الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَزَقْناكُمْ أي وقلنا كلوا وَما ظَلَمُونا وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ في الكلام حذف ترك ذكره للاستغناء عنه ودلالة الكلام عليه تقديره كلوا من طيبات ما رزقناكم فأجمعوا ذلك وسئموه، وقالوا: لن نصبر على طعام واحد وسألوه غيره لأن المكلف إذا أمر بشيء فتركه وعدل عنه إلى غيره يكون عاصيا بفعله ذلك فلهذا قال: وما ظلمونا يعني وما أدخلوا علينا في ملكنا وسلطاننا نقصا بمسألتهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يعني بمخالفتهم ما أمروا به وقد تقدم بسط الكلام على هذه الآية في سورة البقرة.
وقوله تعالى: وَإِذْ قِيلَ لَهُمُ يعني: واذكر يا محمد لقومك إذ قيل لهم يعني لبني إسرائيل اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ يعني بيت المقدس، وقال في سورة البقرة: ادخلوا هذه القرية، ولا منافاة بينهما لأن كل ساكن في موضع لا بد له من الدخول إليه وَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ يعني وكلوا من ثمار القرية وزروعها وحبوبها وبقولها حيث شئتم وأين شئتم. وقال في البقرة: فكلوا، بالفاء وهنا بالواو والفرق بينهما أن الدخول حالة مقتضية للأكل عقبه فيحسن دخول الفاء التي هي للتعقيب ولما كانت السكنى حالة استمرار حسن دخول الواو عقب السكنى فيكون الأكل حاصلا متى شاؤوا وإنما قال في سورة البقرة: رغدا، ولم يقله هنا لأن الأكل عقب الدخول ألذ وأكمل فأما الأكل مع السكنى والاستمرار فليس كذلك فحسن دخول لفظة رغدا هناك بخلافه هنا وَقُولُوا حِطَّةٌ أي حط عنا ذنوبنا وَادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وقال في البقرة عكس هذا اللفظ ولا منافاة في ذلك لأن المقصود من ذلك تعظيم أمر الله وإظهار الخضوع والخشوع له فلم يتفاوت الحال بسبب التقديم والتأخير نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ يعني نغفر لكم ذنوبكم ولم نؤاخذكم بها.
وإنما قال هنا خطيئاتكم وفي البقرة خطاياكم لأن المقصود غفران ذنوبهم سواء كانت قليلة أو كثيرة إذا أتوا بالدعاء والتضرع سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ وقال في سورة البقرة: وسنزيد، بالواو ومعناه أنه قد وعد المسيئين بالغفران وبالزيادة للمحسنين من الثواب وإسقاط الواو لا يخل بهذا المعنى لأنه استئناف مرتب على تقدير قول القائل وماذا بعد الغفران فقيل له: سنزيد المحسنين فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ يعني فغير الذين ظلموا أنفسهم بمخالفة أمرنا من بني إسرائيل فقالوا قولا غير الذي قيل لهم وأمروا به وذلك أنهم أمروا أن يقول حطة فقالوا حنطة في شعيرة فكان ذلك تبديلهم وتغييرهم فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ يعني بعثنا عليهم عذابا من السماء أهلكهم، ولا منافاة بين قوله تعالى هنا أرسلنا وبين قوله في سورة البقرة أنزلنا لأنهما لا يكونان إلا من أعلى إلى أسفل، وقيل: بينهما فرق وهو أن الإنزال لا يشعر بالكثرة والإرسال يشعر بذلك فكأنه تعالى بدأ بإنزال العذاب قليلا ثم أرسله عليهم كثيرا بِما كانُوا يَظْلِمُونَ يعني أن إرسال العذاب عليهم بسبب ظلمهم ومخالفتهم أمر الله. وقال في البقرة: بما كانوا يفسقون، والجمع بينهما أنهم لما ظلموا أنفسهم بما غيروا وبدلوا فسقوا بذلك وخرجوا عن طاعة الله تعالى وقد تقدمت هذه القصة أيضا في تفسير سورة البقرة.
