الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فسمع ذلك فخرج حتى أتاه فقال: ويحك يا ثعلبة لقد أنزل الله فيك كذا وكذا فخرج ثعلبة حتى أتى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله أن يقبل منه صدقته فقال: إن الله منعني أن أقبل منك صدقتك، فجعل يحثو على رأسه التراب فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا عملك قد أمرتك فلم تطعني، فلما أبى أن يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقته رجع إلى منزله وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتى أبا بكر فقال: اقبل صدقتي. فقال أبو بكر: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنا لا أقبلها. فقبض أبو بكر ولم يقبلها منه فلما ولي عمر أتاه فقال: اقبل صدقتي فقال: لم يقبلها منك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبو بكر فأنا لا أقبلها منك فلم يقبلها. ثم ولي عثمان فأتاه فلم يقبلها منه وهلك في خلافة عثمان». وأخرجه الطبري أيضا بسنده. قال بعض العلماء: إنما لم يقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة ثعلبة، لأن الله سبحانه وتعالى منعه من قبولها منه مجازاة له على إخلافه ما وعد الله عليه وإهانة له على قوله: إنما هي جزية أو أخت الجزية، فلما صدر هذا القول منه ردت صدقته عليه إهانة له وليعتبر غيره فيه فلا يمتنع من بذل الصدقة عن طيب نفس بإخراجها ويرى أنها واجبة عليه وأنه يثاب على إخراجها ويعاقب على منعها.
وقال ابن عباس: إن ثعلبة أتى مجلسا من مجالس الأنصار فأشهدهم لئن آتاني الله من فضله آتيت منه كل ذي حق حقه وتصدقت منه ووصلت القرابة فمات ابن عم له فورث منه مالا فلم يف بما عاهد الله عليه فأنزل الله فيه هذه الآية. وقال الحسن ومجاهد: نزلت في ثعلبة ومعتب بن قشير وهما من بني عمرو بن عوف خرجا على ملأ قعود فقالا لئن رزقنا الله من فضله لنصدقن فلما رزقهما الله بخلا به. وقال ابن السائب: إن حاطب بن أبي بلتعة «1» كان له مال بالشام فأبطأ عليه فجهد لذلك جهدا شديدا فحلف بالله لئن آتاني الله من فضله يعني ذلك المال لأصدقن منه ولأصلن فلما آتاه ذلك المال لم يف بما عاهد الله عليه فنزلت هذه الآية وحاصله أن ظاهر الآية يدل على أن بعض المنافقين عاهد الله لئن آتاه من فضله ليصدقن وليفعلن فيه أفعال الخير والبر والصلة فلما آتاه الله من فضله ما سأل لم يف بما عاهد الله عليه ومعنى الآية ومن المنافقين من أعطى الله عهدا لئن رزقنا من فضله بأن يوسع علينا في الرزق لنصدقن يعني لنتصدقن ولنخرجن من ذلك المال صدقته وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ يعني: ولنعملن في ذلك المال ما يعمله أهل الصلاح بأموالهم من صلة الأرحام والإنفاق في سبيل الله وجميع وجوه البر والخير وإخراج الزكاة وإيصالها إلى أهلها والصالح ضد المفسد والمفسد هو الذي يبخل بما يلزمه في حكم الشرع. وقيل: إن المراد بقوله لنصدقن، إخراج الزكاة الواجبة. وقوله: ولنكونن من الصالحين إشارة إلى كل ما يفعله أهل الصلاح على الإطلاق من جميع أعمال البر والطاعة.
[سورة التوبة (9): آية 76]
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (76)
فَلَمَّا آتاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ يعني فلما رزقهم الله لم يفعلوا من أعمال البر شيئا وَتَوَلَّوْا يعني عما عاهدوا الله عليه وَهُمْ مُعْرِضُونَ يعني عن العهد.
[سورة التوبة (9): الآيات 77 الى 79]
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ (77) أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ وَنَجْواهُمْ وَأَنَّ اللَّهَ عَلَاّمُ الْغُيُوبِ (78) الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ (79)
(1) قوله إن حاطب إلخ لم يذكر البغوي هذا القول وأصاب فإن حاطبا مهاجري بدري وفضل آل بدر لا يخفى اهـ.
فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ يعني فأعقبهم الله نفاقا بأن صيرهم منافقين يقال أعقبت فلانا ندامة إذا صارت عاقبة أمره إلى ذلك وقيل معناه أنه سبحانه وتعالى عاقبهم بنفاق قلوبهم إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ يعني أنه سبحانه وتعالى حرمهم التوبة إلى يوم القيامة فيوافونه على النفاق فيجازيهم عليه بِما أَخْلَفُوا اللَّهَ ما وَعَدُوهُ يعني الصدقة والإنفاق في سبيله وَبِما كانُوا يَكْذِبُونَ يعني في قولهم لنصدقن ولنكونن من الصالحين عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا ائتمن خان» عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خلة وفي رواية خصلة منهن كانت فيه خصلة من نفاق حتى يدعها إذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر» قال الشيخ محيي الدين النووي: هذا الحديث مما عده جماعة من العلماء مشكلا من حيث إن هذه الخصال قد توجد في المسلم المصدق الذي ليس فيه شك وقد أجمع العلماء على أن من كان مصدقا بقلبه ولسانه وفعل هذه الخصال لا يحكم عليه بكفر ولا هو منافق مخلد في النار فإن إخوة يوسف عليه السلام جمعوا هذه الخصال وكذا قد يوجد لبعض السلف ولبعض العلماء بعض هذا أو كله. قال الشيخ: هذا ليس بحمد الله إشكالا ولكن اختلف العلماء في معناه فالذي قاله المحققون والأكثرون وهو الصحيح المختار أن معناه أن هذه الخصال خصال نفاق وصاحبها يشبه المنافقين في هذه الخصال ويتخلق بأخلاقهم فإن النفاق هو إظهار ما يبطن خلافه وهذا موجود في صاحب هذه الخصال فيكون نفاقه في حق من حدثه ووعده وائتمنه وخاصمه وعاهده من الناس لا أنه منافق في الإسلام فيظهره وهو يبطن الكفر ولم يرد النبي صلى الله عليه وسلم بهذا أنه منافق نفاق الكفار المخلدين في الدرك الأسفل من النار وقوله صلى الله عليه وسلم كان منافقا خالصا معناه كان شديد الشبه بالمنافقين بسبب هذه الخصال قال بعض العلماء وهذا فيمن كانت هذه الخصال غالبة عليه فأما من ندر ذلك منه فليس ذلك حاصلا فيه هذا هو المختار في معنى الحديث.
وقال جماعة من العلماء: المراد به المنافقون الذين كانوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فإنهم حدثوا في أيمانهم فكذبوا وائتمنوا على دينهم فخافوا ووعدوا في أمر الدين ونصره فأخلفوا وفجروا في خصوماتهم وهذا قول سعيد بن جبير وعطاء بن أبي رباح ورجع إليه الحسن البصري بعد أن كان على خلافه، وهو مروي عن ابن عباس وابن عمر وروياه أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال القاضي عياض: وإليه مال أكثر أئمتنا. وحكى الخطابي قولا آخر: إن معناه التحذير للمسلم أن يعتاد هذه الخصال وحكى أيضا عن بعضهم أن الحديث ورد في رجل بعينه منافق وكان النبي صلى الله عليه وسلم لا يواجههم بصريح القول فيقولا فلان منافق وإنما يشير إشارة كقوله صلى الله عليه وسلم: «ما بال أقوام يفعلون كذا» والله أعلم. وقال الإمام فخر الدين الرازي: ظاهر هذه الآية يدل على أن نقض العهد وخلف الوعد يورث النفاق فيجب على المسلم أن يبالغ في الاحتراز عنه فإذا عاهد الله في أمر فليجتهد في الوفاء به.
وقوله سبحانه وتعالى: أَلَمْ يَعْلَمُوا يعني هؤلاء المنافقين أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ سِرَّهُمْ يعني ما تنطوي عليه صدورهم من النفاق وَنَجْواهُمْ يعني ويعلم ما يفاوض به بعضهم بعضا فيما بينهم والنجوى هو الخفي من الكلام يكون بين القوم والمعنى أنهم يعلمون أن الله يعلم جميع أحوالهم لا يخفى عليه شيء منها وَأَنَّ اللَّهَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ وهذا مبالغا في العلم يعني أن الله عالم بجميع الأشياء فكيف تخفى عليه أحوالهم.
قوله عز وجل: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ الآية (ق) عن أبي مسعود البدري قال: لما نزلت آية الصدقة كنا نحمل على ظهورنا فجاء رجل فتصدق بشيء كثير فقالوا مراء وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا إن الله لغني عن صاع هذا فنزلت الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَالَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ الآية وقال ابن عباس وغيره من المفسرين: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة، فجاء