الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيسألكم عن أعمالكم ألا فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض ألا ليبلغ الشاهد الغائب فلعل بعض من يبلغه أن يكون أوعى له من بعض من سمعه ثم قال: ألا هل بلغت ألا هل بلغت قلنا نعم قال: اللهم اشهد.
وقوله تعالى: فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ قيل: الكناية في فيهن ترجع إلى جميع الأشهر أي لا تظلموا أنفسكم في جميع أشهر السنة بفعل المعاصي وترك الطاعات لأن المقصود منع الإنسان من الإقدام على المعاصي والفساد مطلقا في جميع الأوقات إلى الممات. وقيل: إن الكناية ترجع إلى الأشهر الحرم وهو قول أكثر المفسرين. وقال قتادة: العمل الصالح أعظم أجرا في الأشهر الحرم والظلم فيهن أعظم منه فيما سواهن وإن كان الظلم على كل حال عظيما. وقال ابن عباس: لا تظلموا فيهن أنفسكم يريد استحلال الحرام والغارة فيهن وقال محمد بن إسحاق بن يسار: لا تجعلوا حلالها حراما ولا حرامها حلالا كفعل أهل الشرك وهو النسيء. وقيل: إن الأنفس مجبولة بطبعها على الظلم والفساد والامتناع عنه على الإطلاق شاق على النفس لا جرم أن الله خص بعض الأوقات بمزيد التعظيم والاحترام ليمتنع الإنسان في تلك الأوقات من فعل الظلم والقبائح والمنكرات فربما تركها في باقي الأوقات فتصير هذه الأوقات الشريفة والأشهر المحرمة المعظمة سببا لترك الظلم وفعل المعاصي في غيرها من الأشهر فهذا وجه الحكمة في تخصيص بعض الأشهر دون بعض بمزيد التشريف والتعظيم وكذلك الأمكنة أيضا. وقوله سبحانه وتعالى: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً يعني قاتلوا المشركين بأجمعكم مجتمعين على قتالهم كما أنهم يقاتلونكم على هذه الصفة والمعنى تعاونوا وتناصروا على قتالهم ولا تتخاذلوا ولا تتدابروا ولا تفشلوا ولا تجبنوا عن قتالهم وكونوا عباد الله مجتمعين متوافقين في مقاتلة أعدائكم من المشركين واختلف العلماء في تحريم القتال في الأشهر الحرم فقال قوم كان كبيرا حراما ثم نسخ بقوله: وَقاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً يعني في الأشهر الحرم وفي غيرهن وهذا قول قتادة وعطاء الخراساني والزهري وسفيان الثوري. قالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم غزا هوازن بحنين وثقيفا بالطائف وحاصرهم في شوال وبعض ذي القعدة. وقال آخرون: إنه غير منسوخ. قال ابن جريج: حلف بالله عطاء بن أبي رباح ما يحل للناس أن يغزو في الحرم ولا في الأشهر الحرم وما نسخت إلا أن يقاتلوا فيها وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ يعني بالنصر والمعونة على أعدائه قوله سبحانه وتعالى:
[سورة التوبة (9): آية 37]
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ (37)
إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيادَةٌ فِي الْكُفْرِ النسيء: في اللغة، عبارة عن التأخير في الوقت ومنه النسيئة في البيع ومعنى النسيء المذكور في الآية هو تأخير شهر حرام إلى شهر آخر وذلك أن العرب في الجاهلية كانت تعتقد حرمة الأشهر الحرم وتعظيمها وكان ذلك مما تمسكت به من ملة إبراهيم صلى الله عليه وسلم وكانت عامة معايش العرب من الصيد والغارة فكان يشق عليهم الكف عن ذلك ثلاثة أشهر متوالية وربما وقعت حروب في بعض الأشهر الحرم فكانوا يكرهون تأخير حروبهم إلى الأشهر الحلال فنسؤوا يعني أخروا تحريم شهر إلى شهر آخر فكانوا يؤخرون تحريم المحرم إلى صفر فيستحلون المحرم ويحرمون صفر فإذا احتاجوا إلى تأخير تحريم صفر أخروه إلى ربيع الأول فكانوا يصنعون هكذا يؤخرون شهرا بعد شهر حتى استدار التحريم على السنة كلها وكانوا يحجون في كل شهر عامين فحجوا في الحجة عامين ثم حجوا في المحرم عامين ثم حجوا في صفر عامين وكذا باقي شهور السنة فوافقت حجة أبي بكر في السنة التاسعة قبل حجة الوداع المرة الثانية من ذي القعدة ثم حج رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام المقبل حجة الوداع فوافق حجة شهر ذي الحجة وهو شهر الحج المشروع فوقف بعرفة في اليوم التاسع
