الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فقال استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة وسأزيد على السبعين قال إنه منافق فصلى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون زاد في رواية فترك الصلاة عليهم.
وقوله سبحانه وتعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ يعني أن هذا الفعل من الله وهو ترك العفو عنهم وترك المغفرة لهم من أجل أنهم اختاروا الكفر على الإيمان بالله ورسوله وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ يعني والله لا يوافق للإيمان به وبرسوله من اختار الكفر والخروج عن طاعة الله وطاعة رسوله.
قوله عز وجل: فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ يعني فرح المتخلفون عن غزوة تبوك والمخلف المتروك بمقعدهم يعني بقعودهم في المدينة خلاف رسول الله يعني بعده وعلى هذا المعنى خلاف بمعنى خلف فهو اسم للجهة المعينة لأن الإنسان إذا توجه إلى قدامه فمن تركه خلفه فقد تركه بعده وقيل معناه مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى تبوك وأقاموا بالمدينة لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان قد أمرهم بالخروج إلى الجهاد فاختاروا القعود مخالفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى: وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ والمعنى أنهم فرحوا بسبب التخلف وكرهوا الخروج إلى الجهاد وذلك أن الإنسان يميل بطبعه إلى إيثار الراحة والقعود مع الأهل والولد ويكره إتلاف النفس والمال وهو قوله سبحانه وتعالى: وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ وكانت غزوة تبوك في شدة الحر فأجاب الله عن هذا بقوله سبحانه وتعالى: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ يعني: قل يا محمد لهؤلاء الذين اختاروا الراحة والقعود خلافك عن الجهاد في الحر أن نار جهنم التي هي موعد في الآخرة أشد حرا من حر الدنيا لو كانوا يعلمون. قال ابن عباس: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر الناس أن ينبعثوا معه وذلك في الصيف. فقال رجال: يا رسول الله الحر شديد ولا نستطيع الخروج فلا تنفر في الحر فقال الله عز وجل قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون فأمره الله تعالى بالخروج فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا يعني فليضحك هؤلاء الذين تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحين قليلا في الدنيا الفانية بمقعدهم خلافه وَلْيَبْكُوا كَثِيراً يعني مكان ضحكهم في الدنيا وهذا وإن ورد بصيغة الأمر إلا أن معناه الإخبار والمعنى: أنهم وإن فرحوا وضحكوا طول أعمارهم في الدنيا فهو قليل بالنسبة إلى بكائهم في الآخرة لأن الدنيا فانية والآخرة باقية والمنقطع الفاني بالنسبة إلى الدائم الباقي قليل جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يعني إن ذلك البكاء في الآخرة جزاء لهم على ضحكهم وأعمالهم الخبيثة في الدنيا (خ). عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا» وروى البغوي بسنده عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «يا أيها الناس ابكوا فإن لم تستطيعوا أن تبكوا» فتباكوا فإن أهل النار يبكون في النار حتى تسيل دموعهم في وجوههم كأنها جداول حتى تنقطع الدموع فتسيل الدماء فتقرح العيون فلو أن سفنا أجريت فيها لجرت».
[سورة التوبة (9): الآيات 83 الى 85]
فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ (83) وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ (84) وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ (85)
قوله سبحانه وتعالى: فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ يعني فإن ردك الله يا محمد من غزاتك هذه إِلى طائِفَةٍ مِنْهُمْ
يعني إلى المتخلفين عنك وإنما قال منهم لأنه ليس كل من تخلف بالمدينة عن غزوة تبوك كان منافقا مثل أصحاب الأعذار فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ يعني فاستأذنك المنافقون الذين تخلفوا عنك وتحقق نفاقهم في الخروج معك إلى غزوة أخرى فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَداً يعني فقل يا محمد لهؤلاء الذين طلبوا الخروج وهم مقيمون على نفاقهم لن تخرجوا معي أبدا لا إلى غزوة ولا إلى سفر وَلَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ يعني لأنكم رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ يعني أنكم رضيتم بالتخلف عن غزوة تبوك فَاقْعُدُوا مَعَ الْخالِفِينَ يعني: مع المتخلفين من النساء والصبيان. وقيل: مع المرضى والزمنى. وقال ابن عباس: مع الذين تخلفوا بغير عذر. وقيل: مع المخالفين يقال صاحب خالف إذا كان مخالفا كثير الخلاف وفي الآية دليل على أن الرجل إذا ظهر منه مكروه وخداع وبدعة يجب الانقطاع عنه وترك مصاحبته لأن الله سبحانه وتعالى منع المنافقين من الخروج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجهاد وهو مشعر بإظهار نفاقهم وذمهم وطردهم وإبعادهم لما علم من مكرهم وخداعهم إذا خرجوا إلى الغزوات.
