الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة الأعراف
نزلت بمكة روي ذلك عن ابن عباس، وبه قال الحسن ومجاهد وعكرمة وعطاء وجابر بن زيد وقتادة.
وروي عن ابن عباس أيضا أنها مكية إلا خمس آيات أولها: وأسألهم عن القرية التي كانت. وبه قال قتادة وقال مقاتل: ثمان آيات في سورة الأعراف مدنية أولها وأسألهم عن القرية إلى قوله وإذا أخذ ربك من بني آدم وهي مائتان وست آيات وثلاثة آلاف وثلاثمائة وخمس وعشرون كلمة وأربعة عشرة ألف حرف عشرة أحرف.
بسم الله الرحمن الرحيم
[سورة الأعراف (7): آية 1]
بسم الله الرحمن الرحيم
المص (1)
قوله عز وجل المص قال ابن عباس: معناه أنا الله أفصل وعنه أنا الله أعلم وأفصل وعنه أن المص قسم أقسم الله به وهو اسم من أسماء الله تعالى، وقال قتادة: المص اسم من أسماء القرآن، وقال الحسن: هو اسم للسورة، وقال السدي: هو بعض اسمه تعالى المصور، وقال أبو العالية: الألف مفتاح اسمه الله واللام مفتاح اسمه لطيف والميم مفتاح اسمه مجيد والصاد مفتاح اسمه صادق وصبور. وقيل: هي حروف مقطعة استأثر الله تعالى بعلمها وهي سره في كتابه العزيز، وقيل: هي حروف اسمه الأعظم وقيل هي حروف تحتوي معاني دل الله بها خلقه على مراده وقد تقدم بسط الكلام على معاني الحروف المقطعة أوائل السور في أول سورة البقرة.
[سورة الأعراف (7): الآيات 2 الى 6]
كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (2) اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ (3) وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ (4) فَما كانَ دَعْواهُمْ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا إِلَاّ أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ (5) فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ (6)
وقوله تعالى: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ يعني هذا كتاب أنزله الله إليك يا محمد وهو القرآن فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ يعني: فلا يضيق صدرك بالإبلاغ وتأدية ما أرسلت به إلى الناس لِتُنْذِرَ بِهِ يعني: أنزلت إليك الكتاب يا محمد لتنذر به من أمرتك بإنذاره وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ يعني: ولتذكر وتعظ به المؤمنين وهذا من المؤخر الذي معناه التقديم، تقديره: كتاب أنزلناه إليك لتنذر به وذكر للمؤمنين فلا يكن في صدرك حرج منه.
قال ابن عباس: فلا تكن في شك منه لأن الشك لا يكون إلا من ضيق الصدر وقلة الاتساع لتوجيه ما حصل له.
قوله تعالى: اتَّبِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أي: قل يا محمد لقومك اتبعوا أيها الناس ما أنزل إليكم من ربكم يعني من القرآن الذي فيه الهدى والنور والبيان. قال الحسن: يا ابن آدم أمرت باتباع كتاب الله وسنة محمد صلى الله عليه وسلم والله ما نزلت آية إلا ويجب أن تعلم فيما أنزلت وما معناها، وبنحو هذا قال الزجاج: أي اتبعوا القرآن وما
أتى به النبي صلى الله عليه وسلم فإنه مما أنزل لقوله تعالى: وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ومعنى الآية أن الله تعالى لما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنذار في قوله لتنذر به كان معنى الكلام أنذر القوم «وقل لهم اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم» واتركوا ما أنتم عليه من الكفر والشرك، وقيل: معناه لتنذر به وتذكر به المؤمنين فتقول لهم «اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم» ، وقيل: هو خطاب للكفار أي اتبعوا أيها المشركون ما أنزل إليكم من ربكم واتركوا ما أنتم عليه من الكفر والشرك ويدل عليه قوله تعالى: وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ يعني ولا تتخذوا الذين يدعونكم إلى الكفر والشرك أولياء فتتبعوهم. والمعنى: ولا تتولوا من دونه شياطين الإنس والجن فيأمروكم بعبادة الأصنام واتباع البدع والأهواء الفاسدة قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ يعني ما تتعظون إلا قليلا.
