الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة هود (11): الآيات 81 الى 82]
قالُوا يا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَاّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82)
قالُوا يا لُوطُ ركنك شديد إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ يعني بمكروه فافتح الباب ودعنا وإياهم ففتح الباب فدخلوا فاستأذن جبريل عليه السلام ربه عز وجل في عقوبتهم فأذن له فتحول إلى صورته التي يكون فيها ونشر جناحيه وعليه وشاح من در منظوم وهو براق الثنايا أجلى الجبين ورأسه حبك مثل المرجان كأنه كالثلج بياضا وقدماه إلى الخضرة فضرب بجناحيه وجوههم فطمس أعينهم وأعمالهم فصاروا لا يعرفون الطريق ولا يهتدون إلى بيوتهم فانصرفوا وهم يقولون النجاء النجاء في بيت لوط أسحر قوم في الأرض قد سحرونا وجعلوا يقولون يا لوط كما أنت حتى تصبح وسترى ما تلقى منا غدا يوعدونه بذلك فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ يعني ببيتك بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ قال ابن عباس: بطائفة من الليل، وقال الضحاك: لبقية من الليل، وقال قتادة: بعد مضي أوله وقيل أنه السحر الأول وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يعني ولا يلتفت منكم أحد إلى ورائه ولا ينظر إلى خلفه إِلَّا امْرَأَتَكَ فإنها من الملتفتات فتهلك مع من هلك من قومها وهو قوله سبحانه وتعالى: إِنَّهُ مُصِيبُها ما أَصابَهُمْ فقال لوط: متى يكون هذا العذاب قالوا إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ قال لوط إنه بعيد أريد أسرع من ذلك فقالوا له أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ فلما خرج لوط من قريته أخذ أهله معه وأمرهم ألا يلتفت منهم أحد فقبلوا منه إلا امرأته فإنها لما سمعت هذه العذاب وهو نازل بهم التفتت وصاحت وا قوماه فأخذتها حجارة فأهلكتها معهم فَلَمَّا جاءَ أَمْرُنا يعني أمرنا بالعذاب جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وذلك أن جبريل عليه السلام أدخل جناحه تحت قرى قوم لوط وهي خمس مدائن أكبرها سدوم وهي المؤتفكات المذكورة في سورة براءة ويقال كان فيها أربعمائة ألف وقيل أربعة آلاف ألف فرفع جبريل المدائن كلها حتى سمع أهل السماء صياح الديكة ونباح الكلاب لم يكفأ لهم إناء ولم ينتبه لهم نائم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها وَأَمْطَرْنا عَلَيْها يعني على شذاذها ومن كان خارجا عنها من مسافريها وقيل بعد ما قلبها أمطر عليهم حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ قال ابن عباس وسعيد بن جبير: معناه سنك كل فارسي معرب لأن العرب تكلمت بشيء من الفارسي صارت لغة للعرب ولا يضاف إلى الفارسي مثل قوله سندس وإستبرق ونحو ذلك فكل هذه ألفاظ فارسية تكلمت بها العرب واستعملتها في ألفاظهم فصارت عربية، قال قتادة وعكرمة: السجيل الطين دليله قوله في موضع آخر حجارة من طين. وقال مجاهد: أولها حجر وآخرها طين، وقال الحسن: أصل الحجارة طين فشدت، وقال الضحاك: يعني الآجر وقيل: السجيل اسم سماء الدنيا، وقيل:
هو جبل في سماء الدنيا مَنْضُودٍ قال ابن عباس: متتابع يتبع بعضها بعضا مفعول من النضد وهو وضع الشيء بعضه فوق بعض.
[سورة هود (11): الآيات 83 الى 85]
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَما هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) وَإِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ (84) وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْياءَهُمْ وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ (85)
مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ صفة للحجارة يعني معلمة قال ابن جريج: عليها سيما لا تشاكل حجارة الأرض، وقال قتادة وعكرمة: عليها خطوط حمر على هيئة الجزع وقال الحسن والسدي: كانت مختومة عليها أمثال الخواتيم، وقيل: كان مكتوبا عليها أي على كل حجر اسم صاحبه الذي يرمى به وَما هِيَ يعني تلك الحجارة مِنَ الظَّالِمِينَ يعني مشركي مكة بِبَعِيدٍ قال قتادة وعكرمة: يعني ظالمي هذه الآمة والله ما أجار الله منها ظالما بعد وفي بعض الآثار ما من ظالم إلا وهو بعرض حجر يسقط عليه من ساعة إلى ساعة، وقيل: إن الحجارة
اتبعت شذاذ قوم لوط حتى إن واحدا منهم دخل الحرم فوجد الحجر معلقا في السماء أربعين يوما حتى خرج ذلك الرجل من الحرم فسقط عليه الحجر فأهلكه.