قوله عز وجل: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً الآية، قال قتادة: بعث عبد الله بن أبي بن سلول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مريض ليأتيه قال فنهاه عمر عن ذلك فأتاه نبي الله صلى الله عليه وسلم فلما دخل عليه نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: أهلكك حب اليهود فقال يا نبي الله إني لم أبعث إليك لتؤنبني ولكن بعثت إليك لتستغفر لي وسأله قميصه أن يكفن فيه فأعطاه إياه واستغفر له رسول الله صلى الله عليه وسلم فمات فكفنه في قميصه صلى الله عليه وسلم ونفث في جلده ودلاه في قبره فأنزل الله سبحانه وتعالى ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره الآية (خ).
عن عمر بن الخطاب: قال لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي عليه فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه فقلت يا رسول الله أتصلي على ابن أبي بن سلول وقد قال يوم كذا كذا وكذا عدد عليه قوله فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أخر عني يا عمر فلما أكثرت عليه قال: إني خيرت فاخترت لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها قال فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف فلم يمكث إلا يسيرا حتى نزلت الآيتان من براءة ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إلى قوله وهم فاسقون قال فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ والله ورسوله أعلم. وأخرجه الترمذي وزاد فيه فما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده على منافق ولا قام على قبره حتى قبضه الله تعالى (ق) عن جابر قال: أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم عبد الله بن أبي بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث فيه من ريقه وألبسه قميصه والله أعلم. قال: وكان كسا عباسا قميصا قال سفيان وقال أبو هارون:
وكان على رسول الله صلى الله عليه وسلم قميصان فقال له ابن عبد الله يا رسول الله ألبس عبد الله قميصك الذي يلي جلدك. قال سفيان: فيرون أن النبي صلى الله عليه وسلم أليس عبد الله قميصه مكافأة لما صنع وفي رواية عن جابر قال: لما كان يوم بدر أتى بالأسارى وأتى بالعباس ولم يكن عليه ثوب فنظر النبي صلى الله عليه وسلم له قميصا فوجدوا قميص عبد الله بن أبي يقدر عليه فكساه النبي إياه فلذلك نزع النبي صلى الله عليه وسلم قميصه الذي ألبسه.
((فصل)) قد وقع في هذه الأحاديث التي تتضمن قصة موت عبد الله بن أبي بن سلول المنافق صورة اختلاف في الروايات ففي حديث ابن عمر المتقدم، أنه لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول أتى ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه وأن يصلي عليه فأعطاه قميصه وصلى عليه وفي حديث عمر بن الخطاب من إفراد البخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعى له ليصلي عليه. وفي حديث جابر: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه بعد ما أدخل حفرته فأمر به فأخرج فوضعه على ركبتيه ونفث عليه من ريقه وألبسه. قميصه ووجه الجمع بين هذه الروايات أنه صلى الله عليه وسلم
أعطاه قميصه فكفن فيه ثم إنه صلى الله عليه وسلم صلى عليه وليس في حديث جابر ذكر الصلاة عليه فالظاهر والله أعلم أنه صلى عليه أولا كما في حديث عمر وابن عمر ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاه ثانيا بعد ما أدخل حفرته فأخرجه منها ونزع عنه القميص الذي أعطاه وكفن فيه لينفث عليه من ريقه ثم إنه صلى الله عليه وسلم ألبسه قميصه بيده الكريمة فعل هذا كله بعبد الله بن أبي تطيبا لقلب ابنه عبد الله فإنه كان صحابيا مسلما صالحا مخلصا، وأما قول قتادة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاده في مرضه وأنه سأله أن يستغفر له وأن يعطيه قميصه وأن يصلي عليه فأعطاه قميصه واستغفر له وصلى عليه ونفث في جلده ودلاه في حفرته فهذه جمل من القول ظاهرها الترتيب وما المراد بهذا الترتيب إلا توفيقا بين الأحاديث فيكون قوله: ونفث في جلده ودلاه في قبره جملة