الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله سبحانه وتعالى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ يعني أن رضوان الله الذي ينزله عليهم أكبر من كل ما سلف ذكره من نعيم الجنة ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ إشارة إلى ما تقدم ذكره من نعيم الجنة والرضوان (ق) عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة يا أهل الجنة فيقولون لبيك ربنا وسعديك والخير كله في يديك فيقول هل رضيتم فيقولون ومالنا لا نرضى يا ربنا وقد أعطيتنا ما لم تعط أحدا من خلقك فيقول ألا أعطيكم أفضل من ذلك فيقولون وأي شيء أفضل من ذلك فيقول أحل عليكم رضواني فلا أسخط بعده عليكم أبدا» .
[سورة التوبة (9): الآيات 73 الى 74]
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (73) يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا وَما نَقَمُوا إِلَاّ أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ خَيْراً لَهُمْ وَإِنْ يَتَوَلَّوْا يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ عَذاباً أَلِيماً فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ فِي الْأَرْضِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (74)
قوله سبحانه وتعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفَّارَ يعني بالسيف والمحاربة والقتال وَالْمُنافِقِينَ يعني وجاهد المنافقين واختلفوا في صفة جهاد المنافقين وسبب هذا الاختلاف أن المنافق هو الذي يبطن الكفر ويظهر الإسلام ولما كان الأمر كذلك لم تجز مجاهدته بالسيف والقتال لإظهاره الإسلام فقال ابن عباس: أمر الله سبحانه وتعالى نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم بجهاد الكفار بالسيف والمنافقين باللسان وإذهاب الرفق عنهم وهذا قول الضحاك أيضا وقال ابن: مسعود بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه فإن لم يستطع فليكفهر في وجهه.
وقال الحسن وقتادة: بإقامة الحدود عليهم يعني إذا تعاطوا أسبابها وهذا القول فيه بعد لأن إقامة الحدود واجبة على من ليس بمنافق فلا يكون لهذا تعلق بالنفاق وإنما قال الحسن وقتادة ذلك لأن غالب من كان يتعاطى أسباب الحدود فتقام عليهم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم المنافقون.
قال الطبري: وأولى الأقوال قول ابن مسعود لأن الجهاد عبارة عن بذل الجهد وقد دلت الآية على وجوب جهاد المنافقين وليس في الآية ذكر كيفية ذلك الجهاد فلا بد من دليل آخر وقد دلت الدلائل المنفصلة أن الجهاد مع الكفار إنما يكون بالسيف ومع المنافقين بإظهار الحجة عليهم تارة وبترك الرفق بهم تارة وبالانتهار تارة وهذا هو قول ابن مسعود وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ يعني شدد عليهم بالجهاد والإرهاب وَمَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ بمعنى أن جهنم مسكنهم وبئس المصير مصيرهم إليها.
فإن قلت كيف ترك النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين بين أظهر أصحابه مع علمه بهم وبحالهم.
قلت: إنما أمر الله عز وجل نبيه سيدنا محمدا صلى الله عليه وسلم بقتال من أظهر كلمة الكفر وأقام على إظهارها.
فأما من تكلم بالكفر في السر فإذا اطلع عليه أنكره ورجع عنه وقال: إني مسلم فإنه يحكم بإسلامه في الظاهر في حقن دمه وماله وولده وإن كان معتقدا غير ذلك في الباطن لأن الله سبحانه وتعالى أمر بإجراء الأحكام على الظواهر فلذلك أجرى النبي صلى الله عليه وسلم المنافقين على ظواهرهم ووكل سرائرهم إلى الله سبحانه وتعالى لأنه العالم بأحوالهم وهو يجازيهم في الآخرة بما يستحقون.
قوله عز وجل: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ اختلف المفسرون فيمن نزلت هذه الآية فقال عروة بن الزبير: نزلت في الجلاس بن سويد أقبل هو وابن امرأته مصعب من قباء.