قوله تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها لما أمر الله رسول الله صلى الله عليه وسلم بالإنذار والإبلاغ، وأمر أمته باتباع ما أنزله إليهم حذرهم نقمته وبأسه إن لم يتبعوا ما أمروا به فذكر في هذه الآية ما في ترك المتابعة والإعراض عن أمره من الوعيد فقال تعالى: وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها، قيل: فيه حذف تقديره وكم من أهل قرية لأن المقصود بالإهلاك أهل القرية لا القرية، وقيل: ليس فيه حذف لأن إهلاك القرية إهلاك لأهلها فَجاءَها بَأْسُنا يعني عذابنا.
فإن قلت مجيء البأس وهو العذاب إنما يكون قبل الإهلاك فكيف قال أهلكناها فجاءها بأسنا؟
قلت: معناه وكم من قرية حكمنا بإهلاكها فجاءها بأسنا. وقال الفراء: الهلاك والبأس قد يقعان معا كما يقال أعطيتني فأحسنت إليّ فلم يكن الإحسان قبل الإعطاء ولا بعده وإنما وقعا معا. وقال غيره: لا فرق بين قولك أعطيتني فأحسنت إليّ أو أحسنت إليّ فأعطيتني فيكون أحدهما بدلا من الآخر بَياتاً يعني فجاءها عذابنا ليلا قبل أن يصبحوا أَوْ هُمْ قائِلُونَ من القيلولة وهي نوم نصف النهار أو استراحة نصف النهار وإن لم يكن معها نوم والمعنى فجاءها بأسنا غفلة وهم غير متوقعين له ليلا وهم نائمون أو نهارا وهم قائلون وقت الظهيرة وكل ذلك وقت الغفلة. ومقصود الآية أنه جاءهم العذاب على حين غفلة منهم من غير تقدم أمارة تدلهم على وقت نزول العذاب وفيه وعيد وتخويف للكفار كأنه قيل لهم لا تغتروا بأسباب الأمن والراحة فإن عذاب الله إذا نزل نزل دفعة واحدة فَما كانَ دَعْواهُمْ يعني فما كان دعاء أهل القرية التي جاءها بأسنا والدعوى تكون بمعنى الادعاء وبمعنى الدعاء، قال سيبويه: تقول العرب اللهم أشركنا في صالح دعوى المؤمنين ومنه قوله تعالى:
دَعْواهُمْ فِيها سُبْحانَكَ اللَّهُمَّ إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا يعني عذابنا إِلَّا أَنْ قالُوا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ يعني أنهم لم يقدروا على رد العذاب عنهم وكان حاصل أمرهم الاعتراف بالجناية وذلك حين لا ينفع الاعتراف فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ يعني: نسأل الأمم الذين أرسلنا إليهم الرسل ماذا عملتم فيما جاءتكم به الرسل وَلَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ يعني ولنسألن الرسل الذين أرسلناهم إلى الأمم هل بلغتم رسالاتنا وأديتم إلى الأمم ما أمرتم بتأديته إليهم أم قصرتم في ذلك. قال ابن عباس رضي الله عنهما في معنى هذه الآية: يسأل الله تعالى الناس عما أجابوا به المرسلين ويسأل المرسلين عما بلغوا وعنه أنه قال يوضع الكتاب يوم القيامة فيتكلم بما كانوا يعملون. وقال السدي: يسأل الأمم ماذا عملوا فيما جاءت به الرسل ويسأل الرسل هل بلّغوا ما أرسلوا به.
فإن قلت: قد أخبر عنهم في الآية الأولى بأنهم اعترفوا على أنفسهم بالظلم في قوله إنا كنا ظالمين فما فائدة هذا السؤال مع اعترافهم على أنفسهم بذلك؟
قلت: لما اعترفوا بأنهم كانوا ظالمين مقصرين سئلوا بعد ذلك عن سبب هذا الظلم والتقصير والمقصود من هذا التقريع والتوبيخ للكفار.