منقطعة عما قبلها. يعني أنه صلى الله عليه وسلم فعل ذلك بعد ما أعطاه القميص وبعد أن صلى عليه والله أعلم. وقال القرطبي في شرح صحيح مسلم له أن عبد الله بن أبي بن سلول كان سيد الخزرج في آخر جاهليتهم فلما ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وانصرف إليه الخزرج وغيرهم حسده وناصبه العداوة غير أن الإسلام غلب عليه فنافق وكان رأسا في المنافقين وأعظمهم نفاقا وأشدهم كفرا وكان المنافقون كثيرا حتى لقد روى عن ابن عباس أنهم كانوا ثلاثمائة رجل ومائة وسبعين امرأة وكان ولده عبد الله يعني ولد عبد الله بن أبي من فضلاء الصحابة وأصدقهم إسلاما وأكثرهم عبادة وأشرحهم صدرا وكان أبر الناس بأبيه ومع ذلك فقد قال يوما للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله إنك لتعلم أني من أبر الناس بأبي وإن أمرتني أن آتيك برأسه فعلت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
بل نعفو عنه وكان من أحرص الناس على إسلام أبيه وعلى أن ينتفع من بركات النبي صلى الله عليه وسلم بشيء ولذلك لما مات أبوه سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه قميصه ليكفنه فيه فينال من بركته فأعطاه وسأله أن يصلي عليه فصلى عليه كل ذلك إكراما لابنه عبد الله وإسعافا له ولطلبته من قول عمر تصلي عليه وقد نهاك الله أن تصلي عليه يحتمل أن يكون قبل نزول ولا تصل على أحد منهم مات أبدا. ويظهر من هذا السياق أن عمر وقع في خاطره أن الله نهاه عن الصلاة عليه فيكون هذا من قبيل الإلهام والتحديث الذي شهد له به النبي صلى الله عليه وسلم.
ويحتمل أن يكون فهمه من سياق قوله: استغفر لهم أو لا تستغفر لهم وهذان التأويلان فيهما بعد. قال القرطبي: والذي يظهر لي، والله أعلم، أن البخاري ذكر هذا الحديث من رواية ابن عباس وساقه سياقة هي أبين من هذه وليس فيها هذا اللفظ فقال عن ابن عباس عن عمر لما مات عبد الله بن أبي بن سلول دعى له رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عمر: وثبت إليه الحديث، إلى قوله فصلى عليه ثم انصرف فلم يلبث إلا يسيرا حتى أنزلت عليه الآيتان من براءة. قال القرطبي: وهذا مساق حسن وتنزيل متقن ليس فيه شيء من الإشكال المتقدم فهو الأولى وقوله صلى الله عليه وسلم: سأزيد على السبعين وعد بالزيادة وهو مخالف لما في حديث ابن عباس عن ابن عمر فإن فيه لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت وهذا تقييد لذلك الوعد المطلق فإن الأحاديث يفسر بعضها بعضا ويقيد بعضها بعضا فلذلك قال لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت فقد علم أنه لا يغفر له. وقوله صلى الله عليه وسلم: إني خيرت مشكل مع قوله تعالى ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية وهذا يفهم منه النهي عن الاستغفار لمن مات كافرا وهو متقدم على الآية التي فيها التخيير والجواب عن هذا الإشكال أن المنهي عنه استغفاره لمن تحقق موته على الكفر والشرك. وأما استغفاره لأولئك المنافقين المخير فيهم فهو قد علم صلى الله عليه وسلم أنه لا يقع ولا ينفع وغايته وإن وقع كان تطييبا لقلوب الأحياء من قراباتهم فانفصل الاستغفار المنهي عنه من المخير فيه وارتفع الإشكال بحمد الله والله أعلم.
وقال الشيخ محيي الدين النووي: إنما أعطاه قميصه ليكفنه فيه تطييبا لقلب ابنه عبد الله فإنه كان صحابيا صالحا وقد سأل ذلك فأجابه إليه وقيل بل أعطاه مكافأة لعبد الله بن أبي المنافق الميت لأنه ألبس العباس حين أسر يوم بدر قميصا وفي الحديث بيان مكارم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم فقد علم ما كان من هذا المنافق من الإيذاء له
وقابله بالحسنى وألبسه قميصه كفنا وصلى عليه واستغفر له قال الله سبحانه وتعالى وإنك لعلى خلق عظيم وقال البغوي: قال سفيان بن عيينة كانت له يد عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحب أن يكافئه بها ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم كلم فيما فعل بعبد الله بن أبي فقال صلى الله عليه وسلم: وما يغني عنه قميصي وصلاتي من الله والله إني كنت أرجو أن يسلم به ألف من قومه.