[سورة الأعراف (7): الآيات 163 الى 164]
وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ (163) وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (164)
قوله عز وجل: وَسْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم أي: سل يا محمد هؤلاء اليهود الذين هم جيرانك عن حال أهل القرية وهذا السؤال سؤال توبيخ وتقريع لا سؤال استفهام، لأنه عليه الصلاة والسلام كان قد علم حال أهل هذه القرية بوحي الله عز وجل إليه وإخباره إياهم بحالهم وإنما المقصود
بهذا السؤال تقريع اليهود على إقدامهم على الكفر والمعاصي قديما وأن إصرارهم على الكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم وإنكار نبوته ومعجزاته ليس بشيء قد حدث منهم في زمانه بل إصرارهم على الكفر كان حاصلا لأسلافهم في قديم الزمان. وفي الإخبار بهذه القصة معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان أميا لا يقرأ الكتب القديمة ولم يعرف أخبار الأولين، ثم أخبرهم بما جرى لأسلافهم في قديم الزمان وإنهم بسبب مخالفتهم أمر الله عز وجل مسخوا قردة وخنازير واختلفوا في هذه القرية فقال ابن عباس «1»: هي قرية بين مصر والمدينة والمغرب. وقيل بين مدين والطور على شاطئ البحر. وقال الزهري: هي طبرية الشام. وفي رواية عن ابن عباس قال: هي مدين وقال وهب: هي ما بين مدين وعيوني يعني القرية التي كانت على ساحل البحر وقريبة منه إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ يعني يتجاوزون حد الله فيه، وما أمرهم به من تعظيمه فخالفوا أمر الله وصادوا فيه السمك إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً يعني ظاهرة على الماء كثيرة وقال الضحاك تأتيهم متتابعة يتبع بعضها بعضا وقيل كانت تأتيهم يوم السبت مثل الكباش البيض السمان وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ يعني الحيتان كَذلِكَ نَبْلُوهُمْ يعني مثل هذا الاختبار الشديد نختبرهم ونحن أعلم بحالهم بِما كانُوا يَفْسُقُونَ يعني أن ذلك الابتداء والاختبار بسبب فسقهم وخروجهم عن طاعة الله وما أمروا به. قال أهل التفسير: إن اليهود أمروا يوم الجمعة فتركوه واختاروا يوم السبت فابتلوا به وهو أن الله أمرهم بتعظيمه ونهاهم عن العمل فيه وحرم عليهم فيه الصيد، فلما أراد أن يبتليهم كانت الحيتان تظهر لهم في يوم السبت ينظرون إليها في البحر فإذا انقضى السبت ذهبت فلم تر إلى السبت المقبل فلما ابتلوا به وسوس إليهم الشيطان وقال إن الله لم ينهكم عن الاصطياد وإنما نهاكم عن الأكل فاصطادوا وقيل إنه وسوس إليهم أنكم إنما نهيتم عن الأخذ فاتخذوا حياضا على ساحل البحر وسوقوا إليها الحيتان يوم السبت فإذا كان يوم الأحد خذوها ففعلوا ذلك زمانا ثم إنهم تجرؤوا على السبت وقالوا: ما نرى السبت إلا قد حل لنا فاصطادوا فيه وأكلوا وباعوا وصار أهل القرية أحزابا ثلاثة وكانوا نحوا من سبعين ألفا فثلث نهوا عن الاصطياد وثلث سكتوا ولم ينهوا وقالوا للناهين لم تعظمون قوما الله مهلكهم وثلث هم أصحاب الخطيئة الذين خالفوا أمر الله واصطادوا وأكلوا وباعوا فلما لم ينتهوا عما هم فيه من المعصية قال الناهون لا نساكنكم في قرية واحدة فقسموا القرية بينهم بجدار للناهين باب يدخلون ويخرجون منه وللعاصين باب، ولعنهم داود عليه الصلاة والسلام وكانوا في زمنه فأصبح الناهون ذات يوم ولم يخرج من المعتدين أحد فقالوا إن لهم لشأنا لعل الخمر قد غلبتهم فعلوا على الجدار الذي بينهم فإذا هم قد مسخوا قردة ففتحوا عليهم الباب ودخلوا إليهم فصار القردة يعرفون أنسابهم من الناس ولم يعرف الناس أنسابهم من القردة فجعلت القردة تأتي أنسابها من الناس فتشم ثيابها فيقول لهم أهلوهم ألم ننهكم فتقول القردة برأسها نعم فنجا الناهون وهلك سائرهم فذلك قوله تعالى: وَإِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ واختلفوا في القائلين هذه المقالة فقال بعض المفسرين إن أهل القرية افترقوا ثلاث فرق فرقة اعتدت وأصابت الخطيئة وفرقة نهتهم عن ذلك الفعل وفرقة أمسكت عن الصيد وسكتت عن موعظة المعتدين. وقالوا للناهين: لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا، يعني أنهم لاموهم على موعظة قوم يعلمون أنهم غير متعظين ولا منزجرين فقالت الفرقة الناهية للذين لاموهم: معذرة إلى ربكم يعني أن موعظتنا إياهم معذرة إلى ربكم لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب علينا فموعظتنا لهؤلاء عذر لنا عند الله وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أي:
وجائز عندنا أن ينتفعوا بالموعظة فيتقوا الله ويتركوا ما هم فيه من الصيد وقال بعضهم: إن أهل القرية كانوا فرقتين فرقة نهت وزجرت عن السوء
(1) قوله هي قرية بين مصر والمدينة والمغرب في نسخة هي إيلة بين مصر والمدينة والعرب تسمى المدينة قرية وقال الزهري إلخ اهـ.