الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المقالة هو يهوذا لأنه كان أقربهم إليه سنا وَأَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يعني ألقوه في أسفل الجب وظلمته والغيابة كل موضع ستر شيئا وغيبه عن النظر والجب البئر الكبيرة غير مطوية سمي بذلك لأنه جب أي قطع ولم يطو وأفاد ذكر القيامة مع ذكر الجب أن المشير أشار بطرحه في موضع من الجب مظلم لا يراه أحد واختلفوا في مكان ذلك الجب، فقال قتادة: هو بئر ببيت المقدس، وقال وهب: هو في أرض الأردن وقال مقاتل هو في أرض الأردن على ثلاثة فراسخ من منزل يعقوب وإنما عينوا ذلك الجب للعلة التي ذكروها وهي قولهم يَلْتَقِطْهُ بَعْضُ السَّيَّارَةِ وذلك أن هذا الجب كان معروفا يرد عليه كثير من المسافرين، والالتقاط أخذ الشيء من الطريق أو من حيث لا يحتسب، ومنه اللقطة بعض السيارة يعني يأخذه بعض المسافرين فيذهب به إلى ناحية أخرى فتستريحون منه إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ فيه إشارة إلى ترك الفعل فكأنه قال لا تفعلوا شيئا من ذلك وإن عزمتم على هذا الفعل فافعلوا هذا القدر إن كنتم فاعلين ذلك.
قال البغوي: كانوا يومئذ بالغين ولم يكونوا أنبياء إلا بعده وقيل لم يكونوا بالغين وليس بصحيح بدليل أنهم قالوا وتكونوا من بعده قوما صالحين وقالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين والصغير لا ذنب له. قال محمد بن إسحاق: اشتمل فعلهم هذا على جرائم كثيرة من قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وقلة الرأفة بالصغير الذي لا ذنب له والغدر بالأمانة وترك العهد والكذب مع أبيهم وعفا الله عن ذلك كله حتى لا ييأس أحد من رحمة الله تعالى وقال بعض أهل العلم عزموا على قتله وعصمهم الله رحمة بهم ولو فعلوا ذلك لهلكوا جميعا وكل ذلك كان قبل أن نبأهم الله فلما أجمعوا على التفريق بين يوسف وبين والده بضرب من الحيل قالُوا يعني: قال إخوة يوسف ليعقوب يا أَبانا ما لَكَ لا تَأْمَنَّا عَلى يُوسُفَ بدءوا بالإنكار عليه في ترك إرسال يوسف معهم كأنهم قالوا: أتخافنا عليه إذا أرسلته معنا وَإِنَّا لَهُ لَناصِحُونَ المراد بالنصح هنا القيام بالمصلحة، وقيل: البر والعطف والمعنى وإنا لعاطفون عليه قائمون بمصلحته وبحفظه، وقال مقاتل: في الكلام تقديم وتأخير وذلك أنهم قالوا لأبيهم أرسله معنا فقال يعقوب إني ليحزنني أن تذهبوا به فحينئذ قالوا: مالك لا تأمنا على يوسف وإنا له لناصحون ثم قالوا.
[سورة يوسف (12): الآيات 12 الى 15]
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَيَلْعَبْ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ (12) قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ (13) قالُوا لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ (14) فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ وَأَوْحَيْنا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (15)
أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يعني إلى الصحراء يَرْتَعْ الرتع هو الاتساع في الملاذ يقال رتع فلان في ماله إذا أنفقه في شهواته والأصل في الرتع أكل البهائم في الخصب زمن الربيع ويستعار للإنسان إذا أريد به الأكل الكثير وَيَلْعَبْ اللعب معروف وقال الراغب: يقال لعب فلان إذا كان فعله غير قاصد به مقصدا صحيحا سئل أبو عمرو بن العلاء كيف قالوا نلعب وهم الأنبياء فقال كم يكونوا يومئذ أنبياء ويحتمل أن يكون المراد باللعب هنا الإقدام على المباحات لأجل انشراح الصدر ومنه قوله صلى الله عليه وسلم لجابر رضي الله عنه «هلا بكرا تلاعبها وتلاعبك» وأيضا فإن لعبهم كان الاستباق وهو غرض صحيح مباح لما فيه من المحاربة والإقدام على الأقران والحرب بدليل قوله نستبق وإنما سموه لعبا لأنه في صورة اللعب وقيل في معنى نرتع ونلعب نتنعم ونأكل ونلهو وننشط وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ يعني نجتهد في حفظه غاية الاجتهاد حتى نرده إليك سالما قالَ يعني قال لهم يعقوب عليه الصلاة والسلام إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ أي: ذهابكم به والحزن هنا ألم القلب بفراق المحبوب ومعنى الآية أنه لما طلبوا منه أن يرسل معهم يوسف عليه الصلاة والسلام اعتذر يعقوب عليه الصلاة والسلام بعذرين أحدهما أن
ذهابهم به ومفارقته إياه يحزنه لأنه كان لا يقدر أن يصبر عنه ساعة والثاني قوله وَأَخافُ أَنْ يَأْكُلَهُ الذِّئْبُ وَأَنْتُمْ عَنْهُ غافِلُونَ يعني إذا غفلوا عنه برعيهم ولعبهم وذلك أن يعقوب عليه الصلاة والسلام كان رأى في المنام أن ذئبا شد على يوسف عليه الصلاة والسلام فكان يعقوب يخاف عليه من ذلك وقيل كانت الذئاب في أرضهم كثيرة قالُوا يعني قال إخوة يوسف مجيبين ليعقوب لَئِنْ أَكَلَهُ الذِّئْبُ وَنَحْنُ عُصْبَةٌ أي جماعة عشرة رجال إِنَّا إِذاً لَخاسِرُونَ يعني عجزة ضعفاء وقيل إنهم خافوا أن يدعو عليهم يعقوب بالخسار والبوار وقيل معناه إنا إذا لم نقدر على حفظ أخينا فكيف نقدر على حفظ مواشينا فنحن إذا خاسرون.