وخطب الناس في اليوم العاشر بمنى وأعلمهم أن أشهر النسيء قد تناسخت باستدارة الزمان وعاد الأمر إلى ما وضع الله عليه حساب الأشهر يوم خلق السموات والأرض وهو قوله صلى الله عليه وسلم: إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض الحديث المتقدم. وأمرهم بالمحافظة على ذلك لئلا يتبدل في مستأنف الأيام واختلفوا في أول من نسأ النسيء. فقال ابن عباس والضحاك وقتادة ومجاهد: أول من نسأ النسيء، بنو مالك بن كنانة وكان يليه جنادة بن عوف بن أمية الكناني وقال الكلبي: أول من فعل ذلك رجل من بني كنانة يقال له نعيم بن ثعلبة وكان يقوم على الناس في الموسم فإذا همّ الناس بالصدر قام فخطف الناس فيقول لا مرد لما قضيت أنا الذي لا أعاب ولا أجاب فيقول له المشركون لبيك ثم يسألونه أن ينسئهم شهرا يغيرون فيه فيقول: إن صفر في هذا العام حرام فإذا قال ذلك، حلّوا الأوتار، ونزعوا الأسنة، والأزجة من الرماح، وإن قال: حلال، عقدوا أوتار القسي، وركبوا الأسنة في الرماح، وأغاروا وكان من بعد نعيم بن ثعلبة رجل يقال له جنادة بن عوف: وهو الذي أدرك النبي صلى الله عليه وسلم وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم هو رجل من بني كنانة يقال له القلمس قال شاعرهم:
وفينا ناسئ الشهر القلمس وكانوا يفعلون ذلك إذا اجتمعت العرب في الموسم وروى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أن أول من سن النسيء عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف والذي صح من حديث أبي هريرة وعائشة أن عمرو بن لحي أول من سيب السوائب وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: رأيت عمرو بن لحي يجر قصبه في النار فهذا ما ورد في تفسير النسيء الذي ذكره الله في قوله تعالى إنما النسيء زيادة في الكفر يعني زيادة كفر على كفرهم وسبب هذه الزيادة أنهم أمروا بإيقاع كل فعل في وقته من الأشهر الحرم ثم إنهم بسبب أغراضهم الفاسدة أخروه إلى وقت آخر بسبب ذلك النسيء فأوقعوه في غير وقته من الأشهر الحرم فكان ذلك الفعل زيادة في كفرهم يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وقرئ: يضل بفتح الياء وكسر الضاد ومعناه يضل الله به الطين كفروا أو يضل به الشيطان الذين كفروا بتزيين ذلك لهم وقيل يضل بالنسيء الذين كفروا وقرئ يضل بضم الياء وفتح الضاد ومعناه أن كبارهم أضلوهم وحملوهم عليه وقرئ يضل به الذين كفروا بضم الياء وكسر الضاد ومعناه يضل به الذين كفروا تابعيهم والآخذين بأفعالهم وهذا الوجه أقوى الوجهين في تفسير قراءة من قرأ يضل بضم الياء وكسر الضاد يُحِلُّونَهُ عاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عاماً يعني يحلون ذلك الإنساء عاما ويحرمونه عاما والمعنى يحلون الشهر المحرم عاما فيجعلونه حلالا ليغيروا فيه ويحرمونه عاما فيجعلونه محرما فلا يغيرون فيه لِيُواطِؤُا يعني ليوافقوا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللَّهُ يعني أنهم ما أحلوا شهرا من المحرم إلا حرموا شهرا مكانه من الحلال ولم يحرموا شهرا من الحلال إلا أحلوا مكانه شهرا من الحرام لأجل أن يكون عدد الأشهر الحرم أربعة كما حرم الله فيكون ذلك موافقة في العدد لا في الحكم فذلك قوله سبحانه وتعالى: فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللَّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمالِهِمْ قال ابن عباس: زين لهم الشيطان هذا العمل وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ يعني أنه سبحانه وتعالى لا يرشد من هو كافر أثيم لما سبق له في الأزل أنه من أهل النار.