قوله عز وجل: وَإِلى مَدْيَنَ يعني وأرسلنا إلى مدين أَخاهُمْ شُعَيْباً مدين اسم لابن إبراهيم الخليل عليه السلام ثم صار اسما للقبيلة من أولاده وقيل هو اسم مدينة بناها مدين بن إبراهيم فعلى هذا يكون التقدير وأرسلنا إلى أهل مدين فحذف المضاف لدلالة الكلام عليه قالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ يعني وحّدوا الله ولا تعبدوا معه غيره كانت عادة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يبدءون بالأهم فالأهم ولما كانت الدعوة إلى توحيد الله وعبادته أهم الأشياء قال شعيب اعبدوا الله مالكم من إله غيره ثم بعد الدعوة إلى التوحيد شرع فيما هم فيه ولما كان المعتاد من أهل مدين البخس في الكيل والوزن دعاهم إلى ترك هذه العادة القبيحة وهي تطفيف الكيل والوزن فقال وَلا تَنْقُصُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ النقص في الكيل والوزن على وجهين أحدهما: أن يكون الاستنقاص من قبلهم فيكيلون ويزنون للغير ناقصا، والوجه الآخر: هو استيفاء الكيل والوزن لأنفسهم زائدا عن حقهم فيكون نقصا في مال الغير وكلا الوجهين مذموم فلهذا نهاهم شعيب عن ذلك بقوله ولا تنقصوا المكيال والميزان إِنِّي أَراكُمْ بِخَيْرٍ قال ابن عباس: كانوا موسرين في نعمة وقال مجاهد: كانوا في خصب وسعة فحذرهم زوال تلك النعمة وغلاء السعر وحصول النقمة إن لم يتوبوا ولم يؤمنوا وهو قوله: وَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ يعني: يحيط بكم فيهلككم جميعا وهو عذاب الاستئصال في الدنيا أو حذرهم عذاب الآخرة ومنه قوله سبحانه وتعالى وإن جهنم لمحيطة بالكافرين وَيا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيالَ وَالْمِيزانَ أي أتموهما ولا تطففوا فيهما بِالْقِسْطِ أي بالعدل، وقيل: بتقويم لسان الميزان وتعديل المكيال وَلا تَبْخَسُوا النَّاسَ أي: ولا تنقصوا الناس أَشْياءَهُمْ يعني أموالهم فإن قلت قد وقع التكرار في هذه القصة من ثلاثة أوجه لأنه قال ولا تنقصوا المكيال والميزان، ثم قال: أوفوا المكيال والميزان وهذا عين الأول ثم قال ولا تبخسوا الناس أشياءهم وهذا عين ما تقدم فما الفائدة في هذا التكرار.
قلت: إن القوم لما كانوا مصرين على ذلك العمل القبيح وهو تطفيف الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم احتيج في المنع منه إلى المبالغة في التأكيد والتكرير يفيد شدة الاهتمام والعناية بالتأكيد فلهذا كرر ذلك ليقوى الزجر والمنع من ذلك الفعل ولأن قوله ولا تنقصوا المكيال والميزان نهى عن التنقيص وقوله أوفوا المكيال والميزان أمر بإيفاء العدل وهذا غير الأول ومغاير له ولقائل أن يقول النهي ضد الأمر فالتكرار لازم على هذا الوجه قلنا الجواب عن هذا قد يجوز أن ينهى عن التنقيص ولا يأمر بإيفاء الكيل والوزن فلهذا جمع بينهما فهو كقولك صل رحمك ولا تقطعها فتريد المبالغة في الأمر والنهي وأما قوله ثانيا ولا تبخسوا الناس أشياءهم فليس بتكرير أيضا لأنه سبحانه وتعالى لما خصص النهي عن التنقيص والأمر بإيفاء الحق في الكيل والوزن عمم الحكم في جميع الأشياء التي يجب إيفاء الحق فيها فيدخل فيه الكيل والوزن والزرع وغير ذلك فظهر بهذا البيان فائدة التكرار والله أعلم؟ وقوله سبحانه وتعالى: وَلا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ يعني بتنقيص الكيل والوزن ومنع الناس حقوقهم.