قوله عز وجل: فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ فيه إضمار واختصار تقديره فأرسله معهم فلما ذهبوا به وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يعني وعزموا على أن يلقوه في غيابة الجب.
(ذكر قصة ذهابهم بيوسف عليه الصلاة والسلام قال وهب، وغيره من أهل السير والأخبار: إن إخوة يوسف قالوا له أما تشتاق أن تخرج معنا إلى مواشينا فنصيد ونستبق قال بلى قالوا له أنسأل أباك أن يرسلك معنا، قال يوسف: افعلوا فدخلوا بجماعتهم على يعقوب، فقالوا: يا أبانا إن يوسف قد أحب أن يخرج معنا إلى مواشينا فقال يعقوب: ما تقول يا بني؟ قال: نعم يا أبت إني أرى من إخوتي اللين واللطف فأحب أن تأذن لي، وكان يعقوب يكره مفارقته ويحب مرضاته فأذن له وأرسله معهم فلما خرجوا به من عند يعقوب جعلوا يحملونه على رقابهم ويعقوب ينظر إليهم فلما بعدوا عنه وصاروا إلى الصحراء وألقوه على الأرض وأظهروا له ما في أنفسهم من العداوة وأغلظوا له القول وجعلوا يضربونه فجعل كلما جاء إلى واحد منهم واستغاث به ضربه فلما فطن لما عزموا عليه من قتله جعل ينادي يا أبتاه يا يعقوب لو رأيت يوسف وما نزل به من إخوته لأحزنك ذلك وأبكاك يا أبتاه ما أسرع ما نسوا عهدك وضيعوا وصيتك وجعل يبكي بكاء شديدا فأخذه روبيل وجلد به الأرض ثم جثم على صدره وأراد قتله، فقال له يوسف: مهلا يا أخي لا تقتلني، فقال له: يا ابن راحيل أنت صاحب الأحلام قل لرؤياك تخلصك من أيدينا ولوى عنقه، فاستغاث يوسف بيهوذا وقال له اتق الله فيّ وحلّ بيني وبين من يريد قتلي فأدركته رحمة الإخوة ورق له فقال يهوذا يا إخوتي ما على هذا عاهدتموني ألا أدلكم على ما هو أهون لكم وأرفق به فقالوا وما هو قال تلقونه في هذا الجبّ إما أن يموت أو يلتقطه بعض السيارة فانطلقوا به إلى بئر هناك على غير الطريق واسع الأسفل ضيق الرأس فجعلوا يدلونه في البئر فتعلق بشفيرها فربطوا يديه ونزعوا قميصه فقال يا إخوتاه ردوا عليّ قميصي لأستتر به في الجب فقالوا ادع الشمس والقمر والكواكب تخلصك وتؤنسك فقال إني لم أر شيئا فألقوه فيها ثم قال لهم يا إخوتاه أتدعوني فيها فريدا وحيدا وقيل جعلوه في دلو ثم أرسلوه فيها، فلما بلغ نصفها ألقوه إرادة أن يموت وكان في البئر ماء فسقط فيه ثم آوى إلى صخرة كانت في البئر فقام عليها وقيل نزل عليه ملك فحل يديه وأخرج له صخرة من البئر فأجلسه عليها، وقيل إنهم لما ألقوه في الجب جعل يبكي فنادوه فظن أنها رحمة أدركته فأجابهم فأرادوا أن يرضخوه بصخرة ليقتلوه فمنعهم يهوذا من ذلك وقيل إن يعقوب لما بعثه مع أخوته أخرج له قميص إبراهيم الذي كساه الله إياه من الجنة حين ألقي في النار فجعله يعقوب في قصبة فضة وجعلها في عنق يوسف فألبسه الملك إياه حين ألقي في الجب فأضاء له الجب. وقال الحسن: لما ألقي يوسف في الجب عذب ماؤه فكان يكفيه عن الطعام والشراب ودخل عليه جبريل فأنس به فلما أمسى نهض جبريل ليذهب فقال له إنك إذا خرجت استوحشت فقال له إذا رهبت شيئا فقل يا صريخ المستصرخين ويا غوث المستغيثين ويا مفرج كرب المكروبين قد ترى مكاني وتعلم حالي ولا يخفى عليك شيء من أمري فلما قالها يوسف حفته الملائكة واستأنس في الجب، وقال محمد بن مسلم الطائفي: لما ألقي يوسف في الجب قال: يا شاهدا غير غائب ويا قريبا غير بعيد ويا غالبا غير