فقال الجلاس: إن كان ما جاء به محمد حقا لنحن شر من حمرنا هذه التي نحن عليها فقال مصعب: أما والله يا عدو الله لأخبرن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلت وخفت أن ينزل في القرآن أو أن تصيبني قارعة أو أن أخلط بخطيئته فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله أقبلت أنا والجلاس من قباء فقال كذا وكذا ولولا مخافة أن أخلط بخطيئته أو تصيبني قارعة ما أخبرتك. قال: فدعا الجلاس، فقال له: يا جلاس أقلت ما قال مصعب؟ فحلف ما قال، فأنزل الله عز وجل: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا، الآية.
وروي عن مجاهد ونحوه. وقال ابن عباس: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل حجرة فقال: إنه سيأتينكم إنسان فينظر إليكم بعين الشيطان فإذا جاء فلا تكلموه، فلم يلبثوا أن طلع رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:
علام تشتمني أنت وأصحابك؟ فانطلق الرجل فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما قالوا وما فعلوا حتى تجاوز عنه فأنزل الله عز وجل: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا. ثم نعتهم جميعا إلى آخر الآية.
وقال قتادة: ذكر لنا أن رجلين اقتتلا أحدهما من جهينة والآخر من غفار وكانت جهينة حلفاء الأنصار فظهر الغفاري على الجهني فقال عبد الله بن أبي بن سلول للأوس: انصروا أخاكم فو الله ما مثلنا ومثل محمد إلا كما قال القائل سمن كلبك يأكلك، وقال: لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل فسعى بها رجل من المسلمين إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليه فسأله فحلف بالله ما قال فأنزل الله هذه الآية، هذه روايات الطبري.
وذكر البغوي عن الكلبي قال: نزلت في الجلاس بن سويد وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ذات يوم بتبوك فذكر المنافقين وسماهم رجسا وعابهم فقال الجلاس: لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أتاه عامر بن قيس فأخبره بما قال الجلاس. فقال الجلاس: كذب يا رسول الله عليّ فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يحلفا عند المنبر فقام الجلاس عند المنبر بعد العصر فحلف بالله الذي لا إله إلا هو ما قاله ولقد كذب على عامر ثم قام عامر فحلف بالله الذي لا إله إلا هو لقد قاله وما كذبت عليه ثم رفع عامر يده إلى السماء فقال: اللهم أنزل على نبيك تصديق الصادق منا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون آمين فنزل جبريل عليه السلام قبل أن يتفرقا بهذه الآية حتى بلغ فإن يتوبوا يك خيرا لهم فقام الجلاس فقال: يا رسول الله أسمع الله قد عرض علي التوبة صدق عامر بن قيس فيما قاله لقد قلته وأنا أستغفر الله وأتوب إليه فقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك منه فتاب وحسنت توبته فذلك قوله سبحانه وتعالى: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ ما قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ يعني أظهروا كلمة الكفر بعد إسلامهم وتلك الكلمة هي سب النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: هي كلمة الجلاس بن سويد لئن كان محمد صادقا لنحن شر من الحمير وقيل هي كلمة عبد الله بن أبي بن سلول لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وستأتي القصة في موضعها في سورة المنافقين إن شاء الله تعالى.
قوله سبحانه وتعالى: وَهَمُّوا بِما لَمْ يَنالُوا قال مجاهد: همّ الجلاس بقتل الذي سمع مقالته خشية أن يفشيها عليه وقيل همّ عبد الله بن أبي بن سلول وكان همه قوله لئن رجعنا إلى المدينة فلم ينله وقيل: همّ اثنا عشر رجلا من المنافقين بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقفوا على العقبة وقت رجوعه من تبوك ليقتلوه فجاء جبريل عليه السلام فأخبره وأمره أن يرسل إليهم من يضرب وجوه رواحلهم فأرسل حذيفة لذلك.
وقال السدي: قال المنافقون إذا رجعنا إلى المدينة عقدنا على رأس عبد الله بن أبي بن سلول تاجا فلم يصلوا إليه وَما نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْناهُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنْ فَضْلِهِ يعني وما أنكروا على رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله والمعنى أن المنافقين عملوا بضد الواجب فجعلوا موضع شكر النبي صلى الله عليه وسلم أن نقموا عليه وقيل إنهم بطروا النعمة فنقموا أشرا وبطرا وقال ابن قتيبة: معناه ليس ينقمون شيئا ولا يتعرفون إلا الصنع وهذا كقول الشاعر: