الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مثله مفتريات ومن عجز عن سورة واحدة فهو عن العشرة أعجز.
قلت: قد قال بعضهم إن سورة هود نزلت قبل سورة يونس، وأنه تحداهم أولا بعشر سور فلما عجزوا تحداهم بسورة يونس وأنكر المبرد هذا القول وقال: إن سورة يونس نزلت أولا، قال: ومعنى قوله في سورة يونس فأتوا بسورة مثله يعني مثله في الإخبار عن الغيب والأحكام والوعد والوعيد وفي قوله في سورة هود فأتوا بعشر سور مثله يعني في مجرد الفصاحة والبلاغة من غير خبر عن غيب ولا ذكر حكم ولا وعد ولا وعيد فلما تحداهم بهذا الكلام أمره بأن يقول لهم وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ حتى يعينوكم على ذلك إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ يعني في قولكم إنه مفترى فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ اعلم أنه لما اشتملت الآية المتقدمة على أمرين وخطابين:
أحدهما: أمر وخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم وهو قوله سبحانه وتعالى قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات. والثاني:
أمر وخطاب للكفار وهو قوله تعالى وادعوا من استطعتم من دون الله ثم أتبعه بقوله تبارك وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم احتمل أن يكون المراد أن الكفار لم يستجيبوا في المعارضة لعجزهم عنها واحتمل أن يكون المراد أن من يدعون من دون الله لم يستجيبوا للكفار في المعارضة فلهذا السبب اختلف المفسرون في معنى الآية على قولين أحدهما أنه خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين معه كانوا يتحدون الكفار بالمعارضة ليتبين عجزهم فلما عجزوا عن المعارضة قال الله سبحانه وتعالى لنبيه والمؤمنين فإن لم يستجيبوا لكم فيما دعوتموهم إليه من المعارضة وعجزوا عنه فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ يعني فاثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا وثباتا لأنهم كانوا عالمين بأنه منزل من عند الله، وقيل: الخطاب في قوله فإن لم يستجيبوا لكم للنبي صلى الله عليه وسلم وحده وإنما ذكره بلفظ الجميع تعظيما له صلى الله عليه وسلم.
القول الثاني: أن قوله سبحانه وتعالى فإن لم يستجيبوا لكم خطاب مع الكفار وذلك أنه سبحانه وتعالى لما قال في الآية المتقدمة وادعوا من استطعتم من دون الله قال الله عز وجل في هذه الآية فإن لم يستجيبوا لكم أيها الكفار ولم يعينوكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأنه ليس مفترى على الله بل هو أنزله على رسول الله صلى الله عليه وسلم وَأَنْ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ يعني الذي أنزل القرآن هو الله الذي لا إله إلا هو لا من تدعون من دونه فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ فيه معنى الأمر أي أسلموا وأخلصوا لله العبادة وإن حملنا معنى الآية على أنه خطاب مع المؤمنين كان معنى قوله فهل أنتم مسلمون الترغيب أي دوموا على ما أنتم عليه من الإسلام.
قوله عز وجل: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها يعني بعمله الذي يعمله من أعمال البر نزلت في كل من عمل عملا يبتغي به غير الله عز وجل: نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها يعني أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا وذلك أن الله سبحانه وتعالى يوسع عليهم في الرزق ويدفع عنهم المكاره في الدنيا ونحو ذلك وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ يعني أنهم لا ينقصون من أجور أعمالهم التي عملوها لطلب الدنيا بل يعطون أجور أعمالهم كاملة موفرة.
[سورة هود (11): الآيات 16 الى 17]
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (16) أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَمِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَرَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يُؤْمِنُونَ (17)
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها يعني وبطل ما عملوا في الدنيا من أعمال البر وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لأنه لغير الله واختلف المفسرون في المعنى بهذه الآية فروى قتادة عن أنس أنها في اليهود والنصارى وعن الحسن مثله، وقال الضحاك: من عمل عملا صالحا في غير تقوى يعني من أهل الشرك أعطي على ذلك أجرا في الدنيا وهو أن يصل رحما أو يعطي سائلا أو يرحم مضطرا أو نحو هذا من أعمال البر فيجعل الله له ثواب عمله في الدنيا يوسع عليه في المعيشة والرزق ويقر عينه فيما خوله ويدفع عنه المكاره في الدنيا وليس له في الآخرة نصيب ويدل على صحة هذا القول سياق الآية وهو قوله أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار الآية وهذه حالة الكافر في الآخرة وقيل نزلت في المنافقين الذين كانوا يطلبون بغزوهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الغنائم لأنهم كانوا لا يرجون ثواب الآخرة وقيل إن حمل الآية على العموم أولى فيندرج الكافر والمنافق الذي هذه صفته والمؤمن الذي يأتي بالطاعات وأعمال البر على وجه الرياء والسمعة قال مجاهد في هذه الآية هم أهل الرياء وهذا القول مشكل لأن قوله سبحانه وتعالى أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار لا يليق بحال المؤمن إلا إذا قلنا إن تلك الأعمال الفاسدة والأفعال الباطلة لما كانت لغير الله استحق فاعلها الوعيد الشديد وهو عذاب النار ويدل على هذا ما روي عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تبارك وتعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه أخرجه مسلم عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تعلم علما لغير الله أو أراد به غير الله فليتبوأ مقعده من النار» أخرجه الترمذي، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله لا يتعلمه إلا ليصيب به غرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» يعني ريحها أخرجه أبو داود عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم ألف مرة قيل يا رسول الله من يدخله قال القراء المراؤون بأعمالهم» أخرجه الترمذي وقال حديث حسن غريب قال البغوي وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر قالوا يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وما الشرك الأصغر قال الرياء» أخرجه بغير سند والرياء هو أن يظهر الإنسان الأعمال الصالحة ليحمده الناس عليها أو ليعتقدوا فيه الصلاح أو ليقصدوه بالعطاء فهذا العمل هو الذي لغير الله نعوذ بالله من الخذلان قال البغوي وقيل هذا في الكفار يعني قوله من كان يريد الحياة وزينتها أما المؤمن فيريد الدنيا والآخرة وإرادته الآخرة غالبة فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها في الآخرة وروينا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يثاب عليها الرزق في الدنيا ويجزى بها في الآخرة وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يعطى بها خيرا» أخرجه البغوي بغير سند.
قوله سبحانه وتعالى: أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ لما ذكر الله سبحانه وتعالى: في الآية المتقدمة الذين يريدون بأعمالهم الحياة الدنيا وزينتها ذكر في هذه الآية من كان يريد بعمله وجه الله تعالى والدار الآخرة فقال سبحانه وتعالى أفمن كان على بينة من ربه أي كمن يريد الحياة الدنيا وزينتها وليس لهم في الآخرة إلا النار وإنما حذف هذا الجواب لظهوره ودلالة الكلام عليه وقيل معناه أفمن كان على بينة من ربه وهو النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كمن هو في ضلالة وكفر والمراد بالبينة الدين الذي أمر الله به نبيه صلى الله عليه وسلم وقيل المراد بالبينة اليقين يعني أنه على يقين من ربه أنه على الحق وَيَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ يعني ويتبعه من يشهد له بصدقه واختلفوا في الشاهد من هو، فقال ابن عباس وعلقمة وإبراهيم ومجاهد وعكرمة والضحاك وأكثر المفسرين: أنه جبريل عليه السلام يريد أن جبريل يتبع النبي صلى الله عليه وسلم ويؤيده ويسدده ويقويه وقال الحسن وقتادة هو لسان النبي صلى الله عليه وسلم وروي عن محمد بن الحنفية قال قلت لأبي يعني علي بن أبي طالب رضي الله تعالى: عنه أنت التالي؟ قال: وما تعني بالتالي؟ قلت: قوله سبحانه وتعالى ويتلوه شاهد منه قال وددت أني هو ولكنه لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم ووجه هذا القول إن اللسان لما كان يعرف