف عليه السلام ابن اثنتي عشرة سنة، وقيل:
سبع عشرة سنة وقيل سبع سنين وأراد بالسجود تواضعهم له ودخولهم تحت أمره وقيل أراد به حقيقة السجود لأنه كان في ذلك الزمان التحية فيما بينهم السجود.
فإن قلت: إن الكواكب جماد لا تعقل فكيف عبر عنها بكناية من يعقل في قوله رأيتهم ولم يقل رأيتها وقوله: ساجدين ولم يقل ساجدات.
قلت: لما أخبرنا عنها بفعل من يعقل وهو السجود كنى عنها بكناية من يعقل فهو كقوله يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ وقيل إن الفلاسفة والمنجمين يزعمون أن الكواكب أحياء نواطق حساسة فيجوز أن يعبر عنها
بكناية من يعقل وهذا القول ليس بشيء والأول أصح فإن قلت قد قال إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ثم أعاد لفظ الرؤيا ثانيا فقال رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ فما فائدة هذا التكرار.
قلت: معنى الرؤيا الأولى أنه رأى أجرام الكواكب والشمس والقمر ومعنى الرؤيا الثانية أنه أخبر بسجودها له وقال بعضهم.
معناه أنه لمّا قال: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فكأنه قيل له: وكيف رأيت؟ قال: رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ وإنما أفرد الشمس والقمر بالذكر وإن كانا من جملة الكواكب للدلالة على فضلهما وشرفهما على سائر الكواكب قال أهل التفسير: إن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان شديد الحب ليوسف عليه الصلاة والسلام فحسده إخوته لهذا السبب وظهر ذلك ليعقوب، فلما رأى يوسف هذه الرؤيا وكان تأويلها أن إخوته وأبويه يخضعون له فلهذا قالَ يعقوب يا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلى إِخْوَتِكَ يعني لا تخبرهم برؤياك فإنهم يعرفون تأويلها فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً أي: فيحتالوا في إهلاكك فأمره بكتمان رؤياه عن إخوته لأن رؤيا الأنبياء وحي وحق واللام في فيكيدوا لك كيدا تأكيدا للصلة كقولك: نصحتك ونصحت لك وشكرتك وشكرت لك إِنَّ الشَّيْطانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ يعني أنه بيّن العداوة، لأن عداوته قديمة فهم إن أقدموا على الكيد كان ذلك مضافا إلى تزيين الشيطان ووسوسته (ق) عن أبي قتادة قال: كنت أرى الرؤيا تمرضني حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الرؤيا الصالحة من الله والرؤيا السوء من الشيطان فإذا رأى أحدكم ما يحب فلا يحدث بها إلا من يحب وإذا رأى أحدكم ما يكره فليتفل عن يساره ثلاثا وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم وشرها فإنها لن تضره» (خ). عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأى أحدكم الرؤيا يحبها فإنها من الله فليحمد الله عليها وليحدّث بها وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان فليستعذ بالله من الشيطان ومن شرّها ولا يذكرها لأحد فإنها لن تضره» (م) عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إذا رأى أحدكم الرؤيا يكرهها فليبصق عن يساره ثلاثا وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم ثلاثا وليتحول عن جنبه الذي كان عليه» عن أبي رزين العقيلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «رؤيا المؤمن جزء من أربعين وفي رواية جزء من ستة وأربعين جزء من النبوة وهي على رجل طائر ما لم يحدث بها فإذا حدث بها سقطت قال وأحسبه قال ولا يحدث بها إلا لبيبا أو حبيبا» أخرجه الترمذي، ولأبي داود نحوه قال الشيخ محيي الدين النووي قال المازري مذهب أهل السنة في حقيقة الرؤيا أن الله تعالى يخلق في قلب النائم اعتقادات كما يخلقها في قلب اليقظان وهو سبحانه وتعالى يفعل ما يشاء لا يمنعه نوم ولا يقظة فإذا خلق هذه الاعتقادات فكأنه جعلها علما على أمور أخر يجعلها في ثاني الحال والجميع خلق الله تعالى ولكن يخلق الرؤيا والاعتقادات التي يجعلها علما على ما سر بغير حضرة الشيطان فإذا خلق ما هو علم على ما يضر يكون بحضرة الشيطان فينسب إلى الشيطان مجازا وإن كان لا فعل له في الحقيقة فهذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم «الرؤيا من الله والحلم من الشيطان» ، لا على أن الشيطان يفعل شيئا والرؤيا اسم للمحبوب والحلم اسم للمكروه، وقال غيره: إضافة الرؤيا المحبوبة إلى الله تعالى إضافة تشريف بخلاف الرؤيا المكروهة وإن كانتا جميعا من خلق الله وتدبيره وإرادته ولا فعل للشيطان فيها ولكنه يحضر المكروهة ويرتضيها فيستحب إذا رأى الرجل في منامه ما يحب أن يحدث به من يحب وإذا رأى ما يكره فلا يحدث به وليتعوذ بالله من الشيطان الرجيم ومن شرها وليتفل ثلاثا وليتحول إلى جنبه الآخر فإنها لا تضره فإن الله تعالى جعل هذه الأسباب سببا لسلامته من المكروه كما جعل الصدقة سببا لوقاية المال وغيره من البلاء والله أعلم.