الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وشاس بن قيس قال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى محمد لعلنا نفتنه عن دينه، فأتوه فقالوا: يا محمد قد عرفت أنّا أحبار اليهود وأشرافهم وسادتهم وأنّا إن اتبعناك اتبعتنا اليهود ولم يخالفونا وأن بيننا وبين قومنا خصومة فنتحاكم إليك فاقض لنا عليهم نؤمن بك ونصدقك فأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأنزل الله هذه الآية وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ يعني احكم بينهم يا محمد بالحكم الذي أنزله الله في كتابه وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ يعني فيما أمروك به.
قال العلماء: ليس في هذه الآية تكرار لما تقدم، وإنما أنزلت في حكمين مختلفين. أما الآية الأولى:
فنزلت في شأن رجم المحصن وأن اليهود طلبوا منه أن يجلده وهذه الآية نزلت في شأن الدماء والديات حين تحاكموا إليه في أمر قتيل كان بينهم قال بعض العلماء هذه الآية ناسخة للتخيير في قوله: فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ.
وقوله تعالى: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ يعني: واحذر يا محمد هؤلاء اليهود الذين جاءوا إليك أن يصرفوك ويصدوك بمكرهم وكيدهم فيحملوك على ترك العلم ببعض ما أنزل الله إليك في كتابه واتباع أهوائهم فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني فإن أعرضوا عن الإيمان بك والرضا بالحكم بما أنزل الله عليك فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ يعني فاعلم يا محمد أن الله يريد أن يعجل لهم العقوبة في الدنيا ببعض ذنوبهم وإنما خص بعض الذنوب لأن الله جازاهم في الدنيا على بعض ذنوبهم بالقتل والسبي والجلاء وأخر مجازاتهم على باقي ذنوبهم إلى الآخرة وَإِنَّ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ لَفاسِقُونَ يعني اليهود لأنهم ردوا حكم الله تعالى أَفَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ يعني أفحكم الجاهلية يطلب هؤلاء اليهود قال ابن عباس: يعني بحكم الجاهلية ما كانوا عليه من الضلال والجور في الأحكام وتحريفهم إياها عما أمر الله به وقال مقاتل كانت بين بني النضير وقريظة دماء وهما حيان من اليهود وذلك قبل أن يبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فلما بعث وهاجر إلى المدينة تحاكموا إليه فقالت بنو قريظة بنو النضير إخواننا أبونا واحد وديننا واحد وكتابنا واحد فإن قتل بنو النضير منا قتيلا أعطونا سبعين وسقا من تمر وإن قتلنا منهم قتيلا أخذوا منا مائة وأربعين وسقا وأرش جراحتنا على النصف من جراحتهم فاقض بيننا وبينهم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإني أحكم أن دم القرظي وفاء من دم النضيري، ودم النضيري وفاء من دم القرظي ليس لأحدهما فضل على الآخر في دم ولا عقل ولا جراحة. فغضبت بنو النضير، وقالوا: لا نرضى بحكمك فإنك لنا عدو وإنك ما تألو في وضعنا وتصغيرنا. فأنزل الله: أفحكم الجاهلية يبغون. وقرئ بالتاء على الخطاب. والمعنى: قل لهم يا محمد أفحكم الجاهلية تبغون وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ يعني:
أي حكم أحسن من حكم الله إن كنتم موقنين أنّ لكم ربا وأنه عدل في أحكامه.
[سورة المائدة (5): الآيات 51 الى 52]
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ (52)
قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ اختلف المفسرون في سبب نزول هذه الآية وإن كان حكمها عاما لجميع المؤمنين، لأن خصوص السبب لا يمنع من عموم الحكم، فقال قوم:
نزلت هذه الآية في عبادة بن الصامت رضي الله عنه وعبد الله بن أبي سلول رأس المنافقين وذلك أنهما اختصما فقال عبادة إن لي أولياء من اليهود كثير عددهم شديدة شوكتهم وإني أبرأ إلى الله وإلى رسوله من ولايتهم ولا مولى لي إلا الله ورسوله فقال عبد الله بن أبيّ: لكني لا أبرأ من ولاية اليهود فإن أخاف الدوائر ولا بد لي منهم.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا الحباب ما نفست به من ولاية اليهود على عبادة بن الصامت فهو لك دونه فقال: إذن أقبل
فأنزل الله هذه الآية. وقال السدي: لما كانت وقعة أحد اشتد الأمر على طائفة من الناس وتخوفوا أن يدال عليهم الكفار فقال رجل من المسلمين: أنا ألحق بفلان اليهودي وآخذ منه أمانا إني أخاف أن يدال علينا اليهود. وقال رجل آخر: أنا ألحق بفلان النصراني من أهل الشام وآخذ منه أمانا. فأنزل الله هذه الآية ينهاهم عن موالاة اليهود والنصارى.
وقال عكرمة: نزل في أبي لبابة بن عبد المنذر لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة حين حاصرهم فاستشاروه في النزول وقالوا: ماذا يصنع بنا إذا نزلنا؟ فجعل إصبعه في حلقه أشار إلى أنه الذبح وأنه يقتلكم فأنزل الله يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ فنهى الله المؤمنين جميعا أن يتخذوا اليهود والنصارى أنصارا وأعوانا على أهل الإيمان بالله ورسوله وأخبر أنه من اتخذهم أنصارا وأعوانا وخلفاء من دون الله ورسوله والمؤمنين فإنه منهم وإن الله ورسوله والمؤمنين منه براء بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ يعني أن بعض اليهود أنصار لبعض على المؤمنين وأن النصارى كذلك يد واحدة على من خالفهم في دينهم وملتهم وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ يعني ومن يتولّ اليهود والنصارى دون المؤمنين فينصرهم على المؤمنين فهو من أهل دينهم وملتهم لأنه لا يتولى مولى إلا وهو راض به وبدينه وإذا رضيه ورضى دينه صار منهم وهذا تعليم من الله تعالى وتشديد عظيم في مجانبة اليهود والنصارى وكل من خالف دين الإسلام إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني أن الله لا يوفق من وضع الولاية في غير موضعها فتول اليهود والنصارى مع علمه بعداوتهم لله ولرسوله وللمؤمنين، روي أن أبا موسى الأشعري قال: قلت لعمر بن الخطاب: إن لي كاتبا نصرانيا فقال: مالك وله قاتلك الله ألا اتخذت حنيفا؟
يعني مسلما أما سمعت قول الله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصارى أَوْلِياءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ قلت: له دينه ولي كتابته. فقال: لا أكرّمهم إذا أهانهم الله ولا أعزهم إذا أذلهم الله ولا أدنيهم إذا أبعدهم الله. قلت: إنه لا يتم أمر البصرة إلا به. فقال: مات النصراني والسلام يعني: هب أنه مات فما تصنع بعده فما تعمله بعد موته فاعمله الآن واستغن عنه بغيره من المسلمين.
قوله تعالى: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يعني فترى يا محمد الذين في قلوبهم شك ونفاق يُسارِعُونَ فِيهِمْ يعني يسارعون في مودة اليهود وموالاتهم ومناصحتهم لأنهم كانوا أهل ثروة ويسار فكانوا يغشونهم ويخالطونهم لأجل ذلك. نزلت في عبد الله بن أبي، المنافق وفي أصحابه من المنافقين يَقُولُونَ يعني المنافقين نَخْشى أَنْ تُصِيبَنا دائِرَةٌ الدائرة من دوائر الدهر كالدولة التي تدول والمعنى. يقول المنافقون: إنما نخالط اليهود لأنا نخشى أن يدور علينا الدهر بمكروه، ويعنون بذلك المكروه الهزيمة في الحرب والقحط والجدب والحوادث المخوفة. قال ابن عباس: معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور علينا الأمر كما كان قبل محمد فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ قال المفسرون: عسى من الله واجب لأن الكريم إذا أطمع في خير فعله وهو بمنزلة الواعد لتعلق النفس به ورجائها له والمعنى فعسى الله أن يأتي بالفتح لرسوله محمد صلى الله عليه وسلم على أعدائه وإظهار دينه على الأديان كلها وإظهار المسلمين على أعدائهم من الكفار واليهود والنصارى وقد فعل الله ذلك بمنّه وكرمه فأظهر دينه ونصر عبده. وقيل: أراد بالفتح فتح مكة. وقيل: فتح قرى اليهود مثل خيبر وفدك ونحوهما من بلادهم أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ يعني أنه تعالى يقطع أصل اليهود من أرض الحجاز ويخرجهم من بلادهم بلا كلفة وتعب ولا يكون للناس فيه فعل البتة كما ألقى في قلوبهم الرعب فأخلوا ديارهم وخربوها بأيديهم ورحلوا إلى الشام.
وقوله تعالى: فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ يعني فيصبح المنافقون الذين كانوا يوالون اليهود نادمين على ما حدثوا به أنفسهم أنّ أمر محمد لا يتم وقيل ندموا على دس الأخبار إلى اليهود.