فيروى أنه أسلم ألف من قومه لما رأوه يتبرك بقميص النبي صلى الله عليه وسلم.
وقوله سبحانه وتعالى: وَلا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ يعني لا تقف عليه ولا تتول دفنه من قولهم قام فلان بأمر فلان إذا كفاه أمره وناب عنه فيه إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَماتُوا وَهُمْ فاسِقُونَ وهذا تعليل لسبب المنع من الصلاة عليه والقيام على قبره ولما نزلت هذه الآية ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على منافق ولا قام على قبره وبعدها.
فإن قلت: الفسق أدنى حالا من الكفر ولما ذكر في تعليل هذا النهي كونه كافرا دخل تحته الفسق وغيره فما الفائدة في وصفه بكونه فاسقا بعد ما وصفه بالكفر قلت إن الكافر قد يكون عدلا في نفسه بأن يؤدي الأمانة ولا يضمر لأحد سوءا وقد يكون خبيثا في نفسه كثير الكذب والمكر والخداع وإضمار السوء للغير وهذا أمر مستقبح عند كل أحد ولما كان المنافقون بهذه الصفة الخبيثة وصفهم الله سبحانه وتعالى بكونهم فاسقين بعد أن وصفهم بالكفر.
قوله تعالى: وَلا تُعْجِبْكَ أَمْوالُهُمْ وَأَوْلادُهُمْ إِنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُعَذِّبَهُمْ بِها فِي الدُّنْيا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كافِرُونَ الكلام على هذه الآية في مقامين المقام الأول في وجه التكرار والحكمة فيه أن تجدد النزول له شأن في تقرير ما نزل أولا وتأكيده وإرادة أن يكون المخاطب به على بال ولا يغفل عنه ولا ينساه وأن يعتقد أن العمل به مهم وإنما أعيد هذا المعنى لقوته فيما يجب أن يحذر منه وهو أن أشد الأشياء جذبا للقلوب والخواطر الاشتغال بالأموال والأولاد وما كان كذلك يجب التحذير منه مرة بعد أخرى وبالجملة فالتكرير يراد به التأييد والمبالغة في التحذير من ذلك الشيء الذي وقع الاهتمام به وقيل أيضا إنما كرر هذا المعنى لأنه أراد بالآية الأولى قوما من المنافقين كان لهم أموال وأولاد عند نزولها وبالآية الأخرى أقواما آخرين منهم المقام الثاني في وجه بيان ما حصل من التفاوت في الألفاظ في هاتين الآيتين وذلك أنه قال سبحانه وتعالى في الآية الأولى فلا تعجبك بالفاء وقال هنا ولا تعجبك بالواو والفرق بينهما أنه عطف الآية الأولى على قوله ولا ينفقون إلا وهم كارهون وصفهم بكونهم كارهين للإنفاق لشدة المحبة للأموال والأولاد فحسن العطف عليه بالفاء في قوله فلا تعجبك وأما هذه الآية فلا تعلق لها بما قبلها فلهذا أتى بحرف الواو وقال سبحانه وتعالى في الآية الأولى فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم وأسقط حرف لا هنا قال سبحانه وتعالى وأولادهم والسبب فيه أن حرف لا دخل هناك لزيادة التأكيد فيدل على أنهم كانوا معجبين بكثرة الأموال والأولاد وكان إعجابهم بأولادهم أكثر وفي إسقاط حرف لا هنا دليل على أنه لا تفاوت بين الأمرين قال سبحانه وتعالى في الآية الأولى إنما يريد الله ليعذبهم بحرف اللام وقال سبحانه وتعالى هنا أن يعذبهم بحرف أن والفائدة فيه التنبيه على أن التعليل في أحكام الله محال وأنه أينما ورد حرف اللام فمعناه أن كقوله سبحانه وتعالى وما أمروا إلا ليعبدوا الله ومعناه وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله وقال تبارك وتعالى في الآية الأولى في الحياة الدنيا وقال تعالى هنا في الدنيا والفائدة في إسقاط لفظة الحياة التنبيه على أن الحياة الدنيا بلغت في الخسة إلى حيث أنها لا تستحق أن تذكر ولا تسمى حياة بل يجب الاقتصار عند ذكرها على لفظ الدنيا تنبيها على كمال دنائتها فهذه جمل في ذكر الفرق بين هذه الألفاظ والله أعلم بمراده وأسرار كتابه.